عالم مناعة في "هارفارد" يؤيد اختبارات "كوفيد" المنزلية للتغلب على الوباء

time reading iconدقائق القراءة - 11
عالم مناعة في \"هارفارد\" يؤيد اختبارات \"كوفيد\" المنزلية للتغلب على الوباء - المصدر: بلومبرغ
عالم مناعة في "هارفارد" يؤيد اختبارات "كوفيد" المنزلية للتغلب على الوباء - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

كان يوم اثنين مشمساً في منتصف سبتمبر، حين جلس العالم، مايكل مينا، إلى مكتبه في جامعة "هارفارد" للمرة الأولى منذ بداية الوباء. لقد مرّ وقت طويل على غيابه عن المكتب، لدرجة بدا من النافذة خلفه، مبنى جديد يلمع بالكامل، مؤلف من أحد عشر طابقاً، وتحوّل لون النبتة المكتبية المهملة إلى جانبه إلى البني الذابل، فيما يعود تاريخ إصدار أحدث مجموعة من المجلات العلمية الحديثة في مكتبه، إلى فبراير ومارس 2020.

يقول الطبيب وعالم الأوبئة والمناعة، البالغ من العمر 37 عاماً، إنه لم يكن يفكر بأنّ الأمر سيكون على هذا النحو: كان من الممكن لأماكن العمل والمدارس والمساحات المخصصة للمناسبات وغيرها من الأماكن المهجورة منذ أكثر من عام، أن تظل مفتوحة -وبأمان- عن طريق الاستعانة بتقنية كانت متاحة طوال الوقت. كان مينا، من الداعمين المبكرين والدؤوبين لاختبارات مستضدات "سارس-كوف-2" (SARS-CoV-2) الشخصية غير المكلفة، والتي يمكن أن تسفر عن نتيجة إيجابية أو سلبية في غضون 15 دقيقة تقريباً. كما ناقش نشرها على نطاق أوسع في مقالات الرأي عبر "تويتر"، وخلال النقاشات مع السلطات الصحية.

اقرأ أيضاً: نتائج جديدة لفعّالية مزيج "أسترازينيكا" للأجسام المضادة في علاج كوفيد

تتلخص الفكرة في أنه عند استخدامها على نطاق واسع وبشكل متكرر، يمكن للكواشف أن توقف، على غرار اختبار الحمل المنزلي، تفشي المرض قبل أن يبدأ. كانت دول مثل ألمانيا والمملكة المتحدة قد استثمرت بكثافة في الاختبارات المنزلية، ما جعلها متاحة بسعر رخيص، أو حتى مجاناً، بينما ظلت دول أخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة، عالقة في اختبارات المعامل الأكثر حساسية، والتي غالباً ما يقوم موظفون مدربون بإجرائها. كما يمكن أن يستغرق الأمر أياماً لمعرفة نتائج الاختبارات، الأمر الذي يتوقف على قدرة المختبر على معالجة العينات.

اقرأ المزيد: مستوى الأجسام المضادة يدخل مرحلة المنافسة بين "فايزر" و"موديرنا"

يقول مينا: "لقد أيدت بقوة هذه الأداة البسيطة حقاً، والتي كان من الممكن، بصراحة، أن تمنع تفشي المرض في الشتاء الماضي. كان من الممكن أن تنقذ مئات الآلاف من الأرواح، خصوصاً عندما لم تكن هناك لقاحات بعد".

تكثيف الاختبارات المنزلية

ربما تكون لحظة الاختبارات السريعة قد حانت أخيراً. فحتى في الدول التي لديها كميات وفيرة من اللقاحات، بدأ صنّاع السياسات يدركون أن اللقاحات وحدها قد لا تكون كافية لوقف الفيروس، لا سيما المتحول "دلتا" الأكثر عدوى. وفي التاسع من سبتمبر، قال الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إنه سينفق ملياري دولار على 280 مليون اختبار سريع، وأعلنت إدارته عن شراء ما قيمته مليار دولار إضافية من الاختبارات السريعة خلال الشهر الجاري، وذلك في إطار مجموعة من الإجراءات التي يقول المسؤولون إنها يجب أن تضاعف كمية الاختبارات المتاحة للاستخدام المنزلي بنحو أربعة أضعاف ما هو متاح حالياً، بحلول ديسمبر. وهي كمية غير كافية، لكنها بداية، كما يقول مينا.

أيضاً، تكتسب الاختبارات دعماً في الدول التي رفضتها سابقاً، بما في ذلك الدول التي تتبنى استراتيجية "صفر كوفيد" مثل أستراليا ونيوزيلندا، والتي اعتمدت حتى وقت قريب على حظر السفر الدولي والإغلاقات لتجنب تفشي المرض المميت.

كانت مسألة الحد من استخدام اختبارات المستضد، تتعلق بما إذا كانت التقنية المستخدمة جيدة بما يكفي، حيث تنجح أفضل الاختبارات بصورة استثنائية في رصد الأشخاص الذين تكاثر الفيروس في أنوفهم -أي من يحتمل نشرهم عدوى "كوفيد"- لكن الاختبارات ذاتها قد تخفق في رصد 40% أو أكثر ممن تشير الاختبارات المعملية إليهم على أنهم حاملون للعدوى.

