بلومبرغ
دأب إيثان براون على تقديم سرديات مطولة، كتلك التي يسهب فيها متخصصون عبر منبر "تيد توك"، منذ أسس شركة "بيوند ميت" في 2009 ليستثمر فكرة بدت حينها قاصية، وهي إنتاج لحوم بلا حيوانات.
لقد اعتلى في 2013 منصة مؤتمر "وايرد بزنس" (Wired Business) ليقول إن عالمنا بصدد مشكلة حقيقية جرّاء انبعاثات الغازات الدفيئة من تربية الماشية لإنتاج اللحوم، وأن تأثير أصحاب رؤوس الأموال الاستثمارية قد يكون أبلغ إن موّلوا صناعة بدائل اللحوم بدل الاستثمار في الطاقة الشمسية.
أعلن بعد مضي ثلاث سنوات في تجمّع "أيديا سيتي" (Ideacity) السنوي في تورونتو أن هدفه هو إعادة كتابة وصفة إنتاج اللحوم، وبيّن في 2019 خلال قمة "بلدرز آند إنوفيترز" (Builders & Innovators) التي ينظمها "غولدمان ساكس"، أن مهمته تتطلب عزماً وحشداً للقدرات كالذي أبدته الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية، وأن منتجاته ستساعد على إيجاد حلول لأمراض القلب والسكري والسرطان وكذلك لأزمة تغير المناخ وشح الموارد الطبيعية والعناية بالحيوانات.
نوّه إلى أن التقنية جعلت العربات التي تجرّها الخيول فكرة بائدة، وشبه ذلك أمام حشد في مؤتمر "نيويورك تايمز" للمناخ الخريف الماضي بنظامه الذي يعتمد على تفكيك النباتات لتغيير مفهوم البروتين الذي نتناوله، وقال إنّ "هذا أمر لا مناص منه".
لحم مخابر
لم يكن وادي السيليكون بحاجة لكثير إقناع بفكرة أن برغر نباتي محسَّن قد يغير العالم. في حين أن البرغر المصنوع من الكينوا والفاصولياء كان فيما مضى يستهدف الباحثين عن طعام صحي، فإن اللحم الذي يقلّده براون مطوَّر في مختبر ليبدو كاللحم الحقيقي شكلاً ومذاقاً، أي أن غالبية أكلة اللحوم يستطيعون أن يتخلوا عن البرغر دون تضحية.
شركة ناشئة تقدم لحوماً نباتية باستخدام تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد
أقبل على ذلك مستثمرون من جميع الخلفيات، إلى جانب رؤوس الأموال الاستثمارية، وبينهم ليوناردو دي كابريو وجمعية الرفق بالحيوان في الولايات المتحدة ورئيس "ماكدونالدز" التنفيذي السابق دون تومسون.
بل إن "تايسون فودز"، أكبر شركة لإنتاج اللحوم الحقيقية في الولايات المتحدة، استثمرت فيها ثم عاودت الاستثمار، فاندفع ارتفاع تقييم "بيوند ميت" الناشئة، ومقرّها إل سيغندو في كاليفورنيا، إلى 1.3 مليار دولار في 2018.
أراد بيل غيتس بدوره أن يدعم شركتين لصنع برغر نباتي يشبه اللحم الحقيقي لدرجة أنه يبدو دموياً، فاختار "بيوند ميت" ومنافستها "إمبوسيبل فودز" (Impossible Foods).
كان براون قد رخص شركته بناءً على خبرة شخص آخر، أما مؤسس "إمبوسيبل فودز" بات براون، فهو عالم كيمياء حيوية بجامعة ستانفورد لا تجمعه قرابة مع إيثان رغم تماثل اسمي عائلتيهما. كان إنجاز بات الكبير لدى بدء شركته في 2011 أنه أدرك مفتاح صناعة اللحم، هو جزيء يسمى الهيم، توصّل إلى تصنيعه باستخدام خميرة معدلة وراثياً، وحصل على براءة اختراع لما أطلقت عليه الشركة اسم المكون السحري، وهو ليغهيموغلوبين الصويا.
