بلومبرغ
تنتشر إعلانات شركة "كارنت" (Current) التي تحمل عبارة "لسنا بنكاً" ويمكنك أن تشاهدها في أنفاق السيارات بشكل مكثف. إنها بالفعل شركة تكنولوجيا مالية تقدم لك حسابات بنكية وبطاقات سحب آلي، لكنها لا تحتفظ فعلياً بأموال عملائها. ويتركز عمل الشركة على إنشاء منصة متجر افتراضي جذاب يتضمن قائمة من الخدمات، حيث يمكن لمستخدمي المتجر ذا الألوان الزاهية إنشاء ملفات شخصية كما يفعلون على وسائل التواصل الاجتماعي، ويمكنهم اختيار صورة الغلاف والملف الشخصي. كما يمكن أن تضع تلك الشركات في عناوين رسائل البريد الإلكتروني للعملاء رموزاً تعبيرية.
اقرأ أيضاً: هل ستأتي الأزمة المالية القادمة من قطاع التمويل عبر الإنترنت؟
لكي ترى بنفسك أين يمكن أن تجد أموالك، عليك أن تذهب إلى بارك أفينيو، حيث ستجد شركة "متروبوليتان بنك هولدنغ" (Metropolitan Bank Holding) والتي تشبه مكاتبها المتواجدة في وسط مانهاتن أي بنك تقليدي آخر. جدران من الرخام الأبيض، وشاشات كمبيوتر مزدوجة، ومصرفيون يرتدون سترات أنيقة عليها العلامة التجارية للبنك.
تتمتع "متروبوليتان" بشراكة قائمة مع اثنين من البنوك المضمونة أموالها فيدرالياً.
انتشرت تلك المشاهد بشكل واسع بالتزامن مع نمو شركات التكنولوجيا المالية مثل "كارنت" ومنافستها "تشايم" (Chime) التي تقدم حسابات مصرفية بالتعاون مع شركة "بنكورب" (Bancorp) التي تتخذ من ويلمنغتون مقراً لها، و"سترايد بنك" (Stride Bank) الذي يتخذ من إينيد في أوكلاهوما مقراً له. (أعلنت "بنكورب" في يوليو الماضي اقترابها من العمل مع "كارنت").
الصيرفة كخدمات
تقدِّم بعض شركات الإقراض صغيرة ومتوسطة الحجم غير الشهيرة ضمن خدماتها للشركات الناشئة، ما تطلق عليه "الصيرفة كخدمة". ويشبه ذلك مصطلح خدمة كخدمة البرمجة الذي ابتكرته شركة "سيلز فورس دوت كوم" (Salesforce.com) وقدمته لشركات برمجة المنصات والتي تعتمد على البرنامج في نظامها الداخلي. ولكن في هذه الحالة، تقوم شركات التكنولوجيا بتقديم العمل لصالح البنوك التقليدية. ويقوم كل من البنك وشركة التكنولوجيا المالية بتقاسم الإيرادات عن طريق تقسيم رسوم التاجر الناتجة عن استخدام المستهلكين لبطاقات الخصم الخاصة بهم.
تشير خدمة كالخدمة المصرفية، إلى معاناة البنوك بسبب تباطؤ نمو القروض وانخفاض أسعار الفائدة. يقول غريغ سيغريست، كبير مسؤولي الإدارة المالية في "متروبوليتان": "سنشهد المزيد من المنافسة".
اقرأ المزيد: شركة التكنولوجيا المالية الصديقة للبيئة "أسبيريشن" تُجري محادثات للاندماج والطرح
ارتفعت أسهم "متروبوليتان" و"بنكورب" بشكل كبير منذ بداية العام، وتفوقت على مؤشر "ستاندرد آند بورز 500".
تشير شركة الأبحاث "سي بي إنسايتس" إلى تدفق أكثر من 20 مليار دولار من رأس المال الاستثماري على شركات التطبيقات المصرفية الناشئة منذ بداية عام. في الوقت الذي يحتاج فيه العديد من تلك الشركات الجديدة إلى بناء شراكة مع أحد البنوك المؤمن على حساباتها ضد الخسائر من شركة "تأمين الودائع الفيدرالية". وهناك نحو 5000 منها، ونظرياً، يمكن لأي منها تقديم الخدمة.
يقول فرانك شيرالدي العضو المنتدب في "بايبر ساندلر كوس" للخدمات المصرفية الاستثمارية: "من الطبيعي أن تتدافع الشركات نحو أي قطاع فرعي للخدمات المصرفية يشهد نمواً ملحوظاً، خصوصاً في ظل صعوبة تحقيق النمو في ذلك المجال".
