قضية المعلومات المضللة أكبر من "فيسبوك"

time reading iconدقائق القراءة - 10
فيسبوك - المصدر: بلومبرغ
فيسبوك - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

مع تفشي الوباء لا تبدو وسائل التواصل الاجتماعي أكثر صحة، إذ يستمر انتشار سلسلة من العلاجات الغامضة، والنظريات غير المثبتة، والأكاذيب الصريحة المناهضة للتطعيم، سواء في مجموعات "فيسبوك" أو في مقاطع الفيديو على "يوتيوب" وتعليقات "إنستغرام" ووسوم "تيك توك" والتغريدات عبر "تويتر". لذلك، جرى تعليق حسابات عديد من أعضاء الكونغرس على "تويتر" أو "يوتيوب"، لنشرهم معلومات مضللة، في الوقت الذي عارض فيه الرئيس جو بايدن ولع منصات التواصل الاجتماعي بنشر معلومات كاذبة.

اقرأ أيضاً: "فيسبوك" ترد بعنف على اتهامات بايدن لوسائل التواصل الاجتماعي

رداً على سؤال أحد المراسلين حول دور منصات مثل "فيسبوك" في انتشار المعلومات الخاطئة المتعلقة بـ"كوفيد"، قال بايدن الشهر الماضي: "إنهم يقتلون الناس". ومن جانبها استشهدت منصة "فيسبوك" في ردّها بدراسة أجرتها مع باحثين في جامعة "كارنيغي ميلون"، كشفت عن ارتفاع معدلات "تقبّل اللقاح" بين مستخدميها على مدار عام 2021 (كما انتقدت الشركة أيضاً الرئيس الأمريكي لتركيزه على ما وصفته بالجهات الفاعلة السيئة ذات الصلة، مثل المؤثرين البارزين المناهضين للتطعيم، الذين أطلق عليهم البيت الأبيض اسم "القلة المروجة للمعلومات المضللة"). بعد بضعة أيام، اتبع بايدن نهجاً أقل حدّة من حيث المواجهات المباشرة.

مع ذلك، فإن الجدل الدائر حول نشر المعلومات المضللة المناهضة للتطعيم لم يتقدم كثيراً منذ عمليات الإغلاق الأولى في بداية الجائحة، وذلك رغم المستوى الجديد من الصراحة بشأن تلك القضية، التي غالباً ما تصاغ في إطار إدارة ومراقبة المحتوى، إذ ستحظر شبكات التواصل الاجتماعي أكبر مروجي الأكاذيب إذا ما فرضت قواعدها الخاصة وحسب، وستكون الأمور على ما يرام.

يقول عمران أحمد، الرئيس التنفيذي لمركز مكافحة الكراهية الرقمية غير الهادف إلى الربح: "وُضعت هذه المعايير المجتمعية لسبب ما". كما يشكل حجم إدارة ومراقبة المحتوى أيضاً المقياس الرئيسي الذي تستشهد به شركات الإنترنت نفسها. وفي ردها على تعليق بايدن بشأن "قتل الناس" الذي أدلى به في يوليو، قالت "فيسبوك" إنها أزالت من موقعها أكثر من 18 مليون تعليق لمعلومات خاطئة عن "كوفيد-19"، ووسمت وأخفت أكثر من 167 مليون تعليق من المحتوى المرتبط بالوباء. أما موقع "يوتيوب" فقال في 25 أغسطس إنه أزال ما لا يقل عن مليون مقطع فيديو تتعلق "بمعلومات خطيرة عن فيروس كورونا".

اقرأ أيضاً: الصين تطلق حملة لحذف أي محتوى على الإنترنت يضر باقتصادها

حذف ملايين المنشورات

بالطبع هذا ليس كثيراً بالنسبة إلى مواقع تقدم خدماتها لمليارات المستخدمين. يقول أنجيلو كاروسوني، الرئيس والمدير التنفيذي لمؤسسة "ميديا ماترز فور أمريكا" (Media Matters for America): "أعتقد بأننا نفشل في أي وقت نناقش فيه هذه القضية من منظور مراجعة المحتوى، كوننا نعتبر ذلك أمراً هامشياً للغاية، بحيث لا يشكل أي أهمية". كانت المؤسسة غير الهادفة إلى الربح قد وثقت مؤخراً كيفية تفاعل مستخدمي "فيسبوك" أكثر من 90 مليون مرة مع مقطع فيديو واحد جرى تصويره في اجتماع لمجلس إدارة إحدى المدارس بولاية إنديانا، يشكك في فاعلية اللقاحات وارتداء الأقنعة. وحتى توقيت نشر هذا المقال، كان يمكن الوصول إلى عدة نسخ من الفيديو الذي تتبّعه فريق كاروسوني على كل من "فيسبوك" و"يوتيوب"، بل إنها ليست مقاطع الفيديو الوحيدة المشابهة على تلك المنصات.

وبينما يُعَدّ تقليل عرض المواد التي تحتوي على المعلومات المضللة على الشبكات الاجتماعية بشكل عام أمراً مهماً، فإنّ توقف المواقع عن إثارة الطلب بشكل مصطنع يُعَدّ أكثر أهمية. وهذا يعني إصلاحاً جذرياً لمحركات التوصية عالية الفاعلية الخاصة بتلك المواقع، لمعاقبة مقدّمي المعلومات المضللة على كذبهم، بدلاً من مكافأتهم على مهارتهم في جذب انتباه المستخدمين الآخرين. وقد أصبحت هذه هي الحكمة المتعارف عليها بين الحكومات والمراقبين على حد سواء، لكن بعد فوات الأوان. فقد قال المكتب البرلماني للعلوم والتكنولوجيا في المملكة المتحدة، في منشور على موقعه عبر الإنترنت: "من المحتمل أن يكون الانتشار السريع للمعلومات المضللة عبر الإنترنت مدفوعاً بالخوارزميات التي تدعم منصات وسائل التواصل الاجتماعي". كما يدرس الاتحاد الأوروبي المقترحات التي تطالب شركات وسائل التواصل الاجتماعي بالكشف عن مزيد حول كيفية عمل هذه الخوارزميات.