حماسة تخبو
تمكّنت "إمبوسيبل" من جمع 183 مليون دولار قبل أن تبيع أي قطعة برغر، حيث واظب بات على الجولات الحوارية وشارك فعلياً عبر منبر "تيد توك"، الذي كان اسمه في 2015 "تيد ميد" وكان يركز على شؤون الطب والأدوية.
فاق استخدام بات موضوع نهاية العالم استخدام إيثان له، كما تحدث عن "محرقة مستمرة تتعرض لها الحياة البرية" جرّاء الطلب العالمي النهم على اللحوم، فيما كان مساعده بجانبه على المنصة يقلّب برغر من "إمبوسيبل" على الشواية.
قال بات: "أعلم أن استبدال صناعة عالمية راسخة بعمق، تبلغ قيمتها سنوياً تريليون دولار، هو ضرب من الجنون... لكن لا بد من فعل ذلك".
حين ظهرت "إمبوسيبل" في مجلة "نيو يوركر" (New Yorker) بعدها بأربع سنوات، توقّع بات أن شركته "ستحصل على نسبة برقم من خانتين من سوق لحوم البقر" بحلول 2024، ثم "ستقضي على تلك السوق" لتستهدف بعدها "سوق لحم الخنزير وسوق الدجاج تباعاً، وسيكون إفلاس تلك الأسواق أسرع".
لكنّ صناعة اللحوم استمرت وهي على ما يرام. بعد طرح "بيوند ميت" للاكتتاب العام في 2019، الذي كان حينها أنجح اكتتاب عام أولي منذ أزمة 2008 المالية، تدفق المنافسون على الحلبة، وتلى ذلك طفرة إبان الوباء في قطاعهم، لكنه في تراجع منذ ذلك الحين.
أظهرت شركة بيانات التجزئة "آي أر آي" (IRI) أن حجم مبيعات محلات البقالة للحوم النباتية المبرّدة تراجعت 14% لمدة 52 أسبوعاً حتى 4 ديسمبر. كما أشارت شركة أبحاث السوق "إن بي دي غروب" (NPD Group) لانخفاض مبيعات البرغر النباتي في المطاعم وعبر مقدمي الخدمات الغذائية 9% لمدة 12 شهراً انتهت في نوفمبر مقارنة مع ما كانت عليه منذ ثلاث سنوات.
شركتان في مهب الريح
خسرت "بيوند" مبيعاتها في كل مكان تقريباً في الربع الأخير، وسرّحت أكثر من 20% من قوتها العاملة العام الماضي وبينهم أكثر من نصف مدرائها التنفيذيين المرموقين، كما أوقفت عمل مشاريع منها الهوت دوغ النباتي وبدائل البروتين المطورة من اللحوم المستنبتة من خلايا، حسب أشخاص مطلعين طلبوا عدم كشف أسمائهم لدى طرح معلومات خاصة بالشركة.
لم تُدرج أي من سلاسل الوجبات السريعة التي أعلنت عن شراكتها مع "بيوند ميت" أي منتج دائم منها في قوائم مأكولاتها، وبينها "كيه إف سي"، و"بيتزا هت"، والأهم هي سلسلة "ماكدونالدز". بينما ارتفع مؤشر شركات الأغذية المعبأة في "ستاندرد آند بورز 500" بنحو 4% عن العام الماضي اعتباراً من 17 يناير، فإن سعر سهم "بيوند ميت" يناهز 16 دولاراً، منخفضاً 76% عن العام الماضي و93% عن ذروته في صيف 2019.
نشطاء نباتيون يعطلون إمدادات اللحوم لمطاعم ماكدونالدز في بريطانيا
كان أداء "إمبوسيبل" أفضل في تلك الأثناء، لكن بات غادرها بداية بتوليه منصب مسؤول رؤية الشركة في أبريل ثم خلفه بيتر ماكغينس الذي كان تنفيذياً لدى "شوباني" (Chobani) رئيساً تنفيذياً، وطلب بات بعدئذ إجازة من العمل.
