بلومبرغ
تتبع شركة "لووب ميشن" (Loop Mission) في كندا، طريقة غير مألوفة في تصنيع الوجبات الخفيفة وتحقيق الإيرادات. تدفع الشركة الناشئة المال مقابل المحاصيل التي لا يستفاد منها، إذ تحوّل هذه المحاصيل بدلاً من إتلافها، إلى عصائر، ومشروبات غازية، وجعة، وصابون، وبسكويت الكوكيز، وتسعّرها بأسعار منخفضة قدر الإمكان لتسريع المبيعات، وتحريك المخزون. إنَّها معادلة مصممة لمساعدة الكوكب، وتحقيق الأرباح في آن معاً.
اقرأ أيضاً: عائلة "ويستون" الكندية تتخارج من تجارة الأغذية وتتحول للعقارات
تتصدى الشركة الكندية لفكرة إهدار الطعام الذي يعتبر المساهم الرئيسي في التغيرات المناخية، وذلك من خلال إنشاء سوق للفواكه والخضروات الفائضة، مع الاستفادة من تنامي روح الاستدامة لدى المستهلك. تُباع منتجات "لووب ميشن" -يعكس الاسم تركيزها على الاقتصاد الدائري- في كل أنحاء كندا لدى المتاجر الكبرى وبائعي المشروبات الكحولية، فضلاً عن أنَّها تستعد لدخول السوق الأمريكية.
اقرأ المزيد: صناعة الأغذية البديلة تزدهر عالمياً.. وهذه هي الأسباب
يقول الشريك المؤسس ديفيد كوتيه، البالغ من العمر 39 عاماً، وهو جالس في مقر "لووب" المصمم على غرار المساحات المفتوحة متجددة الهواء في مونتريال: "لا يمكنك أن تكون مجرد واحد من الهيبيين (نسبة إلى حركة الهيبي)، يحاول إنقاذ العالم. عليك أن تكون في عالم الشركات لتغيير تلك الشركات الكبيرة هناك".
هدر الغذاء
برغم تفشي حالة انعدام الأمن الغذائي؛ فإنَّ 14% من الأغذية التي تُنتج حول العالم لا يتم تناولها أبداً، بحسب تقرير منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "الفاو" لعام 2021. كما أنَّ معظم هذه الأغذية ينتهي بها المطاف في سلة القمامة، وبالتالي؛ توليد كميات هائلة من غاز الميثان. ويشير برنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى أنَّ ما يتراوح بين 8% و10% من الغازات الدفيئة السنوية، تأتي من الطعام الملقى في مطامر النفايات.
معظم هذا الطعام لم يفسد. لن تدع متاجر البقالة الرفوف فارغة، كما أنَّ المستهلكين يتجنبون المنتجات ذات العيوب، ولذلك يطلب تجار التجزئة الكثير من المنتجات. في الوقت ذاته، هناك ركود نسبي في سلسلة التوزيع، فإذا وصلت شحنة من المنتجات إلى مستودع حتى بعد بضعة أيام مما كان يتوقَّع؛ فقد تكون فاسدة أيضاً.
يقول كوتيه: "نتلقى مكالمات هاتفية بشكل يومي بشأن إهدار حمولة الشاحنات". بعد مرور خمسة أعوام؛ تقول "لووب"، إنَّ كمية الطعام الفائض التي يجري تحويلها تتضمن أكثر من 8 آلاف طن متري من المحاصيل.
تدوير مخلفات الغذاء
تعد الشركة، المسجلة قانونياً باسم "لووب جوسيز" (Loop Juices)، جزءاً من عدد صغير، وهو عدد متزايد من الشركات التي تركز على إعادة تدوير مخلّفات الغذاء. يعمل بعضهم على تحويل الحبوب المستخدمة في صناعة الجعة إلى دقيق المعكرونة، وصنع مسحوق الشاي من أوراق نبات بن الأرابيكا، وإعادة تحويل الفاكهة "السيئة" إلى وجبات خفيفة مجففة، وتنقية الماء المتبقي من صناعة العصير وتعبئتها.
