بلومبرغ
لم يتخيل كيل إميل كاليستاد نفسه مطلقاً يقود سيارة كهربائية. لكن، عندما استبدلت زوجته سيارتها الرياضية متعددة الأغراض، التي تعمل بمحرك ديزل، بأخرى "كروس أوفر" تعمل ببطارية كهربائية في العام الماضي، حذا فني تشغيل الماكينات، البالغ من العمر 67 عاماً، والمقيم في ستروم في النرويج، حذوها. وإلى حد ما، لم تكن مشتريات سكان هذه القرية الجزيرة الصغيرة خارجة عن المألوف في الدولة الأوروبية بأسرها، حيث انتشرت السيارات الكهربائية في النرويج بشكل أسرع من أي مكان آخر في العالم. لكن ما كان خارجاً عن المألوف، هو مصدر كلا الطرازين، "إم جي زد إس" (MG ZS) و"إكس بنغ جي 3" (Xpeng G3)، حيث صنعا في الصين.
تقول كجيرستي ميدتفيت، زوجة كاليستاد: "تجد عبارة (صنع في الصين) على كل شيء تقريباً. لم أكن خائفة من ذلك على الإطلاق".
اقرأ أيضاً: الصين تخضع سيارات الطاقة الجديدة لإجراءات مشددة لفحص السلامة
تصدير إلى أوروبا وأمريكا
فعلياً، يقوم أكثر من اثني عشر من صانعي السيارات الصينيين بتصدير طرز السيارات الكهربائية إلى أوروبا والولايات المتحدة، أو أنهم سيفعلون ذلك قريباً، حيث يستفيد معظمهم من النرويج باعتبارها ساحة اختبار. وقد قامت الشركات الصينية، بما في ذلك "بي واي دي" (BYD)، المدعومة من "بيركشاير هاثاواي" (Berkshire Hathaway)، و"نيو" (Nio)، و"إكس بنغ" (Xpeng)، وأكبر شركة لصناعة السيارات في الصين، "سايك" (SAIC)، بشحن كل أساطيل سياراتها الكهربائية إلى أكبر منتج للنفط والغاز في أوروبا الغربية.
من هنا، يعد ما يحدث في النرويج بمثابة تجربة تقوم بها شركات تتمتع بقدرة تنافسية متزايدة في الداخل، ولم تعد تكتفي بالبقاء داخل حدودها. حتى الآن، تعتبر المبيعات في النرويج منخفضة نسبياً. لكن شركات صناعة السيارات تسعى وراء أكثر من مجرد حجم المبيعات، إذ تتطلع إلى اكتساب الخبرة في ما يتعلق بما يتطلبه النجاح في الأسواق الخارجية.
اقرأ أيضاً: سابقاً تخطت قيمتها "فورد ".. صانعة السيارات الكهربائية "إيفرغراند" الصينية تنزف المليارات
كتب جو سباك، محلل سوق السيارات الأمريكية في "آر بي سي كابيتال ماركتس" (RBC Capital Markets)، في تقرير صدر في وقت سابق من هذا العام: "كانت لدينا فرضية قديمة مفادها أن الصين ستستغل السيارات التي تعمل بالبطاريات الكهربائية كوسيط، لتصبح لاعباً أكثر نفوذاً في الصناعة. لذلك، فإن الأمر يستوجب المراقبة. النرويج أولاً، ثم أوروبا، ثم ... ".
بيئة مثالية
كانت مجموعة كبيرة من الحوافز التي تم طرحها بدءاً من أوائل التسعينيات، قد وضعت النرويج على المسار الصحيح لتصبح أول دولة تقضي على مبيعات السيارات التي تعمل بمحركات الاحتراق الداخلي. وقد جعلت الطاقة المائية الكهرباء رخيصة، خصوصاً عند مقارنتها بالغاز الذي يكلف ما يعادل أكثر من 8 دولارات للغالون الواحد. أيضاً، لا توجد ضريبة مبيعات على السيارات الكهربائية، فضلاً عن انخفاض رسوم نقلها عبر العبّارات، وإيقافها في الأماكن العامة، وقيادتها على الطرق الخاضعة للرسوم بنسبة 50%، على الأقل، مقارنة بالرسوم المفروضة على السيارات التي تعمل بالوقود الأحفوري.
