بعد 20 عاماً على فضيحة "إنرون".. المستثمرون ما زالوا عرضة للاحتيال

time reading iconدقائق القراءة - 11
بعد 20 عاماً على فضيحة \"إنرون\".. المستثمرون مازالوا عرضة للاحتيال - المصدر: بلومبرغ
بعد 20 عاماً على فضيحة "إنرون".. المستثمرون مازالوا عرضة للاحتيال - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

تسبب انهيار شركة "إنرون" (Enron)، التي تقدمت بطلب الحماية من الإفلاس في الثاني من ديسمبر قبل 20 عاماً، بزلزال في أسواق المال، الأمر الذي أفضى على الفور إلى زوال شركة "آرثر أندرسن" (Arthur Andersen)، وهي شركة التدقيق التي اعتمدت البيانات السنوية لشركة "إنرون" وحيلها المحاسبية البارعة، ومن ثم تمخّضت فضائح الشركتين عن سَن قواعد وقوانين جديدة للشركات ومراجعي الحسابات، التي كان من المفترض أن تمنع وقوع عمليات احتيال مستقبلية بهذا الحجم الهائل.

اقرأ أيضاً: جهة رقابية أمريكية تمنح مكافأة 200 مليون دولار لمقدِّم أدلة التلاعب بـ"ليبور"

رغم عدم وقوع مثل تلك الفضائح الكبرى في الأسواق الأمريكية بعد مرور عقدين من الزمان على فضيحة "إنرون"، فإنه ليس من الواضح ما إذا كان المستثمرون أكثر أماناً اليوم مما كانوا عليه قبل انهيار عملاقة الطاقة الأمريكية.

اقرأ المزيد: على صوت أجراس الإنذار المدوية.. هكذا سقط "كريدي سويس" في فضيحة "آركيغوس"

احتيال واسع النطاق

كانت "أندرسن" متورطة بالفعل، وقت سقوط "إنرون"، في عمليات احتيال في شركات "وايست مانجمنت" (Waste Management) و"صن بيم برودكتس" (Sunbeam Products) والمؤسسة المعمدانية في أريزونا (Baptist Foundation of Arizona). وسرعان ما ظهرت عملية احتيال أكبر تورطت فيها شركة "ورلد كوم" (WorldCom) للاتصالات، أحد عملاء "أندرسن" أيضاً. وفي أعقاب انهيار "وايست مانجمنت"، باغتت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية شركة "أندرسن" بغرامة قدرها 7 ملايين دولار، وفرضت عقوبات على أربعة من الشركاء، كما أصدرت بحق شركة المحاسبة القانونية إنذاراً قضائياً ضدّ أي انتهاكات أخرى لقوانين الأوراق المالية.

بمجرد ظهور بوادر الكشف عن ممارسات الاحتيال في "إنرون"، فعَّل مكتب "أندرسن" في هيوستن "سياسة الاحتفاظ بالوثائق" بسرعة، ما أدى إلى تمزيق أوراق عمل شركة الطاقة قبل إجراء تحقيق من قِبل هيئة الأوراق المالية والبورصات. ومع تصاعد الغضب العام، اتهمت وزارة العدل الشركة بعرقلة العدالة. وقد أصرّ المدّعون، في أثناء محادثات التسوية، على اعتراف "أندرسن" بمخالفة القوانين بصورة ما، الأمر الذي رفضته إدارة "أندرسن"، مؤكدة أن الشركة لم تخرق أي قوانين. لكن هيئة محلّفين في هيوستن أدانت شركة المحاسبة القانونية في عام 2002، ما أدى إلى توقفها عن العمل.

تعزيز الرقابة

كانت محاكمة "أندرسن" قد أزعجت الشركات الأخرى في قطاع تحوَّل من لعب دور رقابي إلى عنصر تمكين لممارسات محاسبية غير مسؤولة يشوبها التلاعب. واستجابةً لذلك، أضاف قانون "ساربينز- أوكسلي" لعام 2002، وهو قانون واسع النطاق لتعزيز رقابة شركات التدقيق المحاسبي، إلى الضغوط على الشركات لتجنب الإبلاغ عن الأرقام المراوغة. ولبضع سنوات، بث شبح مصير "أندرسن" في عمليات تدقيق أقرانها صرامةً كانت قد افتقدتها في ما سبق، إذ ارتفعت معدلات إعادة صياغة بيانات الأرباح خلال أعوام 2003 و2004 و2005، في إشارة إلى أن الإصلاحات المحاسبية للقانون، مقترنةً بجرأة المراجعين، كانت تعالج الشركات من الممارسات السيئة.

