بلومبرغ
عندما اطلع نيكولاس غيروتو، الرئيس التنفيذي للعلامة التجارية الفاخرة السويسرية "بالي" (Bally)، على الإيرادات من المبيعات عبر الإنترنت خلال فترة تفشي الوباء، لاحظ شيئاً مثيراً للاهتمام، ألا وهو قوة مبيعات الإنترنت في مدن أمريكية لم تكن عادة تحوز على اهتمامه.
يقول غيروتو: "بطبيعة الحال، هذه المدن لن تخطر على بال العلامات التجارية الأوروبية أولاً، حيث تفكر هذه الشركات في مدن مثل نيويورك ولوس أنجلوس وميامي، لكن أوستن وهيوستن تحملان فرصاً كبيرة هي الأخرى".
من هذا المنطلق، تعتزم شركة "بالي"، المعروفة بالأحذية الجلدية المصنوعة يدوياً، بافتتاح متاجر لها قريباً في مدينتي هيوستن وشارلوت. يعد هذا التوسع جزءاً من خطة غيروتو التي تستمر لمدة عامين لزيادة عدد المتاجر التي تمتلكها "بالي" في الولايات المتحدة من 15 متجراً إلى ما يصل إلى 25 متجراً، مع استمرار استثمارها في منصتها الإلكترونية أيضاً.
تفاؤل بالعام الجديد
تشعر العلامات التجارية الأوروبية والأمريكية الفاخرة بالتفاؤل مع بداية عام 2022، خاصة بعد تسجيل مبيعات قوية بشكل مثير للدهشة خلال الوباء. وتتوقع شركة "ماكنزي" أن تسجل مبيعات السلع الفاخرة نمواً بنسبة تصل إلى 25% في عام 2022 مقارنة بعام 2019، وهذا يزيد عن نسبة النمو البالغة 5% المتوقعة للشركات في قطاع الأزياء غير الفاخرة الأوسع نطاقاً. ورغم أن معظم التوسع المتوقع للمنتجات الفاخرة يدعمه المستهلكون من الصين، إلا أن المتسوقين في الولايات المتحدة يشكلون أهمية بالغة أيضاً.
مناطق نمو جديدة
باتت الصناعة تلاحظ "قوة الرفاهية في الولايات المتحدة، بعد أن كان الانتباه قبل بضعة أعوام يتركز على الصين وآسيا فقط باعتبارهما منطقتين للنمو"، ذلك كما قال مؤخراً جون أيدول، الرئيس التنفيذي لشركة فرساتشى (Versace) وشركة "كابري هولدينغز" (Capri Holdings)، وهي الشركة الأم لـ"جيمي تشو" (Jimmy Choo).
ولضمان استمرار بيع حقائب اليد والساعات والمجوهرات والملابس الفاخرة في الولايات المتحدة خلال عام 2022، بالرغم من استنفاد الأمريكيين لمخصصاتهم التحفيزية والمدخرات الإضافية التي جمعوها أثناء عمليات الإغلاق، يطبق المديرون التنفيذيون للشركات الفاخرة بعض الدروس التي تعلموها خلال ذروة أزمة الوباء.
سلع ثمينة عبر الإنترنت
أبرز التطورات تمثلت في شعور الكثير من الأمريكيين بالارتياح تجاه شراء السلع الفاخرة عبر الإنترنت. وقد كان المديرون التنفيذيون للعلامات التجارية الفاخرة قبل الوباء، يتطلعون إلى عملياتهم في مجال التجارة الإلكترونية كأمر مؤجل غالباً. فهم كانوا يعتقدون أن المتاجر التقليدية تبقى أفضل مكان لعرض مميزات وتفرد علاماتهم التجارية، فضلاً عن خبرات موظفيهم في التعامل مع الأمور على أرض الواقع.
تقول جينا دروسوس، الرئيسة التنفيذية لشركة "زاليس" (Zales) و"سيجنت جوليورز" (Signet Jewellers) الشركة الأم لـ"كاي" (Kay): "قبل الوباء، كان الكثيرون يعتقدون أن المستهلكين لن يشتروا المجوهرات الفاخرة عبر الإنترنت. هذا الافتراض أصبح غير حقيقي على الإطلاق".
