بلومبرغ
يقول مارك زوكربيرغ في كثير من الأحيان، إنَّه عندما بدأت رحلة "فيسبوك" في غرفة سكن بجامعة هارفارد، لم يكن يتوقَّع التأثير الذي ستحدثه الشبكة الاجتماعية في النهاية، لذلك كان من الحتمي، بحسب روايته، ارتكاب بعض الأخطاء، وبالتأكيد ارتُكبت تلك الأخطاء.
بالتالي؛ فإنَّ مبادرة الشركة لدخول عالم "ميتافيرس"، مثلما يطلق زوكربيرغ على رؤيته الخاصة لعوالم الواقع الافتراضي والواقع المعزز، هي فرصة ثانية للقيام بالأمر بطريقة مختلفة، وينبغي أن يسمح له بناء منتج جديد من الصفر، بإصلاح أخطاء النسخة الأولى، أو "فيسبوك 1.0".
في عام 2004، لم يكن زوكربيرغ يعلم أنَّ منتجه سيكون له حجم يمكن أن يخرب الديمقراطية، لكنَّه الآن يعرف ذلك.
اقرأ أيضاً: "فيسبوك" تغير اسمها إلى "ميتا" للتركيز على الواقع الافتراضي
مع التجديد، يأتي بالطبع اسم جديد أيضاً، ولم تعد شركة "فيسبوك إنك"- الشركة الأم لـ"إنستغرام"، و"واتساب"، والتطبيق الأزرق المسمى "فيسبوك"- موجودة، وستُعرف من الآن فصاعداً باسم "ميتا بلاتفورمز إنك" (Meta Platforms Inc)، والتي ستتخلص من الأغلال السامة المرتبطة بعلامة "فيسبوك" التجارية، وسوء تعاملها مع المحتوى المتطرف، وخطاب الكراهية، والمعلومات المضللة، وسمعتها في التلاعب بعدم المسؤولية فيما يتعلق ببيانات المستخدمين الشخصية.
التباهي بالأفكار
كان العرض التقديمي الذي قدَّمه زوكربيرغ، يوم الخميس، عندما كشف النقاب عن رؤيته لـ"الميتافيرس" إلى جانب الاسم الجديد، مشابهاً لـ"إيلون ماسك" أكثر من "ستيف جوبز"، إذ كان جوبز يبقي تفاصيل المنتجات الجديدة طي الكتمان حتى تصبح جاهزة للتصنيع والبيع، أما ماسك فهو أكثر ميلاً إلى التباهي بالأفكار والابتكارات التي يخطط لتحقيقها يوماً ما، ويبدو أنَّ زوكربيرغ أيضاً يقدم بياناً أكثر من كونه منتجاً حقيقياً.
اقرأ المزيد: هل سنشهد "ميتافيرس" حقاً.. أم الأمر مجرد خيال؟
لكن، برغم العرض التقديمي الناجح، كانت هناك أيضاً لمحات تشير إلى أنَّه، مايزال يمثِّل "فيسبوك" القديم ذاته، وجاء التعليق الأكثر دلالة من فيشال شاه، رئيس منتجات "ميتافيرس" في الشركة، الذي قال، إنَّ الشركات بالإضافة إلى منشئي المحتوى سيواصلون "بيع السلع الرقمية والمادية، فضلاً عن الخبرات والخدمات، وسيكونون قادرين على استخدام الإعلانات لضمان إيجاد العملاء المناسبين لما صنعوه".
وبالتالي؛ سيظل الإعلان هو نموذج العمل، لكن في "الميتافيرس"، و يمكن أن يكون ذلك غريباً بشكل لا يصدق، وفي الوقت الحالي، لدى "فيسبوك" بيانات لا تصدق حول ما يجذب انتباهك؛ فكم من الوقت تمكث ناظراً إلى صورة عارضة أزياء ترتدي القليل من الملابس على "إنستغرام"؟، بالإضافة إلى عدد المرات التي نقرت فيها على إعلانات لعلاج تساقط الشعر، أم إذا كنت تميل لمشاهدة فيديو من برنامج (The Daily Show) أو شبكة (OAN).
إذا كنت ترتدي سماعة رأس للواقع الافتراضي، فقد يقوم "ميتا" حرفياً بتتبع عينيك لمعرفة إلى ماذا تنظر، أو يقيس تعابير وجهك من أجل إعادة إنشائها على الصورة الرمزية الخاصة بك. وبناء على ذلك؛ ما هو مقدار البيانات التي ستسجلها الشركة؟ والأهم من ذلك هل ستحتفظ بها؟ إذا قمت بإلغاء الاشتراك، فهل سيحذفون هذه البيانات بالفعل أم سيحتفظون بها في شكل مجهول الهوية كما هو الحال مع بعض الشركات اليوم؟
اقرأ أيضاً: منظمة غير ربحية تتهم "زوكربيرغ" و"ساندبرغ" بمخالفة القانون وتضليل المعلنين
في العام الماضي، كشفت "فيسبوك" عن "مبادئ الابتكار المسؤول" التي تضمنت "الشفافية حول كيفية جمع البيانات ووقتها، واستخدامها بمرور الوقت حتى لا يتفاجأ الناس"، وتحدَّث نيك كليغ، رئيس الشؤون العامة والاتصالات في "ميتا"، عن هذه القضية يوم الخميس، قائلاً إنَّ الأمر سيستغرق وقتاً طويلاً لإنشاء "ميتافيرس"، مما سيمنح المنظمين متسعاً من الوقت لفهمه، لكنَّ الشركة ما تزال بحاجة إلى كسب ثقة مستخدميها.
الثقة أولاً
ستصبح الثقة مهمة بشكل خاص إذا كانت "ميتا" ستحقق النجاح وسط التغير في المشهد التنافسي، وللمرة الأولى، سيتنافس عمالقة التكنولوجيا الخمسة في الولايات المتحدة بشكل مباشر، إذ تعمل "أمازون دوت كوم"، و"أبل"، و"مايكروسوفت"، و"غوغل" التابعة لـ"ألفابت" على تطوير منتجات الواقع الافتراضي والواقع المعزز.
الأكثر ثراء من بين هذه الشركات، وهي "أبل"، جعلت خصوصية المستخدم وسلامته عنصراً أساسياً مميزاً للمنتجات. وفي الوقت الحالي، يلعب "فيسبوك" على مجتمع المطوِّرين الثري في "أبل"، ويعدهم بشروط أفضل من تلك المقدمة حالياً من "أبل" و"غوغل"، وهو ما يعني على الأرجح الحصول على حصة أقل من الإتاوات من متاجر التطبيقات الخاصة بهم.
لكن شركة "أبل" اكتسبت سمعة أفضل فيما يتعلق بسلامة المستخدم، وأقر زوكربيرغ بنفسه، الأسبوع الجاري، بأنك بحاجة إلى التأكيد على هذه المبادئ منذ البداية.
برغم كل حديثه عن "ميتافيرس" واحد، من المرجح أن يكون الواقع عبارة عن سلسلة من عوالم "الميتافيرس" المتنافسة التي تقوم على هياكل مختلفة من البرامج والأجهزة، وإذا كانت ستربح حروب منصات "ميتافيرس"؛ فإنَّ "ميتا" بحاجة إلى تغيير أكثر من مجرد اسمها.