الرئيسة التنفيذية لـ"غلاكسو" في مواجهة صندوق "وول ستريت" الأكثر رعباً

time reading iconدقائق القراءة - 27
إيما والمسلي - المصدر: بلومبرغ
إيما والمسلي - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

بعد ظهر أحد الأيام في منتصف شهر أبريل، عقدت إيما والمسلي، الرئيسة التنفيذية لشركة "غلاكسو سميث كلاين" (GlaxoSmithKline) عبر الفيديو، ما يمكن أن يكون أحد أكثر الاجتماعات أهمية في حياتها. سبق الاجتماع ببضعة أيام اتصال تلقاه جوناثان سيموندز، رئيس شركة الأدوية، من صندوق "إليوت لإدارة الأصول" (Elliott Investment Management) ومقره في الولايات المتحدة، وكان الاتصال يحمل أخباراً مثيرة للقلق. فالصندوق، ومن دون علم الشركة، كان يشتري بهدوء أسهماً في "غلاكسو" بمليارات الدولارات. والآن، يشرح غوردون سينغر، الشريك الإداري في صندوق "إليوت" وابن بول سينغر مؤسس شركة إدارة الأصول، ما الذي يريده صندوق "إليوت"، ولماذا.

ما من رئيس شركة سيسعد بتلقي اتصال من "إليوت"، الذي يعتبر أحد أكثر المستثمرين عدوانية في العالم، نظراً إلى ما يتمتع به من سجل حافل وطويل من ممارسات تتضمن إجبار المساهمين على البيع أو تفكيك الشركات، أو عزل الرؤساء التنفيذيين، أو تعديل مجالس الإدارات، بل إنه يذهب إلى ما هو أبعد كما فعل عندما استولى على سفينة بحرية أرجنتينية بسبب نزاع على ديون.

اقرأ أيضاً: "غلاكسو" و"إس كيه بيوساينس" تبدآن اختباراً نهائياً على لقاح كوفيد-19

رغم ذلك، كانت والمسلي وسيموندز يحاولان أن يكونا منفتحين بشأن ما قاله سينغر، إذ لم يكن أمامهما كثير من الخيارات في ظل تلك الظروف.

على مدى الساعة التالية، قدّم سينغر وزميله سيباستيان دي لا ريفيير، في حضور المديرين التنفيذيين لشركة "غلاكسو"، عرضاً تقديمياً مفصلاً عن الشركة، ولكن وفق رؤية "إليوت" الذي عرض ما اعتبره الصندوق سلسلة من الإخفاقات على مر السنين، إلى جانب أمثلة من التعليقات الحادة من بعض المساهمين الذين التقاهم الصندوق خلال الأشهر التي قضاها في تجميع حصته.

استمع كل من والمسلي وسيموندز بأدب، وكان واضحاً بشكل كبير لكل من الطرفين أن صندوق "إليوت" قد وضع للتوّ تحدياً مباشراً لقيادة والمسلي للشركة.

يمثل ذلك مشكلة خطيرة بالنسبة إلى الرئيسة التنفيذية البالغة من العمر 52 عاماً، إذ يمكن القول إن والمسلي التي تتقلد أعلى منصب تنفيذي في بريطانيا كانت جزءاً من جهد مكثف لتطوير شركتها الضخمة. فقد فصلت أعمال قطاع الشركة المسؤول عن المنتجات الاستهلاكية، الذي يصنع منتجات "أدفيل" (Advil) و"سينسوداين" (Sensodyne) و"نيكوريت" (Nicorette) من بين عشرات المنتجات، عن العمليات الصيدلانية الأساسية.

لم تتضمن خطة والمسلي الدفاع ضد هجوم "إليوت"، كما أنها ستنفذ تلك الخطة علانية بعدما أعلنت صحيفة "فاينانشيال تايمز" قبل ساعات من الاجتماع عن استهداف "إليوت" لشركة "غلاكسو".

