لن تستطيع ألمانيا أن تتسلح بين ليلة وضحاها رغم رفع الإنفاق

بدأت ألمانيا عند سقوط الاتحاد السوفياتي تخفف إنفاقها العسكري وألغت التجنيد الإلزامي

time reading iconدقائق القراءة - 19
دبابة \"ليوبارد 2\" تستخدم كناقلة طبية - المصدر: بلومبرغ
دبابة "ليوبارد 2" تستخدم كناقلة طبية - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

كان جيش ألمانيا قبل ثلاثة عقود يباهي بعديده الذي بلغ نصف مليون جندي وأكثر من 2000 دبابة قتالية وزهاء 1000 طائرة مقاتلة. كان هذا كافياً ليؤدي الجيش واجبه الدفاعي، لو استحالت الحرب الباردة فجأة لساخنة.

لكن بدأت ألمانيا عند سقوط الاتحاد السوفياتي وانهيار الستار الحديدي تخفف إنفاقها العسكري، وألغت التجنيد الإلزامي وخفضت عتادها وأعادت هيكلة قواتها بما يتوافق مع نوع جديد من المهام، وهو التدخل السريع في الخارج عبر قوات خاصة ذكية. بدا أن التجارة والدبلوماسية والمساعدات الاقتصادية في النظام العالمي الجديد قادرة على تدعيم الأمن، فيما أن الدبابات والطائرات المقاتلة والفرقاطات مكلفة وعفا عليها الزمن.

صدم اجتياح روسي لأوكرانيا في 24 فبراير ألمانيا بواقع قاسٍ، حيث أدركت أنه لا بدّ من مراجعة جذرية لتخليها عن السلاح طيلة السنوات الفائتة، سواء بقصد أو نتيجة إهمال، حيث تفصل حدودها الشرقية دولة واحدة عن أوكرانيا ونصف أسطول دباباتها المؤلف من 289 دبابة من نوع "ليوبارد 2" خارج الخدمة.

أشارت بعض التقديرات إلى أن الجيش الألماني لديه ذخيرة تكفي ثلاثة أيام فقط من القتال.

قال الجنرال ألفونس مايس في مقال شديد اللهجة على "لينكد إن" بعد الغزو الروسي إن "الجيش الذي لي شرف قيادته شبه أعزل... أنا مستاء جداً".

انقلاب دفاعي

عقد المستشار الألماني أولاف شولتز اجتماعات طارئة في برلين مع مساعديه المقربين بعد يومين من بدء الرئيس فلاديمير بوتين الغزو، أدت إلى أكبر انقلاب من نوعه في السياسة الأمنية والدفاعية الألمانية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. تقرر فيها أن تعيد البلاد تسليح جيشها، الذي يعاني نقصاً في عديده وعتاده، عبر ضخ 100 مليار يورو (110 مليارات دولار)، وإنفاق 2% على الأقل من الناتج الإجمالي المحلي على الدفاع خلال السنوات المقبلة، وهو هدف لحلف شمال الأطلسي كان السياسيون الألمان قد أعطوا تطمينات ملتبسة حياله في السابق أو حتى استهزأوا به.

تخطط البلاد لاستبدال طائراتها "تورنيدو" القديمة التي يبلغ عمرها 30 عاماً على الأقل، عبر طلب أكثر من 30 طائرة "أف -35" من شركة "لوكهيد مارتن"، إضافة إلى 15 طائرة "يوروفايتر" إضافية. رغم أن هذه الخطوة جاءت سريعة بشكل استثنائي في دولة تشتهر بالبيروقراطية، لكن حتى مع إنفاق 100 مليار يورو، فإن إعادة بناء جيش ألماني قوي يمكن الاعتماد عليه في الردع سيستغرق سنوات.

تأتي ألمانيا حالياً بعد مصر وإندونيسيا على صعيد القوة العسكرية، حسب مؤشر "غلوبال فاير باور" (Global Firepower)، ما يؤكد مدى تراجع مواردها العسكرية.

حتى الإصلاحات السريعة لن تنجز بالسرعة الكافية. فتسليم قذائف الدبابات يستغرق نحو سبعة أشهر من تاريخ طلبها، وإتمام عمليات الشراء الأكثر تعقيداً للعتاد، مثل ناقلات الجند المدرعة قد يستغرق ما يصل إلى عشر سنوات، حسب شركة "رينميتال" (Rheinmetall)، أكبر شركة دفاعية ألمانية.

حالة مزرية

قائمة أمنيات ألمانية طويلة ومتنوعة، من استثمارات بسيطة نسبياً مثل الكمبيوترات المحمولة إلى الإنفاقات الضخمة التي تتضمن الغواصات والحوامات. يمتد هذا التقصير إلى الحاجات الأساسية أيضاً. مثلاً بعض الثكنات في قاعدة عسكرية قرب لوكسمبورغ لا تضمّ سوى مرحاضين لتسعين جندياً، فيما يفتقر مطار في شمال ألمانيا للمياه الساخنة للاستحمام، حسب التقرير الدفاعي السنوي في ألمانيا. قالت مفوضة مجلس النواب لشؤون القوات المسلحة إيفا هويغل إن أوضاع العديد من المنشآت "بائسة".

قالت مارينا هينكي، مديرة مركز الأمن الدولي التابع لمدرسة هيرتي في برلين إن "النقص المتراكم في الاستثمارات هائل".