من جانبها، تقول المنصات الكبيرة مجدداً إنها تتبنّى منهجية للحد من إتاحة المعلومات الزائفة عبر خوارزمياتها. لكن منحنى التعلم كان حاداً، إذ تعتبر مجتمعات مناهضي التطعيمات مجرد فئة واحدة من مجتمعات هامشية عدة على الإنترنت، وقد أصبحت أكثر من بارعة في لعب "اضرب الخلد" (whack-a-mole). وأوضحت قناة "إن بي سي نيوز" مؤخراً كيف تجنّبت مجموعة مختارة من الجماعات المناهضة للتطعيم على "فيسبوك" مقصلة الخوارزميات من خلال إعادة تسمية نفسها "حفلات الرقص". ولكي تلحق بالركب، ناهيك بمواكبة التطورات، ستحتاج منصات التواصل الاجتماعي إلى الاستثمار بشكل كبير في تطبيق خبرات مراقبي المحتوى الأذكياء من المبتدئين، ومنظّري المعلومات، ومصمّمي التشفير، والموظفين السابقين الذين كشفوا عن إخفاقات الشركات في هذا المجال.

تحرك المشرّعين

على الصعيد التشريعي، قدّم العضوان الديمقراطيان في مجلس الشيوخ الأمريكي، آيمي كلوبوشار عن ولاية مينيسوتا، وبن راي لوغان عن ولاية نيو مكسيكو، مشروع قانون من شأنه تعليق المادة 230 -التي تُعَدّ الدرع القانونية طويلة الأمد لمواقع الويب التي تستضيف محادثات أشخاص آخرين- بالنسبة إلى الشبكات الاجتماعية التي جرى اكتشاف تعزيزها للمؤامرات المناهضة للتطعيم. وقالت كلوبوشار في بيان: "لفترة طويلة جداً لم تفعل منصّات الإنترنت ما يكفي لحماية صحة الأمريكيين". وأضافت: "سيعمل هذا التشريع على تحميل منصات الإنترنت المسؤولية عن انتشار المعلومات المضللة المتعلقة بالصحة".

على الجانب الآخر، يميل المدافعون عن هذه الإصلاحات إلى الشعور براحة أقل عندما يتعلق الأمر بالمنافذ الإعلامية المحافظة التي تشبه إلى حد بعيد الصحافة الحرة التقليدية، مثل قناة "فوكس نيوز" والبرامج الإذاعية، نظراً إلى تزايد جماهير المقاطع الخاصة بهذه المصادر التي تنكر فائدة لقاحات "كوفيد" أو تشكك فيها على الشبكات الاجتماعية. ومع ذلك فإنه من الحكمة دائماً تجنّب منح الحكومات سلطة واسعة للرقابة على الصحافة، كما يقول فيليب ماي، المدير المشارك في مختبر الوسائط الاجتماعية بجامعة "رايرسون" في تورنتو: "إذا نظرت إلى أي قوانين خاصة بالمعلومات المضللة جرى تمريرها خلال السنوات الأربع الماضية، فستجد أن الحزب الحاكم استغلها في النهاية للبقاء في السلطة وقطع الطريق على المعارضين".

تتبّع الأموال

يقول ماي إنّ الحدّ من الحوافز التي تروّج للتشكيك في اللقاحات يعني تتبع الأموال إلى ما هو أبعد من الشبكات الاجتماعية: "الأمر بمثابة احتيال بالنسبة إلى كثير من هؤلاء الأشخاص. إنهم لا يهتمّون بما يبيعونه ما دامت الأموال مستمرة في التدفق". ومن ثم يمكن أن تكون مواقع التجارة الإلكترونية مكاناً جيداً للبدء في تتبع تلك الأموال.

كانت "بلومبرغ بيزنس ويك" قد عثرت بسهولة على منتجات مكافحة التطعيم، مثل الكتب والقمصان وحتى الأقنعة على مواقع "أمازون" و"إتسي" وعدد قليل من مواقع التمويل الجماعي. وفي هذا السياق أزالت شركة "أبل" تطبيق "أنجيكتد" (Unjected)، وهو تطبيق مواعدة لمناهضي التطعيمات، من متجر التطبيقات التابع لها الشهر الماضي. لكن التطبيق لا يزال متاحاً على متجر "غوغل بلاي" الخاص بالأجهزة التي تعمل بنظام "أندرويد"، إذ تروّج صورة الشعار الخاصة به لمزاعم لا أساس لها من الصحة حول لقاحات "كوفيد".

أخيراً، لا تشكل أي من هذه الاستراتيجيات حلاً سحرياً، خصوصاً في هذه المرحلة، إذ ينبغي تجربتها معاً بحسن نية وجدية. ولا يزال لدينا فرصة لتغيير القصة حتى نجعل شبكاتنا الاجتماعية أكثر صحة، وأنفسنا كذلك، قبل حلول موسم العطلات وعودة الشتاء، الذي من المحتمل أن يفضي إلى موجة جديدة من إصابات "كوفيد"، والمعلومات المضللة التي تقترن بها حالياً.

تصنيفات

قصص قد تهمك