فوضى العودة إلى المكاتب أفضل ما حدث لشركات الاستشارات منذ 2000

time reading iconدقائق القراءة - 28
فوضى العودة إلى المكاتب أفضل ما حدث لشركات الاستشارات منذ عام 2000 - المصدر: بلومبرغ
فوضى العودة إلى المكاتب أفضل ما حدث لشركات الاستشارات منذ عام 2000 - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

تقدّم خدمة "لينكد إن ليرنينغ" (LinkedIn Learning)، ذراع التطوير المهني التابعة للموقع الإلكتروني المتخصص بالبحث عن الوظائف، 17 ألف مقرر دراسي عبر الإنترنت، يقدّمها أشخاص تعتبرهم شركة "

" "خبراء موثوقين".

إقرأ أيضاً:

لدى البحث عن محاضرات حول العودة إلى المكاتب إثر الوباء الذي يبدو أنه لن ينتهي، والذي يشكل التحدي الأكثر تعقيداً للشركات الأميركية في تاريخها، سوف نجد حِكَماً يقدمها كافة أنواع الخبراء الذين يمكن تخيلهم.

أحد الدروس، تُقدّمه إخصائية تشريفات مرحة تدعى جودي سميث، تقرّ في المقطع المصور الذي تقدّمه، ومدته 33 دقيقة، بالحقيقة الواضحة بأن "الأمور قد تغيرت، وأيضاً نحن تغيرنا"، ولكن "لحسن الحظ، فإن التشريفات تتطور حتى تتلاءم مع الحالة القائمة". ثمّة درس آخر تقدمه هايدي هانا "خبيرة الضغوط والمرونة" التي تحمل شهادة دكتوراه في التغذية الشاملة والمتخصصة بـ"التفكير بالقدرات". أمّا الكاتبة والمنتجة التلفزيونية السابقة بولا ريزو المتخصصة بـ"التفكير على شكل قوائم"، والتابعة للجمعية الوطنية للمنظمين المحترفين، فتقول: "تعلمت التلاعب بالكرات في المدرسة الثانوية". وتضيف: "حين تكون الكرة في الهواء، يجب أن تنتبه إلى الكرتين الأخريين، والأمر عينه ينطبق حين تداور بين حياتك المكتبية وحياتك المنزلية". هناك أيضاً نصائح من جيم روجرز، الذي يصف نفسه بالخبير في "الإسمنت والتدعيم وأعمال الخرسانة لاحقة الشدّ"، وهو يَعِدُ "بتقديم درس سريع حول العمل كخبير صحة وسلامة"، فيما يعطي إرشادات حول تحسين أنظمة تنقية الهواء.

اقرأ المزيد:

اقرأ المزيد:

حيرة أصحاب العمل

ربما تتساءلون كيف أصبح هؤلاء -إخصائية الآداب وخبيرة التنظيم وعامل البناء- ضليعين في مفهوم العودة إلى المكاتب. إن ظهور هذا النوع المبهم والواسع من الخبراء يظهر يأس أصحاب العمل الذين يحاولون أن يتوصلوا إلى طريقة وتوقيت وتقرير ما إذا كان عليهم أن يعودوا مع موظفيهم إلى المكاتب التقليدية. وهنا لابدّ من اتخاذ قرارات كبرى: فهل يعمل الموظفون عن بعد بالكامل مثل "تويتر"؟ أو تفرض الشركات على الموظفين العودة إلى المكاتب، مثل معظم المصارف في "وول ستريت"؟ أو تتبنى نظاماً هجيناً معاصراً؟ وإذا ما تم تبني النظام الهجين، هل تفرض المجيء في أيام محددة إلى المكتب، أو تثق بالموظفين ليقرروا بأنفسهم؟ هل يجب أن تكون كلّ المكاتب في متناول الجميع، بما فيه مكتب الرئيس التنفيذي؟ وهل نحتاج إلى كلّ هذه المساحة المكتبية أصلاً؟

اقرأ أيضاً:

جعل فيروس كورونا وسلالاته المتحورة أضحوكة من الشركات التي حاولت فرض قواعد صارمة. وبحسب استطلاع قامت به شركة الاستشارات البحثية "غارتنير" (Gartner)، فإن ثلثيّ المؤسسات أرجأت تاريخ العودة إلى المكتب الذي كانت قد حددته قرابة عيد العمّال، بينها شركتا "أبل" و"غوغل"، فيما فرض نحو ثلث الشركات إلزامية تلقي اللقاح بينها "ولمارت" و"والت ديزني". أمّا الشركات التي أجلت العودة إلى شهر يناير فهي تواجه الآن تحدي "أوميكرون"، فيما بعض الشركات الأخرى مازالت لا تعرف بعد متى، وما إذا كان موظفوها سيعودون إلى المكاتب.