يوضح آيك بوروشو، المحلل في "ويلز فارغو"، أن الإنفاق على المنتجات الفاخرة عبر الإنترنت ارتفع من 12% في عام 2019 إلى 23% في عام 2020. ويتوقع أن تمثل التجارة الإلكترونية أكثر من 30% من المبيعات في هذا المجال أو ما قيمته 140 مليار دولار خلال الأعوام الخمس إلى العشر المقبلة.
"لويس فيتون" و"غوتشي" تلتهمان المدخرات التي وفرناها خلال "كوفيد"
يأتي جزء كبير من هذا الارتفاع نتيجة محاولات العلامات التجارية الفاخرة اللحاق بركب قطاع التجزئة الأوسع نطاقاً. فقد قفزت مبيعات الملابس والأحذية عبر الإنترنت، على سبيل المثال، من 25% في عام 2019 إلى ما يتراوح بين 35% إلى 40% في عام 2020، بحسب تقرير "ويلز فارغو".
الدعم اللوجيستي.. هام جداً
في الواقع، كشفت هذه المبيعات القوية عبر الإنترنت عن أوجه القصور في عمليات بعض الشركات العاملة عبر الإنترنت. فعلى سبيل المثال، منصة التجارة الإلكترونية الفاخرة "يوكس نت إيه بورتر" (Yoox Net-a-Porter) التي تقع تحت سيطرة المجموعة السويسرية الفاخرة "ريتشمونت" (Richemont)، تعمل وفقاً لنموذج البيع بالجملة, حيث تشتري سلعاً من العلامات التجارية الفاخرة بخصم بسيط، ثم تنقلها من بعض المستودعات. وعندما تسبب (كوفيد) في إغلاق بعض من هذه المرافق لبعض الوقت، لم تستطع "نت إي بورتر" الاستجابة للطلب المتدفق على السلع الفاخرة، وقد كافحت للحاق بالركب. في حين أن أداء الشركة المنافسة "فار فيتش" (Farfetch) كان أفضل، حيث إنها تحصل على معظم مخزونها من المتاجر حول العالم ولديها تكنولوجيا وبنية تحتية لوجستية أكثر فعالية.
في الوقت الحالي، تجري "ريتشمونت" محادثات مع "فارفيتش" بشأن التعاون معها لاستخدام منصتها التكنولوجية واللوجستية، بجانب مجالات تعاون أخرى. ويعتبر بعض المحللين هذه المحادثات بمثابة اعتراف من "ريتشمونت" بأنها إذا لم تتمكن من جعل "نت إيه بورتر" مربحة أثناء الوباء، فإن ذلك قد لا يحدث أبداً.
يقول بوروشو، محلل "ويلز فارغو": "العلامات التجارية الفاخرة والمنصات الرقمية لبيع المنتجات الفاخرة لطالما كانت مُتخلّفة من حيث قدراتها الرقمية. ربما تطلب الأمر ظهور (كوفيد) حتى تدرك "ريتشمونت" ذلك".
"لويس فيتون" و"كارتييه" و"برادا" تدعم حلاً بتقنية "بلوكتشين" لضمان أصالة المنتجات
بعيداً عن التجارة الإلكترونية
بالتأكيد، لم يتجه الجميع للمبيعات الرقمية أثناء الوباء، فهناك شركة "شانيل" (Chanel)، على سبيل المثال، التي لم تبع أياً من حقائب اليد أو الملابس التي تنتجها عبر الإنترنت بعد. وتتبع "شانيل" استراتيجية طويلة الأمد يعتقد المحللون أنها ترجع جزئياً إلى مخاوف العلامة التجارية الفرنسية بشأن عدم قدرتها على خلق تجربة تسوق عبر الإنترنت فاخرة بنفس قدر تلك التي يمكن الاستمتاع بها في متاجرها. كما أن ثمة تحدٍ آخر يتمثل في تهديد سيطرة الباعة الوسطاء على عمليات الشراء، حيث يشتري هؤلاء الباعة السلع ثم يربحون من خلال بيع حقائب اليد الفاخرة التي يتوق الجميع للحصول عليها.
رفاهية على الساحات الافتراضية
عادةً ما يقود تعمق العلامات التجارية بشكل أكثر في العالم الرقمي إلى بيع إصدارات افتراضية من منتجاتها تمكّن المستخدمين من تزيين صورهم الرمزية (أيقوناتهم) بها عبر الإنترنت على منصات مثل "روبلوكس" (Roblox).