أنتجت الشركة برئاسة ماكغينس سلعاً جديدة مثل قطع دجاج مقلّد على شكل حيوانات استطاعت أن تجتاح محلات البقالة فرفعت مبيعات التجزئة في الولايات المتحدة بما يزيد عن 50% في 2022.
رغم أنها أضافت شراكات مع مطاعم جديدة، يجد بعض شركائها القدامى أن طلب الزبائن بلغ ذروته وبدأ يتقهقر.
تُتداول أسهم "إمبوسيبل" حالياً، وهي شركة غير مدرجة، عند 12 دولاراً للسهم، حسب براب راتان، مسؤول أسواق رأس المال في سوق تداول الأسهم الخاصة "هيف" (Hiive). هذا السعر هو نصف قيمة السهم خلال آخر جولة لجمع الأموال، بناءً على بيانات "بتش بوك" (PitchBook).
تردّد المستهلكين
أكثر المتحمسين لبدائل اللحوم المصنوعة من النباتات اليوم هم من عشاق البرغر النباتي الأساسيين، أي النباتيين والنباتيين الخالصين الذين لا يأكلون أي منتج حيواني. ربما ينجذب أكلة اللحوم أحياناً، لكن إقبالهم أدنى وتيرة بكثير. قال المختص بقطاع البروتينات لدى "آي أر آي" كريس دوبوا: "إنهم ببساطة غير منجذبين لها".
كيف تلاشت هذه الصناعة فجأة بعدما راهن عليها كثيرون، وبعدما استُثمرت فيها أموال ضخمة؟ رفضت الشركتان تسهيل إجراء حوار بين بلومبرغ بزنس ويك مع إيثان براون أو بات براون، لكن إيثان حمّل في مؤتمر "نيويورك تايمز" للمناخ في أكتوبر صناعة اللحوم التقليدية سبب تعثر صناعة اللحوم المزيفة: "إنهم اليوم لا يدخرون جهداً لإثبات أن أساليب عملنا غير صحية بطريقة أو بأخرى، وأن منتجاتنا مليئة بالمواد الكيميائية... هذه ادعاءات غير صحيحة".
أيّاً كانت الاتهامات التي تسوقها شركات صناعة اللحوم الحقيقية ضد تلك المقلدة، فإن كثيراً من المستهلكين أدركوها بأنفسهم، كما كان الحال مع بسكويت "سناك وِل" (Snackwell) الخالي من الدهون، أو رقائق "واو" (WOW) المليئة بزيت الأوليرا التي تنتجها شركة "ليز" (Lay’s)، أو أي أطعمة جديدة من روح العصر لا تشعرك بالذنب تنتشر تباعاً ويفوق القلق بشأن محتوياتها وفوائدها الطفيفة.
بدا العديد من أكلة اللحوم، ممن لم يمنعهم اختلاف مذاق وقوام تلك اللحوم المزيّفة، متحمسين في البداية، لكن بعدما أمعنوا النظر في مكوناتها لم يعودوا متأكدين إن كانوا مستعدين فعلياً للاستعاضة بها عن اللحوم الحقيقية.
هل كانوا يتناولون البرغر بغرض الحد من انبعاثات الكربون أم لخفض ضغط الدم؟ هل هذا بديل صحي أم هو مجرّد منتج معالج مشبع بالصوديوم؟ كما أن تكلفة اللحوم المنتجة من النباتات أعلى من تكلفة اللحوم الحقيقية، ومع التضخم الذي أدى إلى ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية، فإن عدداً لا بأس به من المتسوقين استبدلوا هذه المنتجات المقلدة الغالية بالدجاج، أو في بعض الأحيان بالفاصولياء والعدس.
