بلومبرغ
منذ اليوم الأول الذي تولى فيه منصب رئيس مجموعة "كريدي سويس" في مايو من العام الماضي، لم يخف أنطونيو هورتا-أوسوريو نيته لاتباع نهج عملي صارم طوال فترة تواجده في هذا المنصب. فقد قال في الاجتماع السنوي للمساهمين إنه خلال العقود التي قضاها في إدارة المؤسسات المالية، لم يسبق له أن واجه بنكاً يعاني من أزمات مثل "كريدي سويس".
أزمة جديدة
البنك ذو الـ 166 عاماً، كان يترنح من أزمة محرجة إلى أخرى أشد منها. أولها، كانت أزمة التجسس على الشركات التي تورط فيها كبار المديرين التنفيذيين بالبنك، ثم انهيار العميل الصيني له المتمثل بشركة "لوكين كوفي" (Luckin Coffee). أما الأمر الأكثر كارثية فكان تورط "كريدي سويس" مع المجموعة المالية المنكوبة "غرينسيل" (Greensill Capital) وخسائرها التي تقدر بمليارات الدولارات جراء انهيار أحد عملائها التجاريين "أركيغوس" (Archegos Capital Management).
في الوقت الحالي، أضاف هورتا-أوسوريو للبنك السويسري بنداً جديداً إلى قائمة الأزمات هذه، حيث استقال في 16 يناير الحالي بعد اتهامه باختراق قواعد الحجر الصحي لفيروس كورونا والسفر عدة مرات إلى الخارج، بما في ذلك سفره إلى لندن لمشاهدة بطولة ويمبلدون للتنس خلال العام الماضي.
وحتى بالنسبة لعالم العمل المصرفي المليء بقرارات التوظيف والفصل، فإن الرحيل المفاجئ لهورتا-أوسوريو أو كما يُعرف المصرفي البرتغالي اختصاراً بلقب (AHO) لا يعد أمراً عادياً. فمن النادر أن يفشل مدير تنفيذي أثيرت حوله مثل هذه الضجة عند توليه منصبه، حيث لم يستغرق الأمر سوى تسعة أشهر حتى يتحول هورتا-أوسوريو من نجم تم تعيينه حديثاً إلى منبوذ، وبعض الذين شهدوا انحداره وسقوطه يعتقدون أن موضوع الحجر الصحي ربما كان فرصة لقطع العلاقات مع قائد تسبب في استبعاد الكثيرين داخل "كريدي سويس".
مشاكل داخلية
أثناء كلمة الوداع التي ألقاها هورتا-أوسوريو، الذي كان من المقرر أن يجني 4.5 مليون فرنك (4.9 مليون دولار) سنوياً في منصبه بالبنك، أقر بأن تصرفاته أضعفت قدرته على تنفيذ أي إصلاحات.
يقول أرتورو بريس، أستاذ المالية في كلية "آي إم دي" لإدارة لأعمال في مدينة لوزان السويسرية: "لو كان هذا أي مصرفي آخر، لما كان الأمر كارثياً للغاية". وتابع: "لقد كان يريد من مصرفيي "كريدي سويس" أن يمثلوا قدوة يحتذى بها، وعلى المديرين التنفيذيين (مثله) ترجمة أقوالهم إلى أفعال".
كان لدى هورتا-أوسوريو أسلوباً مثيراً للإعجاب تسبب بدوره في تهميش الرئيس التنفيذي توماس غوتشتاين، فقد ظل يتتبعه في جولاته عبر البنك ويظهر بشكل مفاجئ في الاجتماعات، حسبما يقول أشخاص طلبوا عدم الكشف عن هويتهم أثناء مناقشة هذه الأمور السرية. وأثناء الاجتماعات، كان يتحدث كثيراً عن غوتشتاين، مما أثار حالة من التوتر بينه وبين الرئيس التنفيذي السويسري الأكثر تحفظاً لبنك "كريدي سويس".
وبحلول منتصف العام الماضي، شهد بنك "كريدي سويس" الاستثماري نزوحاً جماعياً، ويرجع السبب في ذلك بشكل كبير إلى الضرر الذي لحق بسمعة البنك جراء تيار الفضائح المستمر. ولم يكن يُنظر إلى هورتا-أوسوريو بصفته الشخص الذي يبذل قصارى جهده لوضع حد لهذا التيار من الاستقالات. كان هورتا-أوسوريو يقول للمصرفيين إن "كريدي سويس" يتمتع بأعمال قوية في إدارة الثروات "مع الخدمات المالية الإضافية"، مع أن قسم الخدمات الاستثمارية بالبنك يحقق إيرادات أكثر من أي قسم آخر ويأتي ضمن المراكز العشر الأولى على مستوى العالم.