اخترنا لك: هل يصح أن يربط فارس "مارلبورو" راحلته على باب شركة لأدوية الربو؟

لقد كانت أخباراً هامة في بريطانيا، إذ تعدّ "غلاكسو" إحدى أبرز الشركات في البلاد، وواحدة من الشركات القوية المدرجة ضمن مؤشر "فوتسي 100" القياسي، ويعمل لديها أكثر من 94 ألف موظف، إضافة إلى ما تتمتع به من قائمة مطولة من الإنجازات العلمية، من بينها اكتشاف بعض العلاجات الفعّالة المبكرة لأمراض اللوكيميا وفيروس نقص المناعة المكتسب "HIV". كما تعتبر الشركة لاعباً رئيسياً في خطط رئيس الوزراء بوريس جونسون لبناء بريطانيا لتصبح قوة عظمى في العلوم التطبيقية، لتخفيف التداعيات الاقتصادية الناتجة عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

أثارت فكرة تعرّض "غلاكسو" لاستحواذ عدائي من الصندوق، الذي أطلقت عليه الصحف البريطانية تسمية "صندوق النسر"، موجة من المشاعر القومية في بعض الأوساط، خصوصاً بعد ما شهدته الأشهر الأخيرة من محاولات بعض المستثمرين الأمريكيين شراء عديد من الشركات البريطانية الشهيرة، من بينها مقاول الدفاع "ميغيت" (Meggitt) ومتاجر التجزئة "دبليو إم موريسون سوبرماركت" (Wm Morrison Supermarkets).

لن تكون حملات الناشطين من الناحية النظرية على الأقل بضراوة حملاتهم ضد الاستحواذ المباشر، إذ لم تظهر خطوة "إليوت" على أنها محاولة من مستثمرين أمريكيين لتقرير مستقبل إحدى الشركات البريطانية الرائدة.

لكن الحقيقة أن "غلاكسو" فقدت كثيراً من بريقها قبل وقت طويل من بدء صندوق "إليوت" شراء أسهمها. وفي أحسن الأحوال، يمكن وصف أدائها خلال العقد الماضي بأنه كان متبايناً، خصوصاً عند مقارنتها بمنافستها منذ فترة طويلة "أسترازينيكا" (AstraZeneca) التي تعد حالياً أكبر الشركات البريطانية من حيث القيمة في كل القطاعات، وبفارق كبير عن باقي الشركات. وقد كان واضحاً تخلف "غلاكسو" عن المنافسة من قبل "كوفيد-19"، نظراً إلى عدم تقديمها أدوية بارزة، وبسبب التغيير المستمر في الاستراتيجيات، إذ فشلت الشركة في أزمة "كوفيد-19" بعدما كانت أكبر منتج عالمي للقاحات من حيث الإيرادات، قبل انتشار الوباء. وقد فشلت في ابتكار عقار خاص بها مقارنة بشركة "أسترازينيكا" التي نجحت رغم عدم وجود خبرة في إنتاج اللقاحات تقريباً في ابتكار لقاح لـ"كوفيد-19" بالتعاون مع "جامعة أكسفورد"، وهو اللقاح الذي يُستخدم الآن على نطاق واسع.

تعتقد والمسلي بأنها قادرة على إحداث تغيير كبير في "غلاكسو" ومضاعفة وتيرة الأبحاث ذات التأثير الكبير، لا سيما في مجال اللقاحات وأدوية علاج فيروس نقص المناعة وعلاج السرطان، وذلك بهدف استعادة موقع الشركة في طليعة مكتشفي الأدوية. وفي حال نجحت خطط والمسلي فسوف تنمو عمليات قطاع الأدوية واللقاحات في الشركة بسرعة كبيرة لتعوض خسارة ذراعها الاستهلاكية بحلول عام 2031، فيما تبلغ الإيرادات السنوية لذلك القطاع نحو 10 مليارات جنيه إسترليني في الوقت الحالي.

لم يتضح بعدُ ما إذا كان بإمكان "غلاكسو" تحقيق تلك الأهداف، لكن السؤال الأكثر إلحاحاً هو ما إذا كان والمسلي ستُمنح الوقت الكافي للمحاولة. وبينما تزعم والمسلي ومديرون تنفيذيون آخرون أن استراتيجيتها الحالية تحظى بدعم واسع من المساهمين، فإن ما سيحدث خلال الأسابيع والأشهر المقبلة سيكون حاسماً بشأن مستقبل والمسلي و"غلاكسو" أيضاً. ويبقى على والمسلي إثبات أن الشركة تسير في الاتجاه الصحيح، وأنها أفضل شخص يمكنه قيادة الشركة في هذا الطريق الصحيح. فإذا نجحت والمسلي سيُشار إلى ما قام به صندوق "إليوت" كتغيير ذي تأثير بسيط وقصير الأمد لإحياء الشركة البريطانية الاستراتيجية. أما إذا فشلت فستصبح "غلاكسو" أحدث شركة في سلسلة طويلة من المناوئين الذين يعتزم الصندوق فرض إرادته عليهم.

