تحقيقات تنظيمية تحد من رواج صفقات "الشيك على بياض" مع مصنّعي السيارات الكهربائية

time reading iconدقائق القراءة - 9
الشركة الأم لـ\"لوسيد\" جرى طرحها للاكتتاب العام في يوليو - المصدر: بلومبرغ
الشركة الأم لـ"لوسيد" جرى طرحها للاكتتاب العام في يوليو - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

هذه علامة أكيدة على أنَّ تشديد الخناق على شركات الشيك على بياض يجري على قدم وساق. في السادس من ديسمبر الجاري، قالت مجموعة "لوسِد" (Lucid Group) الناشئة لصناعة السيارات الكهربائية -التي تجاوزت قيمتها السوقية لبعض الوقت هذا العام قيمة شركة "جنرال موتورز"- إنَّ هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية كانت تحقق في عملية اندماجها التي لم يمضِ عليها سوى 5 أشهر مع شركة "شيك على بياض"، والتوقُّعات الممنوحة للمستثمرين، وتسبب ذلك الإعلان في تراجع أسهم الشركة.

يعتبر هذا تصريحاً مفاجئاً من شركة يُنظر إليها على أنَّها تمتلك إمكانات حقيقية في السباق الدائر في قطاع السيارات الكهربائية. وكان بيتر رولينسون، الرئيس التنفيذي لـ"لوسِد"، يعمل سابقاً في شركة "تسلا"، وفي سبتمبر الماضي، أقرت وكالة حماية البيئة الأمريكية أنَّ سيارة "إير (Air) السيدان" التابعة للشركة، يمكنها قطع مسافة 520 ميلاً -وهو المعدل الأفضل حول العالم- باستخدام شحنة كهربائية واحدة.

اقرأ المزيد: "مرسيدس" تتخطى "تسلا" في نظام القيادة الذاتية على الطريق السريع

طرحت "لوسِد" أسهمها للاكتتاب العام، وهي تتمتع بمصداقية أكبر بكثير مقارنة بشركتي "نيكولا" (Nikola)، و"لوردستاون موتورز" (Lordstown Motors)، نظيرتيها الجديدتين في الاندماج مع شركات "الشيك على بياض"، علماً أنَّهما قد أطاحتا برئيسيهما التنفيذيين خلال العامين الماضيين، بعد تحقيقات هيئة الأوراق المالية والبورصات.

اقرأ أيضاً: "تويوتا" تستثمر 35 مليار دولار لتسريع تحولها إلى السيارات الكهربائية

تراجع الأفضلية

في وقت مبكر من هذا العام فقط، أصبحت صفقات "الشيك على بياض" -التي تُطرح فيها الشركات للاكتتاب العام من خلال الاندماج مع شركة تم تشكيلها خصيصاً لإجراء عمليات استحواذ- من بين الاستثمارات المفضلة في "وول ستريت". لكن الآن، بات التدقيق من كل الجهات. وتقوم هيئة الأوراق المالية والبورصات بإلقاء نظرة فاحصة بشكل أكبر على هذه الصفقات، لا سيما في الإفصاحات المالية والبيانات المتعلقة بآفاقها كشركات عامة.

في الوقت ذاته، يفضل المستثمرون اتباع طريق أكثر أماناً، ويختارون الانسحاب من الاستثمار في أي عمليات اندماج أخرى. وانخفضت الأسهم في العديد من الصفقات في مرحلة ما بعد الاندماج، وهو مؤشر آخر على أنَّ حماسة السوق آخذة في التضاؤل.

يقول مايكل أولروج، الأستاذ بكلية القانون في جامعة نيويورك: "إنَّ الفكرة القائلة بأنَّ شركات الشيك على بياض تشكل يقيناً سعرياً خيالية". وأضاف: "يدرك الناس بشكل متزايد أنَّ الصفقات التي اعتقدوا أنَّها رائعة لم تكن كذلك."

