بلومبرغ
تبين أن المهنيين من المستثمرين قد أنهوا العام الماضي بشكل جيد، رغم شكواهم المتكررة طوال العام من الصعوبات التي يعيشونها بسبب اجتياح المتداولين الأفراد للأسواق، وتأثير عمليات فتح الاقتصاد وإغلاقه المتكررة عليهم؛ بل حتى إن عدداً كبيراً منهم استطاع أن يحقق ضربات قوية في السوق.
على الأقل، هكذا كان الحال في أحد أجزاء عالم الصناديق الاستثمارية، وتحديداً في فئة أسهم الشركات الصغيرة. حيث تظهر العوائد الأولية تفوّق 86% من مديري الاستثمار في تلك الفئة على متوسط أداء مؤشر "راسل 2000" للشركات الصغيرة، وذلك على مدار الـ12 شهراً الماضية. بما فيه نسبة تفوق على أداء المؤشر العام بلغت 90% خلال ديسمبر الماضي، وذلك في أعلى معدل تفوق على أداء المؤشر يتم تسجيله على الإطلاق، وفقاً لبيانات "غيفريز فاينانشال" التي تجمعها منذ عام 1999.
عودة غير متوقعة
يعد أداء هؤلاء المستثمرين في تداولات الأسهم الصغيرة استثنائياً، في وقت باتت تعتبر فيه إدارة الأصول النشطة شبه ميتة. ويرجع الفضل في ذلك إلى مجموعة متنوعة من العوامل، من بينها قرارات الصناعات المختلفة الرامية لتحقيق الربحية، بالإضافة للوضع القوي للسوق الذي سهل العثور على صفقات مربحة. وفي الأوضاع العادية، غالباً ما تتركز المكاسب في عدد قليل من الأسهم ذات الأرباح الممتازة، إلا أنه خلال العام الماضي كان هناك عدد كافٍ من الأسهم ذات الأرباح الكبيرة بشكل منح الجميع فرصة أفضل لاختيار البعض منها.
أدت تلك العوامل مجتمعة إلى تطور غير عادي، استفاد منه مديرو الأصول في المؤسسات الذين تعرضوا لمنافسة قوية على مدار العام من المتداولين الأفراد ممن حاولوا قيادة دفة التداولات. وعلى نحو غير معهود، فقد أثمر اجتماع المهارة والحظ السعيد لدى مديري الأموال في "وول ستريت"، والذين غالباً ما يعانون عندما تصبح الأمور غريبة، كما يحصل في كثير من الأحيان مع الشركات غير المدرجة في الدائرة السحرية لمؤشر "ستاندرد آند بورز 500"، حيث يكون من المنتظر أن يحقق المحترفون أداء يستحقون من خلاله رواتبهم.
يقول ستيفن دي سانكتيس المحلل الاستراتيجي في "غيفريز": "يجب أن تؤدي الإدارة النشطة بشكل جيد ضمن أسهم الشركات الصغيرة، والأرقام تؤكد ذلك".
اختيار الجودة
يرجع الأداء الجيد لمديري الاستثمار النشط في فئة الأسهم الصغيرة إلى قرارين رئيسيين؛ كان أحدهما الابتعاد عن شركات الرعاية الصحية بعد أن قفزت 45% في عام 2020، وهي خطوة أثبتت جدواها، خاصة مع خسارة تلك الأسهم لنصف المكاسب التي حققتها تقريباً خلال عام 2021. أما القرار الآخر فكان المراهنة على الشركات ذات الأرباح الأكثر ثباتاً والميزانيات العمومية القوية، أو كما يسميها محترفو القطاع الأصول التي تتمتع بالـ"جودة". وكانت هذه أحد أفضل سمات الاستثمار خلال الاثني عشر شهراً الماضية.
من جهة أخرى، فقد كان السوق نفسه متعاوناً بشكل غير مسبوق أيضاً. حيث تحققت المكاسب على نطاق أوسع من المعتاد. ويمكن رؤية تلك الظاهرة بمقارنة المكسب الإجمالي لمؤشر "رسل 2000" بمكاسب نفس المؤشر متساوي الأوزان المقابل له.
وبينما يقاس المؤشر العادي من خلال القيمة السوقية للشركات، حيث تستحوذ الشركات ذات القيمة السوقية الأكبر، على الحصة الأكبر من الاستثمارات في المؤشر. بينما يعد "المؤشر متساوي الأوزان" أكثر ميلاً لعدم الانحياز لصالح قلة من الشركات المُسيطرة، وقد قفز هذا المؤشر بنسبة 20% خلال العام الماضي. متفوقًا على مؤشر "راسل 2000" التقليدي بأوسع هامش، على الإطلاق.