سباق لإقناع الزبائن
اتّضح أن اللحوم التي لا تأتي من حيوانات ليست ابتكاراً سيغير العالم بقدر ما هي نزعة بدأت تفقد زخمها. قال توماس جورج، مسؤول الأوراق التجارية في شركة الأبحاث الاستثمارية "غريزل" (Grizzle): "معدل النمو الذي شهدناه هائل، لكن هذا الزخم كان لحظياً، ومع غيابه أصبحنا غير متأكدين من المكانة التي ستحظى بها اللحوم ذات الأساس النباتي". كان قد توقّع في 2019 أن تتجاوز اللحوم المصنوعة من النباتات 10% من سوق اللحوم في غضون عشر سنوات إذا ما تماشت ثمناً مع اللحوم الحقيقية، لكنه يرى الآن: "أن فرصها باتت أكثر ضبابية".
الصين تُغذّي ازدهار سوق اللحوم النباتية وتشعل المنافسة بين كبار المنتجين
قبل كشفها عن "بيوند برغر" (Beyond Burger)، كانت شركة "بيوند ميت" تسوِّق منتجها "بيست" (Beast)، الذي قدمه إيثان في 2015 على شكل قطع لحم برغر مجمّد كانت تسميها الشركة "خليط بروتين على خبزة برغر".
رغم أنه تخلى عنه فيما بعد، أستمرت الشركة باستخدام الادعاءات الصحية لمنتج "بيست" على أغلفة منتجات "بيوند برغر"، ومفادها أن المنتج غنيّ بالبروتين وخالٍ من الغلوتن والصويا. أما بات، فقد دافع في كل مرة سئل فيها عن مصداقية منتجات "إمبوسيبل" الصحية مقارنة مع لحم البقر، رغم أنه كان يفضل الحديث عن ضرورة الاستغناء عن تربية الحيوانات بحلول 2035.
"نتفلكس" على الخط
كان الفيلم الوثائقي الذي أنتجه جميس كاميرون بعنوان "ذا غيم تشنجرز" (The Game Changers)، الذي عرض على شبكة "نتفلكس" في 2019، أكثر من دعا الجماهير لفوائد الحمية القائمة على أكل النباتات فقط.
تتبّع الفيلم رياضيين عالميين يلتزمون بحمية نباتية خالصة وعرض له بعض الأطباء والعلماء، وحتى آرنولد شوارزنيغر الذي أخبر سلفستر ستالون ذات مرّة أنه "يضرب كما النباتيين" قبل أن يلتزم بحمية نباتية في الغالب. بيّن الفيلم أن اتباع نظام غذائي نباتي خالص لا يجعل الجسم أصح فحسب، بل يقويه ويعزز قدرة التحمل والباءة.
أضاف إيثان الفيلم إلى مخزونه من البراهين، وأخبر تلفزيون بلومبرغ في 2019 أن: "مشاهدة أفلام كهذه تؤثر على الأداء الفردي اليومي لشاب جامعي يمارس الرياضة مثلاً، من خلال استهلاك منتجاتنا عوضاً عن البروتين الحيواني". أشار إلى أن "بيوند ميت" لها سفراء رياضيون منهم نجما رابطة محترفي كرة السلة كيري ايرفينغ وكريس بول، اللذان يستثمران في الشركة الناشئة أيضاً. أكد إيثان أن هؤلاء السفراء "يتبنون منتجات الشركة في أنظمة تدريبهم ويحققون نتائج رائعة".
سوق تزدحم وأصوات تشكّك
سُوقت "بيوند برغر" في محلات البقالة، بينما لجأت "إمبوسيبل" إلى طهاة مشهورين مثل ديفد تشانغ. كانت كل من سلاسل مطاعم "كارلز جونيور" و"دنكن" و"وايت كاسل" تبيع منتجات "بيوند ميت" أو "إمبوسيبل" أو غيرها بحلول نهاية 2019، كما أطلق "برغر كينغ" منتج "إمبوسيبل ووبر" في الولايات المتحدة.