في عام 2016 كانت والمسلي جالسة في مكتبها بالطابق الأرضي في مقر "غلاكسو" الزجاجي غربي لندن، عندما اتصل بها فيليب هامبتون، رئيس الشركة آنذاك، ليطلب منها الحضور إلى مكتبه. في المصعد، كانت والمسلي تأمل في أن كل ما يحتاج إليه هامبتون لن يستغرق وقتاً طويلاً لارتباطها باجتماع آخر كان عليها أن تصل إليه في الموعد المحدد.

أخبر هامبتون والمسلي بعد لحظات من دخولها بشيء سوف يغير حياتها، فقد اختارها مجلس إدارة "غلاكسو" بعد شهور من المقابلات رئيسة تنفيذية للشركة، لتصبح أول امرأة تقود شركة أدوية كبرى.

قالت والمسلي في مقابلة في يوليو بمكتب الشركة في توني مايفير بلندن: "أتذكر أنني كنت أفكر في أثناء صعودي بالمصعد. فكما تعلم، كنت مشتتة، ثم نزلت في المصعد. لقد كان امتيازاً لا يُصدَّق".

يمثل اختيار والمسلي أمراً استثنائياً في بعض النواحي، فقد جرى تعيين ابنة الضابط الكبير في البحرية الملكية، التي درست الكلاسيكيات واللغات الحديثة في أكسفورد ولم يكن لديها أي خلفية في العلوم أو الأدوية، قبل أن تنضم إلى وحدة المنتجات الاستهلاكية في "غلاكسو" عام 2010. قبل ذلك الوقت كانت والمسلي قد أمضت معظم حياتها المهنية في "لوريال" (L’Oreal)، حيث تدرجت في المناصب الإدارية قبل أن تتولى مسؤولية أعمال شركة مستحضرات التجميل العملاقة في الصين. وكانت والمسلي المرشحة الوحيدة التي تفكر بجدية في الحصول على ذلك المنصب الرفيع في "غلاكسو"، من بين قائمة ضمت 3 من كبار المديرين التنفيذيين في شركات الأدوية المنافسة. ولكن وفقاً لشخص مطلع على عملية الاختيار، فقد كانت الاختيارَ الأول لكل أعضاء مجلس الإدارة، وباجماع نادراً ما يحدث. فقد كان تصورهم أنها هي من تفهم "غلاكسو" جيداً، كما تحتفظ برؤية خارجية بشأن كمّ التغيير الهائل الذي تحتاج إليه الشركة. وأشار المصدر إلى أن اختيار والمسلي لم يتأثر بطلب سداد "غلاكسو" 23 مليون دولار في حالة تعيين أحد المرشحين الخارجيين الثلاثة الذين كانوا على رأس مناصبهم، وفقاً لما يسمى في صناعة الأدوية بالقيود الذهبية.

بهذا الاختيار، ورثت والمسلي إمبراطورية ضخمة ومعقدة، بُنِيَت على مدار عقود، شهدت صفقاتٍ بعضها ناجح والآخر أقل نجاحاً.

ترجع جذور "غلاكسو" الأولى إلى صيدلية تجارية في لندن في القرن الثامن عشر، أما هيكلها الحديث فيرجع إلى اندماج شركتَي أدوية عملاقتين هما: "سميث كلاين بيتشام" (SmithKline Beecham) و"غلاكسو ويلكم" (Glaxo Wellcome) في عام 2000، لينشأ عن ذلك الاندماج أكبر شركة أدوية في العالم وقتها، وهو اللقب الذي فقدته الشركة سريعاً في ظل ما شهدته الصناعة بعد ذلك من اندماجات متسارعة.

سبق تولي والمسلي حقبة عانت فيها "غلاكسو" عديداً من المشكلات، منذ تولى أندرو ويتي المسؤولية عام 2008 وانتهاء صلاحية براءة اختراع الأدوية الرئيسية التي تنتجها الشركة. كما تزامن ذلك مع ما أثاره بعض العلماء من مخاوف بشأن ما إذا كان عقار حبوب السكري الأكثر مبيعاً "أفانديا" (Avandia) قد تسبب بحدوث نوبات قلبية، ما أثار معركة قانونية كلفت الشركة في نهاية الأمر أكثر من 3 مليارات دولار. ولتعويض تلك الخسائر، بنى ويتي ذراعاً استهلاكية للشركة تتمتع منتجاتها، مثل معجون الأسنان "أكوافريش" (Aquafresh) ومسكنات الألم "بانادول" (Panadol)، بإيرادات مستقرة، واعتراف عالمي بالعلامة التجارية، فيما لم تتمكن من العودة إلى تحقيق أرباح هائلة من العقاقير الطبية الناجحة.