قال ستيف كاديغان، مسؤول الموارد البشرية السابق في "لينكد إن" الذي يقدّم استشارت حول إدارة المواهب، والذي بالطبع بات اليوم مستشاراً في مسألة العودة إلى المكاتب، إن "أي شخص يقول لك هكذا سوف تجري الأمور، هو في الواقع لا يعرف". وأضاف: "الموظفون الذين ذهبوا إلى منازلهم العام الماضي ليسوا هم أنفسهم الذين يعودون".

ارتباك وفوضى

يجتمع الارتباك مع الفوضى وغياب أي خبرة فعلية، فتشكلّ جميعهاً ظروفاً مثالية للانتهازيين الأكثر جرأة في عالم الشركات في الولايات المتحدة. فعلى مرّ الـ21 شهراً الماضية، احتشدت أطراف متنوعة، بدءاً من القوة العاملة إلى الاستشاريين الإداريين وشركات التصميم وشركات صناعة المفروشات والشركات العقارية، من أجل طرح أفكار جديدة وحلول فذة. فقد بدأ قطاع متخصص في العودة إلى المكاتب يتشكل في العام الماضي خلال فترة الإغلاق، حين اتضح أمران: العمل من المكتب بات فجأة مجهول المصير، وأقسام الموارد البشرية تخوض أمراً يفوق طاقتها.

بين ليلة وضحاها، بات على موظفي الموارد البشرية أن يصبحوا خبراء في تصاميم المكاتب ومجرى الهواء وتكنولوجيا المعلومات والاجتماعات عبر تطبيق "زووم" خلال رعاية الأولاد، والبروتوكولات المتعلقة بالأمراض المعدية. بالتالي، في ظلّ السياسات المتعلقة بـ"كوفيد-19" على المستوى الفيدرالي ومستوى الولاية والمستوى المحلي ومعدل التفشي الفيروسي، أصبحت إعادة فتح المكاتب لعبة حظ. ووسط الخلاف بين الموظفين الراغبين بمرونة أكثر ومعظم المديرين التنفيذيين الذين يطالبون بعودة الموظفين إلى المكاتب، وجد مسؤولو الموارد البشرية أنفسهم في موقف يعجزون فيه عن إرضاء الجميع. قالت أندريا مولينز، نائب الرئيس لشؤون الموارد البشرية في قسم الحوسبة السحابية في شركة "إنغرام ميكرو" (Ingram Micro) الذي يضم ألفيّ موظف، إن "موظفي الموارد البشرية لم يعملوا في هذا المجال على هذا الأساس". وأضافت: "كلّ ستة أسابيع، يتغير تماماً الحوار الذي أجريه. إن الأمر مرهق".

في نهاية المطاف، وصل العاملون في مجال الموارد البشرية إلى نقطة الاستنفاذ، حيث سجلت شركة التوظيف في المناصب التنفيذية "هايدريك آند ستراغلز" (Heidrick & Struggles) ارتفاعاً بنسبة 65% في البحث عن موظفي موارد بشرية في مناصب قيادية. ويعزى ذلك في جزء منه إلى الإرهاق. وقال براد بيل، مدير مركز بحوث الموارد البشرية المتقدمة في "كورنيل" (Cornell): "لا نعرف كيف نتعامل مع هذه الأنظمة الهجينة التي باتت الواقع القائم اليوم". وأضاف: "لقد درست العمل عن بعد لعقدين من الزمن، ولكن ما اختبرناه في السنة ونصف السنة الماضيتين، لا يشبه أي شيء سبق ودرسناه".

ازدهار الاستشارات

في الوقت الذي تهافت المديرون التنفيذيون على امتداد البلاد لتشكيل فرق تدخل سريع من اختصاصات متنوعة، ولجؤوا إلى خبراء في مجال العمل عن بعد، بدأت النصائح تصدر عن شركات الموارد البشرية التي كان العديد منها يقدّم استشارات للشركات حول مشاريع عامة، ثمّ بدأت تتخصص في موضوع العودة إلى المكاتب. وحين راحت مسألة العودة إلى المكاتب تتوسع لتشمل مسائل شتّى، من التعويضات إلى أعمال البناء والصحة النفسية، بدأت الأمور تتداخل فيما بينها. فمع اتساع الموضوعات، زاد تنوع الاستشاريين، إلا أن معظمهم لا يدرون ما الذي يفعلونه. ولكن بالنسبة إلى الشركات الاستشارية، كان ذلك أفضل ما حصل منذ بداية الألفية الثالثة.