عن ذلك، تقول سارة ويلرسدورف، الرئيسة العالمية لقسم الرفاهية في مجموعة بوسطن الاستشارية (Boston Consulting Group): "يجب أن تبدأ العلامات التجارية الفاخرة بالاختبار والتعلم في هذا المجال". وتضيف أن العلامات التجارية لا بد وأن تفكر في توظيف شخص ما لقيادة أحدث التطورات الرقمية تحت لقب "كبير مسؤولي شبكة الإنترنت".
الموضة الرقمية.. عوالم افتراضية وأموال حقيقية
في مايو، باعت العلامة التجارية الفاخرة "غوتشي" (Gucci) نسخاً رقمية من حقيبة "ديونيسوس" (Dionysus) على منصة "روبلوكس" بنحو 4.75 دولار تقريباً. بعد ذلك، ونظراً لارتفاع الطلب، تم إعادة بيع هذه السلع الرقمية على المنصة مقابل آلاف الدولارات، وهو سعر يفوق سعر السلعة المادية. كذلك، قدمت شركة "رالف لورين" (Ralph Lauren) مجموعة ملابس افتراضية في أغسطس، حيث عرضت على مستخدمي منصة "زيبيتو" (Zepeto) 12 مظهراً يمكن شراؤها لشخصياتهم الافتراضية عبر الإنترنت.
قالت أليس ديلاهونت، كبيرة مسؤولي التقنيات الرقمية في "رالف لورين" آنذاك: "المرحلة التالية ستكون إتاحة منتجاتنا للشراء والارتداء بطريقة رقمية والسماح للمستهلكين بتجربة العلامة التجارية بطرق جديدة مثيرة".
متاجر محلية جديدة
في الوقت ذاته، يجد المديرون التنفيذيون للعلامات الفاخرة طرقاً مختلفة للوصول إلى العملاء على أرض الواقع أيضاً، حيث يفتتح كثيرون منهم، مثل غيروتو من شركة "بالي"، متاجر جديدة في مدن أمريكية لاجتياز ما يتوقعون أن يكون ركوداً مطولاً في السياحة الدولية بسبب تفشي (كوفيد). وتقول أنيتا بالتشانداني، الشريكة في "ماكنزي":
مستقبل الرفاهية سيكون محلياً بشكل أكثر
في غياب السيّاح
على مدى العقد الماضي، نجحت العلامات التجارية الفاخرة في توليد جزء كبير من إيراداتها من خلال المسافرين الصينيين وغيرهم من المسافرين الآسيويين الذين كانوا يشترون محافظ وأوشحة وملابس باهظة الثمن أثناء رحلاتهم إلى أوروبا. ثم شعر المديرون التنفيذيون للعلامات الفاخرة بالخوف من انخفاض إيراداتهم مع تسبب (كوفيد) في إغلاق الحدود. حيث بدأ المتسوقون الصينيون في شراء المزيد من المنتجات من وطنهم الأم الصين، وكان هذا ممكناً لأن العلامات التجارية افتتحت متاجر لها في جميع أنحاء البلاد خلال الأعوام الأخيرة وتعاملت مع موقع "تيمول لاكشري بافيليون" (Tmall Luxury Pavilion) التابع لمجموعة "على بابا"، وهو موقع تجارة إلكترونية متطور متخصص بالسلع الفاخرة.
بينما في أوروبا والولايات المتحدة، "كان الكثير من العلامات التجارية تصب تركيزها على السيّاح الذين يتدفقون للبلاد باستمرار، ويهملون العمل على استقطاب المزيد من العملاء المحليين"، حسبما يقول أخيم بيرغ، الرئيس العالمي لقسم الرفاهية في "ماكنزي".
الرفاهية في الولايات المتحدة
والآن، تولي العلامات التجارية في الولايات المتحدة اهتماماً أكبر للأماكن التي تجاهلوها سابقاً، خاصة ولاية تكساس حيث تقع مدينة لون ستار. يقول تشارلز غورا، الرئيس التنفيذي لشركة "ريباج" (Rebag)، التي تبيع حقائب اليد الفاخرة المستعملة: "تقع تكساس بالتأكيد على رادارنا. فهي في مكان نريد أن نتواجد فيه على أرض الواقع في المستقبل القريب إلى المتوسط"، في إشارة منه إلى احتمالية فتح متاجر تقليدية هناك.
