بلومبرغ
نظّمت آن نوبيرغر، نائبة مستشار الأمن القومي لشؤون التكنولوجيا السيبرانية والتكنولوجيا الناشئة في إدارة الرئيس جو بايدن قمّة افتراضية حول هجمات برامج الفدية في الـ 13 من أكتوبر 2021، دعت إليها ممثلين عن نحو 30 دولة والاتحاد الأوروبي، فيما لم تدع أياً من الوكالات الحكومية الأمريكية الأساسية المسؤولة عن الأمن السيبراني، بما فيها وزارة الخارجية ووكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتية ومكتب المدير السيبراني الوطني الذي تمّ إنشاؤه مؤخراً.
في نهاية المطاف، تلقى مسؤولون من الوكالات الثلاث دعوات للحضور، ولكن بصفة مراقبين فقط، وخرج المسؤولون من وزارة الخارجية ووكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتية من الاجتماع وهم يشعرون بالانزعاج، بحسب خمسة أشخاص مطلعين على مجريات القمة طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم بما أن الاجتماع ذا حساسية سياسية. عكست هذه الصفعة التوتر المتنامي داخل إدارة بايدن، حيث يسعى الفرقاء المختلفون لفرض نفوذهم في مجالات سياسية حساسة، وعززت الانطباع بأن نوبيرغر، التي سبق أن لمع نجمها في وكالة الأمن القومي، تحولت إلى صاحبة نفوذ شرسة داخل البيت الأبيض. وقال مسؤول سابق رفيع المستوى في مجال الأمن السيبراني مطَّلع على التحضيرات طلب عدم الكشف عن اسمه بسبب تناول تفاصيل حساسة: "آن أدارت القمة كما لو كانت مهمة سرية".
إلا أن هذا الصراع البيروقراطي محفوف بالمخاطر. فخلال العام الماضي، شنَّت عصابات إجرامية من منفذي هجمات القرصنة الإلكترونية، البعض منها على صلة بالحكومة الروسية، هجمات على شركات وبنى تحتية حساسة في الولايات المتحدة أدّت إلى عرقلة العمل فيها، في حين لم يبد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ما يكفي من الاستعداد لكبح جماح هذه المجموعات. كما أن تصاعد التوتر مع الصين يزيد احتمال وقوع صراع سيبراني ضدّ خصم آخر، أكثر قوة.
تاريخ من النزاعات
لأكثر من عقد من الزمن، اتسمت سياسة الأمن السيبراني الأمريكية بالارتباك، وقد سبق أن واجهت عراقيل من النزاعات الداخلية على النفوذ، لدرجة أنه في السنتين الأخيرتين من ولاية دونالد ترمب الرئاسية، لم يكن هناك أي فريق يملك سلطة واضحة لتولي المسؤولية في المجال.
إلا أن إدارة بايدن تبدو وكأنها تواجه مشكلة معاكسة تماماً.
حيث كان بايدن قد ضمّ نوبيرغر إلى البيت الأبيض في يناير من العام الماضي، ولكن ما إن مرّت بضعة أشهر على تعيينها حتى صادق مجلس الشيوخ على تعيين كريس إنغليس، مرشدها السابق، في منصب أول مدير سيبراني وطني في البلاد. وسرعان ما أصبح إنغليس الذي يخضع مباشرة للرئيس، منافساً مباشراً لنوبيرغر.
عن ذلك يقول جون ناجينغاست، الذي يمتلك خبرة 38 عاماً في وكالة الأمن القومي، وعمل لمدة 15 سنة في الشؤون الأمنية في شركة (AT&T)، "خلق الأمر وضعاً غريباً، ففي حين لم يكن هناك أي شخص مسؤول عن الأمن السيبراني سابقاً، بات هناك اثنان".
تقدّم ملحوظ
مع ذلك، تستطيع إدارة بايدن القول إن الأمور تسير نحو الأفضل، فقد نجحت في استعادة معظم الأموال المدفوعة لفدية الهجمة التي نُفذت على شبكة أنابيب "كولونيال بايبلاين، أكبر خطّ أنابيب نفط في الولايات المتحدة، كما تراجع حجم الهجمات الكبرى مقارنة مع النصف الأول من عام 2021.
يقول مستشار الأمن القومي جايك سوليفان "حققنا إنجازات على صعيد تحديث الأمن السيبراني في القطاعين العام والخاص خلال الأشهر الـ12 الماضية، أكثر ممّا فعلنا على مدى العقد الماضي"، عازياً معظم الفضل في ذلك إلى نوبيرغر.