في يناير، اتخذ كريس هيامز، الرئيس التنفيذي لموقع البحث عن الوظائف "إنديد" (Indeed) القرار بأن يعمل 70% من موظفي الشركة البالغ عددهم 11 ألف عن بعد بشكل دائم. وحين توافرت اللقاحات في الربيع الماضي، طُلب تقريباً من كلّ الـ30% المتبقين الذين تتطلب أدوارهم أحياناً العمل وجهاً لوجه، مثل العاملين في أقسام المبيعات وخدمات الزبائن، أن يعودوا إلى المكاتب ليومين في الأسبوع على الأقل، ابتداءً من أول سبتمبر.

العودة إلى الإغلاق

خلال الصيف، قام هيامز بفتح بعض من المكاتب الـ33 التابعة لـ"إنديد" بسعة 25%. ولكن بحلول شهر يوليو، أدى تفشي سلالة دلتا المتحورة إلى إغلاق المكاتب مجدداً، وتعذرت العودة في سبتمبر. لذا بعد أن تشاور مع الفريق المتخصص في العودة إلى المكاتب داخل الشركة، والذي يضمّ نحو عشرة أشخاص بينهم، نوابه لشؤون العقارات والاتصالات والموارد البشرية والشؤون المالية والمنشآت والمبيعات، قام بتأجيل موعد العودة إلى يناير 2022.

ثمّ في سبتمبر، بعد اجتماع آخر لفريق التدخل، أرجأ هيامز موعد العودة مجدداً إلى يوليو 2022، ما منح الموظفين الذين لديهم أولاد مرونة أكثر حتى نهاية العام الدراسي، على الرغم من أن هذه المهلة الزمنية قد تتغير مجدداً أيضاً. وقال هيامز: "نحن نستخدم مصطلح (غير مسبوق) بشكل غير مسبوق مؤخراً"، بعد أن أرهقته دوامات الاجتماعات والقواعد والهواجس التي تستحوذ اليوم على جزء كبير من وقته.

عامل الثقة

لا تقتصر الأعباء على كاهل الرؤساء التنفيذيين بالكابوس اللوجستي، إذ يمكن للعودة الخاطئة إلى المكاتب أن تؤدي إلى انهيار الثقة بين الموظفين والإدارة، ما يفاقم معدلات دوران الموظفين التي بلغت أصلاً معدلات قياسية حالياً. فأكثر من نصف الموظفين يفكرون في الاستقالة في حال طلب منهم العودة إلى المكتب، قبل أن يشعروا بالاستعداد لذلك، بحسب استطلاع أسبوعي متواصل يشمل نحو 400 موظف يعملون عن بعد تجريه شركة الإحصاءات "مورنينغ كونسلت" (Morning Consult).

لا تظنّن أن الموظفين الشباب هم الأكثر حماسة للتخلي عن المكاتب، فالموظفون فوق الستين عاماً هم أكثر ترجيحاً للرغبة في العمل بدوام كامل عن بعد، بحسب تكتل البحوث "فيوتشر فوروم" (Future Forum) الذي أسسته شركة "سلاك تكنولوجيز" (Slack Technologies). هذا التردد في العودة إلى المكاتب نسبته أعلى على الأرجح لدى النساء اللواتي تحمّلن عبء الواجبات المنزلية خلال فترة العمل من المنزل، والأشخاص من ذوي البشرة الملونة، الذين قد يشعرون بالتردد إزاء العودة إلى تحمّل الحوادث العدائية اليومية التي تطرأ في الحياة المكتبية، بالإضافة إلى أصحاب المواهب في مجال التكنولوجيا الذين قد يجدون فرصاً أكبر في أماكن أخرى. كلّ ذلك يأتي في ظلّ "الاستقالة الكبرى"، حيث أعضاء القوة العاملة الذين عاشوا على أعصابهم في أوجّ مرحلة الوباء يستقيلون حالياً من وظائفهم.