لكن في عام 2005، نقضت المحكمة العليا إدانة "أندرسن"، الأمر الذي سبّب إحراجاً لوزارة العدل، التي كانت قد أغلقت، بالأساس، شركة عالمية تضم 85 ألف موظف. واعتباراً من عام 2005 فصاعداً، كان من الواضح أن الحكومة ستتحفظ بشأن أي ادعاء قد يفضي إلى خفض تصنيف الأربع الكبرى: "ديلويت" (Deloitte)، و"إرنست آند يونغ" (Ernst & Young)، و"كي بي إم جي" (KPMG)، و"برايس ووترهاوس كوبرز" (PwC). فقد أسفر تحقيق جنائي في ممارسات شركة "كي بي إم جي" حول هيكلة ومبيعات الملاذات الضريبية الفاسدة، الذي كان من الممكن أن يقضي على الشركة، عن اتفاقية مقاضاة مؤجلة في عام 2005. حتى الحيلة المحاسبية المشينة التي استخدمها بنك "ليمان براذرز" (Lehman Brothers) لإخفاء رافعته المالية عن المستثمرين -المعروفة باسم "ريبو 105" (Repo 105)- لم تعاقبه عليها هيئة الأوراق المالية والبورصات في نهاية الأمر، على الرغم من أن ولاية نيويورك انتزعت 10 ملايين دولار من شركة "إرنست آند يونغ" بعد إعلان إفلاس بنك "ليمان براذرز" في سبتمبر 2008.

أكبر من أن تفشل

يقول لين تورنر، الذي شغل منصب كبير المحاسبين في هيئة الأوراق المالية والبورصات خلال الفترة بين عامي 1998 و2001: "لديك أربع شركات دولية عملاقة. إنها تتصرف وتعمل كما لو أنها أكبر من أن تفشل، فيما يخشى المنظمون القيام بأي شيء حيال ذلك".

يمكن أن تشير الشركات الأربع الكبرى إلى عدم وجود أي عمليات احتيال محاسبية بحجم "وورلد كوم" خلال العقد الماضي كدليل على أن الصناعة قد أصلحت نفسها. لكن الكشف عن إيداعات مزيفة أو مضلّلة من قِبل شركات "فاليانت" (Valeant) و"أندر آرمر" (Under Armor) و"كرافت هاينز" (Kraft Heinz) في السنوات الأخيرة، يبرهن على أن النظام ليس مثالياً.

في التسعينيات، عززت شركات المحاسبة الكبرى إيراداتها من خلال تقديم مجموعة متنوعة من خدمات الاستشارات التجارية لعملائها الذين تدقق حساباتهم. ونظراً إلى فهم شركات التدقيق بالفعل للعمليات التجارية لعملائها، فقد تحوّل تفكيرها إلى أنها ستكون أيضاً في وضع يمكنها من مساعدة هؤلاء العملاء بشكل أفضل في مجالات أخرى من أعمالهم التجارية، غير أن علاقة العمل الموسعة تلك منحت نفوذاً أكبر للعملاء على مدققي حساباتهم. لم يكن ذلك ليصبح أكثر وضوحاً من علاقة "أندرسن" مع "إنرون"، إذ دفعت الأخيرة أكثر من مليون دولار أسبوعياً للأولى مقابل خدماتها في تدقيق الحسابات واستشارات الأعمال الداخلية.

اقتراح ومعارضة

في العام ذاته، اقترح رئيس هيئة الأوراق المالية والبورصات، آرثر ليفيت، قاعدة من شأنها أن تجبر شركات المحاسبة على الاختيار بين العمل كشركات تدقيق أو استشارات لعملائها. وقاومت جماعات الضغط فى القطاع المحاسبي في واشنطن مقترح ليفيت بقوة، ما دفع أعضاء الكونغرس ورجال الأعمال البارزين إلى كتابة خطابات إلى هيئة الأوراق المالية والبورصات للاعتراض على الأمر. وبصفتي كنت مراسلاً في صحيفة "يو إس إيه توداي" حينذاك، قدّمتُ طلباً إلى هيئة الأوراق المالية والبورصات بعد انهيار "إنرون" للحصول على هذه الخطابات بموجب قانون حرية المعلومات. وكان من بينها خطاب وجهه الرئيس التنفيذي لشركة "إنرون"، كينيث لاي، إلى ليفيت بتاريخ سبتمبر 2000، إذ أشاد بالعمل الرائع الذي قامت به "أندرسن" في مجالات تدقيق الحسابات وتقديم الخدمات الاستشارية لشركته. كتب لاي: "وجدت (إنرون) أن اتفاق التدقيق المتكامل الخاص بها أكثر كفاءة وفاعلية من حيث التكلفة مقارنةً بالأدوار التقليدية لوظائف المراجعة الداخلية والخارجية المنفصلة".

تضارب المصالح

كان قانون "ساربينز- أوكسلي" قد حدّد أنواع الخدمات التي يمكن أن تقدمها شركات التدقيق المحاسبي لعملائها، الأمر الذي جعل ثلاثاً من الشركات الأربع الكبرى تبيع شركات الاستشارات التابعة لها. لكن عمالقة المحاسبة القانونية عكسوا مسارهم على الرغم من ذلك خلال العقد الماضي، إذ استحوذوا على شركات استشارية لتوسيع مصادر إيراداتهم، مؤسِّسين بذلك لتضارب المصالح داخل النظام مرة أخرى. أيضاً، بموجب قانون "ساربينز- أوكسلي"، جرى تأسيس هيئة تنظيمية جديدة، وهي مجلس مراقبة حسابات الشركات العامة (PCAOB). ولأكثر من عقد من الزمان، شكّل المجلس جهة إشرافية ملائمة، لكن ذلك تغيّر تحت إدارة ترمب، عندما بدأ المجلس، حديث التأسيس، يكشف عن مشكلات أقل في عمليات التدقيق التي يقوم بها عمالقة المحاسبة. من جهتهم، انتقد المدافعون عن حقوق المستثمرين، برئاسة مساعد سياسي ليس لديه خبرة في مجال التدقيق، ممارسات المجلس باعتبارها صديقة للغاية للقطاع المحاسبي، الأمر الذي حدا برئيس هيئة الأوراق المالية والبورصة في إدارة بايدن، غاري غينسلر، لتعيين إدارة جديدة لمجلس مراقبة حسابات الشركات العامة.