يعد كوتيه طاهياً و"مهووساً بشؤون الصحة"، فضلاً عن كونه مواطناً ناطقاً باللغة الفرنسية، مع أنَّه تحدث الإنجليزية بطلاقة أثناء سرد القصة الأصلية لشركة "لووب"، ولا يتوقف إلا لشرب أحد مشروباته المثلجة الخضراء. في عام 2015، كانت لدى كوتيه أعماله الخاصة، فقد أصبح كرجل أعمال يمتلك سلسلة من المطاعم النباتية الأولية، وشركة "كومبوتشا" (kombucha)، وهما توظفان سنوياً 120 شخصاً. وقد شعر وكأنَّه حقق تقدماً في حياته المهنية من خلال تقديم الوجبات النباتية، والشاي المخمر إلى العملاء.
ثم التقى جولي بويتراس سولنييه -وهي الآن زوجته والشريك المؤسس لـ"لووب"- على عجلة هواء في منتزه ترفيهي أثناء القيام بنشاط للتواصل. كانت بويتراس سولنييه قد تدربت على الاستدامة البيئية، وتبحث أيضاً عن تحدٍ جديد. عندما ذهبا في جولة، أخبرها كوتيه عن مكالمة تلقاها من موزع منتجات في مدينة كيبك الكندية كان يتخلص من 16 إلى 25 طناً مترياً من الفاكهة والخضروات بشكل يومي. وقال، إنَّه يذهب إلى المستودع، ووجد جبلاً من المنتجات التي تحتاج إلى 35 لوحاً خشبياً لنقلها- وكلها تعتبر مخلفات. شعر بالقشعريرة عندما نظر إلى صناديق المانغو الناضجة تماماً.
تحويل المخلفات إلى عصائر
انبهرت بويتراس سولنييه بالقصة التي رواها كوتيه، ووافقت على العمل معه لفعل شيء حيال هذا الأمر. ثم باعت منزلها، وباع أعماله التجارية، وانتقلا للعيش معاً، وسرعان ما ابتكرا أربع وصفات لعصير مصنوع بشكل بارد في مطبخهما باستخدام منتجات الموزع. كان العصير مزيجاً من الأناناس، والكركم، والكنتالوب، والشمندر الأحمر، والكرنب، وغير ذلك من المكونات المتميزة، ثم وزّع العصير على أرفف المتاجر بعد أقل من عام، وقد كان سعر الزجاجة 4.99 دولاراً كندياً (3.94 دولاراً أمريكياً)، أي حوالي نصف سعر العصائر التي يشربانها يومياً.
في البداية، كانت الوصفات معتمدة على المنتجات التي كانا يدركان أنَّهما يستطيعان الحصول عليها بانتظام، ثم أضافا لاحقاً منتجات جديدة فريدة تعتمد على ما أصبح متاحاً.
طلب كبار مصنعي المواد الغذائية والمزارعين، ومتاجر البقالة المساعدة في إدارة فائض الإنتاج. وبالتالي؛ بدأ الزوجان في صنع مشروب "صودا بروبيوتيك"، والبيرة الحامضة من الخبز القديم، ومشروب الجن الكحولي من قشر البطاطس، والصابون من بقايا زيت المقلاة المتبقي من صُنع الوجبات السريعة. يقول كوتيه: "نضع العصير في كل شيء؛ فنحن نضع العصير في الجعة، وفي مشروب الجن الكحولي، وفي الصابون، وفي مشروباتنا الغازية".
كانت عملية التسويق أمراً صعباً، فقد كان الاهتمام الأساسي هو التأكد من أنَّ المنتج ما يزال عالي الجودة، برغم كونه غير محبوب (وهو قبيح إلى حد ما في بعض الأحيان). لقد دفعا للمورّدين ما بين 30% إلى 40% من القيمة الأصلية للطعام -برغم أنَّ تجار التجزئة هم الذين يتحمّلون تكلفة التخلص من النفايات في العادة- بحجة أنَّ تحديد سعر شيء ما كان يُعتقد بأنَّه عائق ولا قيمة له؛ هو المفتاح لبناء سوق مستدامة.