المنافسة
أشار شيرالدي إلى أن العديد من مقدمي "الصيرفة كخدمة"، لديهم "سياج" يحيط بهم لردع المنافسين المحتملين. ويمكن للبنوك التي تزيد أصولها على 10 مليارات دولار وفقاً لقانون دود فرانك الذي تم تمريره بعد الأزمة المالية، فرض رسوم تصل إلى 22 سنتاً، إضافة إلى نسبة 0.05% من قيمة المعاملات على مشتريات البطاقات الائتمانية، بينما يتم إعفاء البنوك الصغيرة من هذا السقف، وعادة ما تفرض على التجار ضعف ما تفرضه البنوك الأكبر. لذلك تفضل شركات التكنولوجيا المالية الارتباط بتلك البنوك الصغيرة لمشاركتها الرسوم الأعلى.
كتب جيمي ديمون الرئيس التنفيذي في رسالة لمساهمي "جيه بي مورغان"، أن القواعد تضع البنوك الكبرى مثل بنكه في وضع غير مناسب.
تقول البنوك المتخصصة في التكنولوجيا المالية إنها اكتسبت خبرة لوجستية سيكون من الصعب على البنوك الصغرى اكتسابها، حيث يحتاج البنك إلى بنية تحتية وتنظيمية للإشراف على ما تفعله كل شركة تقنية يتعاون معها.
اقرأ أيضاً: علاقة البنوك وشركات التكنولوجيا المالية.. سباق تسلح رقمي أم شراكة؟
يقول إريك سبرينك الرئيس التنفيذي لشركة "كوستال فاينانشال" (Coastal Financial Corp)، التي تتعاون مع 28 شركة تقنية مختلفة: "المعايير مرتفعة للغاية".
غالباً ما تؤكد الشركات الناشئة في مجال التطبيقات المصرفية على أثر تكاليفها المنخفضة في جذب العملاء، حيث لا يوجد حد لرسوم السحب على المكشوف ولا رسوم سنوية للخدمات الأساسية ولا رسوم على التحويلات البنكية. وتقول تلك الشركات، إن تطبيق ذلك قد يتم بشكل جزئي لعدم امتلاكها شبكات فرعية تكلفها الكثير. وفي المقابل تقوم تلك الشركات بتحويل العبء المالي من العميل الذي ترغب في المحافظة عليه، إلى تجار التجزئة الذين يدفعون رسوم معاملات البطاقة.
يشير التسويق للشركات غير المصرفية في الوضع الحالي إلى استفادة الشركات الناشئة من تراجع ثقة المستهلكين في الصناعة المصرفية.
دائماً ما يثار الجدل بشأن التكنولوجيا المالية. فعلى الرغم من أن البنوك التقليدية تكون وراء تلك التطبيقات، إلا أن الكثير من تجربة العملاء الأساسية تسيطر عليها شركة التكنولوجيا.
مكافحة الاحتيال
تم حظر حسابات بعض عملاء "تشايم" في العام الماضي، حيث أرجعتها الشركة إلى جهود منع الاحتيال، وذلك وفقاً لتحقيق أجرته "بروبابليكا" والذي دفع شيرود براون السناتور الديمقراطي عن ولاية أوهايو، إلى مطالبة "مكتب حماية المستهلك المالي" للنظر في المخاطر المترتبة على تلك الثغرات التنظيمية.
يقول رايان هاريس رئيس حلول التكنولوجيا المالية في "بنكورب"، إن التطبيقات المالية ليست غير منظمة، ولكنها تقع تحت مظلة البنوك التي تعمل معها، والتي عادةً ما تشرف عليها شركة "حماية الودائع الفيدرالية" و"الاحتياطي الفيدرالي".
تقديم شركات التكنولوجيا المالية للخدمات المصرفية ليس سوى أحدث مرحلة من تقديم "الصيرفة كخدمة".
يقول جيمي ستالينغز رئيس مجموعة المدفوعات لبنك "سترايد" الذي يتعاون مع "تشايم"، إن البنوك قدمت العديد من الإصدارات المتنوعة على مدى سنوات، حيث بدأت ببطاقات الدفع المسبق وبطاقات الرواتب والتي يمكن لأصحاب العمل استخدامها لدفع رواتب عمالهم.
تقول البنوك مثل "سترايد"، وشركات التكنولوجيا المالية، إن خدماتها منخفضة التكلفة تمثل وسيلة للوصول إلى المستهلكين الذين يعانون من نقص تغطية البنوك. لكن تلك الخدمات غير متوافرة عالمياً، لأنها تتطلب هاتفاً ذكياً وخدمة إنترنت موثوقة.
يقول "مركز بيو للأبحاث"، إن حوالي 23% من الأمريكيين مازالوا غير قادرين على الوصول إلى الإنترنت ذات النطاق العريض عالي السرعة في منازلهم.
يقول ستالينغز: "إذا كانت البنوك الكبرى تقوم بعمل جيد في رعاية العملاء، فلن تكون هناك فرصة لوجود جرس إنذار. فقد نجحت (تشايم) في الدخول إلى السوق بسرعة كبيرة وجذب المستهلك الذي لم يخدمه النظام المصرفي التقليدي. وقد سمحت البنوك الكبرى لهذا النظام بالازدهار". وكذلك دعم القانون قيام جيش من البنوك الصغيرة بذلك.