من هي نوبيرغر؟
وفقاً لمقابلات مع أكثر من 40 شخصاً تربطهم معرفة شخصية أو مهنية بنوبيرغر، فإن المرأة تشتهر ببراعتها التكتيكية وبقدرتها على أسر الحضور في الاجتماعات وجعل البيروقراطية الحكومية تنصاع لرغباتها. إلا أن أسلوبها المتصلب قد أدى إلى انقسام الآراء حولها على مدى مسيرتها ذات الـ14 عاماً داخل الأروقة الحكومية. وقال أشخاص سبق وعملوا مع نوبيرغر إن لديها نزعة للتواجه مع المحامين، وهي ميزة تثير إعجاب بعض زملائها في وكالة الأمن القومي. يعلّق ناجينغاست: "إذا رأت بأن علينا القيام بأمر معيّن، فهي تدفع في اتجاه تحقيق ذلك".
ولدت نوبيرغر البالغة من العمر 45 عاماً في كنف عائلة يهودية أرثودوكسية في بروكلين في نيويورك، وكان سبعة من أصل ثمانية من أسلافها قد قتلوا في معتقل أوشفيتز. كما أن والديها جورج ورينيه كارفونكل كانا على متن طائرة اختطفت في عملية إرهابية نفذها فلسطينيون عام 1976 واحتُجزا كرهائن في مطار عنتيبي في أوغندا لمدة أسبوع قبل أن تنقذهما فرقة كوماندو إسرائيلية.
وخلال مسيرتها المهنية، استمرت نوبيرغر في تناول الأطعمة الـ"كوشر" التي تتوافق مع الشريعة اليهودية، وحرصت على العودة إلى منزلها لإحياء أيام السبت، على الرغم من أن أزمات الأمن القومي كانت تعرقل ذلك من حين إلى آخر.
تاريخها المهني
بدأت نوبيرغر حياتها المهنية داخل شركة "أميريكان ستوك أند ترانسفر ترست" كمبرمجة كمبيوتر في عام 1993. وهي شركة أسسها والدها جورج كارفونكل مع شقيقه مايكل في عام 1971، وجعلتهما لاحقاً من أصحاب المليارات.
وفي حين لم يكن والدا نوبيرغر يرغبا بأن تلتحق ابنتهما بالجامعة، إلا أنها أقنعتهما بالسماح لها بالذهاب إلى مدرسة ليلية للإناث فيما استمرت بالعمل في شركة والدها، وفي نهاية المطاف تمكنت من الحصول على شهادة ماجستير مزدوجة من "جامعة كولومبيا".
تعزو نوبيرغر اهتمامها في العمل بمجال الأمن القومي إلى تاريخ عائلتها الشخصي مع الإرهاب وتجربتها الذاتية بما أنها كانت تسكن في نيويورك خلال هجمات الـ 11 من سبتمبر. وقد حصلت نوبيرغر على وظيفة كزميلة في البيت الأبيض عام 2007، وسرعان ما لمع نجمها حتى بين المتفوقين الآخرين في البرنامج. وبعد ثلاث سنوات، عُينت في منصب المساعدة الخاصة لدى كيث أليكسندر، مدير وكالة الأمن القومي حينها، وبنى الاثنان علاقة وثيقة حينها.
في موضوع يذكر مراراً خلال مسيرتها المهنية، أثار صعود نوبيرغر لموقع مُقرّب استياء بعض زملائها داخل وكالة الأمن القومي، التي طالما سيطر الرجال على المناصب القيادية بها. يقول موظف سابق في وكالة الأمن القومي: "كان ينظر لها في البداية على أنها دخيلة من الخارج حظيت باهتمام المدير" وتابع: "سرعان ما بدأت حركات مضادة لها بالظهور داخل بيئة وكالة الأمن القومي".
التعاون مع القطاع الخاص
تولت نوبيرغر بعد ذلك قيادة أحد البرامج المفضلة لدى أليكسندر، وهو برنامج يهدف لتعزيز التعاون مع القطاع الخاص من أجل حماية البنية التحتية الوطنية. في عام 2013، تم تعيينها مديرة لمركز الحلول التجارية في وكالة الأمن القومي الذي يعمل مع الشركات الخاصة على جمع المعلومات الاستخبارية وتطوير معدّات الأمن السيبراني.
بعد شهر من ذلك، أصبحت هذه الشراكات في صلب أكبر فضيحة في تاريخ وكالة الأمن القومي، حين سرّب المتعاقد التقني لدى الوكالة، إدوارد سنودن وثائق تورط مجموعة من كبرى شركات التكنولوجيا والاتصالات في عمليات مراقبة جماعية للمواطنين.
