بلومبرغ
إذا كنت تفكر بالاستثمار في إندونيسيا، يمكنك أن تقرأ عن اقتصادها المحلي أو أن تجري تحليلاً مفصّلاً عن شركاتها، وقد تتصل بوسيط تجاري لتستعرض معه الأفكار، أو حتى يمكنك بكل بساطة أن تتابع آخر منشورات أشهر داعية إسلامي في البلاد عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
فجمعان نور الخطيب منصور ليس بـ"الأستاذ" الإسلامي العادي، هذا الداعية الذي كان قد سُجن لفترة في شبابه يترأس اليوم، بعد أن بلغ من العمر 45 عاماً، شركة لإدارة الأصول كعمل جانبي، وكان قد قاد مؤخراً صفقة للاستثمار في بنك محلي.
13 مليون متابع
في الوقت الذي لا يمارس عمله الدعوي، يشارك منصور نصائحه حول الأسهم عبر حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ لديه 13 مليون متابع يستمدون الإلهام منه.
تقول فذرية البالغة من العمر 35 عاماً، وهي إحدى متابعات منصور على "إنستغرام"، وكانت قد بدأت بالاستثمار هذا العام: "أنا لا أفهم بتداول الأسهم، لكنني في العادة أتابع تعليقاته لاستلهم منه الأفكار". وتضيف: "هو أستاذ ينادي دائماً بتهذيب النفس والابتعاد عن الجشع، ولذا أنا اثق به" (مثل كثير من الإندونيسيين، فذرية ليس لديها اسم عائلة).
في شهر نوفمبر، نشر الداعية الذي يعرف أيضاً باسم "يوسف منصور" تعليقاً على "إنستغرام"، توقع فيه أن تحقق شركة الطيران المملوكة من الدولة "غارودا إندونيسيا" (Garuda Indonesia) تعافياً بعد انحسار الوباء، على الرغم من أنها كانت تتكبد خسائر مالية في حينها. وما هو إلا أسبوع حتى ارتفعت أسهم الشركة بما يصل إلى 45%. وفي الشهر التالي أثنى منصور على أداء شركة صيانة الطائرات "Garuda Maintenance Facility Aero Asia"، ما أدى إلى ارتفاع أسهمها هي الأخرى بنسبة 55% في خلال اليومين التاليين.
تحظى مثل هذه المنشورات بالقدرة على منح الأسهم قيمة بمليارات الدولارات، ولكن أيضاً تحظى بالقدرة على تدمير هذه الأسهم. فإندونيسيا، رابع أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، والتي تمتلك سوق أسهم تقدر قيمتها بـ495 مليار دولار، أي أكبر من سوق سنغافورة أو المكسيك، بدأت تكتسب الزخم إثر التخفيف من قيودها الناظمة بهدف جذب الشركات الناشئة سريعة النمو. ويتوقع أن تنطلق أول شركة تكنولوجيا ناشئة في إندونيسيا تتجاوز قيمتها مليار دولار في وقت لاحق هذا العام.
تحوّل مشاهير الإعلام حول العالم إلى مؤثرين في السوق، والعكس صحيح أيضاً. فشهرة منصور الواسعة في إندونيسيا تذكّرنا بشخصيات في الولايات المتحدة، من طراز مؤسس شركة "تسلا" إيلون ماسك، أو رائد الأعمال والحكم في برامج الواقع مارك كوبان، اللذين يشجعان المستثمرين على دخول سوق العملات المشفرة. ومن ناحية أخرى، هناك كاثي وود، مديرة الصناديق الاستثمارية التي تحولت بحدّ ذاتها إلى إحدى النجمات الشهيرات. وكما في الولايات المتحدة كذلك في إندونيسيا، تلازم هذا التوجّه نحو وسائل التواصل الاجتماعي مع الاهتمام المتجدد بالتداول من قِبل صغار المستثمرين. فقد شكّل المستثمرون الأفراد نحو ثلث حجم التداول اليومي في سوق الأسهم الإندونيسية حتى يونيو 2020. وبعد عام، تضاعفت هذه النسبة لتبلغ 60%، إذ يشكل الشباب دون الـ40 عاماً نحو 80% منهم.