وضع البرلمان النرويجي هدفاً غير ملزم بأن تكون مبيعات السيارات الجديدة صفرية الانبعاثات تماماً بحلول عام 2025. وأشارت مجلة "موتور" (Motor) التي يصدرها اتحاد السيارات النرويجية، مؤخراً، إلى أن الاتجاه الفعلي لمبيعات السيارات التي تعمل بالبنزين والديزل، يشير إلى أنه يمكن تحقيق ذلك في أقرب وقت بحلول أبريل 2022. ومن بين 17992 سيارة جديدة تم تسجيلها في النرويج في سبتمبر، كانت هناك 13946 منها أو ما نسبته 78%، سيارات عديمة الانبعاثات، وهو ما يعد رقماً قياسياً.
العين على أوروبا
في البداية، كان لدى صانعي السيارات الصينيين طموحات لبيع السيارات في أوروبا في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حيث كانت شركات مثل "جيلي أوتوموبيل هولدنغز" (Geely Automobile Holdings)، و"غريت وول موتور" (Great Wall Motor)، و"تشيري أوتوموبيل" (Chery Automobile)، تتطلع إلى التصدير، لكنها لم تنفذ ذلك بشكل كبير. وفي هذا الإطار، شكلت "جيلي" استثناءً، إلى حد بعيد، بسبب استحواذها على شركة "فولفو كارز" (Volvo Cars) من شركة "فورد موتور"(Ford Motor) في عام 2010. وتقول كريستينا بو، الأمين العام لرابطة السيارات الكهربائية النرويجية: "كانت المرة الأخيرة التي حاولت فيها الصين بيع سيارات في أوروبا منذ سنوات عديدة مضت، وسارت الأمور حينئذٍ بشكل سيئ للغاية. أما الآن، فقد فعلوا ذلك بشكل جيد حقاً".
اقرأ المزيد: طرح أسهم "فولفو" اختبار رئيسي في عصر التحول للسيارات الكهربائية
كان بير رور يوهانسن، المقيم في قرية أوثوغ في وسط النرويج، يمتلك سيارة تعمل بمحرك احتراق داخلي منذ حصوله على رخصة قيادته حتى مارس من العام الماضي، عندما اشترى سيارة "إم جي" من إنتاج شركة "سياك". كان الطاهي، البالغ من العمر 32 عاماً، قد اعتاد إنفاق نحو ثلاثة آلاف كرونة نرويجية (350 دولاراً) شهرياً على الديزل، أما الآن فقد انخفضت تكلفة قيادته إلى 500 كرونة فقط. ويبلغ سعر الإصدار الأفضل من فئة "زد إس كروس أوفر" التي قام يوهانسن بشرائها، 280 ألف كرونة تقريباً، أي 60% فقط من سعر سيارة "كيا كروس أوفر" الكورية الجنوبية من طراز "نيرو" (Niro)، مع مساحة أكبر للمقصورة وسقف بانورامي. يقول الطاهي النرويجي: "أنا مسرور للغاية. ولا تراودني أية شكوك: سأشتري سيارة كهربائية في المرة القادمة أيضاً".
سوق راسخة للاختبار
كانت "إم جي زد إس" أول سيارة كهربائية صينية يتم طرحها في السوق النرويجية خلال العام الماضي. وبحسب بو، فقد "ازداد" عدد السيارات الكهربائية الصينية منذ ذلك الحين بشكل كبير.
تقول كريستينا: "هناك اهتمام كبير بالتعلم، ويعتقد صانعو السيارات الكهربائية أنه من الذكاء اختبارها في سوق راسخة. فهنا، ليس عليهم مجابهة نوعين من المتشككين في وقت واحد: سواء كانت تلك الشكوك بشأن السيارات الصينية، أو بشأن السيارات الكهربائية".