تصادم مع الجهات التنظيمية

يبدو أنَّ صفقات "الشيك على بياض" مع الشركات الناشئة في قطاع السيارات الكهربائية مُصممة خصيصاً للوقوع في مشكلات مع الجهات التنظيمية المتشككة والمستثمرين، إذ يستغرق طرح سيارة جديدة في السوق سنوات عدة، وتعتمد الشركات عادةً على صانعي البطاريات في الأجزاء الرئيسية من تقنيتها، ولديها خبرة أقل من شركات صناعة السيارات الراسخة فيما يتعلق بتسريع وتيرة الإنتاج.

أيضاً، التأخيرات شائعة في هذا القطاع، وإذا حققت الشركات بالفعل أهداف الإنتاج -وهو أمر فشلت فيه بعض الشركات مراراً وتكراراً خلال الفترة الأولى من انطلاقها بما فيها "تسلا" نفسها- ستكون هناك مشكلة عدم وجود إجماع كبير حول السرعة التي سيستبدل بها المستهلكون محركات الغاز بنظيرتها الكهربائية. وهذا يجعل توقُّعات المبيعات مجرد تخمينات.

على الرغم من أنَّ شركات صناعة السيارات الكهربائية هي الأحدث التي تتعرض للهجوم، إلا أنَّ أسهم شركات "الشيك على بياض" كمجموعة تراجعت هذا العام. وانخفض مؤشر "آي بي أو إكس سباك" (IPOX SPAC) بنسبة 12% تقريباً، في حين ارتفع مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" بحوالي 25%. وانجذب المستثمرون الأفراد في البداية إلى شركات "الشيك على بياض" كمنفذ للاستثمار في أسهم النمو. كما اتبعوا ذلك الطريق بشكل أكبر كوسيلة لتحقيق ربح سريع، لكنَّ تحقيق هذا الهدف أصبح أكثر صعوبة.

تراجع الأسهم

في الربع الأول من العام الحالي، كان متوسط ​​سعر سهم شركات "الشيك على بياض" في اليوم التالي لإعلان الاندماج نحو 15.77 دولاراً. وبحلول نوفمبر الماضي؛ وصل متوسط ​​السعر إلى 10 دولارات تقريباً للسهم، وذلك وفقاً لورقة بحثية بعنوان "نظرة مُدققة على شركات الشيك على بياض"، كتبها مايكل أولروج بالتعاون مع مايكل كلاوسنر وإميلي روان، وهما أستاذان بجامعة ستانفورد.

تستقر هذه الأسهم عند 10 دولارات للسهم تقريباً، وهو السعر الذي يدفعه المستثمرون عادةً مقابل سهم شركة "شيك على بياض" قبل أن تعقد صفقة اندماج، كما تتم إعادة هيكلة المزيد من الصفقات المخطط لها، كما تقول شركة "سباك ريسيرش" (SPAC Research)، التي تتعقب الشركات وأنشطة شركات "الشيك على بياض". وذكر موقع الشركة على الإنترنت أنَّه في الربع الثالث من هذا العام، عانت صفقات "الشيك على بياض" من مطالبة نحو 60% تقريباً من المساهمين استرداد رأسمالهم المستثمر، بدلاً من الاحتفاظ باستثماراتهم من خلال الدمج المخطط له. وحتى الآن في الربع الرابع، تجاوز المعدل 60%. وهذا تغيير كبير عن الربع الأول، عندما طلب 12% فقط من مساهمي شركات "الشيك على بياض" استرداد نقودهم.

من الواضح أنَّ هيئة الأوراق المالية والبورصات ألقت نظرة أكثر فحصاً وتدقيقاً. ففي اليوم ذاته الذي كشفت فيه "لوسِد" عن التحقيق، قالت شركة "ديجيتال وورلد أكيوزيشن" (Digital World Acquisition)، التي وافقت على الاندماج مع مجموعة "ترمب ميديا آند تكنولوجي" التابعة للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، إنَّها تخضع للتحقيق من قبل الجهات التنظيمية. ويقول كلاوسنر: "تقضي هيئة الأوراق المالية والبورصات وقتاً أطول في مراجعة الوكلاء المفوضين، كما تطرح مزيداً من الأسئلة".