قررت والمسلي أن أبرز مهامها إعادة "غلاكسو" إلى صدارة اكتشاف العقاقير الرائجة، وبذل ما في وسعها لبيعها. ولذلك عينت في عام 2017 هال بارون، العالم الأمريكي الذي كان يعمل في شركة "كاليكو" (Calico) الناشئة لمكافحة الشيخوخة التي تدعمها "ألفابيت"، لقيادة البحث والتطوير. كما استحوذت على خدمات لوك ميلز، أحد كبار المديرين التنفيذيين في "أسترازينيكا" لإدارة المبيعات. ركز ميلز على الأسواق الأكثر جاذبية، وخفض مع والمسلي عدد البلدان التي تعمل فيها الشركة من 140 إلى 70 فقط، وتغيير نحو 9 من كل 10 من مديري الدول. وعلق ميلز الأسترالي البالغ من العمر 46 عاماً في مقابلة من غرفة الحجر الصحي في فندق في بلده الأم قائلاً: "رأيت كثيراً من الأشخاص الأذكياء جداً الذين أرادوا بالفعل النجاح، لكننا فقط لم نكن ناجحين أو ناجحين كما كان يجب أن نكون".

اقرأ أيضاً: "وينغ" التابعة لـ"ألفابت" تبشر بإنجاز في مجال التوصيل عبر المسيّرات

بالتزامن مع ذلك، كُلّف بارون باكتشاف أدوية متقدمة. ويعد بارون أحد المخضرمين الذين عملوا في "جينين تيك" (Genentech) و"روش" (Roche)، كما تحمل 90 ورقة بحثية لعديد من زملائه اسمه مرجعاً. وقد نجح بارون، الذي لا يزال يقيم في سان فرانسيسكو، في بناء سمعته كواحد من أكثر العلماء التنفيذيين احتراماً في وادي السيليكون. وقد بدأ بارون تنشيط عمليات البحث والاكتشاف في الشركة بمجرد توليه وظيفة كبير علماء "غلاكسو"، لا سيما من خلال إنهاء ما رآه هو وميلز إحجاماً تاريخياً عن قول "لا" للفرص غير الواعدة. لقد أوضح بارون في مقابلة سابقة أن الشركة كان لديها ما يكفي لتمويل 7 مشروعات على سبيل المثال، لكنها سعت إلى الحصول على تمويل للبدء في 10 مشروعات. وقال بارون: "كنا نمول 70–80% من تلك المشروعات، ولكن من وجهة نظري أرى أنه لا بد من إطلاق 7 مشروعات بشكل جيد، وتمويلها بنسبة 100%، وإنهاء الثلاثة الأخرى".

مخاوف من فشل التطوير

لكن استراتيجية بارون سوف تؤدي إلى خفض عدد رهانات "غلاكسو" المستمرة، وهو ما يثير المخاوف من فشل أغلب جهود التطوير، إذ تشير القاعدة التقليدية في صناعة الأدوية إلى أن واحداً فقط من كل 10 أدوية تجريبية ينتقل من مرحلة الاختبارات المبكرة إلى المرضى، بتكلفةٍ عادة ما تصل إلى مئات الملايين من الدولارات. لكن بارون رأى إمكانية تحسين "غلاكسو" لاحتمالات نجاح تجاربها، وأن تكون أكثر دقة باستخدام البيانات الجينومية والذكاء الصناعي لاستهداف الاحتياجات الطبية التي لم تُلَبَّ بشكل أكثر دقة، والعمل على أن يكون للشركة دور ريادي في استغلال التقنيات الجديدة مثل تقنية "كريسبر" (Crispr) لتحرير الجينات، التي تسمح للعلماء بتغيير الحمض النووي بسهولة.

في عام 2018، ذهب بارون لتناول العشاء مع جينيفر دودنا عالمة الكيمياء الحيوية في "جامعة كاليفورنيا" في بيركلي، التي حصلت على جائزة نوبل لاحقاً لعملها الرائد في تطوير تقنية "كريسبر". عرض عليها بارون شراكة من شأنها أن تجمع بين البحث الأكاديمي لدودنا والموارد الهائلة لشركة "غلاكسو"، لاستكشاف علاجات جديدة. قالت دودنا في مقابلة إن التعاون الذي أصبح رسمياً في العام التالي يحرز تقدماً في المراحل المتقدمة من التجارب التي تركز على علاج الخرف والانتكاس العصبي. وقالت دودنا: "كل المؤشرات تشير إلى أننا في الاتجاه الصحيح، وسنحقق بعض النتائج المذهلة. هدفنا خلال العام المقبل هو أن نكون قادرين على الوصول إلى نقطة، إذ يمكننا الإعلان عن اثنين من الاكتشافات الجديدة".

