التضخم يهدد تطلعات الاحتياطي الفيدرالي لتحقيق هدف التوظيف الشامل

time reading iconدقائق القراءة - 9
صورة من داخل معرض للوظائف في أورلاندو - المصدر: بلومبرغ
صورة من داخل معرض للوظائف في أورلاندو - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

"واسع النطاق وشامل" هو الوصف الذي يستخدمه مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لـ"المحافظة على الحد الأقصى للتوظيف"، بموجب التفويض الممنوح للبنك المركزي من قبل الكونغرس عام 1977. تمثل هذه الإضافة التعديلية بمثابة تحول نتج عن مراجعة استغرقت 20 شهراً لإطار عمل السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي، والتي بلغت ذروتها الصيف الماضي على خلفية تصفية الحساب على صعيد البلاد بشأن التمييز العرقي التي أشعل فتيلها مقتل جورج فلويد.

الفكرة هنا أنَّ المؤشرات الاقتصادية مثل معدل البطالة بين ذوي البشرة الداكنة، سيتم إدراجها الآن في التقييمات لإظهار ما إذا كانت الولايات المتحدة قد حققت الحد الأقصى من معدلات التوظيف أم لا. غير أنَّ هناك الكثير من الأمور المتعلقة بإعادة صياغة المفاهيم تلك. فقد صرح رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، وزملاؤه، مراراً وتكراراً، بأنَّ تحقيق ذلك يعد شرطاً أساسياً لرفع أسعار الفائدة.

اقرأ المزيد: التضخم في الولايات المتحدة يبلغ أعلى مستوى منذ عام 1982

في ظل سيطرة التضخم على الحوار في واشنطن حالياً، هناك معركة صعبة يواجهها أولئك داخل مجلس الاحتياطي الفيدرالي وخارجه، والذين يحاولون إبقاء التوظيف الشامل واسع النطاق على رأس جدول أعمال البنك المركزي لعام 2022.

اقرأ أيضاً: قصة امرأة سوداء أنهت احتكار البيض لصناعة النسيج في أمريكا

ارتفع مؤشر أسعار االمستهلكين (التضخم) بنسبة 6.8% خلال سنة حتى نوفمبر، مسجلاً بذلك أعلى ارتقاع في نحو 40 عاماً. وتشير معظم التوقُّعات إلى أنَّ معدل التضخم سيصبح أكثر اعتدالاً في عام 2022، لكن ما يزال مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي قلقين بشأن ذلك. وفي النهاية؛ هم من يتعين عليهم الموازنة بين تفويضي المحافظة على الحد الأقصى من التوظيف، واستقرار الأسعار. وقد أصبحت القضية الأخيرة مثيرة للانقسام على نحو متزايد قبل إجراء الانتخابات النصفية الأمريكية العام المقبل، وذلك في ظل ضغط الديمقراطيين والجمهوريين، على حد السواء، على باول، الذي فاز لتوه بإعادة ترشيح الرئيس جو بايدن لولاية أخرى مدتها أربع سنوات، لفعل أي شيء حيال ذلك. تشير التعليقات الأخيرة لباول، وغيره من صانعي السياسة الفيدرالية للمجلس،

تراجع البطالة

بدأت مشكلة العمالة تفقد بعض الأهمية السياسية. فالاقتصاد يتعافى بقوة، كما انخفض معدل البطالة إلى 4.2% خلال الشهر الماضي، وما يزال أعلى من 3.5% الذي كان سائداً قبل الوباء. إلا أنَّه تراجع كثيراً عن ذروته التي بلغت 14.8% في أبريل 2020.

يخفي معدل البطالة المُعلن فجوات دائمة. فقد بلغت البطالة بين ذوي البشرة البيضاء في نوفمبر 3.7%، في حين بلغت 6.7% بين ذوي البشرة الداكنة خلال الفترة ذاتها. وبالنسبة إلى البعض؛ يشكل ذلك دليلاً على أنَّ عمل البنك المركزي لم ينتهِ بعد.