منتجات جديدة
حتى الآن، ابتكر كوتيه وبويتراس سولنيير 33 منتجاً قابلاً للتسويق، إلى جانب إنجاب طفلة رضيعة. يفكر كوتيه، المعروف في بطاقة عمله الساخرة باسم "البطل الخارق"، في إنشاء خط أغذية للأطفال، فضلاً عن أنَّ الشركة على وشك إطلاق خط بسكويت لب الفاكهة. عادة ما يكون لدى كوتيه 15 وصفة يجري العمل عليها في آن واحد، كما أنَّ وصفتين أو ثلاث وصفات فقط من بينها؛ ينتهي بها المطاف في عملية الإنتاج.
تركز المديرة التنفيذية للمشروع بويتراس سولنييه، البالغة من العمر 34 عاماً، على قسم جديد يعمل بين المنشآت التجارية، اسمه "لووب سينرجيز" (Loop Synergies)، الذي أنشأه الثنائي مؤخراً لإجراء مشاورات مع متاجر البقالة والمصنعين الذين يبحثون عن سبل لإعادة تدوير مخلّفات منتجاتهم.
تبحث هي وكوتيه أيضاً عن سبل لإطالة عمر المحاصيل، التي لا يملكون قدرة على تحويلها فوراً إلى عصير أو صودا، من خلال صُنع أطعمة مهروسة، ومساحيق مجففة، يمكنهم توفيرها لصانعي الأغذية الآخرين كمكون مستدام.
ومن أجل منع الشركات المصنّعة من استخدام مكونات "لووب" في عمليات الغسل الأخضر؛ على سبيل المثال بإضافة كمية ضئيلة من منتجاتها إلى شيء ما ووصفه بأنَّه مستدام؛ فإنَّ بويتراس سولنييه تعمل على تحديد استراتيجية لتصنيف المنتجات على نحو يتطلب وصول الشركات، التي تستخدم مكونات "لووب"، إلى حد معين من المحتوى المعاد تدويره قبل ارتباط اسمها بالعلامة التجارية "لووب". كما تخطط لإجراء تدقيق بيئي مفصّل للانبعاثات المرتبطة بكل جانب من جوانب العمل.
خطط للتوسع
في الوقت الراهن، يقع مصنع "لووب" في موقع المورّد الرئيسي "كورشيسن لاروس" (Courchesne Larose) نفسه، وهو الموزع الذي تواصل للمرة الأولى مع كوتيه. عادةً ما تضمن الشركة تعويض البصمة الكربونية لأي شيء تعمل على شحنه عن طريق إعادة تدوير العناصر التي تحصل عليها بعد أن كان مصيرها سلة القمامة.
تخطط "لووب" لفتح مصنع ثانٍ في غضون شهرين خارج مونتريال بتمويل كبير من شركة "كورشيسن لاروس". بالإضافة إلى أنَّها وقَّعت للتو اتفاقية مع سلسلة محلات السوبر ماركت "سبروتس فارمرز ماركت" (Sprouts Farmers Market)، ومقرها فينيكس، لبيع منتجاتها في الولايات المتحدة، وربما يتبع هذه الخطوة توسع في أوروبا. من المقرر أن يسهم المصنع الجديد في تحقيق ربحية للشركة. حتى الآن؛ خصصت الشركة عائداتها لعمليات التوسع، على حد قول بويتراس سولنييه. في العام الماضي، كسرت "لووب" نقطة التعادل بين التكاليف والدخل، ويمكن أن يكون الاكتتاب العام الأولي على قائمة خططها يوماً ما، كما تقول.
في غضون ذلك؛ ما تزال "لووب" ترفض 200 طن متري من الطعام أسبوعياً، كما يقول كوتيه. وهكذا؛ سيستمر الزوجان في إضافة منتجات لاستيعاب إمدادات الطعام الفائض، في حين يحاولان تثقيف الشركات بأنَّ مفهوم الاستدامة يمكن أن يخلق قيمة بدلاً من مجرد إضافة التكاليف. يقول كوتيه: "رؤيتنا هي أن نكون في كل ركن داخل متاجر البقالة حول العالم".