تعدّ "غلاكسو" الشركة الدوائية الكبرى الوحيدة التي تطوّر علاجات مع دودنا باستخدام تقنية "كريسبر"، كما بدأت أيضاً شراكة بحثية حصرية مع شركة "آند مي 23" (23andMe)، باستخدام البيانات الجينية التي يمتلكها مزود الاختبار، للبحث عن أدوية جديدة.

اقرأ أيضاً: "23andMe" للاختبارات الجينية.. أحدث صفقات الملياردير برانسون

بالربط بين تصريحات والمسلي وبارون وتلك المتغيرات نجد في النهاية أن لدى "غلاكسو" ميزة تكفي لمضاعفة الشركة معدل اختراقها للسوق وبيع 20% من الأدوية المرشحة.

في الوقت الذي بدأ فيه بارون ودودنا الحديث عن العمل معاً، كانت تغييرات أكبر تجري في لندن، إذ بدأت والمسلي، ومنذ أن أصبحت رئيسة تنفيذية، بالتركيز على ما يجب عمله مع قطاع منتجات المستهلك لدى الشركة، لأن بيع المستلزمات اليومية مثل معجون الأسنان ومسكنات الألم يمكن أن يخفف من التقلبات في إيرادات قطاع الأعمال الدوائية المتقلبة، ويتزامن ذلك مع توجه شركات الأدوية الكبرى إلى عدم التركيز على منتجات المستهلك التي لا تحتاج إلى وصفة طبية في السنوات الأخيرة، تطبيقاً للنظرية القائلة بأن الشركات الأكثر تركيزاً ستكون هي الأكثر قدرة على تحقيق المكاسب وتسويق الاكتشافات الجديدة.

قررت والمسلي أواخر عام 2018 أن تفعل الشيء ذاته، ونقلت وحدة منتجات المستهلك التابعة للشركة إلى مشروع مشترك مع "فايزر" (Pfizer) للتركيز على جهود البحث والتطوير، ما يعتبر مرحلة أولى ضمن خطة فصلها بالكامل لتصبح "نيو غلاكسو سميث كلاين"، كما أطلقت عليها والمسلي، لتبقى الشركة التي سوف تستمر في إدارتها لتركز بشدة على الأدوية المربحة، من علاج السرطان وفيروس نقص المناعة المكتسب، والأمراض الأخرى، بالإضافة إلى اللقاحات.

تقول والمسلي إنه "بمجرد أن تقرر أن الأولوية لتخصيص رأس المال لمشروعات البحث والتطوير في الأدوية واللقاحات، فإن بقاء أكبر قسم لمنتجات الرعاية الصحية للمستهلك داخل شركتك" لم يعد النهج الأكثر منطقية.

ابتكارات ولقاحات

إن جهود والمسلي لإثبات أن "غلاكسو" ستصبح رائدة في مجال الابتكار أمام عالم المستحضرات الصيدلانية ومستثمريها، قد شهدت بداية متباينة، إذ يُنظر إلى بعض مشروعاتها البحثية على أنها واعدة، خصوصاً مع التطور الذي يشهده العقار التجريبي لمرض السرطان الذي يجري العمل عليه بالشراكة مع "آند مي 23"، لكنه لا يزال في مرحلة مبكرة جداً من التجريب، حتى إن العقار الذي يعمل على منع بروتين (CD96) الذي يسمح للخلايا السرطانية بتجنب اكتشاف الجهاز المناعي وتدميره لا يحمل اسماً حتى الان. ولكن إذا نجح العلاج فسيكون بمثابة تأكيد لمزاعم والمسلي وبارون بقدرتهما على تنشيط جهود الاكتشافات.

تختبر الشركة أيضاً عدداً من اللقاحات التي يحتمل أن تكون مربحة ضد الفيروس المخلوي التنفسي والالتهاب السحائي.

من ناحية أخرى، أنهى شريك آخر، وهو شركة "ميرك" (Merck) الألمانية، تجربة عقار مضاد للسرطان يسمى "بينترافوسب ألفا" (Bintrafusp Alfa) في وقت مبكر من هذا العام، لكنها عادت وأكدت أنه من غير المرجح أن يكون بالفاعلية المستهدفة، فيما كانت "غلاكسو" تُجري أيضاً تجارب علاج آخر للسرطان، وكان كلا العقارين على قائمة الأدوية الأكبر احتمالاً لتحقيق مكاسب محتملة للشركة.

