بلومبرغ
توصّل ممثلو الادعاء في الولايات المتحدة إلى اتفاق يقضي بمصادرة 12 مليون دولار من تركة دوغلاس لاتشفورد، وهو تاجر تحف بريطاني راحل متهم بالمسؤولية عن نشاط غير مشروع لنقل تحف أثرية كمبودية مسروقة إلى مجموعات فنية أميركية وأوروبية على مدى عقود.
بيّن المحققون في شكوى رُفعت الشهر الماضي إلى محكمة مانهاتن الاتحادية أن الأموال المصادرة هي عائدات مبيعات لاتشفورد قطعاً أثريةً مسروقةً من جنوب شرق آسيا. كانت ابنته ووريثته الوحيدة، جوليا لاتشفورد، قد اتفقت مع ممثلي الادعاء على عدم معارضة قرار المصادرة، فضلاً عن إعادة أحد مقتنيات والدها الأثرية، وهو تمثال برونزي من القرن السابع يُعتقد أنه نُقل من فيتنام بطريقة غير شرعية.
كما ينصّ الاتفاق على أن الولايات المتحدة لن تسعى للحصول على أصول أخرى من جوليا التي لم يُوجَّه لها أي اتهام.
علامة فارقة
قال إيفان جيه أرفيلو، العميل الفيدرالي ومدير مكتب نيويورك الميداني لتحقيقات الأمن الداخلي، في بيان صحفي، أن تجارة لاتشفورد في "الآثار المسروقة انتشرت على نطاق واسع". أضاف أرفيلو أن "ضلوعه (لاتشفورد) في عديد من التعاملات غير المشروعة على مدى عدة عقود جمعت له ملايين الدولارات من مدفوعات العملاء والتجار في الولايات المتحدة، وسيُتنازل عن 12 مليون دولار منها كاستحقاق بموجب هذا الاتفاق".
يشكل الاتفاق علامة فارقة في تاريخ تحقيق متشعب في سرقة الآثار الكمبودية، التي تعرضت للنهب بأعداد كبيرة خلال حرب أهلية استمرت على مدى ثلاثة قرون.
لقد كان لاتشفورد أبرز تجار التماثيل الحجرية والبرونزية من الدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا. لكن أحاطته شكوك كثيرة بأن عديداً من القطع الفنية في مجموعته سُرقت من البلد الذي يشتهر بروعة معمار مجمع معابد أنغكور وات. كان تاجر التحف الشهير قد واجه اتهامات فيدرالية بالاحتيال والتآمر في 2019، لكنه توفي بعد أقل من عام عن 88 عاماً، فلم يمثل أمام المحكمة.
وقّعت جوليا بعد وفاة والدها على اتفاق لنقل مقتنياته الشخصية من الآثار الكمبودية، التي تنافس ما تحوزه أي مؤسسة ثقافية، إلى حكومة البلد الجنوب شرق آسيوي. كما وافقت على إتاحة سجلاته الضخمة التي يستخدمها محققون حالياً في تعقب القطع التي باعها لغيره من هواة جمع التحف أو للمتاحف سعياً لإعادتها إلى موطنها.
قالت مستشارة جوليا، التي طلبت عدم كشف هويتها كونها تتحدث عن محادثات سرية، إن الابنة علمت حتى قبل وفاة والدها أن ممثلي الادعاء سيطالبون بمصادرة أموال من تركته، وقد اختارت التعاون في مرحلة مبكرة.
تاريخ معقد
قالت جوليا في بيان: "الحملة الكمبودية لاستعادة تراث البلاد هي القرار الأمثل لحسم تاريخ معقد. لقد أصابت وزيرة الثقافة والفنون الجميلة الكمبودية وفريقها باستخدام سجلات والدي لتسليط الضوء على أنشطة عديد من هواة جمع التحف والتجار والمؤسسات التي شاركت في هذه التجارة".
كان التحقيق في ممارسات لاتشفورد قد بدأ منذ بدايات العقد الماضي بمشاركة مجموعة واسعة من المحامين ونشطاء التراث والأكاديميين ومسؤولي إنفاذ القانون في الولايات المتحدة وكمبوديا وأوروبا، حيث ساعدتهم شهادات لصوص سابقين وافق بعضهم على مشاركة المعلومات التي يتذكرونها بشأن هذه التجارة مقابل وعد بعدم ملاحقتهم قضائياً.
برع لاتشفورد في بيع التماثيل الكمبودية لزبائن أثرياء بأسعار باهظة وفقاً لمعايير الأعمال الفنية. كان جيمس كلارك، أحد مؤسسي "نتسكيب"، الذي أنفق 35 مليون دولار على أكثر من 30 قطعة ابتاعها من لاتشفورد، أحد أكبر عملاء تاجر الآثار الراحل.
وافق كلارك العام الماضي على إعادة القطع الأثرية التي يملكها ، بينما انتهى مطاف قطع أخرى باعها لاتشفورد بانضمامها إلى مجموعات مؤسسات فنية مثل "متحف متروبوليتان للفنون" في نيويورك و"متحف دنفر للفنون" في كولورادو.
سعت دول من إيطاليا إلى بيرو لإعادة الآثار المنهوبة خلال السنوات الأخيرة. لقد تميزت حالة كمبوديا باتساع نطاق وحداثة السرقات، إذ استمرت عمليات النهب الممنهجة حتى أواخر التسعينيات، عندما استسلم آخر مقاتلي الخمير الحمر، ما سمح للبلاد بالاستقرار.
توصلت التحقيقات اللاحقة إلى أنه بعد تهريب بعض القطع إلى تايلندا حيث تحصّل عليها لاتشفورد وتجار آخرين، بيعت بعض الآثار الكمبودية في نيويورك ولندن في غضون أشهر. يُعتقد أن مئات القطع الأثرية، إن لم يكن الآلاف، ما تزال جزءاً من مجموعات فنية أخرى خارج البلاد.