اختيار مفاجئ
عندما أعلن "كريدي سويس" عن تعيين هورتا-أوسوريو في نهاية عام 2020، كانت قيادة البنك في وضع مزري بالفعل. حيث كان سلف غوتشتاين، تيدجان ثيام، غادر في بداية ذلك العام بعد فضيحة تجسس الشركة على مصرفي لامع التحق فجأة بالمنافس المتنامي "يو بي إس غروب". وكانت الأمور على وشك أن تزداد سوءً.
فقبل أسابيع قليلة من تولي هورتا-أوسوريو زمام الأمور، عانى البنك من ضربتين ساحقتين إضافيتين. حيث خسر "كريدي سويس" ما يصل إلى 5.5 مليار دولار خلال تعاملاته مع شركة "أركيغوس كابيتال مانجمنت"، وهي الأداة الاستثمارية للمتداول بيل هوانغ، التي تخلفت عن سداد قروض أخذتها من البنوك واستخدمتها لبناء محفظة تداول بقيمة 100 مليار دولار. وقبل ذلك بفترة وجيزة، أدى تجميد الأموال المرتبطة بمجموعة "غرينسيل كابيتال"، المتخصصة في تمويل الفواتير، إلى بذل جهود حثيثة لاسترداد 10 مليارات دولار من أموال العملاء العالقة، كما أن هذا الأمر أسهم في مغادرة العديد من كبار المديرين.
وبينما أتى اختيار هورتا-أوسوريو مفاجئاً، كونه أول شخص غير سويسري يشغل منصب رئيس مجلس إدارة بنك مقره زيورخ، إلا أنه أتى مع وعود بمنظور جديد للبنك انطلاقاً من خبرته في مجال الخدمات المصرفية للأفراد، وخبرته الدولية التي ستضيف إلى مسيرة غوتشتاين الذي قضى حياته المهنية في "كريدي سويس".
وقد نسب له الفضل سابقاً في إعادة إنعاش مجموعة " لويدز" المصرفية بعد الأزمة المالية العالمية عام 2008. حيث خفض عدد الموظفين بنحو 40%، أو بأكثر من 41 ألف عامل. كما أنه يظهر جانباً إنسانياً نادراً ما يُرى في البيئة المصرفية العالمية الشبيهة بحوض لأسماك القرش. ففي عام 2011، أخذ هورتا-أوسوريو إجازة مرضية مدتها تسعة أسابيع بعد معاناته من إرهاق العمل والحرمان من النوم.
من جهة أخرى، أسهم تعافي مجموعة "لويدز" في تعزيز سمعة هورتا-أوسوريو باعتباره أخصائي ماهر في كيفية تحسين الأمور، وفي نهاية المطاف حاز على لقب الفارس البريطاني. وقد أبدى اعتزازه بلقبه الجديد بتوقيع المذكرات الداخلية باسم السير أنطونيو.
مستقبل البنك
مع قصر فترة ولاية هورتا-أوسوريو، تُرك "كريدي سويس" مع ثنائي قيادة مكون من سويسريين تم تعيينها لاستلام زمام الأمور في خضم مغادرة فوضوية لمن سبقهما. جدير بالذكر أن الرئيس الجديد أكسيل ليمان هو وافد جديد نسبياً انضم إلى مجلس إدارة "كريدي سويس" في أكتوبر الماضي، بعد تاريخ وظيفي حافل أمضاه في مجموعة "زيورخ للتأمين" و"يو بي إس".
موظفو البنك الذين حضروا الاجتماع العام عقب الإطاحة المفاجئة بهورتا أوسوريو في عطلة نهاية الأسبوع، أشاروا إلى شعور بالارتياح. حيث بدا غوتشتاين متفائلاً خلال إلقاء خطاب أمام الموظفين بشأن مستقبل المجموعة بعد هورتا-أوسوريو، مطمئناً إياهم بأنه سيقود البنك "دون أي تشتت عن الطريق"، وهو خروج إيجابي بالنسبة للبعض عن نهج هورتا-أوسوريو الذي يفضل استكشاف كل الاحتمالات الممكنة.
من جهة أخرى، كان بعض المستثمرين أقل ارتياحاً إزاء رحيل أهورتا-أوسوريو، خاصة أن البعض منهم كان يراهن على أن المصرفي هو الشخص الأنسب لإصلاح ثقافة الشركة.
من هذا المنطلق، قال ديفيد هيرو، من شركة "هاريس أسوشيتس" (Harris Associates)، أكبر مساهم في "كريدي سويس"، إنه "محبط للغاية". كما كتب محللون في "سيتي غروب" أن رحيل هورتا-أوسوريو "يترك كريدي سويس في وضع يفتقر فيه لوجود شخصيات قوية في المناصب العليا".