قطارات أوكرانيا تحارب

شبكتها أثبتت قوتها وتكيفها وتستمر بنقل اللاجئين والإمدادات الإنسانية والقوات عبر البلاد

time reading iconدقائق القراءة - 24
أب أوكراني يودع ابنه في محطة قطارات في لفيف  - المصدر: بلومبرغ
أب أوكراني يودع ابنه في محطة قطارات في لفيف - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

كان لقطارات أوكرانيا دور محوري منذ بداية الغزو الروسي، فتعددت أدوار شبكة الخطوط الحديدية شاسعة الامتداد بين وسيلة ليبلغ الناس مأمناً، وأداة لتسهيل العمل الدبلوماسي، وسلاح قوي للدفاع عن النفس.

دعا أوليكسي أريستوفيتش، مستشار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في 17 مارس لما سماه "حرب السكك الحديدية الشاملة" ضد القوات الغازية مع إبقاء خطوط الإمداد مفتوحة نحو الجبهة ومنع الروس من استخدامها.

يبدو أن دعوته لقيت آذاناً صاغية. بيّن أولكسندر كاميشين، رئيس الخطوط الحديدية الأوكرانية، في مقابلة أن عمال قطارات في بيلاروسيا المجاورة ساعدوا الجهود الحربية الأوكرانية عبر تخريب روابط السكك الحديدية باتجاه الحدود لإعاقة تدفق قوات روسيا والمعدات العسكرية، وهو ما أكده لاحقاً مستشار للمقاومة البيلاروسية عبر تويتر.

بيلاروسيا أرض المقاومين. أبطالنا يوقفون قطارات روسيا ويلحقون الضرر بالمعدات الروسية ويوزعون منشورات لمنع قوات بيلاروسيا من دخول أوكرانيا. ستنتصر أوكرانيا كما أن بيلاروسيا ستتحرر

شبكة آمنة

جاء الحديث عن أن عمال الخطوط الحديدية يعيقون التقدم الروسي بعد أسبوع من قرار رؤساء وزراء بولندا والتشيك وسلوفينيا السفر إلى كييف بالقطار لإجراء محادثات مع الرئيس زيلينسكي، ما يؤشر للثقة حول أمان الشبكة.

كان نظام الخطوط الحديدية الأوكراني بغية منشودة للقوات الروسية منذ بدء الغزو في أواخر فبراير الماضي لكن المقاومة المحلية الشديدة أحبطت سعي الروس للسيطرة على المراكز اللوجستية في المدن الكبرى مثل خاركيف وكييف. ظلت الخطوط الحديدية الأوكرانية في أيدي الأوكرانيين، وعمل أسطولها كوسيلة رئيسية لهروب ملايين المدنيين الفارين إلى مناطق آمنة نسبياً في غرب أوكرانيا والبلدان المجاورة، حيث حملت قطارات الإجلاء نحو 190 ألف راكب يومياً غرباً بلا مقابل إبان ذروة نزوح اللاجئين في بداية مارس.

يشابه مآل الخطوط الحديدية في أوكرانيا في بعض نواحيه التحولات التي تشهدها الدولة ككل، حيث قُطعت الروابط مع روسيا وبيلاروسيا، بينما تتم تقوية الخطوط مع الدول الواقعة غرباً. حتى أن متطوعين بولنديين حاولوا إحياء خطوط القرن التاسع عشر البائدة التي تمر إلى بولندا ليساعدوا في الإجلاء.

بين المدن وداخل بعضها

أثبتت هذه الشبكة حتى الآن قوة وتكيفاً ملحوظين، وتستمر بنقل اللاجئين والإمدادات الإنسانية والقوات عبر البلاد، حتى أنها تتكيف لتخدم كوسيلة مواصلات بين مناطق داخل المدن. حين حالت ظروف الحرب في كييف دون تشغيل خدمات المترو بين ضفتي نهر دنيبر، فتحت السكك الحديدية الوطنية رابطاً عبر النهر من خلال جسر في الجزء الجنوبي من المدينة آمن نسبياً من القصف. كما استأنفت قطارات ضواحي مدينة خاركيف التي تعرضت لقصف شديد عملها في 29 مارس.

خلق تزاحم الركاب ظروفاً صعبة لموظفي السكك الحديدية واللاجئين على حدٍ سواء.

تمكن سيرغي وإيرا، اللذان طلبا عدم نشر أسميهما كاملين، من مغادرة كييف مع ابنهما بترو البالغ عمره عاماً واحداً، بعدما سمح سائق القطار لهم بالركوب في مقصورة القيادة الضيقة طيلة رحلة استغرقت 13 ساعة إلى مدينة لفيف الغربية. قال سيرغي في مقابلة: "هذا أطول بخمس ساعات من المعتاد في وقت السلم. لم ننم طول الليل وتناوبنا أنا وزوجتي على مقعد واحد كان يشغله من يحمل الطفل النائم. لكننا لم نعر بالاً للظروف فقد كنّا ممتنين لسائق القاطرة على لطفه وتفهمه. إن نفسه طيبة جداً".

حمل كبير

كان التحول الذي أملته ظروف الحرب صادماً لمن اعتادوا السفر بسرعة وكفاءة قبل أشهر قليلة عبر إحدى أكبر شبكات السكك الحديدية في أوروبا. قالت أليسا بالي، 25 عاماً، وهي محللة أنظمة غادرت كييف في بداية مارس: "تصعب مقارنة رحلات زمن السلم مع الراهنة، حيث تعمّ عربات قطارات الإخلاء الفوضى كما يظهر الإرهاق والحزن في عيون الناس".