في خضم كلّ ذلك، يواجه المديرون صعوبة في القيام بأعمالهم الإدارية. هل يجب أن تكون اللقاحات إلزامية؟ هل يجب السماح بارتداء السراويل الرياضية؟ فالخيارات التي تقوم بها الشركات الآن سوف ترسم ثقافتها للسنوات التي تلي.

إنتاجية العمل عن بُعد

حوّل الوباء الشركات إلى مختبرات عايشت في الوقت الحقيقي تأثير العمل عن بعد على الإنتاجية والتعاون والابتكار والانخراط والصحة النفسية. وقد أظهرت البحوث أن الموظفين العاملين عن بعد هم بنفس الفعالية، لا بل أحياناً أكثر فعالية مقارنة بالعمل من المكتب. ولكن لدى استطلاع العاملين عن بعد، يظهر اختلاف واضح. فنحو نصف المديرين التنفيذيين يرغبون في التواجد في المكتب يومياً، مقابل 17% فقط من الموظفين العاديين، استناداً إلى استطلاع "فيوتشر فوروم" المتواصل الذي يشمل أكثر من 10 آلاف عامل في مجالات المعرفة. حتى إن البعض من الموظفين لا يرغبون في العودة إلى المكتب قطّ، والبعض الآخر لا يمانع الحضور بضع مرات في الأسبوع، فيما آخرون غير متأكدين ممّا يرغبون به.

لا شكّ في أن الخوف والقلق والشكّ هو ملعب الاستشاريين. ففي بداية الوباء، كانت غالبية النصائح المتعلقة بالعودة إلى المكاتب مصدرها خبراء الموارد البشرية مثل "ميرسير" و"ويليس تاورز واتسون" (Willis Towers Watson). ولكن سرعان ما انتهزت أقسام القوى العاملة في الشركات الأربع الكبرى في مجال الخدمات الاستشارية "برايس ووتر هاوس كوبرز" (PwC) و"إي دبليو" (EY) (إيرنست آند يونغ سابقاً) و"كي بي إم جي" (KPMG) و"ديلويت" (Deloitte)، الفرصة والتحقت بالموجة. ولم تقدر الشركات الاستشارية العريقة، من طراز "ماكنزي" (McKinsey) و"باين" (Bain) و"بوسطن كونسلتينغ غروب" (Boston Consulting Group)، أن تقاوم إضفاء سحرها في الباور بوينت على هذه المسألة. كما هرعت الشركات الصغيرة لسدّ الثغرات.

قالت مليسا جيزيور، الرئيسة التنفيذية لشركة "إيغل هيل" الاستشارية (Eagle Hill Consulting) المتخصصة في استشارات القوى العاملة ومقرّها أرلينغتون في فيرجينيا: "على الرغم من أن الأمر لا يتعلق بمشروع تقليدي في مجال العودة إلى المكاتب، إلا أننا نجري هذا النقاش مع كلّ عملائنا تقريباً"، مضيفة أن "الموضوع يمسّ بكلّ شيء".

مجال جديد للاستشارات

في السنوات الماضية، بدأت غالبية هذه الشركات تنشط في المجال المتنوع الجديد الخاص بـ"الخدمات التحولية" غير المرتبطة بحدث بعينه، مثل اندماج بين شركتين أو تسريح من العمل، بل المتعلقة بعملية مستمرة أشبه بالعلاج الذي لا ينتهي قط بشكل متعمّد. يمكن لتكلفة مثل هذه الخدمات أن تتراوح ما بين 5 و10 ملايين دولار للمشروع الواحد، ما يجعلها واحدة من أسرع القطاعات نمواً في قطاع الاستشارات العالمي البالغ حجمه 480 مليار دولار، بحسب "كنيدي ريسيرتش ريبورتس" (Kennedy Research Reports) التي تتابع القطاع. وبما أن هذه الشركات تنشط أصلاُ في مجال المواهب والتكنولوجيا وحتى في مجال "العمل المستقبلي"، فكانت في موقع مثالي لمساعدة العملاء على التخطيط للعودة إلى المكاتب. وقال جيف شوارتز الذي أمضى 31 سنة كاستشاري، قبل أن ينضم إلى شركة ناشئة مختصة في المطابقة بين الوظائف والباحثين عن عمل من خلال الذكاء الاصطناعي: "لم يكن مستقبل الوظائف ذا أولوية قبل كوفيد، والآن أصبحنا جميعنا ذوي نظرة مستقبلية".