كانت الجهود المتعلقة بلقاحات "كوفيد" هي الأكثر ضرراً على سمعة الشركة، إذ أعلنت "غلاكسو" بعد فترة وجيزة من انتشار الوباء عن عدم مشاركتها في العمل مرتفع المخاطر والتقنية لتطوير اللقاح الخاص بها. وبدلاً من ذلك قالت إنه يمكن أن تسهم بشكل أفضل من خلال نشر خبرتها في إنتاج المواد المساعدة والمحفزة التي تعزز الاستجابة المناعية الناتجة عن تلقي حجم معين من اللقاح، ما يساعد على تلقي عدد أكبر من السكان للجرعات. وقد أدى هذا القرار في النهاية إلى تأخر "غلاكسو" بشكل كبير في سباق اللقاحات. عانت شريكتها الرئيسية شركة "سانوفي" (Sanofi) من تلك التأخيرات، وقد تنتج الشركة التي تتخذ من باريس مقراً لها لقاحاً معتمداً بحلول نهاية هذا العام، الذي ينتج عن برنامج مشترك آخر مع شركة "ميديكاغو" (Medicago) الكندية، التي من المتوقع أن تعلن عن نتائج تجارب المرحلة المتقدمة في الوقت ذاته تقريباً.

اقرأ أيضاً: "سانوفي" تستحوذ على "ترانسليت بيو" مقابل 3.2 مليار دولار

رغم أن التأخر لم يؤثر في أرباح "غلاكسو" مثل "أسترازينيكا" التي تعهدت بتقديم لقاحات كوفيد بسعر التكلفة، فإنه حرم الشركة من مكانة وشهرة كبيرتين في السوق. وفي الوقت ذاته تحولت علاقة الشركة مع مشروع الحكومة الأمريكية للإسراع بإنتاج اللقاح إلى مصدر إحراج.

فصلت"غلاكسو" في مارس منصف السلاوي المدير التنفيذي المخضرم الذي شغل منصب كبير العلماء في برنامج الجهود الأمريكية للإسراع بتطوير اللقاح، بعد مزاعم بتحرشه جنسياً بموظفة. وقد اعتذر السلاوي "بلا تعليق" عن الحادث. وعندما سُئلت والمسلي عن قرار الفصل في مقابلتها في يوليو الماضي كانت عاطفية بشكل واضح، إذ قالت: "هذه الأشياء مهمة، وأهتم بها شخصياً".

من المؤكد أن إطلاق اللقاحات في عام 2022 لن يكون متأخراً، بل سوف يسهم في إنهاء الوباء، خصوصاً مع الانتشار العالمي لسلالة "دلتا" المتحورة، وتأخر جهود التطعيم في عديد من البلدان النامية، والحاجة الملحة إلى تعزيز توافر اللقاحات. ولذلك لن يكون هناك احتمال لأي نقص في الطلب.

حصلت "غلاكسو" أيضاً على موافقة الولايات المتحدة في مايو الماضي على عقار "سوتروفيماب" (sotrovimab)، وهو علاج بالأجسام المضادة يمكن أن يمنع مرضى "كوفيد" من الإصابة بتطورات خطيرة. ولكن سيظل من الصعب على والمسلي التخلص من الإحساس بأن "غلاكسو" فوتت فرصة تحدث مرة واحدة في القرن، لإثبات براعتها العلمية.

الضغط على المديرين

وبمراجعة حملات "إليوت" السابقة فقد طور الصندوق طريقة متميزة وغير محظورة بالنسبة إلى نشاط المساهمين، فعادةً يقدم خيارين للشركات التي يستثمر فيها: إما تنفيذ مقترحاته واكتساب حليف قوي في الصندوق، وإما الرفض والاستعداد للعواقب.

في "إي باي" (eBay) على سبيل المثال استقال الرئيس التنفيذي ديفين وينغ في عام 2019 وسط تغييرات بدأها "إليوت". وخلال حملة أخرى استهدفت شركة التأمين "أثينا هيلث" (Athenahealth) أشارت الصحافة البريطانية والأمريكية إلى مزاعم بسوء معاملة الرئيس التنفيذي جوناثان بوش. وقد نفى "إليوت" أي علاقة له بالتقارير التي أدت إلى استقالة بوش في نهاية الأمر، ليتعاون بعدها الصندوق مع شركة شيك على بياض للاستحواذ على "أثينا هيلث" مقابل ما يزيد على 5 مليارات دولار.