اقرأ أيضاً: مستقبلاً.. "موديرنا" تستخدم الحمض النووي المرسال لمحاربة الإنفلونزا والسرطان

من ناحية أخرى، تقول جودي ماكفيرنون، مديرة قسم علم الأوبئة في معهد أبحاث "بيتر دوهرتي للعدوى والمناعة" في ملبورن، والذي تزوّد نمذجته لـ"كوفيد" الحكومة الأسترالية بالمعلومات التي تستند إليها في خططها للتخلص التدريجي من عمليات الإغلاق: "لقد احتجنا إلى اختبارات ذات حساسية عالية للغاية، لأن المشكلة الكبرى في الماضي كانت أننا لا نريد الإخفاق في تشخيص الحالات، أو أن يكون لدينا الكثير من النتائج الإيجابية الخاطئة لدرجة تجعلنا نبالغ في رد فعلنا تجاه الأمور". ومن المتوقع أن تتجاوز نسبة البالغين الذين تلقوا جرعتين من اللقاحات 80% في نوفمبر القادم. كما اعتمدت الهيئة التنظيمية الطبية الأسترالية، مؤخراً، اختبارات المستضدات السريعة المعدة للاستخدام المنزلي بدايةً من الأول من نوفمبر.

اختبارات وقائية

يحب مينا مقارنة تقنية الاختبارات السريعة بمعدات الإطفاء في مبنى مشتعل، في حين تعد الاختبارات المعملية بمثابة وصول المستجيبين للطوارئ إلى المبنى بعد احتراقه وتحوّله إلى جمر. بمعنى آخر، فإن الاختبارات السريعة جيدة بما يكفي لملاحظة المطلوب، ورصد الأشخاص الذين من المحتمل أن يكونوا أكثر عدوى. وتظهر النمذجة التي قام بها عالم الأوبئة، أن إجراء الاختبار السريع مرتين في الأسبوع فعال في وقف انتشار الفيروس بشكل كبير، حتى لو قام بذلك نصف الأشخاص فقط، وأفسد بعضهم الاختبار أو فشلوا في إجرائه ببساطة.

لذلك، في حين قد لا تكون الاختبارات السريعة مثالية، إلا أنها يمكن أن تلعب دوراً مهماً في مساعدة الشركات -وبالتالي، الاقتصادات بأسرها- في رسم طريق العودة إلى الحياة الطبيعية. وفي واحدة من أولى التجارب السريرية العشوائية، حالت الفحوصات التي أجريت في اليوم ذاته، بالإضافة إلى ارتداء أقنعة الوجه من نوع "N95" والتهوية الجيدة، دون انتقال العدوى في حفل راقص أقيم في مكان مغلق يتسع لـ500 شخص، والذي دام لخمس ساعات في برشلونة، في ديسمبر من العام الماضي.

تكلفة الوقت والمال

يوق بول رومر، الحائز على جائزة نوبل، وأستاذ الاقتصاد في جامعة نيويورك، وهو كان أيضاً من أوائل المؤيدين للتوسع الهائل في إتاحة الاختبارات، إن "كوفيد" لا يزال يحرم الاقتصاد الأمريكي من 12.5 مليار دولار شهرياً من الممكن تحصيلها في مجال الإنتاج والتوظيف، وهو أمر يمكن أن تساعد الاختبارات التي تسفر عن نتائج سريعة في علاجه. يقول رومر: "إن السبيل إلى تقييم مستوى فشلنا في الولايات المتحدة يتمثل في مقدار الوقت والمال اللذين يتعين على شخص ما بذلهما لإجراء اختبار في الوقت الحالي. إنه أمر جنوني عند مقارنته ببقية العالم، وأيضاً جنوني مقارنةً بما يمكن أن تكون عليه تكلفة الوقت والمال بشكل عام".

سوق ضخمة

من المتوقع أن تتوسع سوق "كوفيد" العالمي لاختبارات المستضدات، الذي بلغت قيمته 5.3 مليار دولار في عام 2020 بنحو 6.7% سنوياً ليصل إلى 8.3 مليار دولار بحلول عام 2027. ووفقاً لشركة "غراند فيو ريسيرش" (Grand View Research) لأبحاث السوق، فإن شركات "أبوت" (Abbott) و"روش" (Roche) و"إس دي بيوسينسور" (SD Biosensor) و"أكسيس بيو" (Access Bio) و"بيركن إلمر" (PerkinElmer) و"بيكتون ديكنسون آند كو" (Becton, Dickinson & Co)، تعد من بين أكبر موردي الكواشف المنزلية.