لم يستغرق الوقت طويلاً حتى التحقت جهات أخرى بالركب، فهرع المهندسون والمصممون لإعادة تصميم أماكن العمل التقليدية، وقدموا نصائح للعملاء تفيد بأنه، بما أن المكاتب لم تعد ضرورة يومية بالنسبة إلى الكثير من الموظفين، فلابدّ أن يعاد تصميمها كوجهة مرغوبة أكثر. وقالت ليز نيومان، مديرة الممارسات في مكان العمل في شركة "سميث غروب" التي تعيد تصميم المكاتب لصالح "جنرال موتورز" وغيرها من كبار الزبائن، إن الأمر "خلق الكثير من العمل الجديد لشركتنا". وبحسب نيومان، يكمن التحدي الذي يواجهه عالم "ما بعد المكاتب" في تبنّي تصميم يرغب الموظفون "في العودة إليه، بدل أن يرفضوا ويتذمروا من العودة".

ابتكارات جديدة

في ما خص مشروع "جنرال موتورز"، تعمل شركة "سميث غروب" على إنشاء ما يشبه "الأحياء" ضمن مقرّ شركة هندسة المركبات، تخصص فيها مساحات لفرق العمل من أجل التعاون والتواصل الاجتماعي والقيام بالمهام بشكل يصون خصوصيتهم حين يحتاجون إلى ذلك. شركة صناعة أثاث المكاتب "هيرمان ميلر" الشهيرة بابتكار الحجيرة وكرسي أيرون، أقامت شراكة مع "سميث غروب" من أجل صنع أثاث متحرك يتلاءم مع استخدام تطبيق "زوم". (من جانبها، قامت الشركة المنافسة في مجال صناعة الأثاث "ستيلكايس" (Steelcase) التي تقدم استشارات خاصة بها في مجال مكان العمل، بطرح 16 منتجاً في إطار مجموعة مستلهمة من الوباء تحمل اسم "فليكس"، تضمّ مكاتب ومقاعد ومنتجاً يحمل اسم "أغطية الخصوصية"، وهو عبارة عن حجيرات مغطاة جزئياً للموظفين الذين يداورون بين الاتصالات عبر تقنيات الفيديو ووقت التركيز على العمل. في هذا الصدد، يقول راين أندرسون، نائب الرئيس لشؤون البحوث الدولية والمعلومات في شركة "ميلركنول" (MillerKnoll ) مالكة "هيرمان ميلر"، إن الوباء "منحنا أخيراً المحفز الذي نحتاج إليه من أجل إعادة التفكير بتصميم المكاتب التي لم تكن أصلاً في حال جيدة جداً قبل الوباء".

بعد أن شعر مالكو المكاتب بأن إيراداتهم قد تنخفض، بدؤوا هم أيضاً يفكرون في إستراتيجيات العودة إلى المكاتب. وكانت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني قد أفادت مؤخراً، بأنه في حال تبنّت الشركات نظام يوم ونصف اليوم فقط من العمل عن بعد، فإن المردود المالي لأصحاب المكاتب سوف يتراجع بنسبة 15%. وكانت الشركة العقارية العملاقة "جي إل إل" (JLL) التي تضمّ قائمة عملائها شركات من طراز "مايكروسوفت" و"كابيتال وان فاينانشل غروب" (Capital One Financial Corp)، قد طرحت في يونيو الماضي نشاطها في مجال حلول الشركات بحلّة جديدة وأطلقت عليه تسمية "ديناميات العمل" بهدف تبنّي نهج "يركز أكثر على الإنسان" لإدارة البيئة المكتبية، بحسب سانجاي ريشي، الرئيس التنفيذي لمنطقة الأميركيتين في الوحدة. وفي أبريل 2021، طرحت الشركة مجموعة برامج كمبيوتر وخدمات تحت عنوان "الخبرة/ أي مكان" تُمكّن المستأجرين لدى "جي إل إل" من إدارة قوة عاملة هجينة بما يشمل مثلاً التواصل بين الموظفين وإدارة المقاولين وضمّ موظفين جدد و"تقييم وضعية الجلوس الجسدية" للموظفين، سواء كانوا يعملون في مبنى شاهق في وسط المدينة، أو لا. وقال ريشي، الذي بدا وكأنه تيقظ لأمر عن جديد، ربما لأنه يحاول التخفيف من حجم خسائره: "كنّا في السابق نذهب إلى العمل، ولكن العمل ما عاد اليوم المكان الذي تذهب إليه، ولكن ما تقوم به".