يتوقع أن تستفيد شركات الأسلحة الألمانية المتخصصة بشكل أساسي بالمعدات البرية، مثل الدبابات وناقلات الجند المدرعة من هذا التحول في الإنفاق. انطلاقاً من تقسيم الأعمال والقدرات الحالية ضمن حلف شمال الأطلسي، فإن ألمانيا في وضع أفضل لتساعد من خلال الدبابات وقوات المشاة والإمداد، بينما الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في وضع أفضل لتوفير الدعم الجوي والبحري.

تتوقع "رينميتال" تحقيق إيرادات تبلغ 42 مليار يورو خلال العقد المقبل، فيما ترمي "كي أن دي سي" (KNDS)، الشركة الفرنسية – الألمانية التي تصنع دبابات "ليوبارد 2" لتحقيق ما يصل إلى 20 مليار يورو. يتابع المستثمرون هذه التطورات، حيث ارتفعت قيمة أسهم "رينميتال" بأكثر من ضعفين.

مشتريات خارجية

قال رئيس "رينميتال" التنفيذي أرمين بابيرغير: "ثمة أمور كثيرة متوفرة، لكن لم تُطلب بالسابق... ببساطة لم يكن أحد يتوقع اعتداء مثل الذي يحصل في أوكرانيا".

لن تكون الشركات الألمانية المستفيد الوحيد، كما هو واضح من صفقة "أف -35". كثير من حاجات ألمانيا ملحة جداً لدرجة أنها لا تستطيع أن تنتظر تطوير أنظمة جديدة، بل عليها الاختيار من الترسانة المتوفرة حالياً، وهي غالباً مصنوعة في الخارج. تُعدّ مقاتلات "أف -35" أساسية للإيفاء بالالتزامات تجاه حلف شمال الأطلسي بحمل أسلحة نووية، فيما تدرس شراء حوامات "سي إتش -47" (CH-47) من "بوينغ" و"سي إتش – 53 ك"( CH-53K) للنقل.

قال ماركوس فابير، الخبير الدفاعي في حزب الديمقراطيين الأحرار، العضو في ائتلاف شولتز الحاكم "علينا أن نشتري ما هو متوفر في السوق"، مضيفاً أن القوات المسلحة "تداعت بفعل خفض التكاليف على مرّ السنوات".

كان نهج ألمانيا السابق المتجاهل للجيش هو أحد نتائج فظائع الحقبة النازية، فقد كان أي حديث حول الإنفاق على السلاح يوقظ طيف إعادة التسلح العدائي، ويثير جدلاً شرساً. لا تملك ألمانيا أي أسلحة نووية، إلا أن الولايات المتحدة تخزنها على الأراضي الألمانية، وقد تستخدمها في حال وقوع أي حرب إبادة.

ساد خلال السنوات الماضية شعور بأن الحرب التقليدية التي تتطلب كمّاً هائلاً من العتاد، هي أمر غابر يعود إلى ماضي الحرب الباردة. كان من الأسهل على ألمانيا أن تعمل على تعزيز التجارة، وترك التموضع الأمني العسكري الفتاك لحليفتها القوية في الناتو على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي.

جيش بلا سلاح؟

قال بودو كوش، الرئيس التنفيذي لشركة صناعة البنادق الألمانية "هكلر أوند كوخ" (Heckler & Koch) "تحتاج ألمانيا مجدداً لجيش ذي جهوزية تامة ومزوّد بأسلحة عصرية... ما نفع امتلاك قوات مسلحة إذا لم نسلحها؟"

لم يبدأ الجيش الألماني العمل خارج إطار أراضي الناتو إلا بعد سقوط جدار برلين، وذلك عبر إرسال فرق صغيرة من القوات العسكرية للمشاركة في عمليات حفظ السلام، حيث تشارك القوات الألمانية حالياً في 10 مهام من هذا النوع، وتنحصر مشاركاتها ببضع عشرات من الجنود، حيث إن أكبر مشاركاتها في شمال مالي تقتصر على زهاء ألف جندي.

يعاني جيش ألمانيا سوء الإدارة إلى جانب الافتقار للموارد، إذ كان بعض وزراء الدفاع في إدارة كلّ من أنغيلا ميركل وغيرهارد شرودر قد استقالوا من مناصبهم إثر فضائح، وبقي عدد قليل في مناصبهم حتى نهاية ولايتهم. أورسولا فون دير ليين التي شغلت منصب وزيرة الدفاع في إدارة ميركل لخمس سنوات قبل تعيينها رئيسة المفوضية الأوروبية في 2019 واصلت تخفيض النفقات في مجالات مثل كتائب الدبابات.

نفت وزيرة الدفاع الجديدة كريستينه لامبريخت المنتمية إلى الحزب الديمقراطي الاجتماعي، التي لا تمتلك أي خلفية عسكرية وغير معروفة كثيراً على الصعيد الوطني، إمكانية أن تمنى ألمانيا بهزيمة سريعة في حالتها الحالية، وقالت "نحن قادرون على الدفاع عن البلاد".

لكنها أقرّت في الوقت ذاته أن ألمانيا لا تملك ما يكفي من العتاد لإمداد أوكرانيا ومساعدتها على ردع روسيا.

أرسلت ألمانيا في نهاية المطاف عتاداً اشتمل على 2700 قاذف صواريخ "ستريلا" يحمل على الكتف قادرة على اسقاط الطائرات التي تحلق على ارتفاع منخفض والحوامات. كان هذا العتاد الموروث من الحقبة الشيوعية في ألمانيا الشرقية بعد توحيد ألمانيا في 1990 محفوظاً في مستودعات يتجمع فيها الغبار. تعتبر هذه الأسلحة قديمة جداً لدرجة أنه مُنع استخدامها خلال السنوات العشر الماضية.

تصنيفات