بلومبرغ
عندما فرض الرئيس دونالد ترمب ما نسبته 25% من الرسوم الجمركية على الصلب المستورد، في أوائل عام 2018، كان الأمر بمثابة صفعة على وجوه منتجي الصلب في أوروبا، ما تسبب في اضطراب الأسواق وإغضاب الحلفاء. حينئذ، كانت صناعة الصلب الأمريكية تئن، حيث بلغت معدلات التوظيف في الصناعة مستوى منخفضاً جديداً خلال العام الماضي. فكان معدل التوظيف السنوي في المصانع يقارب 70% فقط من قدرتها الاستيعابية، وكانت الواردات الأرخص تغرق الولايات المتحدة. وتعليقاً على ذلك، غرّد ترمب عبر حسابه على "تويتر" في مارس 2018 قائلاً: "يجب علينا حماية بلادنا وعمالنا. إن صناعة الصلب الوطنية في حالة سيئة، وإذا لم تكن لديك صناعة صلب، فلن تكون لديك دولة!".
بعد ثلاث سنوات ونصف السنة، أصبح وضع القطاع مختلفاً تماماً. فقد بلغت معدلات إنتاج مصانع الصلب الأمريكية أعلى مستوياتها منذ الكساد العظيم، كما أن أصحابها في طريقهم لتحقيق أكبر أرباح دفترية لهم على الإطلاق، وكل ذلك بفضل الارتفاع القياسي في أسعار الصلب. ومع استعادة الاقتصاد العالمي توازنه، صعوداً من أدنى مستوياته جراء تفشي الوباء، ارتفعت مبيعات المنتجات المصنوعة من الصلب، من مشابك الورق إلى السيارات وغسالات الصحون، بشكل كبير. ووفقاً لواحد من المؤشرات التي تخضع للمراقبة عن كثب، يتوقع محللو وول ستريت، أن تجني شركة الصلب الأمريكية "يونايتد ستايتس ستيل" (U.S. Steel)، التي تأسست قبل 120 عاماً، أرباحاً في عام 2021 تزيد بنحو 5.5 مليار دولار على ما حققته في فترة رئاسة ترمب برمتها. أما شركة "نوكور" (Nucor)، أكبر منتج للصلب في أمريكا الشمالية، فمن الممكن أن تجني أرباحاً تقدر بنحو 9.3 مليار دولار -أي أكثر من ضعف الأرباح التي حققتها خلال أفضل أعوامها السابقة من حيث الأداء- وهي كذلك في طريقها لتحقيق أرباح دفترية أكبر من تلك المتوقع أن تحققها شركتا "نايكي" (Nike) أو"نتفلكي" خلال العام الجاري.
إقرأ المزيد: "موديز": أسعار المعادن تتجه للاستقرار بعد ماراثون تاريخي
حدا ذلك التقلب في الثروات بإدارة بايدن إلى إجراء مناقشة داخلية حول ما إذا كان هذا هو الوقت المناسب للبدء في تقليص تعريفات ترمب الجمركية، والتي يقول النقاد -الشركات كثيفة الاستهلاك للصلب على وجه التحديد، بما في ذلك الشركات المصنعة للسيارات والأجهزة المنزلية- إنها لم تعد ضرورية لتعزيز صناعة محلية من شأنها أن تستمر في تحقيق أرباح قوية، حتى من دون تطبيق إجراءات حمائية على وارداتها.
توجه لإلغاء الرسوم
بحسب أحد الأشخاص المطلعين على الأمر لكن غير مصرح له بمناقشة المشاورات علناً، فإن البيت الأبيض يدرس إلغاء الرسوم، على الأقل، تلك المفروضة على الشحنات الواردة من الاتحاد الأوروبي. بدلاً عن ذلك، تدرس الإدارة الحالية تطبيق نظام لحصص التعريفات الجمركية، يتم بموجبه فرض ضرائب على أي واردات تتجاوز حداً معيناً. ومن المقرر أن تجتمع وزيرة التجارة، جينا رايموندو، والممثلة التجارية الأمريكية، كاثرين تاي، مع نظرائهما الأوروبيين هذا الأسبوع لمناقشة الأمر. ويأمل مسؤولو الإدارة في التوصل إلى قرار بحلول نهاية العام في هذ الشأن.