عندما بدأ "إليوت" فحص الشركة في أواخر عام 2020، لبّت "غلاكسو" كل طلبات الصندوق. كانت أسهم "غلاكسو" قد انخفضت بأرقام مزدوجة منذ تولت والمسلي منصب الرئيس التنفيذي في 2017، مقارنة بمكاسب أسهم "أسترازينيكا" بنحو الثلثين، كما تتراجع عوائد "غلاكسو" مقارنة بأغلب المنافسين.

كانت "غلاكسو" تعدّ ثالث أكبر شركة أدوية في العالم من حيث القيمة السوقية بنهاية عام 2006، لكنها تراجعت إلى المرتبة الحادية عشرة، ما أسهم في تكوين انطباع بأنها قد تكون وصلت إلى أسوأ حالاتها.

بدأ صندوق "إليوت" تحقيقاً مكثفاً لمعرفة مزيد عن "غلاكسو" وتقييم محفظة أدويتها واستراتيجيتها، وتقييم سمعتها في السوق، وفقاً لمصادر مطلعة على دراية بالاستثمار. فعلى مدى أشهر عدة أجرى موظفو "إليوت" مقابلات مع موظفين سابقين ومديرين تنفيذيين في مجال الأدوية ومساهمين، قبل شراء أي من أسهم الشركة. ومن اللافت للنظر أن أياً منهم لم يشعر بأنه مضطر إلى تحذير والمسلي أو سيموندز من أنهما محل تقييم.

في النهاية، قررت لجنة إدارة الصندوق التي يقودها بول سينغر منذ أن أسس "إليوت" في عام 1977 أنها مستعدة للمضي قدماً. لم تكشف "إليوت" عن الحجم الدقيق للحصة التي اشترتها لاحقاً في "غلاكسو"، ولكن كل ما هو مؤكد أنها أقل من 5%، تلك النسبة التي من شأنها أن تؤدي إلى إلزامها الافصاح عن ملكيتها بموجب قواعد الشركات المدرجة في بريطانيا، أي إن حصتها قد تبلغ نحو 3.5 مليار جنيه إسترليني (4.86 مليار دولار)، لكن من الأفضل أن نقول إنها بالمليارات.

جاء عديد من الآراء التي سمعها "إليوت" من مستثمري "غلاكسو" الآخرين متوافقاً مع توقعات مديريها التنفيذيين عن أن الشركة لم تكن تنتج عقاقير جديدة كافية أو تضع رهانات جريئة بما يكفي لتتميز في منافستها شركات الأدوية الأخرى، فيما قالت مصادر مطلعة إنهم فوجئوا بما سمعوه عن والمسلي. قالت المصادر إن عدداً من المستثمرين أعربوا عن قلقهم بشأن افتقارها إلى الخلفية الصيدلانية أو العلمية، وشكت من أن والمسلي بدت غير مرتاحة للمناقشات التفصيلية حول مشروعات تجارب الأدوية أو جهود البحث والتطوير لدى "غلاكسو"، وأنها تميل إلى الإذعان لآراء ميلز وبارون. سواء كان ذلك منصفاً أم لا، فقد رسم مديرو "إليوت" انطباعاً بأن أحد العوامل التي تعيق "غلاكسو" يمكن أن يتمثل في قدرات رئيستها التنفيذية.

يصعب على أشخاص من خارج الشركة تحليل مدى انتشار هذا الرأي، إذ لم يناقش أي من كبار المساهمين في "غلاكسو" وجهات نظرهم حول والمسلي ضمن الآراء التي جرى الاطلاع عليها في أثناء كتابة هذا المقال، بل إن الشركة تقول من جانبها إن والمسلي تتمتع بدعم واسع بين قاعدة المستثمرين. ومن الواضح أن هذا البيان وتحليل "إليوت" لا يمكن أن يكونا دقيقين.

جدل حول والمسلي

ما زال الجدل معلقاً حول والمسلي باعتبارها امرأة، وما إذا كانت هناك مخاوف بشأن قيادتها بسبب التمييز على أساس الجنس. فعلى الرغم من أن "إليوت" التي تضم لجنتها الإدارية 10 أعضاء، 9 منهم رجال، قد استهدفت واحدة من شركات الأدوية القليلة التي تقودها امرأة، فإنها سلطت الضوء أيضاً على حقيقة أنه من بين أكثر من 100 حملة نشطة على شركات عامة أجراها الصندوق منذ عام 2010، تتولى النساء في 4 منها فقط منصب الرئيس التنفيذي.