اقرأ أيضاً: أعضاء منظمة التجارة يفشلون في التوافق على تعليق براءات اختراع لقاحات "كورونا"

بالنسبة إلى مينا، فإن "كوفيد" ليس أول حالة طوارئ في مجال الصحة العامة يشهدها بنفسه. فخلال سنوات دراسته الجامعية، أمضى عالم الأوبئة والمناعة صيفاً في العمل في عيادة في سريلانكا. وبدلاً من العودة لاستكمال دراسته الجامعية في خريف عام 2004، بقي مينا -وهو أمريكي نشأ في شمال ولاية نيويورك- في سريلانكا، وانضم إلى دير بوذي، حيث أمضى أياماً طويلة وأصبح بوذياً في نهاية المطاف. وعندما ضرب تسونامي المحيط الهندي البلاد في ديسمبر، شهد الدمار الذي خلفته الكارثة البيئية. يقول الطبيب الأمريكي: "لقد هيأتني تلك التجارب لهذه الأزمة".

ثم واصل مينا الدراسة للحصول على شهادة الطب والدكتوراه، وانضم إلى كلية "تي إتش تشان للصحة العامة" في جامعة "هارفارد" كأستاذ مساعد في يوليو من عام 2019. وحالياً، يخضع للاختبارات السريعة بصورة معتادة كل يومين. يقول مينا إن صناديق الاختبارات التي أرسلتها الشركات إليه لتجربتها، كانت تتراكم في أحد أركان منزله في وقت من الأوقات، وقد شكلت مخزوناً أكبر من أن تتسع له خزانته. لكنه لا يزال من الصعب شراء الاختبارات السريعة في الولايات المتحدة، حيث يتجاوز سعر الاختبار الواحد 50 سنتاً أو دولاراً، وهو ما يقول مينا إنه يجب أن يكون السعر المستهدف. وحتى الاختبارات الأكثر اعتدالاً من حيث التكلفة في العالم، يبلغ سعرها بضعة دولارات على الأقل.

"متعجرفو" المختبرات

في ما يتعلق بالوضع الراهن، فإن جزءاً كبيراً من اللوم يقع على عاتق من وصفهم بريت جيروير، الذي قاد جهود الاختبارات في إدارة ترمب، بـ"متعجرفي المختبرات". فقد شدد الأطباء وواضعو السياسات والهيئات التنظيمية، على الاختبارات المعملية دون غيرها. وبحسب موقع هيئة الغذاء والدواء الأمريكية الإلكتروني، فقد صادقت الهيئة على أكثر من 400 اختبار ومجموعة أدوات خاصة بفحوصات فيروس "كوفيد"، 13 منها فقط مخصصة للاستخدام المنزلي. ويقول جيروير إن هذه الأنواع من الاختبارات قطعت شوطاً طويلاً، على الرغم من أنه يعتقد بأنه "لا تزال هناك فرص لتطويرها"، إما من خلال هيئة الغذاء والدواء، أو بعيداً عنها.

في هذا الإطار، يقترح مينا تنظيم تقنية الاختبارات السريعة من خلال وكالة أمريكية مختلفة يمكنها الحكم على نتائج الاختبارات من حيث السرعة والتكلفة، ومدى جودة قياسها للعدوى، وهو ما يصفه عالم الأوبئة والمناعة بمعيار الصحة العامة بدلاً من المعيار الطبي أو التشخيصي.

من جانبه، قال جيروير إنه يدعم الفكرة، مشيراً إلى أنه في أوائل هذا العام أعطى الضوء الأخضر لاستخدام الاختبارات التي طورتها الجامعات من خلال وزارة الصحة والخدمات الإنسانية.

لكن هناك آخرين أكثر حذراً بشأن استخدام تلك الكواشف، حيث تقول كيلي وروبلوسكي، مديرة برامج الأمراض المعدية في رابطة مختبرات الصحة العامة، إن هيئة الغذاء والدواء الأمريكية سمحت بإتاحة فحوصات عينات الدم للكشف عن عدوى "كوفيد" السابقة في بداية الوباء في العام الماضي، والتي عرفت باسم اختبارات الأجسام المضادة المتاحة للجمهور، و"قد كان ذلك بمثابة كارثة إلى حد ما" حسب قولها. وأضافت: "انتهى بك الأمر بالعديد من الاختبارات ذات الأداء الضعيف حقاً. أنت لا تريد أن يحدث ذلك مرة أخرى". وبحسب وروبلوسكي، فإنه يجب أن يكون هناك اختبارات أسرع، ولكن من الناحية الواقعية، قد لا يتم استخدام تلك المنتجات على نطاق واسع.

بينما يجلس في مكتبه، يحمل مينا كيساً شفافاً يحتوي على ماسحة وأنبوب جمع عينات بلاستيكي بداخله، ويقبض عليها بإحباط ملموس. إنه اختبار توزعه جامعة "هارفارد" على أولئك المتواجدين في الحرم الجامعي، والذي يمكنهم إجراؤه بأنفسهم، ولكن يتعين عليهم إرسال العينات إلى المختبر لمعالجتها. يقول مينا: "إنه تقريباً عديم الفائدة. وهذا هو أغبى هراء في العالم، ولا يزال هذا البلد يقوم به".

تصنيفات

قصص قد تهمك