ملياردير كوري جمع ثروة بـ8.9 مليار دولار ثم بدأ الانحدار.. ما قصته؟

time reading iconدقائق القراءة - 14
بوم كيم  - المصدر: بلومبرغ
بوم كيم - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

جمع بوم كيم ثروة في شركة "كوبانغ" (Coupang) التي تعتبر مثل "أمازون" في كوريا الجنوبية، وصلت إلى 8.9 مليار دولار، وأصبح الوجه البارز لجيل الأثرياء الجديد العصامي في البلاد، الذي جمع ثروات من عالم التكنولوجيا بدلاً من خزائن سلالات العائلات المكدسة منذ عقود.

قيل الكثير حول اختلاف الجيل الجديد من العمالقة، وكيف هم أكثر استعداداً لرد الجميل للمجتمع، وأكثر مراعاة للموظفين. على سبيل المثال، وعدت شركة "كوبانغ" الموظفين والعاملين في الخطوط الأمامية بجوائز بقيمة 90 مليون دولار من الأسهم عندما تم إدراجها في نيويورك في مارس.

إقرأ أيضاً:

الأثرياء الجدد يتفوقون على المليارديرات المخضرمين في كوريا الجنوبية

3 أسباب وراء إحجام الشركات الصينية عن الإدراج بأمريكا

لكن بعد أشهر قليلة من الاكتتاب العام الأولي بأسهمها والذي شهد إقبالاً كبيراً، تعرضت شركة التجارة الإلكترونية العملاقة لضغوط جراء سلسلة من الخلافات، دفعت بعض الكوريين الجنوبيين إلى إعادة النظر في موقفهم تجاه هذا الملياردير وشركته.

تواجه "كوبانغ" انتقادات متجددة من النقابات العمالية والعملاء بشأن ظروف العمل، في أعقاب حريق مميت اندلع في مركز تنفيذ الطلبات في يونيو. وقد انخفض عدد المستخدمين اليومي لتطبيق "كوبانغ" في مرحلة ما بأكثر من 700 ألف مستخدم، نتيجة المقاطعة التي واجهتها الشركة بعد الحريق. ولم يكن بيان الشركة بشأن اعتزام كيم التنحي عن منصبه كرئيس لأعمال الشركة في كوريا سوى ضربة أخرى، إذ جاء في توقيت غير مناسب، حيث تصادف مع اليوم الذي وقع فيه حادث الحريق، الأمر الذي تم تفسيره على نطاق واسع بأنه محاولة للتهرب من المسؤولية، مما زاد من مشاعر الغضب تجاه الشركة ورئيسها.

قال بارك سانجين، الأستاذ في كلية الدراسات العليا للإدارة العامة بجامعة سيؤول الوطنية: "أصبح رواد الأعمال العصاميون جزءاً من الطبقة المتميزة، وباتوا يشكّلون نوعاً جديداً من التكتلات أو (التشايبول - chaebol)"، وهو المصطلح المستخدم للدلالة على التكتلات التي تسيطر عليها عائلات في البلاد.

الاهتمام بسلامة العاملين

في ردّ عبر البريد الإلكتروني على استفسارات من "بلومبرغ نيوز"، قالت "كوبانغ" إنها تهتم "بعمق برفاهية جميع الموظفين. وتأخذ مسؤوليتها في حماية صحتهم وسلامتهم على محمل الجد"، كما تسعى جاهدة إلى تحقيق المزيد من المساواة في مكان العمل من خلال منح "قدر هائل من العدالة للعمال، وخلق ثروة لجميع موظفيها وفي المجتمع الأوسع، من خلال تقديم الدعم للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم"، على حد قولها. وحول استقالة كيم من الشركة الكورية، قالت إن التغيير أصبح علنياً من خلال موقع إلكتروني حكومي قبل الحريق، وكان توقيت الإعلان مجرد مصادفة.

في العادة، لا يكون المليارديرات في جميع أنحاء العالم بعيدين عن النقد الذي يستهدف ثرواتهم الهائلة. واجه جيف بيزوس رد فعل عنيف ضدّ ما يسميه النقاد ظروف العمل السيئة في "أمازون"، وبسبب إقالته الموظفين الذين احتجوا على ذلك. كما تعرض مارك زوكربيرغ، من شركة "فيسبوك"، لانتقادات بسبب تأثير عملاق وسائل التواصل الاجتماعي على السياسة والمجتمع.