"أنا ببساطة، أشجع الإندونيسيين لكي يصبحوا مستثمرين"
بالنسبة إلى المؤسسات الاستثمارية، لا بدّ من المتابعة بحذر لمسألة تحوّل المؤثرين في العالم إلى عامل قوة في سوق الأسهم، وأخذها في عين الاعتبار عند إجراء تحليلات الأسهم في البورصة. يقول شاين سوانسون، كبير محللي هيكلية السوق في مؤسسة "كواليشن غرينيتش" (Coalition Greenwich)، إن "تأثير هذا الأمر كان طفيفاً جداً في السابق، واعتقدنا أنه سيتلاشى مع الوقت.. إلا أن الوضع لم يعُد كذلك".
في إندونيسيا، يدعو بيرنادوس ويجايا، كبير المديرين التنفيذيين في شركة "سوكور سيكوريتاس" (Sucor Sekuritas) التي تتخذ من جاكرتا مقراً لها، زملاءه المحللين إلى متابعة وسائل التواصل الاجتماعي من أجل مواكبة المتداولين الأفراد. ويقول: "علينا أن نركب هذه الموجة، وإلا سنبقى في الخلف".
مع ذلك، على المستثمرين الذين يتابعون منصور أن يكونوا جاهزين للمطبّات عينها التي يواجهها المتداولون في المجالات الاستثمارية الأخرى المتأثرة بالمشاهير. فعلى الرغم من ارتفاع أسهم "غارودا إندونيسيا" في نهاية عام 2020، فإن الشركة علّقت مؤخراً التداول في البورصة في ظلّ تعثرها في تسديد ديونها. وقد انخفضت أسهمها بنسبة 51% عن الذروة التي بلغتها في شهر ديسمبر.
من ناحيته، يعتبر منصور أنه يحاول مساعدة الناس، ويقول: "أنا ببساطة أشجع الإندونيسيين على الاستثمار وانتهاز الفرص المتاحة لهم". ويؤكد أنه لا يتقاضى أي أموال من الشركات مقابل ذكر أسهمها لمتابعيه. ويضيف مازحاً أن تلك الشركات لا تتصل به حتى لشكره.
لكن في حالة واحدة على الأقل، التقى التأثير الذي يتمتع به منصور مع مصالحه المالية، إذ كان قد قاد تحالفاً في الشهر الماضي لشراء 250 مليون سهم في "بنك إم إن سي إنترناشيونال" (Bank MNC International) المملوك من رجل الأعمال هاري تانويسويديبجو. وفي إطار الصفقة، تعهد بالترويج للمنتجات الرقمية التي يقدمها البنك إلى 10 ملايين متابع ضمن شبكته، وحدد هدفاً أولياً بإضافة مليون عميل في خلال الأشهر الثلاثة الأولى. وقد ارتفعت أسهم "بنك إم إن سي" بنسبة تجاوزت 13% بعد انتشار الخبر الذي شاركه منصور عبر تطبيق "إنستغرام". وبحسب منصور، هذا البنك بالإضافة إلى أحد المشروعات العقارية، هما الشركتان الوحيدتان اللتان عقد صفقات معهما.
بداية مهنية متعثرة
وُلد منصور في كنف عائلة ميسورة نسبياً، وقد تخرج في الجامعة حاملاً شهادة في الشريعة الإسلامية. أنشأ مؤسسة تجارية في بداية مسيرته المهنية أوقعته في الديون، وحين لم يتمكن من تسديد المال لشركائه تقدموا بدعوى قضائية ضده، وحكم عليه بالسجن. رفض منصور في المقابلة الغوص في تفاصيل القضية، واكتفى بالقول إنه كان "شاباً وطائشاً"، وإن تلك التجربة قد غيرته. فقد اكتشف "الصدقة" التي تدخل في صميم الدين الإسلامي، وتشجع على الإحسان وفعل الخير. وقد دفعه ذلك إلى تأليف كتاب يتحدث فيه تجربته في السجن، لقي شعبية واسعة.
في عام 2017، أنشأ شركة "باي ترين لإدارة الاستثمارات" (PayTren Aset Manajemen) التي تقوم باستثمارات متوافقة مع الشريعة الإسلامية. فإندونيسيا تضمّ أكبر عدد من المسلمين في العالم، وهم يشكلون 85% من سكان البلاد البالغ عددهم 270 مليون نسمة.