الاعتماد على التكنولوجيا

لقد جعلت تطورات عديدة عمل المدققين أكثر صعوبة. فنظراً إلى نمو الشركات العالمية الكبرى بصورة هائلة خلال الأعوام العشرين الماضية، أصبحت شركات المحاسبة القانونية تعتمد بشكل أكبر على التكنولوجيا للقيام بعملها، إذ تأخذ مجموعات من البيانات الأولية من العملاء في أوقات محددة مسبقاً، ثم تدخلها جميعاً إلى برامج التحليلات المصممة لهذا الغرض. كما نقلت بعض عملياتها إلى الخارج، تماماً مثلما فعل أغلب عملائها. فالأربع الكبار لديها، جميعاً، مكاتب في أماكن مثل بنغالورو في الهند، إذ يمكنهم إنجاز أعمال ضريبية روتينية ومعالجة الأرقام المتعلقة بالتدقيق، التي من شأنها أن تكلّف أكثر في الولايات المتحدة.

هذا يقلل من الاتصال المباشر بين المدققين والمديرين التنفيذيين للشركات، التي كانت في السابق جزءاً مهمّاً من عملية التدقيق. كما أدى "كوفيد-19" إلى تسريع هذا التوجه، إذ أصبحت الاجتماعات عن بُعد بين المدققين ونظرائهم من العملاء هي القاعدة الآن. من جانبهم، أعرب المخضرمون في القطاع المحاسبي عن قلقهم بشأن عدم انعقاد الاجتماعات وجهاً لوجه في مقار العمل الخاصة بالعملاء. في كثير من الحالات، لم يعُد المدققون يُجْرون محادثات عفوية مع المديرين والموظفين في الخطوط الأمامية باعتبارهم الأشخاص الذين، في وقت من الأوقات، ربما لفتوا أنظارهم إلى بعض الأرقام التي تزعم الإدارة صحتها، ولكنهم الآن خارج عملية التدقيق تماماً. تقول ديبي كاتلر، التي تدرِّس دورات حول الممارسات الأخلاقية لصالح جمعية ولاية نيويورك للمحاسبين القانونيين المعتمدين: "من الواضح أن التدقيق عن بُعد يمثل تحدياً، فعقد الاجتماعات عبر تطبيق (زووم) يُعَدّ أمراً مختلفاً، ولكن لا شيء يضاهي الاجتماع بالعملاء وجهاً لوجه".

تحديات البلوكتشين

على صعيد آخر، تشكل العملات المشفرة خطراً جديداً. يقول بريان لوغمان، الشريك في شركة "فلويد للاستشارات" (Floyd Advisory)، الذي سبق أن كان شريكاً في "أندرسن" بين عامَي 1999 و2002: "تقنية (بلوكتشين) موجهة لإخفاء هوية مستخدميها. كل شيء يقوم به المدققون -بدايةً من التحقق من الأصول، ومراجعة الحقوق والالتزامات، وكذلك التقييم- ينطوي على طرق تقليدية لتأكيد النتائج من قِبل طرف ثالث. لكن تقنيات التشفير لا تسمح لك بفعل ذلك". وحسب لوغمان، سيظل هذا المجال بمثابة تحدٍّ بالنسبة إلى شركات التدقيق، إلى أن تتوصل هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية، والجهات التنظيمية الأخرى، إلى قواعد وإرشادات محددة تتضمن تقديم إفصاحات بشأن العملات المشفرة.

تاريخياً، تميل المشكلات المحاسبية الكبرى إلى الحدوث خلال فترات الانكماش الطويلة، مثل تفجر فقاعة "الدوت كوم" التي سبقت انهيار شركتَي "إنرون" و"وورلد كوم"، غير أن الانكماش الذي صاحب "كوفيد" في العام الماضي يُعَدّ استثناءً في هذا الإطار. ويرجع ذلك، جزئياً، إلى أنه دام لفترة قصيرة للغاية، إذ ضخت الحكومة الأمريكية أموال الإنقاذ في أي شركة تطلب ذلك تقريباً. لكن ينبغي الحذر عندما يأتي ركود حقيقي. يقول تيرنر: "كل 30 عاماً أو نحو ذلك تفجّر مهنة المحاسبة مشكلاتها بنفسها. وفي وقت ما خلال السنوات العشر القادمة، سيحدث ذلك مرة أخرى".

تصنيفات

قصص قد تهمك