من جانبه، يسعى الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إلى إصلاح العلاقات مع أوروبا وإحياء التحالف الأوروبي-الأمريكي لكبح جماح القوة الصينية بشكل مشترك. ووفقاً لشخص مطلع على فكر الإدارة الأمريكية، فإن هناك شعوراً متزايداً داخل البيت الأبيض بأن صانعي الصلب الأمريكيين أصبحوا جشعين.
في الوقت ذاته، يسعى بايدن، الذي ينحدر من ولاية بنسلفانيا، وصوّر نفسه على أنه مدافع عن العمال في صناعات حزام الصدأ مثل الصلب، إلى الوفاء بوعد حملته الانتخابية بخلق المزيد من فرص العمل النقابية، وذلك بالإضافة إلى حقيقة سياسية قاسية، ألا وهي أن عمال الصلب، حتى بأعدادهم المتضائلة، لهم تأثير كبير في الولايات الحاسمة الهامة، بما في ذلك أوهايو وبنسلفانيا.
كانت مصانع الصلب قد دقت ناقوس الخطر حيال إمكانية أن يفضي إلغاء التعريفات الجمركية على الصلب الأوروبي إلى فيضان مما تسمّيه الواردات "عالية الكربون" من المصانع القائمة على أفران الصهر عبر المحيط الأطلسي، والتي تعتبر أكثر تلويثاً من المصانع الأمريكية. كما حذّرت مصانع الصلب الأمريكية من أن المنتجين في الصين والمناطق الأخرى، قد يرسلون الشحنات المتجهة إلى الولايات المتحدة عبر الاتحاد الأوروبي للتهرب من الرسوم.
من ناحية أخرى، أشار توم كونواي، الذي يرأس نقابة "عمال الصلب المتحدين" (United Steelworkers)، "يو إس دبليو" (USW)، إلى أنه سيؤيد إزالة تعريفات الاتحاد الأوروبي، شريطة وجود آلية رقابية لضمان عدم استغلال صانعي الصلب في الدول الأخرى للثغرات. وقال في مقابلة أجريت معه في يونيو: "أنا أحد الأشخاص الذين سيحصلون على حصة".
دعم لخطة البنية التحتية
هذا الأمر يمنح بايدن بعض المجال للمناورة. وحتى إذا تم إلغاء التعريفات الجمركية، فإنه يمكن للنقابة أن تتطلع إلى إنفاق مليارات الدولارات الجديدة على الجسور والموانئ وغيرها من المشروعات كثيفة الاستخدام للصلب، بمجرد أن يوقع الكونغرس على خطة البنية التحتية.
إقرأ أيضاً: موافقة "الشيوخ" على خطة البنية التحتية تدفع أسهم شركات الصلب لأعلى مستوى منذ 13 عاماً
من ناحيتهم، يضغط منتجو الصلب الأمريكيون، والذين أبلغوا عن صعوبة في الحصول على المعدن، لإلغاء التعريفات الجمركية. وفي وثيقة إعلامية نشرت في مارس، دعت مجموعة من 37 مجموعة تجارية أمريكية، تتراوح بين "معهد البترول الأمريكي" و"معهد بير" إلى إلغاء الرسوم. وقالت المجموعة إنه تم تمديد المهلة الزمنية لتسليم طلبيات شراء الصلب إلى 16 أسبوعاً، مقارنة بأربعة إلى ستة أسابيع في أواخر عام 2020.
لقد ساءت الأمور منذ ذلك الحين. تم حجز إنتاج بعض مصانع الصلب المحلية حتى الآن، لدرجة أنها بدأت في رفض طلبيات الشراء هذا الصيف. وعليه، لم يتمكن الصلب المستورد، والذي يتمتع بقدرة أقل على التنافس على أساس السعر بسبب التعريفات، من استعادة مكانته. فقد أظهرت البيانات، أن إجمالي الواردات من الصلب بلغ 14.1 مليون طن خلال شهر يوليو، وهو ثاني أقل معدل لاستيراد الصلب خلال الفترة ذاتها على مدى عقد من الزمن.
في سياق متصل، قامت شركة "ستيل كيس" (Steelcase)، المصنعة للأثاث المكتبي، برفع الأسعار مرتين هذا العام لتعويض ارتفاع تكلفة المعدن. ثم أعلنت الشركة الأسبوع الماضي عن زيادة ثالثة "غير مسبوقة". كما قال الرئيس التنفيذي للشركة، جيمس كين، في مكالمة فيديو عبر الإنترنت لمناقشة الأرباح الأخيرة: "لقد كان تضخم الصلب استثنائياً".