في أغسطس الماضي، افتتحت "ريباج" متجراً في بلدة غرينتش بولاية كونيتيكت، بعد أن أدرك غورا أن العملاء الذين انتقلوا إلى هناك من مدينة نيويورك أثناء تفشي الوباء قد أصبحوا مقيمين دائمين فيها.
خلال فصل الصيف، تم افتتاح متاجر فاخرة في أماكن غير تقليدية، وهذا يشمل افتتاح شركة "لويس فيتون" متجراً في بلانو بولاية تكساس، وافتتاح شركة "هيرميس" متجراً كذلك في تروي بولاية ميشيغان، بينما افتتحت شركة "كريستيان ديور" متجراً في سكوتسديل بولاية أريزونا. وغالباً ما تكون هذه المتاجر الجديدة في المدن أصغر حجماً.
عندما تفشى الوباء، ظلت بعض العلامات التجارية الفاخرة "متمسكة بمواقعها الرئيسية الضخمة في ماديسون أفينيو وهدسون ياردز"، والتي كانت تمثل في الواقع مجرد إهدار للأموال، ذلك حسبما يقول جاستن أبرامز، الرئيس التنفيذي لشركة "فلاغشيب" (Flagship)، وهي منصة بيانات وتحليلات تساعد تجار التجزئة على إيجاد أسواق جديدة.
في عام 2020، عمل أبرامز مع شركة ملابس الأطفال الفرنسية "بونبوينت" (Bonpoint)، بالإضافة إلى "بوغنر" (Bogner) و"بروينزا شولر" (Proenza Schouler)، وذلك لفتح متاجر لها في جميع أنحاء الولايات المتحدة بمساحة تبلغ تقريباً 1500 قدم مربع (1 قدم مربع = 0.9 متر مربع)، وهي مساحة أقل بكثير مما كانت العديد من العلامات التجارية الفاخرة تضعه في اعتبارها قبل تفشي الوباء.
متاجر أصغر
يقول أبرامز إن انتشار التجارة الإلكترونية في عالم المنتجات الفاخرة أثناء فترة تفشي الوباء أدى إلى تيسير هذه التحركات إلى المتاجر الأصغر حجماً، لأن العلامات التجارية بإمكانها استخدام متاجرها لعرض بعض من منتجاتها والاعتماد على المتسوقين لتفقد المنتجات الأخرى عبر الإنترنت. وتابع: "لقد اعتادوا على الحاجة إلى الاحتفاظ بالمخزون لديهم، والآن لم يعد هذا هو الغرض الوحيد للمتاجر".
تستأجر العلامات التجارية على نحو متزايد مساحات بعقود إيجار أقصر أجلاً لاختبار الأسواق الجديدة وتصميمات المتاجر المختلفة. فقد حرصت الشركات الفاخرة على فتح المتاجر التقليدية التي تحتاجها بشكل أكثر من أقرانها من الشركات العاملة في قطاع البيع بالتجزئة، حيث يستمر العديد من متسوقي المنتجات الفاخرة في تفضيل التسوق بأنفسهم حتى مع ارتفاع مستوى التسوق عبر الإنترنت أثناء الوباء.
يقول أبرامز: "قطاع الرفاهية بوجه خاص كان يعاني بشكل أكثر من الضغط لتسريع العودة إلى تجارة التجزئة التقليدية، لكنهم كانوا بحاجة لفعل ذلك بطرق ذكية".
كذلك، افتتحت شركة "ريل ريل" (RealReal)، التي تبيع الملابس الفاخرة المستعملة، متاجر أصغر حجماً في الأحياء الراقية، وذلك بعد عدم نجاح استراتيجيتها السابقة لـ(كوفيد) والتي كانت تركز على افتتاح متاجر رئيسية كبرى بمراكز المدن خلال فترة تفشي الوباء، وذلك نظراً لانخفاض عدد النساء اللاتي يمررن على المتاجر لاستلام سلعهن الفاخرة، حيث باتت العديد منهن يعملن من المنزل. كما بدأ عرض "ريل ريل" للسلع في الانخفاض مع زيادة الطلب عبر الإنترنت. جدير بالذكر أن الشركة افتتحت 10 متاجر داخل أحياء أثناء الوباء، بما في ذلك بروكلين وحي كوبل هيل بنيويورك ولاركسبور في مقاطعة مارين التابعة لولاية كاليفورنيا والواقعة شمال سان فرانسيسكو.