بلومبرغ
متاجر تخلو رفوفها من أوراق المرحاض، وسفن شحن ضخمة تجنح في قناة السويس، ومصانع تغلق أبوابها في فيتنام، وموانئ تتوقف عن العمل في الصين، يكاد لا يمر يوم دون مواجهة سلاسل التوريد العالمية لمشكلات جديدة بسبب الوباء، الذي يبدو أنه تمكن في الوقت المناسب، من تفكيك أنظمة إدارة المخزون، التي لم تستطع مواكبة الاضطرابات الهائلة والمتزامنة في العرض والطلب.
حلول طارئة
كافحت الشركات للتكيف مع هذه الاضطرابات، واتخذت بعضها خطوات استثنائية. فعلى سبيل المثال قامت شركتا "ولمارت" و"هوم ديبوت" باستئجار سفن شحن للبضائع خاصة بهما لتجنب أي نقص في موسم العطلات القادم، خاصة أن خبراء اللوجستيات يقولون إن اضطرابات الموانئ المزدحمة لن تنتهي عما قريب.
كذلك أجبرت الاضطرابات الشركات على إيلاء المزيد من الاهتمام لخبراء سلاسل التوريد، الذين يعملون عادة خلف الكواليس ويجتازون العقبات في سكون، لحين وقوع كارثة ما. وأيضاً دفعت هذه الاضطرابات كليات إدارة الأعمال إلى تحديث مناهجها الخاصة بسلاسل التوريد، للتأكد من استعداد الجيل القادم من مديري اللوجستيات لمواجهة الأزمات المستقبلية.
مصر توّدع ملحمة "إيفر غيفن" في قناة السويس بتعويض واحتفال
لسلاسل توريد أفضل... على أمريكا الاتجاه جنوباً
منظور جديد لوظائف قديمة
يقول سكريكانت داتار، عميد "كلية هارفارد للأعمال": "على مدى أعوام عديدة، كان لدينا توجه مسلم به للتعامل مع الخدمات اللوجستية، لكن الوباء جعلنا نعيد التفكير بالأمر من جديد".
ويوضح هيتندرا شاتورفيدي، الأستاذ في إدارة سلسلة التوريد في كلية "دبليو بي كاري للأعمال" التابعة لـ"جامعة ولاية أريزونا"، إن التعليم الخاص بسلاسل التوريد والنظريات المتعلقة بذلك، حققت تطوراً بشكل صارم يماثل ممارسات الأعمال في العالم الحقيقي. وأضاف:
بعد سنوات من التعليم من دون حدوث أي اضطرابات، باتت مقرراتنا الدراسية أقل مرونة
استجابة لهذه الاضطرابات، تولي كليات إدارة الأعمال الآن اهتماماً لأمور مثل تخفيف المخاطر، وتحليل البيانات، واستعادة الإنتاج، مع إتاحة المجال لاستكشاف المزيد عن الأمور غير الملموسة، مثل الأخلاقيات والتواصل والاستدامة.
ومن هذا المنطلق تعتزم "كلية سميل للأعمال" في "جامعة ولاية بنسلفانيا" إضافة دورة دراسية لبرنامج الماجستير في إدارة أخطار سلسلة التوريد خلال العام المقبل، مع إدراج الدروس المستفادة مباشرة من تجربة الوباء لشركائها من الشركات، مثل "هيرشي" و"ديل تكنولوجيز". وسيتم إدراج الدورة الدراسية ضمن برنامج شهادة جديد في إدارة المخاطر، كما تخطط "كلية دبليو بي كاري" للأعمال أيضاً تقديم شهادة في مجال مرونة سلاسل التوريد.
شعبية متزايدة في كليّات الأعمال
عن ذلك، يقول كيفن ليندرمان، رئيس قسم سلاسل التوريد وأنظمة المعلومات في "كلية سميل للأعمال": "ليس الأمر أننا لا نغطي أمور المخاطر بالفعل، لكن هذا من شأنه منح المزيد من العمق لذلك". وقد ازدادت شعبية قسم سلاسل التوريد وأنظمة المعلومات بين الطلاب بفضل الحوادث البارزة في الفترة الأخيرة، مثل جنوح سفينة الشحن "إيفر غيفن" في قناة السويس خلال مارس الماضي، والتي عطلت التجارة العالمية لمدة أسبوع تقريباً. وقد أعلن أكثر من 400 طالب في برنامج البكالوريوس لدى "سميل" عزمهم التخصص في إدارة سلاسل التوريد خلال هذا العام الدراسي، بارتفاع من حوالي 270 طالبا في العام السابق.
تعليقاً على الأمر، يقول ألوك بافيجا، الأستاذ في "كلية روتغرز" للأعمال، الذي تضم كليته مديرين تنفيذيين سابقين لعمالقة صناعة الأدوية مثل "جونسون آند جونسون"، إن طلاب إدارة الأعمال الوافدين الذين كانوا يتوجهون إلى التمويل أو التسويق، أصبحوا يريدون الآن استكشاف مجال إدارة سلاسل التوريد.