فجوة كبيرة

يقول برابال تشاكرابارتي، بصفته رئيس وحدة التواصل الإقليمي والمجتمعي في البنك الاحتياطي الفيدرالي في بوسطن، والذي كان له دور في تنظيم سلسلة من المؤتمرات التي جمعت الخبراء لمناقشة إمكانية معالجة أوجه عدم المساواة الهيكلية في مجالات مثل الرعاية الصحية والعدالة الجنائية التي تقع خارج نطاق سلطة البنك المركزي المباشرة: "ما تزال هناك تفاوتات هائلة في الصحة، والمشاركة في القوى العاملة، في كل هذه المقاييس. لذا، أعتقد أنَّ القضية ما تزال قائمة، وطالما أنَّنا تخلفنا عن الوفاء بالتفويض، أعتقد أنَّنا مضطرون لمواصلة الزخم حتى نحقق أهدافنا".

عندما سئل باول خلال مؤتمر صحفي عقده في 3 نوفمبر، عقب اجتماع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأخير بشأن السياسة النقدية، عمّا إذا كان يعتقد أنَّ الولايات المتحدة يمكن أن تحقّق الحد الأقصى لمعدلات التوظيف بحلول النصف الثاني من عام 2022؛ وصف رئيس الاحتياطي الفيدرالي ذلك بأنَّه نتيجة "معقولة"، في حين شدّد على أنَّه ما تزال هناك "مهام أساسية لنؤديها".

لقد قاوم باول، وغيره من صانعي السياسة النقدية الفيدرالية، الجهود المبذولة لتحديد ما يعنيه أن تكون معدلات التوظيف "شاملة وواسعة النطاق" في الممارسة العملية. هل معدلات البطالة التي سادت في فبراير 2020، عشية الوباء -بواقع 6% للأمريكيين من أصول أفريقية، و3% للأمريكيين البيض- تفي كمعايير للتقييم؟ أم أنَّ معدلات البطالة يجب أن تكون متساوية بين كليهما؟ أم ينبغي أن تتوسط الطرفين؟

تعد تلك أسئلة مشحونة سياسياً، كما يقول داريك هاميلتون، أستاذ الاقتصاد والمدير المؤسس لمعهد دراسة العرق والتصنيف الطبقي والاقتصاد السياسي بجامعة "نيو سكول" في نيويورك. كان نشطاء الحقوق المدنية، بمن فيهم كوريتا سكوت كينغ، هم الذين قادوا، في السبعينيات، الكفاح من أجل تكريس تفويض التوظيف في القانون، في المقام الأول.

منذ عام 1972، عندما بدأت وزارة العمل في نشر بيانات شهرية عن معدلات البطالة بين ذوي البشرة الداكنة من الأمريكيين، وحتى عام 2020؛ تأرجح معدل البطالة بين الأمريكيين من أصول أفريقية بين 1.8 و2.6 ضعف معدل البطالة بين البيض.

كان النمط النموذجي هو الذي تضيق فيه الفجوة بين كلا المعدلين خلال فترات الركود، إذ يفقد الأمريكيون من الفئتين وظائفهم على حدٍّ سواء، قبل أن تتسع الفجوة مرة أخرى في المراحل الأولى من التوسعات التالية للاقتصاد، إذ يتم تعيين الأمريكيين البيض أولاً. ولا تبدأ الفجوة في التقلص مرة أخرى إلا في وقت لاحق، عندما تبدأ سوق العمل بالعودة إلى الركود.

البطالة والتعليم

حتى الآن، تكرر هذا النمط خلال الوباء. في أبريل 2020، تهاوت نسبة البطالة بين الأمريكيين من أصول أفريقية مقارنة بالنسبة ذاتها بين البيض إلى مستوى قياسي منخفض بواقع 1.2، ولكن اعتباراً من الشهر الماضي، عادت إلى 1.8.

إلى أي مدى يمكن أن تضيق فجوة البطالة بين الفئتين إذا سمح للاقتصاد بالاستمرار في الانتعاش لفترة أطول؟ هذه مسألة محل جدل. في مؤتمر صحفي في سبتمبر، أعرب باول عن وجهة نظر مفادها أنَّ عوامل خارج نطاق السياسة النقدية، مثل التفاوتات في مستويات التعليم، تلعب دوراً في هذا الصدد.