مايكروسوفت تتبنى حملة لتوظيف ربع مليون مختص في الأمن السيبراني
نتيجة تسريبات سنودن، أٌجبرت وكالة الأمن القومي على التصرف مع الشركات التي باتت تشعر بالغضب والإحراج نتيجة اعتماد الوكالة عليها في العمليات الاستخبارية، وبرزت نوبيرغر كشخصية محورية لمعالجة تبعات ما جرى. فانطلاقاً من موقعها ككبيرة مسؤولي إدارة المخاطر في الوكالة، انطلقت في جولة على امتداد الولايات المتحدة لتقديم الاعتذارات، التقت خلالها بشخصيات من القطاع الخاص ومن المجال الأكاديمي والإعلامي. وقالت سابرا هورن التي عملت عن كثب مع نوبيرغر في تلك الفترة:
لقد كانت من أوائل الأشخاص الذين مُنحوا الثقة للحديث بالنيابة عن وكالة الأمن القومي
توجّه جديد
شملت آخر مشاريع نوبيرغر الكبرى في وكالة الأمن القومي إنشاء مركز التعاون في مجال الأمن السيبراني خلال عام 2020، حيث يعمل موظفون من الشركات الخاصة جنباً إلى جنب مع موظفي وكالة الأمن القومي لمواجهة التهديدات السيبرانية الخاصة. لم يكن إنشاء مثل هذا المركز وترويج وكالة الأمن القومي علناً له وارداً في أعقاب فضيحة سنودن، ويعزو المدير الحالي لوكالة الأمن القومي بول ناكاسوني الفضل إلى نوبيرغر في ترميم العلاقة بين الوكالة والقطاع الخاص، ما أتاح التوصل إلى مثل هذا المشروع. وقال ناكاسوني "هي عامل تغيير"، متابعاً: "هي شخص قادر على أخذ فكرة ما، ونقلها إلى موضع التنفيذ، وتحدي بعض الافتراضات التي تستند عليها هذه الفكرة".
إلا أن البيئة المسيسة جداً في البيت الأبيض قد تشكل حجر عثرة في طريق نوبيرغر، بحسب مايكل روجيرز الذي شغل منصب مدير وكالة الأمن القومي بين عاميْ 2014 و2018. وأضاف: "يمكنني القول إنها الآن بمنصبها الجديد توجد في عالم مختلف تماماً"، وتابع: "سيكون من المثير للاهتمام أن نرى كيف ستسير الأمور بالنسبة لها في بيئة جديدة تماماً، لأنني أشكّ أنها ستبقى في هذه الوظيفة لأربع سنوات".
بايدن يوقع مذكرة للدفاع عن منشآت التحكم الصناعي من المتسللين
لمن النفوذ الآن؟
بعد فترة وجيزة على تعيينها، أعدّت نوبيرغر أمراً تنفيذياً شاملاً يلزم المتعهدين الفدراليين بأن يلبوا معايير أمنية سيبرانية محددة، كما أنها شكلت الوجه الإعلامي للإدارة الأمريكية، حيث قدمت إحاطة صحفية للمراسلين في البيت الأبيض حين أدى الهجوم على "كولونيال بايبلايين" إلى حالة هلع في شراء الوقود في الساحل الشرقي. إلا أن نوبيرغر اضطرت لمشاركة بقعة الضوء هذه بعد أن صادق مجلس الشيوخ على تعيين إنغليس في منصب المدير السيبراني الوطني في يونيو الماضي.
وعلى الرغم من العلاقة السابقة بين نوبيرغر وإنغليس، إلا أن العديد من الأشخاص داخل أجهزة الأمن السيبراني يراودهم القلق من أن يؤدي وجود منصبين قويين في مجال الأمن السيبراني إلى تنازع على النفوذ.
وقد شارك كل من إنغليس ونوبيرغر في مقابلة استمرت لمدة ساعة من الوقت في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن في 28 أكتوبر الماضي. وأفاد أشخاص مطلعون على التحضير لهذا اللقاء أنه كان يهدف لإظهار أن الإثنين متفقان معاً. إلا أن التوتر كان واضحاً للمقربين منهما. وبعد مسألة الدعوات إلى قمة هجمات الفدية الإفتراضية، بوغت إنغليس مجدداً في ديسمبر حين علم أن نوبيرغر تعتزم استدعاء شركات التكنولوجيا إلى البيت الأبيض لمناقشة برمجيات المصدر المفتوح.
تؤثر هذه التوترات أيضاً على مسؤولين حكوميين كبار آخرين كانوا يأملون أن يسير الجميع في الاتجاه نفسه.
في فبراير الماضي، أبدى عضو مجلس الشيوخ مارك وارنر، الممثل الديمقراطي عن فيرجينيا، ورئيس اللجنة المختارة في مجلس الشيوخ لشؤون الاستخبارات ترحيبه باختيار إدارة بايدن لنوبيرغر، وقال إنه تحدث معها عقب الهجوم السيبراني على شركة "سولار ويندز" إلا أنه لم يتواصل معها كثيراً منذ ذلك الحين. ويطالب وارنر بفهم كيفية تفاعل العناصر المختلفة التي تشكل سياسة الأمن السيبراني في الإدارة الأمريكية، وقد خاب أمله من السعي لاستيعاب الأمور، قائلاً: "لا يزال الأمر يبدو مبهماً إلى حد ما في ذهني".