وعند تخرجهم، سيكون لدى هؤلاء الطلاب الكثير من الخيارات، حيث تخطط 50 شركة لحضور معرض الوظائف الخاص بسلاسل التوريد، الذي سيعقد في "معهد جورجيا التقني" (Georgia Tech) في سبتمبر، وهو نحو ضعف العدد الذي يأتي عادةً لتوظيف طلاب البرنامج، وهذه الشركات تشمل وافدين جددا مثل "هوندا" و"هني ويل" و"بروكتر آند غامبل".
شركات الشحن والتوصيل تجني المليارات من اختناقات سلاسل التوريد
نقص القهوة يعكّر مزاج العالم.. أزمة حادة في سلاسل التوريد بسبب خطوط الشحن
مسار مختلف
من المؤكد أن الطلاب الذين يسعون للحصول على شهادات في برامج سلاسل التوريد هذا الخريف، سيتعرفون بشكل مُفصل على المشاكل في أنظمة إدارة المخزون القائم على توفير البضائع بالوقت الحالي، والتي نمت شعبيتها خلال التسعينيات، حيث كانت الشركات تستهدف محاكاة نجاح صُناع السيارات مثل "تويوتا موتور"، التي تعد المعيار الذهبي للتصنيع الخالي من الهدر. ومع ذلك، فإن هذا التوجه أصبح أشبه بالـ"عقيدة" بالنسبة لبعض الشركات، وهذا الأمر تلاشى عندما تفشى الوباء ولم يعد هناك فائض في المخزون، على حد قول ليندرمان من "جامعة ولاية بنسلفانيا".
في الوقت نفسه، يقول هيون سو آن، الأستاذ في "كلية روس" لإدارة الأعمال في "جامعة ميشيغان"، إن "كوفيد-19" كشف مواطن الضعف في أنظمة إدارة المخزون القديمة، التي تهتم عادةً بخفض التكلفة قبل كل شيء آخر.
بينما يتحول الاتجاه الآن نحو مسار مغاير، ففي شركة "ولمارت"، التي تضع تحقيق الربحية كأولوية قصوى لها، تم رفع رصيد المخزون في الولايات المتحدة بنسبة 20% في الربع الأخير، نظراً لرغبة تاجر التجزئة تجنب نقص المنتجات في فترة عيد الميلاد.
ومع ذلك، فإن المصانع المغلقة، وازدحام الموانئ، ونقص سائقي الشاحنات، تشكل سبباً مباشراً في تعريض سلاسل التوريد المثقلة بالفعل بالضرائب، لمزيد من الفوضى. وهو ما يدفع إلى ارتفاع أسعار حاجيات البقالة، وتهديد إمكانية تسليم ملايين الهدايا الخاصة بالعطلات.
دروس من الوباء
حالياً، تدور النقاشات الدراسية في حصص "جامعة ولاية بنسلفانيا" والكليّات الأخرى التي تعلّم التعامل مع سلاسل التوريد، حول الجوانب السلبية للإفراط بالاعتماد على الصين أو أي بلد بمفرده لتأمين المخزونات، كما تستكشف هذه المساقات الدراسية أيضاً الدور الذي تلعبه التقنيات الحديثة مثل التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي، في قرارات التصنيع والمخزون.
يقول غوبالاكريشنان موهان، رئيس قسم سلاسل التوريد في "جامعة ولاية أريزونا"، إن الأبحاث القديمة يُعاد تفسيرها من خلال المنظور الوبائي. ووفقاً لجارود غوينتزل من "معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا"، فإن ما نحتاجه أيضاً، هو إدراك المديرين التنفيذين للشركات بأن الخدمات اللوجستية ليست مجرد نفقات، بل إنها تمتلك القدرة في الواقع على خلق قيمة عند إنجازها بشكل جيد. غوينتزل هو عالم الأبحاث الرئيسي في مركز اللوجستيات والمواصلات التابع للمعهد، ويعمل مع شركات مثل "أمازون دوت كوم" و "إنتل"، كما يعمل كمحاضر في برنامج ماجستير إدارة سلاسل الإمداد في المركز، الذي تستمر الدراسة فيه لمدة عام.
من الجيد أيضاً أن كبار المسؤولين التنفيذيين البارزين، مثل تيم كوك من شركة "أبل" وماري بارا من شركة "جنرال موتورز"، قد عملوا لبعض الوقت في إدارة سلاسل التوريد المعقدة قبل شغل المناصب العليا، لكن أساتذة اللوجستيات يقولون إن هناك اعترافاً أكبر طال انتظاره من مجالس الإدارة، بالدور الحاسم الذي تلعبه هذه المهارات.
وأضاف غوينتزل، الذي يعتقد أن الخبراء في سلاسل التوريد يجب أن يتم اعتمادهم تماماً مثل المحاسبين: "أي شركة تقول إنها تدرك تماماً كل ما يتعلق بسلاسل التوريد الخاصة بها، فهي كاذبة". وأضاف: "حان الوقت لكي تنهض هذه المهنة، لقد كان القرن العشرين يركز على القطاع المالي، ويجب أن يركز القرن الـ21 على سلاسل التوريد".