غير أنَّ هاملتون وآخرين -مثل دوريان وارين، المتخصص في الشؤون السياسية والتنظيمية- لا يتفقون مع هذه المبالغة. وللتدليل على ذلك؛ يشيرون إلى حقيقة أنَّ الفجوة مستمرة، بل وتتسع في بعض الأحيان، كلما ارتقى المرء في سلم التعليم. على سبيل المثال؛ فإنَّ التفاوت في معدلات البطالة بين الأمريكيين من أصول أفريقية، بالإضافة إلى البيض الحاصلين على شهادات لمدة أربع سنوات، في الحقيقة، هي أكبر منه بين نظرائهم الحاصلين على شهادات لمدة عامين.

العنصرية مستمرة

بدلاً من ذلك، يشير هاميلتون ووارن إلى هيكل سوق العمل الأمريكي الذي رسمته خطوط العنصرية إلى حدٍّ بعيد. ومن ثم؛ فهم يجادلون بأنَّ الفجوة استمرت بفضل عقود من السياسات المالية والنقدية التي أبقت الطلب الكلي دون المستويات التي من شأنها أن تجبر أرباب الأعمال على توظيف الأفراد غير البيض أولاً ثم ترقيتهم.

يقول وارين، رئيس منظمة "التغيير المجتمعي"، والرئيس المشارك في "مشروع الأمن الاقتصادي": "بمجرد تعيينك في أحد أماكن العمل، ما هي أنواع الوظائف التي سيتم توجيهك لشغلها؟ من وجهة نظري؛ سيتضح الأمر أكثر إذا أخذنا قطاع المطاعم أو الفنادق كمثال، إذ تتأمل الوظائف الأمامية مقابل الوظائف الخلفية".

يضيف وارين: "إذا كنت من ذوي البشرة الداكنة، أو إذا كنت مهاجراً، فعلى الأرجح؛ سيتم توجيهك إلى الوظائف الخلفية، إذا ما جرى توظيفك في واحد من تلك الأماكن. لذلك؛ ستعمل في المطبخ، مقارنة بالوظائف الأمامية كمضيف أو مضيفة".

يقول ديفيد ويلكوكس، مدير قسم أبحاث الاقتصاد الأمريكي في "بلومبرغ إيكونوميكس"، إنَّ مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي يمكن أن يعلنوا، في الأشهر القليلة المقبلة، أنَّه مع ارتفاع معدل الاستقالات إلى أعلى مستوياته على الإطلاق، وإبلاغ الأسر في استطلاعات الرأي عن وفرة الوظائف، وارتفاع الأجور؛ لا بد أنَّ كل القوى العاملة قد جرى توظيفها.

رفع الفائدة

يمكن استغلال ذلك لتبرير قرار البدء في رفع أسعار الفائدة قبل وقت طويل من سد الفجوة بين معدلات البطالة بين ذوي البشرة الداكنة والبيض. وبالنسبة إلى أشخاص مثل راكين مابود، كبيرة الاقتصاديين في "الأسس التعاونية"، وهو مركز أبحاث تقدمي في واشنطن؛ فإنَّ ذلك من شأنه إثارة الشكوك بشأن التحول الذي شهدته سياسة البنك المركزي في عام 2020، والذي لاقي استحساناً كبيراً.

تقول مابود: "إنَّ الرواية التي نشهد نسج خيوطها حول التضخم، إنما جرى تصميمها للانحراف إلى عالم شديد التقشف، عالم يخلق بداخله قدراً هائلاً من عدم المساواة، ويدعم استمراره". وتضيف: "الالتزام، بحق، من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي، وصنّاع السياسة عبر القطاع النقدي والمالي، بتحقيق انتعاش عادل فعلاً؛ يعني الاضطلاع بمراقبة معدل البطالة هذا بين الأمريكيين من أصول أفريقية، والتركيز عليه للغاية -وحتى يصبح ذلك المعدل على قدم المساواة مع ما يواجهه كل عامل آخر في الاقتصاد؛ فإنَّنا لم ننتهِ من عملنا بعد".

تصنيفات

قصص قد تهمك