تجربتا 1999 و2020

في عام 1999، دبّ الذعر في نفوس الشركات على امتداد الولايات المتحدة، إثر شائعات بأن مشكلة الألفية الجديدة سوف تقضي على عملياتها الحاسوبية، ما دفعها إلى تجنيد جيش من الاستشاريين المختصين في مشكلة العام 2000، الذين ارتفع الطلب عليهم. جاء بعدها صيف عام 2020، حين أدى مقتل جورج فلويد إلى يقظة وطنية حول العنصرية، فنشأت موجة من الاستشاريين المتخصصين بالتنوع والاندماج الذين وعدوا الشركات التي وجدت نفسها في حيرة من أمرها بمعالجة المشكلات العرقية المعقدة. وفيما شكل استشاريو مشكلة العام 2000 موجة عابرة (إذا كنتم لم تنضموا بعد للقوة العاملة في حينها، فاعلموا أن انهيار أنظمة الكمبيوتر لم يحصل)، إلا أن استشاريي التنوع والاندماج لن تكفي الحاجة إليهم على المدى القريب، وهذا لسبب وجيه.

يمكن تصنيف استشاريي العودة إلى المكاتب في مكان ما بين الاثنين. وقالت كيلي ييتس، نائب الرئيس لعمليات الخدمات في شركة "إنسبيريتي" (Insperity) التي تعمل كقسم خدمات الموارد البشرية لصالح المئات من صغار العملاء: "رأينا قطاعاً كاملاً ينشأ في العام الماضي". ومثل أي لحظة دراماتيكية أخرى تشكل فرصة لمجوعة جديدة من الخبراء لتقديم استشارات للشركات الثرية حول التعامل مع مشكلات خطرة مثل الركود والهجمات الإرهابية والأزمات المالية، نشأت في هذه الحالة أيضاً مجموعة من المواهب والنصائح بالغة التنوع. وقال جيزيور من "إيغل هيل" إن "الدجالين موجودون دائماً، ولكن لا يمكن النجاح بالادعاء وحده إلا لفترة قصيرة". من جهته، وصف براين ووكر، الشريك لشؤون الابتكار والتصميم في شركة "إيديو" (Ideo) التي تعمل مع الشركات على إعادة صياغة ثقافتها، "إن الأمر جنوني".

قال ووكر: "الناس العاملون في هذا المجال يبيعون حلاً، ولكن لا توجد سابقة للعودة إلى المكاتب، لذا كيف سيجري الأمر بالضبط؟"

الإجابة عن سؤال ما إذا كانت ستستمر الحاجة إلى المستشارين حول العودة إلى المكاتب، تعتمد بشكل كبير على ما إذا كان الخبراء سوف يتمكنون من الانتقال من النصائح المبتذلة حول أنظمة التهوئة وآداب استخدام تطبيق "زوم" إلى مسائل أكثر تعقيداً تتعلق بالتطور المتواصل لـ"مكان العمل" وكيفية التعامل مع المتطلبات المتغيرة التي ترافقه.

خطط الشركات الاستشارية

في غضون ذلك، يبدو أنه حتى الاستشاريين في مجال العودة إلى المكاتب يحتاجون إلى المساعدة من أجل التخطيط لعملية الانتقال الخاصة بهم. ففيما تقدم " برايس ووتر هاوس كوبرز" الاستشارات لشركات تقدر قيمتها بمليارات الدولارات حول العودة إلى المكاتب، يتولى جو أتكينسون، كبير مسؤولي المنتجات والتكنولوجيا في الولايات المتحدة إعداد المكاتب الـ79 التابعة لـلشركة ذاتها من أجل عودة موظفيها.

مثل الكثير من المؤسسات، كانت الشركة الاستشارية تخطط للعودة بشكل كامل في شهر سبتمبر، ولكن بحلول نهاية أغسطس، قامت بتأجيل ذلك إلى نوفمبر. ثمّ في بداية أكتوبر، اتخذت القرار الحاسم بالسماح لموظفيها الـ40 ألفاً المختصين في خدمة الزبائن بالعمل عن بعد بشكل دائم. أمّا أولئك الذين يختارون العودة إلى مكاتبهم بقرار خاص منهم، فقد تم تكليف أتكينسون بترقية شاشات أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم لتتلاءم مع تقنية "إتش دي إم آي". وقال: "لم يسبق لأي فريق إدارة أن حاول تبيان كيفية إعادة الجميع دفعة واحدة". وأضاف: "لا يوجد كتيب إرشادات للقيام بذلك".

تصنيفات

قصص قد تهمك