منصور ليس الناشط الوحيد على وسائل التواصل الاجتماعي الذي يقدّم نصائح حول اختيارات الأسهم. فنجل الرئيس جوكو ويدودو، كايسانغ بانغاريب البالغ من العمر 26 عاماً، كان قد شارك تحليلاً تقنياً حول سهم أحد البنوك في وقت سابق هذا العام مع متابعيه الـ2.1 مليون، ما أدى إلى ارتفاع سعر السهم بنسبة 15%.
جذب المستثمرين
من جهته، لا يرى مدير بورصة إندونيسيا حسن فوزي مشكلة في قيام المؤثرين بإعطاء النصائح، بما أنهم يساعدون على جذب مستثمرين جدد، وهذا أمر جيد للأسواق. ورداً على سؤال حول منصور، قال فوزي إنه "كان فقط يدعم الانتماء الوطني من خلال توصياته بأسهم الشركات المملوكة من الدولة". وأضاف: "تحدثنا مع أولئك المؤثرين، وطلبنا منهم تثقيف متابعيهم بالشكل الصحيح بما يتوافق مع القواعد التنظيمية، وتكريس مزيد من الاهتمام للجوانب الأساسية للشركات".
تتطلب الأنظمة القائمة التزام الدقة، كما يُراعى في نشر المعلومات أن يكون بشكل عادل لمنع التداول من الداخل، إلا أن هيئة الخدمات المالية الإندونيسية المشرفة على الأوراق المالية لا تضع قواعد محددة تحكم تدخلات الشخصيات الإعلامية الناشطة في السوق، وفق ما تقوله المتحدثة باسمها سيكار بوتيه دجاروت. ولكنْ لديها برنامج مع البورصة تقدم من خلاله إرشادات حول الترويج للأسهم من دون انتهاك قواعد التداول.
مع ذلك، يسعى البعض إلى وضع حد لهذه الظاهرة، فقد حصدت عريضة نشرت عبر الإنترنت في شهر فبراير أكثر من 6 آلاف توقيع لمطالبة البورصة والهيئة الناظمة بحظر منتقي الأسهم المشاهير الذين يطلق عليهم أيضاً اسم "بوم بوميرز" (pom-pomers) أو "المشجعون". وبينما لم تتضمن العريضة اسم منصور، فإنها أشارت إلى مؤثر آخر. وقال مستخدم ينشط تحت اسم "متداولون منفردون متحدون ضد بوم بوم من ركومولاغي"، إن "كثيرين منّا خسروا أموالهم، فيما مئات الملايين وحتى المليارات من الروبية آلت إلى جيوب هؤلاء".
فلسفة "منصورمولوجي"
يرفض منصور تصنيفه كـ"بوم بوم"، إذ يقول إنه يختار الأسهم استناداً إلى الاحتمالات على المدى الطويل، لا إلى احتمالات الربح قصيرة المدى، مشيراً إلى أنه يهدف إلى تثقيف الناس. وقد وصف ما يقوم به بفلسفة "منصورمولوجي"، حتى إنه يُتداول وسم "منصورمولوجي" على "تويتر"، إذ يستخدمه الناشطون لنشر رسوم بيانية ومقالات حول أسهم الميم.
تقول فذرية، المتداولة المبتدئة، إنها حققت مكاسب من الأسهم التي روّج لها منصور، وهي تعتزم الاستمرار في متابعة نصائحه، قائلة: "أنا أؤمن بـ(منصورمولوجي)".
من جهته، قال أديتيا براباوا، وهو مطوّر عقاري يبلغ من العمر 33 عاماً، إنه حقق أرباحاً بعدما أخذ بنصيحتين من منصور، لكنه خسر بعض المال في الثالثة. وأضاف: "يجب أن نراقب عن كثب الأسهم التي يذكرها الأستاذ، ونتوقف ما إن نحقق بعض الربح، وإلا فستخسر المال سريعاً". فهو يرى أن "الاستثمار يشكل نصف عملية التداول بأسهم المضاربة هذه، أما النصف الثاني فهو مجرد مقامرة".