سافرت عائلات عديدة بأطفال صغار وحيوانات أليفة، واضطر ركاب العربات المزدحمة للوقوف في الممرات والردهات طيلة الرحلة. قالت بالي: "راودتني رغبة بالنزول من القطار والعودة إلى المنزل عدة مرات. لكن لولا تشغيل القطارات، خاصة المجانية منها، كان يصعب تخيل كيف سيبلغ كل هؤلاء الناس مناطق أكثر أماناً".

انخفض عدد اللاجئين الذين يركبون القطارات منذ الذروة التي كانت في بداية مارس، حيث تراجع عدد الركاب اليومي إلى 80,000 في نهايته الشهر. أعلنت السكك الحديدية الأوكرانية في 20 مارس أنها ستعاود تقاضي سعر التذاكر. في حين سيبقى العديد من خدمات الإجلاء التي ما تزال تتجه غرباً وتُنشر جداولها الزمنية يومياً في وسائل الإعلام الأوكرانية المجانية، إلا أنه سيتم استئناف الأسعار العادية على الاتجاهات الأخرى.

استهداف الشبكة

أُدير هذا النزوح تحت ضغط شديد فقد تعرضت المحطات والجسور وخطوط السكك الحديدية الرئيسية للقصف ووصل حال ميناء ماريوبول الجنوبي الشرقي المحاصر حد أنه لا يمكن إصلاحه، ووقعت إدارة السكك الحديدية في مرمى النيران، ما أجبر كاميشين، رئيس السكك الحديدية الأوكرانية، وزملاءه على التخلي عن مكاتبهم في كييف والاتجاه إلى القطارات بأنفسهم ليعملوا من مركز قيادة في عربة من عرباتها. أتاح ذلك لهم حمايةً عبر تنقلهم باستمرار ومكنهم من زيارة أجزاء الشبكة التي تحتاج لإصلاح ودعم فوري.

كما عُدل تنظيم الموظفين لإعطاء الأولوية لاحتياجات زمن الحرب، حيث أُعيد بعض الموظفين من وظائف مكتبية إلى الخطوط الحديدية.

بدأ المشرف السابق فاديم كيكسا، الذي يبلغ عمره 53 عاماً وهو مخضرم من صفوف الجيش السوفيتي، العمل في السكك الحديدية الأوكرانية في 1988. حين بدأت الحرب، كان يشغل منصب رئيس نقابة عمال السكك الحديدية في مدينة بولتافا وتطوع فوراً ليعمل من جديد مشرفاً في قطارات الإخلاء.

قال كيكسا: "لقد تغيرت تفاصيل العمل تماماً. قبل كل شيء، أنا لا أمنع أي شخص من دخول العربة. تتراوح السعة العادية للعربات بين 36 و52 راكباً وفقاً لطراز القطار، لكن خلال ذروة الإخلاء نقلت أكبر عدد ممكن من الركاب. كان هناك أشخاص في كل مكان، في الممرات بل وعلى الرفوف لنتمكن من إجلاء كل من أراد المغادرة".

مساعدة نفسية وطبية

تتوتر أجواء قطارات الإخلاء، حيث تنتقل العربات في ظلام دامس لتجنب الهجوم كما تعمل القطارات المثقلة ببطء وتتوقف بشكل متكرر عند انطلاق صفارات الإنذار من الغارات الجوية. قال كيكسا: "يشعر الناس بالقلق والتوتر ويحتاجون لمزيد من الاهتمام من الموظفين، فنحن نتعامل مع الأشخاص الذين يعانون من الصدمة والانهيار العصبي. في بعض الأحيان يتعين علينا تقديم المساعدة النفسية والطبية".

كما ثبت أن استمرار تشغيل القطارات أمر خطير، حيث لقي ما لا يقل عن 40 من العاملين بالسكك الحديدية مصرعهم وأصيب 41 آخرون أثناء الخدمة، حسب ما قال كاميشين. قال كوكسا إن عامل قطار قُتل حين اصطدم قطار إجلاء بلغم قبل حمل الركاب. ما تزال هذه الأرقام المزعجة منخفضة نسبياً حين تضع باعتبارك أن عدد موظفي السكك الحديدية الأوكرانية، الذي انخفض نظراً لإجلاء العديد من الموظفات باتجاه الغرب، كان يبلغ نحو ربع مليون قبل الحرب حيث كانت أحد أكبر جهات التوظيف في البلاد.

قال كوكسا: "يلعب عمال الخطوط الحديدية برأيي دوراً مهماً في انتصارنا، حيث تنتمي السكك الحديدية الأوكرانية إلى قطاع البنية التحتية الحيوية، وهي مؤسسة إستراتيجية في أوكرانيا، خاصة في زمن الحرب. كان الانضباط المثالي دائماً سمة مميزة لها".

حالهم حال الجنود، يرتدي عمال الخطوط الحديدية زياً رسمياً ويعملون في ظل الحرب، لكنهم لا يحظون بسترات واقية من الرصاص. قال كوكسا: "يُطلق علينا بالعامية اسم الأشخاص الحديديين... لسبب وجيه".

تصنيفات