الجيل الجديد يتسلح بـ"التواصل الاجتماعي" لغزو "وول ستريت"

لكن الوضع أكثر حساسية في كوريا الجنوبية. ففي حين لا تحظى التكتلات التي تسيطر عليها العائلات بالشعبية، بسبب تورطها في فضائح وقضايا فساد، يظل هناك أمل في أن يكون الجيل الجديد من رواد الأعمال مختلفاً وأكثر استعداداً لرد الجميل للمجتمع. تعهد بريان كيم، على سبيل المثال، مؤسس "كاكاو" (Kakao)، الشركة العملاقة المتخصصة في إرسال الرسائل عبر الهاتف المحمول، والذي أصبح الآن أغنى شخص في البلاد، بالتخلي عن معظم ثروته.

يبقى السؤال المطروح على "كوبانغ" هو ما إذا كان الحريق وتغيير المواقف سيضران بأعمالها. زادت خسائر الشركة الصافية في الربع الثاني، بعد أن أنفقت بكثافة على التوسع، وبعدما ألحق الحريق أضراراً بأحد مراكز تلبية الطلبات الرئيسية للشركة. انخفضت أسهمها بنسبة 7.5% منذ طرحها للاكتتاب العام حتى إغلاق السوق الأربعاء، في وقت ارتفع مؤشر ستاندرد أند بورز 500 بنسبة 13% خلال الفترة ذاتها. قال سو يونغو، أستاذ التسويق في جامعة "سوكميونغ ويمين" (Sookmyung Women)، إن الشركة قد تواجه أزمة أخرى من شأنها أن تضر بأسهمها وهدفها، ما لم تصلح ثقافتها الداخلية.

وُلد كيم، البالغ من العمر 42 عاماً في سيؤول، وانتقل إلى أمريكا عندما كان طفلاً، وحصل لاحقاً على الجنسية الأمريكية. عاد إلى كوريا الجنوبية وبدأ شركة "كوبانغ" في عام 2010 بعد أن ترك الدراسة في كلية هارفارد للأعمال.

12 مليار دولار إيرادات

اليوم، يعد تطبيق "كوبانغ"، تطبيق التسوق الأكثر استخداماً في كوريا الجنوبية، وأحد أكبر أرباب العمل في البلاد. وقد تضاعفت الإيرادات تقريباً العام الماضي لتصل إلى 12 مليار دولار مع ارتفاع الطلب على التسوق عبر الإنترنت خلال الوباء.

بدعم من ماسايوشي سون من "سوفت بنك غروب" (SoftBank Group)، جمعت "كوبانغ" 4.6 مليار دولار في اكتتابها العام الأولي، رغم تكبدها خسائر لسنوات، وارتفع سهمها في اليوم الأول من التداول. ورغم تراجع ثروة كيم عن ذروتها، إلا أنها لا تزال تبلغ نحو 5.7 مليار دولار، وفقاً لمؤشر بلومبرغ للمليارديرات.

"سوفت بنك" يستثمر 1.7 مليار دولار بتطبيق سفر كوري قُبيل طرحه للاكتتاب

في 17 يونيو، اندلع حريق في مركز تلبية طلبات في إيتشيون، خارج سيؤول، وأسفر عن مقتل رجل إطفاء. وذكرت تقارير إعلامية محلية بناء على تسجيلات كاميرات المراقبة، أن الحريق نتج على ما يبدو عن عطل كهربائي، فيما أظهرت اللقطات على ما يبدو أن رشاشات الماء لم تعمل على الفور.

ألقت الشرطة القبض على موظفين في شركة تدير أنظمة السلامة الكهربائية والحريق في المستودع، بزعم إيقاف تشغيل أجهزة إنذار الحريق وتأخير تشغيل الرشاشات. أرسلت القضية إلى النيابة العامة بعد انتهاء التحقيق في أواخر يوليو، وفقاً لضابط شرطة في وكالة شرطة جيونج جي نامبو، والذي طلب عدم الكشف عن هويته، مبرراً ذلك بسياسة الوكالة.

قدّمت "كوبانغ" اعتذارها للمتضررين من الحريق، ووعدت بتقديم دعم مدى الحياة لأسرة رجل الإطفاء الذي لقي مصرعه. أجرت الشركة تحقيقاً شاملاً، ونفت المزاعم القائلة بأن حراس الأمن تجاهلوا أي تحذيرات بشأن الحريق، كما قالت في ردها عبر البريد الإلكتروني على "بلومبرغ نيوز".