شكوك مستقبلية
يقول آدم فيليبس، المدير الإداري لاستراتيجية إدارة المحافظ في "إي بي ويلث أدفيزورز" إن أداء صناديق الاستثمار كان "بالتأكيد مثيراً للإعجاب، ويجب أن يرجع جزء من هذا الأداء الاستثنائي إلى المستويات القياسية المحققة في متوسط أداء الأسهم الصغيرة خلال عام 2021"، وأضاف: "مع ذلك، ليس من المرجح أن تميل الكفة لصالح إدارة الأصول النشطة مقابل السلبية في أي وقت قريب، حيث سينتظر المستثمرون بلا شك ليروا ما إذا كان سيمكن تكرار هذا الأداء المتفوق مستقبلاً".
هذه الشكوك التي يتحدث عنها فيليبس، تعكس حقيقة نقص التقدير الموجود في عالم الاستثمار: حيث لا يوفر السوق في معظم الأوقات ما يكفي من الأسهم الرابحة لعالم مديري الأصول النشطة لكي يتميزوا في السوق. لكن العام الماضي منح هؤلاء المديرين على غير العادة رياحاً داعمة في السوق. حيث كانت استثمارات فئة الأسهم الصغيرة أعلى بنسبة 10% من مستوياتها المتوسطة. بينما في المقابل تراجعت استثمارات فئة الأسهم الكبيرة عن مستوياتها، وفقاً لبيانات "غيفريز".
منافسة أقل
يقول آرت هوغان، كبير استراتيجيي الأسواق في "ناشيونال سيكيوريتيز": "هكذا كان الوضع في فئة الأسهم الكبيرة: لم يكن باستطاعة مديري هذه الفئة أن يقوموا بالكثير أمام ارتفاع أسهم "تسلا" 100% وارتفاع "انفيديا" 100% وارتفاع "أبل" 50%"، وأضاف: "لقد كان عاماً يصعب فيه بالنسبة للشركات الكبرى أن تتفوق في فئتها، لكن في مؤشر "راسل 2000" كانت هناك تفاوتات أقل في أداء الشركات، وهو ما جعل صعوبة التفوق على المؤشر أمراً أقل صعوبة بالنسبة لمديري الاستثمارات في فئة الأسهم الصغيرة".
لم تحظ الأسهم الرخيصة بالتقدير في فئة أسهم الشركات الكبيرة، بينما سيطرت على فئة الأسهم الصغيرة، وهو ما كان أمراً مُبشراً بالخير بالنسبة لمديري الاستثمارات النشطة الذين يميلون للاختيار على أساس الأسهم الرخيصة مقارنة بمقاييس الأرباح أو حجم المبيعات. وقد ارتفعت الأسهم الرخيصة في مؤشر "راسل 2000" بنسبة 26% خلال العام الماضي، مقارنة بمكاسب 2.4% لأسهم شركات النمو باهظة الثمن. وتدل الفجوة الكبيرة في الأداء على أن المستثمرين قد بدأوا يولون مزيداً من الاهتمام لأساسيات عالم الأعمال، وذلك بعد أن أبدى "الاحتياطي الفيدرالي" استعداده لتشديد السياسة النقدية لكبح التضخم، ضاغطاً على التقييمات في السوق بذلك. بحسب ما كتب مايك ويلسون كبير استراتيجيي الأسهم الأمريكية في "مورغان ستانلي" في مذكرة بحثية للعملاء.
بوادر تغيير
إذا كان أداء صناديق الاستثمار في الأسهم الصغيرة يمثل مؤشراً بالنسبة لبقية السوق، فإن مديري الاستثمارات النشطة يأملون حدوث ارتفاعات في الأسهم الرخيصة في فئة أسهم الشركات الكبيرة أيضاً، وتشير بعض الدلائل على تراجع أداء أسهم كبرى شركات التكنولوجيا العملاقة في هذه الفئة. فبينما تصدرت مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" للعام الخامس على التوالي أكبر 6 شركات تكنولوجيا: "ميتا بلاتفورمس" المالكة لشركة "فيسبوك"، و"أبل"، و"أمازون" و"مايكروسوفت" وألفابيت"، و"تسلا"، إلا أن أداء هذه الشركات لم يمثل جزءاً بسيطاً من التفوق الذي حققته خلال الوباء في عام 2020.
خلال مقابلة مع "تلفزيون بلومبرغ" مع تايلور ريغز، قال جيريمي سيغل، أستاذ المالية في "كلية وارتون" في "جامعة بنسلفانيا" إنه في حال عادت الأسهم الرخيصة في فئة الشركات الكبيرة للارتفاع، واستطاعت أسهم أخرى غير شركات التكنولوجيا الكبرى من تحقيق أداء جيد، فإننا "قد نرى أخيراً بعضاً من المديرين النشطاء منتقي الأسهم، يحققون أداء يتفوق على المعدلات المتوسطة في عام 2022". على الأقل ذلك ما يتمناه المديرون النشطون. وأضاف سيغل: "أسمع بعضاً منهم يقول إنهم يرغبون بذلك لتبرير الرسوم التي يتقاضونها، لكن بالتأكيد إذا ألقيت نظرة على السنوات الخمس الماضية، فإنك لن تتمكن من فعل ذلك".