نكبات "السيارات الكهربائية"

مع ذلك؛ فإنَّ بعض النكبات الأكثر بروزاً في عالم اندماجات "الشيك على بياض"، هي تلك التي واجهتها شركات السيارات الكهربائية. وكان المستثمرون الأفراد يبحثون جميعاً عن خليفة لشركة "تسلا"، والتي تبلغ قيمتها حالياً 1 تريليون دولار. والآن تكبد الكثيرون خسائر كبيرة.

كانت "نيكولا" أول من واجهت مشكلة علنية، فقد حققت هيئة الأوراق المالية والبورصات في ملفات الشركة بعد أن أصدرت شركة "هيندنبرغ ريسيرش" (Hindenburg Research)، وهي بائعة على المكشوف، في سبتمبر 2020 تقريراً يقول، إنَّ "نيكولا" ليس لديها تقنية خاصة بها. وأضاف التقرير أنَّ الشركة عرضت شاحنة تعمل بخلايا وقود الهيدروجين لا تعمل، وأنَّ المؤسس تريفور ميلتون "دحرجها إلى أسفل التل". وبعد أن تبين من تحقيق الشركة أنَّ ميلتون أدلى بادعاءات يُشك فيها؛ غادر شركة صناعة السيارات. (واتهمته وزارة العدل الأمريكية منذ ذلك الحين بالاحتيال في الأوراق المالية والتدليس، بزعم الإدلاء ببيانات كاذبة، لتعزيز أسهم "نيكولا").

واجهت شركة "لوردستاون موتورز" مشكلات إدارية مماثلة، عندما قال تقرير بائع على المكشوف، إنَّ ستيف بيرنز، مؤسس الشركة، بالغ في تقدير توقُّعات شراء شاحنة "إندورانس" (Endurance) الكهربائية الصغيرة. وقام مجلس إدارة الشركة بتنحية بيرنز بعدما عقد المجلس تحقيقه الخاص.

تراجع "لوسِد"

لم تذكر "لوسِد" ما الذي تُحقّق فيه هيئة الأوراق المالية والبورصات بالضبط حول توقُّعاتها. وقام العديد من مكاتب المحاماة بالتحقيق في أعمال الشركة، استعداداً لرفع دعاوى بشأن غياب خطتها لبدء بناء سيارة "إير" السيدان في الربع الثاني. وبعد الإعلان عن صفقة الاندماج مع شركة "الشيك على بياض" في وقت مبكر من هذا العام؛ قالت الشركة في اليوم التالي، إنَّها لن تصنع السيارات حتى النصف الثاني من العام، مما أضر بالأسهم.

انخفضت أسهم "لوسِد" بنسبة 20% منذ 29 نوفمبر الماضي فقط، ونحو 8% منذ الكشف عن تحقيق هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية. لكن يتم تداول الأسهم الآن عند مستوى 44 دولاراً تقريباً، وهو أكثر من 4 أضعاف السعر الذي دفعه المساهمون الأوليون قبل الاندماج.

وحتى من دون المشكلات مع الجهات التنظيمية؛ ستواجه شركات صناعة السيارات الكهربائية الجديدة مثل "لوسِد" طريقاً صعباً لمضاهاة نجاح "تسلا".

يقول سام أبو الصميد، المحلل في شركة "غايد هاوس إنسايتس": "دخلت (تسلا) سوقاً فارغةً، ولم تكن أمامها منافسة". وأضاف: "مؤسسو هذه الشركات الجديدة يتوافدون على هذه السوق في الوقت ذاته الذي تقوم فيه شركات صناعة السيارات الراسخة بالأمر ذاته. وهم على وشك إطلاق بضع مئات من طرازات المركبات الكهربائية الجديدة على مدى السنوات الثلاث المقبلة. لكن سيكون من الصعب تكرار ما فعلته (تسلا)".

تصنيفات

قصص قد تهمك