أدى الحادث إلى مقاطعة خدمات "كوبانغ"، حيث انخفض عدد المستخدمين اليوميين لتطبيق الهاتف المحمول للشركة إلى حوالي 7.9 مليون في 26 يونيو، من حوالي 8.6 مليون في يوم الحريق، وفقاً لبيانات من شركة "موبايل إنديكس" (Mobile Index) لأبحاث السوق في كوريا الجنوبية. وعاد الرقم إلى التعافي منذ ذلك الحين. قالت "كوبانغ" خلال مؤتمر إعلان النتائج المالية الأسبوع الماضي، إن العملاء الذين أجروا عمليات شراء في الربع الثاني زادوا بنسبة 26% مقارنة بالعام السابق ليصل عددهم إلى 17 مليوناً.

توقف هيون وو لي الذي يبلغ من العمر 34 عاماً عن استخدام تطبيق "كوبانغ" بعد الحريق. وقال إنه كان في البداية من مناصري الشركة، لأنه اعتقد بأنها تعامل العمال بشكل أكثر عدالة. لكن لي الآن يتساءل عما إذا كان هذا صحيحاً. وقال: "كنت سعيداً بخدمات كوبانغ. لكن إذا كانوا لا يراعون موظفيهم عند تقديم مثل هذه الخدمات، فأنا أشك في ما إذا كان من المفيد الحصول على هذه الخدمات".

زاد الحريق من حدة الانتقادات، بأن الخدمات المريحة التي تقدمها "كوبانغ" مثل التسليم المضمون في اليوم التالي، تأتي على حساب العمال.

قالت الشركة في ردها، إنها أبقت أعباء العمل منخفضة بالنسبة إلى موظفي الخطوط الأمامية، رغم زيادة ساعات العمل في صناعة الخدمات اللوجستية. وأضافت أن القوى العاملة في الخطوط الأمامية تعمل "أقل بكثير من 50 ساعة في الأسبوع في المتوسط ​​في صناعة تتبنى 72 ساعة عمل في الأسبوع كقاعدة". وقد حققت الشركة ذلك من خلال استخدام التكنولوجيا وشبكتها الوطنية التي تضم أكثر من 100 مركز لوجستي، ومن خلال توسيع القوة العاملة بشكل كبير.

ظروف عمل قاسية

مع ذلك، لا تحتوي معظم المستودعات على أجهزة تكييف أو تدفئة، ولذا يتعين على الموظفين الذين يجهزون البضائع للشحن الاعتماد على عدد قليل من المراوح ووحدات توزيع الهواء، كما قال مين بيونغ جو، الذي يعمل في مركز تلبية طلبات تابع لـ"كوبانغ" خارج سيؤول، ويرأس نقابة عمال المستودعات في الشركة. قال إنه لا يُسمح للموظفين بإحضار الهواتف إلى مكان العمل.

قال مين، 55 عاماً: "نشعر وكأننا نعامل مثل الآلات. المنتجات هي أهم الأشياء بالنسبة إلى (كوبانغ)".

ورداً على ذلك، قالت "كوبانغ" إنه تم تركيب مكيفات ومراوح كبيرة بما يتناسب مع المساحة في مراكز التوزيع الخاصة بها. وقالت إن مراكز تلبية الطلبات في جميع أنحاء العالم، كسياسة مشتركة، لا تسمح باستخدام الهواتف المحمولة الشخصية في مكان العمل لمنع الحوادث. ولدى العديد من الشركات الأخرى، وخصوصاً المصانع، مستوى معين من القيود على استخدام الهاتف في مكان العمل.

قالت "كوبانغ" إنها كانت في طليعة الشركات التي وفرت "بيئة عمل جديدة لصناعة الخدمات اللوجستية". وأضافت أنها تضمن ساعات عمل أقصر، وتوظف عمال الخطوط الأمامية مباشرة، وتقدم إجازات، وإجازات مدفوعة الأجر، فضلاً عن المزايا الأخرى.

تقول نقابة عمال "كوبانغ" إن تسعة عمال، من بينهم اثنان من المتعاقدين الفرعيين، لقوا حتفهم بسبب العمل في الشركة منذ بداية العام الماضي. وقالت "كوبانغ" إنه بينما شهدت صناعة الخدمات اللوجستية في كوريا الجنوبية أكثر من 1300 حالة وفاة مرتبطة بالعمل في السنوات العشر الماضية، إلا أنها سجلت حالة وفاة واحدة فقط. وأضافت أنها أنفقت 200 مليون دولار ووظفت 600 متخصص في السلامة لتحسين بيئة العمل وشروط الصحة والسلامة لعمالها.