كانت "إكس بنغ" من بين الشركات التي حذت حذو "إم جي" بسرعة، حيث سلمت أول سيارات الدفع الرباعي الكهربائية من طراز "جي 3" إلى النرويج في ديسمبر. وفي عام 2018، تخلى رئيس "إكس بنغ"، بريان جو، عن منصب رفيع في الخدمات المصرفية الاستثمارية في بنك "جيه بي مورغان تشيس آند كو" للمساعدة في إدارة الطرح الأول لأسهم صانعة السيارات الصينية في بورصة نيويورك، في أغسطس 2020. ومنذ ذلك الحين تجاوزت قيمة أسهم "إكس بنغ" ضعف قيمتها الأولية.
يقول جو: "إذا كنت تريد أن تكون رائداً حقيقياً في هذه الصناعة، ينبغي أن تصبح أعمالك على نطاق عالمي، ومن ثم، لا يمكن إهمال السوق الأوروبية الضخمة. إنها منطقة يجب أن نكافح من أجل الوصول إليها".
منافسة "تسلا"
أما شركة "نيو"، التي كادت أن تتوقف عن العمل قبيل إنقاذها من قبل إحدى حكومات البلديات الصينية في أوائل العام الماضي، فقد عادت بشكل ملحمي من خلال طرح سيارات الدفع الرباعي الكهربائية التي نافست سيارة شركة "تسلا" من طراز "واي" (Y) بشكل مباشر. وفي 30 سبتمبر، بدأت الشركة الصينية بيع سيارتها الكهربائية بالكامل من طراز "إي إس8" (ES8) وافتتحت "نيو هاوس" (Nio House) كمركز مبيعات وناد لهواة العلامة التجارية في بوابة كارل يوهانس بين القصر الملكي النرويجي وبرلمان الأمة، والذي يعتبر شارع العرض الرئيسي في أوسلو، ويشتهر بارتفاع أسعار عقاراته. لا يضم المركز صالة عرض سيارات نموذجية، بل مدفأة ومكتبة وعروض هدايا من مالكي "نيو" في الصين. يقول ماريوس هيلر، المدير العام لعمليات الشركة في النرويج: "هنا، سنشهد الدروس المستفادة، وسنعمل على مواءمة عمليات (نيو) وخدماتها في الدول الأوروبية الأخرى في المستقبل". وقال المؤسس ويليام لي، إنه يريد التوسع في ألمانيا بحلول أواخر عام 2022.
تخطط شركة "بي واي دي" (BYD)، التي اجتذبت استثمارات شركة "بيركشاير هاثاوي" المملوكة لرجل الأعمال الأمريكي، وارن بافيت في عام 2008، لتصدير نحو 1500 سيارة من سياراتها الرياضية متعددة الأغراض من طراز "تانغ" (Tang) إلى النرويج هذا العام. وبحسب إيسبراند هو، مدير أعمال "بي واي دي" في أوروبا، فإن الشركة تدرس طرح إصدار أصغر من الطراز ذاته في السوق النرويجية، بالإضافة إلى تصميم أو اثنين آخرين بحلول أوائل عام 2023.
ميزات مختلفة
تعلمت الشركة الصينية، بالفعل، أن الميزات التي تقدمها في موطنها لقاعدة عملائها الأصغر نسبياً، ليست بالضرورة مناسبة للعملاء في النرويج. يقول هو: "نقدم، على سبيل المثال، تقنية مثل الكاريوكي في السيارة. هل يمكنك تخيل رجل أوروبي يبلغ من العمر 45 عاماً ويقود سيارته الرياضية من طراز (تانغ) في أوسلو، بينما يحمل ميكروفونه ويؤدي بعض الأغنيات؟ لا أستطيع تخيل ذلك".
شجع الاهتمام الشديد بسيارات "بي واي دي" الشركة على النظر في الفرص خارج النرويج، التي يكون مقود سياراتها فيها على الجانب الأيمن مثل سائر دول أوروبا القارية تقريباً. لكن الشركة تخطط للبدء في طرح إصدارات أخرى يكون مقودها على الجانب الأيسر. يقول هو: "أعتقد بأنك لا تحتاج إلى أن أخبرك عن الدولة التي أتطلع إليها".