ركزت "إليوت" التي رفضت التعليق على تلك القضية على أداء الشركة، وبدأت في بناء هجوم يمكن أن يؤدي إلى إنهاء خدمات والمسلي، فقد أفادت مصادر مطلعة بأن "إليوت" دعت الشركة في رسالة نُشرت في يوليو إلى مجموعة من الأمور، من بينها البحث عن قيادات لإدارة "نيو غلاكسو"، وقطاع منتجات المستهلك الذي سيصبح قريباً شركة مستقلة، وهو الأمر الذي يتطلب إعادة مقابلة والمسلي من أجل الاستمرار في منصبها.

ليس لدى "إليوت" مشكلة في أن تكون والمسلي أفضل المرشحين، لكنه يريد من الشركة التي تعمل بها قيادات من ذوي الخبرة في مجال الصيدلة والعلوم، وأن تثبت قدرتها على القيادة، وفقاً لمصادر مطلعة على دراية بالموضوع. كما قالت المصادر إن الصندوق يعتبر ميلز اختياراً قوياً من داخل الشركة ليحل محل والمسلي. وبسؤال ميلز عن احتمال ذلك قال إنه يركز على أعماله اليومية.

ردت "غلاكسو" برسالة مفتوحة خاصة بها بعد 24 ساعة، إذ لم تكُن لديها مشكلة مع بعض مقترحات "إليوت" في البحث عن رئيس تنفيذي لشركة منتجات المستهلك قيد التنفيذ. وكذلك اتفقت الشركة مع رأي "إليوت" بأن مزيداً من مديريها يجب أن يكون لديهم خلفيات صيدلانية أو علمية، فيما رفضت شركة تصنيع الأدوية قبول رأي الصندوق بشأن والمسلي، إذ قرر مجلس الإدارة الإبقاء عليها في "غلاكسو" بعد الانقسام، وقالت الشركة إنها لن تعيد فتح الموضوع مرة أخرى.

قد يدفع المأزق بين "إليوت" ووالمسلي إلى وضع غير مستقر. وعلى عكس بعض المستثمرين النشطاء، "إليوت" مستعد لمواصلة النزاع لأجل غير مسمى، فقد استمر الصندوق في معركته مع الحكومة الأرجنتينية لمدة 14 عاماً، وقد فاز "إليوت" في النهاية.

قالت المصادر المطلعة إن المديرين التنفيذيين في "إليوت" يُجْرون مناقشات متكررة مع مساهمين آخرين، ويراقبون آراءهم، بالإضافة إلى الخطوات التالية لشركة "غلاكسو" قبل أن يقرروا ما إذا كان سيجري تصعيد حملتهم أم لا.

أمضت والمسلي مثل باقي الملايين معظم الأشهر الثمانية عشر الماضية تعمل من منزلها في غرب لندن، والقريب من مقر الشركة، حيث تعيش مع زوجها وأطفالهما الأربعة والكلاب. وللتخلص من التوتر الناتج عن وظيفتها والمشاحنات العائلية حول عدد الأحذية الرياضية المكدّسة عند الباب الأمامي، تحاول والمسلي الاستيقاظ باكراً لممارسة اليوغا متى أمكنها ذلك. ولا يعدّ أمرأ سهلاً قيادة إعادة هيكلة لواحدة من أكبر الشركات البريطانية من مكتبها في المنزل، لكن والمسلي تحاول البقاء متماسكة، إذ تقول: "أعتقد أنه من الصعب على الأشخاص الذين في وضعي أن يشكوا من كل الضغوط".

قائمة مهامها شاقة، فعلى مدار الأشهر الاثني عشر المقبلة تحتاج والمسلي إلى إكمال العرض الخاص بالأعمال الاستهلاكية لشركة "غلاكسو"، وإعداد الشركة التي ستركز على الأدوية واللقاحات والعمل على اكتساب حصة سوقية في مجال علاج السرطان شديد التنافسية، وربما إطلاق عديد من لقاحات "كوفيد". وكل ذلك يأتي مع محاولة "إليوت" إبعادها، فيما تحاول التمسك بمنصبها.

على الرغم من شكوك المستثمر الجديد فإنها ترى أنه لا يوجد أحد أفضل منها لتنفيذ كل شيء. تقول والمسلي: "لقد كنت واضحة بشأن مستواي الشخصي من الالتزام والطاقة لرؤية (غلاكسو) تحقق نجاحاً كبيراً خلال هذه المرحلة الحرجة للغاية، ولا ينبغي عليك تولي هذه الوظائف إن لم تكن مستعداً للتغلب على بعض التحديات التي تواجهك على طول الطريق. وأنا محظوظة بما أمتلكه من مرونة".

تصنيفات

قصص قد تهمك