كانت حالة الوفاة الوحيدة التي جرى الاعتراف بها رسمياً على هذا النحو هي وفاة جانغ دوك جون، 27 عاماً، والذي توفي جراء نوبة قلبية في أكتوبر الماضي بعد عودته من العمل في مركز تلبية الطلبات في "كوبانغ" في دايغو، وهي مدينة جنوب سيؤول. أفاد تحقيق أجرته دائرة تعويضات ورعاية العمال الكورية، بأنه توفي من إرهاق العمل بعد أن أمضى أكثر من 62 ساعة عمل في أسبوع وفاته.

وقالت متحدثة باسم "كوبانغ" إن العدد الفعلي لساعات العمل كان 48.5، لكن الحكومة تحسب العمل الليلي بمضاعف 1.3 لكل ساعة عمل.

واعتذرت الشركة وقدمت تعازيها في بيان صحفي بعد التحقيق الحكومي. كما وعدت بتقديم الدعم لعائلة جانغ.

ما من تعويض

لكن بارك مي سوك، والدة جانغ، قالت إنه بعد شهور من انتهاء التحقيق، لم تقدم "كوبانغ" أي تعويض. وفي ردها على "بلومبرغ نيوز" قالت "كوبانغ" إنها حاولت مرات عدة التواصل مباشرة مع عائلة جانغ لتقديم التعازي والدعم، دون الإشارة إلى رد فعل الأسرة.

قالت بارك إنها لا تشعر أن شيئاً قد تغير. وأضافت: "اعتقدنا بأن الأمور ستكون مختلفة بمجرد إثبات أن ابننا مات بسبب العمل. أردنا إثبات ذلك بأي ثمن. ولكن حتى الآن، لم يتغير شيء في (كوبانغ)".

في مايو، أطلقت شركة "كوبانغ" برنامج "كوبانغ كير"، والذي تقول إنه أول برنامج تعزيز صحي مدفوع في الصناعة في كوريا الجنوبية، وهو يسمح للموظفين ذوي المؤشرات الصحية المرتفعة نسبياً مثل ضغط الدم والسكري، بالحصول على ما يصل إلى أربعة أسابيع مدفوعة الأجر للتركيز على صحتهم.

كما تم تسليط الضوء أيضاً على استقالة كيم من منصب رئيس مجلس الإدارة وكمدير لشركة "كوبانغ" التي تمثل العمليات التجارية في كوريا الجنوبية، اعتباراً من 31 مايو، بينما سيبقى رئيساً لمجلس الإدارة وكبير المديرين التنفيذيين لشركة "كوبانغ" الشركة الأم المدرجة.

يمكن لهذه الخطوة أن تساعد كيم في تجنب المساءلة بموجب القوانين واللوائح في كوريا الجنوبية، وفقاً لبارك من جامعة سيؤول الوطنية. وقال: "يسيطر بوم كيم في الواقع على الشركة. يبدو أن نزع ألقابه ليس إلا خطوة لتجنب خطر تعرضه لأي عقوبة".

الشركة أوضحت أن استقالة كيم من مجلس الإدارة كانت مقررة منذ شهور، وأنها خطوة طبيعية يجب اتخاذها لأنه يركز على عمليات "كوبانغ" العالمية.

كما استهدفت لجنة التجارة العادلة في كوريا الجنوبية شركة "كوبانغ" بسبب ممارساتها التجارية غير العادلة، حيث فرضت عليها أخيراً غرامة قدرها 3.3 مليار وون (2.8 مليون دولار). وقالت "كوبانغ" إنها سترفع دعوى ضد القرار.

من المؤكد أن شركة "كوبانغ" ليست شركة التجارة الإلكترونية الوحيدة سريعة النمو التي تواجه انتقادات بشأن معاملة العمال. فإلى جانب شكاوى موظفي "أمازون" بشأن الظروف القاسية، واجهت منصة توصيل الطعام "إيل دوت مي" (Ele.me)، المملوكة لشركة التجارة الإلكترونية الصينية العملاقة "علي بابا غروب هولدينغ" (Alibaba Group Holding)، رد فعل عام في وقت سابق من هذا العام بعد وفاة سائق توصيل. وتعرضت شركة توصيل الطعام الصينية "ميتوان" (Meituan) لانتقادات عبر الإنترنت بعد مقتل أو إصابة العديد من سائقي التوصيل أثناء محاولتهم الالتزام بمواعيد التسليم الصارمة.

لكن هذا لا يعفي "كوبانغ" من مسؤولية معالجة قضاياها، وفقاً لأحد مشرعي الحزب الحاكم في كوريا الجنوبية.

قال وو وون شيك في بيان الشهر الماضي: يجب أن تنتهي أزمة كوبانغ هنا. يجب أن تعيد الشركة النظر في ثقافتها الشاملة".

تصنيفات

قصص قد تهمك