لم يشأ عمالقة الأطعمة التخلف عن الركب. قال عضو مجلس إدارة "بيوند ميت" السابق غريغ بوهلن، أبدت شركة "تايسون" رغبتها بشراء "بيوند ميت"، وحين أخفقوا بالتوصل إلى اتفاق، أعلنت شركة اللحوم عن خطط لإنشاء علامتها التجارية الخاصة للمنتجات ذات الأساس النباتي "بقيمة مليار دولار". رفضت "تايسون" التعليق.
قدمت "نستله" منتجاً تحت اسم "أوسوم برغر" (Awesome Burger)، كما قال رئيس "كوناغرا براندز" التنفيذي إنها ستطور "الجيل الثاني من البرغر الخالي من اللحم".
استطلاع: اللحوم النباتية ستستحوذ على 10% من السوق خلال 5 سنوات
لاح تقليد البرغر والنقانق في البداية كحلّ محتمل لهوس الأميركيين باللحوم الحمراء المعالجة، التي ارتبطت بالسرطان وأمراض مزمنة أخرى. لكنّ الشكوك نمت على مر السنين بشأن ما إذا كانت المنتجات مفيدة فعلاً للصحة.
لم تمر أشهر على طرح "بيوند ميت" للاكتتاب العام الأولي حتى انتقد أحد معجبيها السابقين، وهو المروّج المخضرم للأطعمة غير المعالجة مارك بيتمان، منتجات اللحوم المزيفة ووصفها بأنها "معالجة بشكل مفرِط".
أكد رئيس مطاعم "شيبوتليه مكسيكان غريل" التنفيذي أن هذه المنتجات لم تتناسب مع شعار مطاعم الوجبات السريعة، الذي يعِد بتقديم "الطعام بنزاهة". حتّى جون ماكي، المؤسس المشارك لشركة "هول فودز ماركيت" (Whole Foods Market) لبيع المنتجات الغذائية، التي ساهمت بقوة في تقديم هذه المنتجات النباتية، وصف علناً اللحوم المصنعة على أساس نباتي بأنها "أطعمة معالجة بشكل مبالغ به".
عرض مركز حرية المستهلك، وهو مجموعة مستقلة تمثّل شركات التبغ والكحول واللحوم، إعلاناً خلال نهائي بطولة "سوبر بول" لكرة القدم الأميركية في شباط 2022، هاجم فيه مكونات اللحوم المقلّدة، وكانت بطلته نحلة ذات لكنة ردّدت نصيحة صحية مفادها: لا نأكل ما لم نألف.
تجربة الأسر الأميركية
لكن لم تبلغ هذه الانتقادات مسامع أناس مثل ميشيل داربي من مارلتون في نيوجيرسي، وهي أم اضطرت للبقاء في المنزل مع أولادها الأربعة خلال الأيام الأولى من الوباء. علّقت بعد مشاهدة "ذا غيم تشينجر" على "نتفلكس": "قدّم الفيلم حجة مقنعة جداً... مستوى الكوليسترول لدي على عتبة أن يكون مرتفعاً".
بدأت داربي، كما كثير من الناس خلال الإغلاق بشراء اللحوم المزيفة، إذ لم تكن اللحوم الحقيقية متوفرة وكان لدى الناس فائض مال لتجربة هذه المنتجات التي ذاع صيتها.
قالت شركة "نيلسن هولدينغز" إن الأميركيين اشتروا 5.3 مليون رزمة من بدائل اللحوم الطازجة في الأسابيع الثمانية التي انتهت في 25 أبريل 2020، وهي ثلاثة أضعاف الكمية التي اشتروها في العام السابق.
جعل هذا توقعات "بيوند ميت"، التي أعلنتها في جلسة عرض أفكار أمام المستثمرين، تداني الواقع فجأة. تتلخص بأن اللحوم المزيفة تسلك نفس درب الحليب المقلد، وأنه مثلما أعلنت شركات بدائل الألبان أن حجمها وصل 13% من سوق الألبان البالغ قيمتها 16.1 مليار دولار، فإن بدائل اللحوم ستحوز حصة من سوق اللحوم الأميركية الأكبر حجماً من سوق الألبان إذ تبلغ قيمتها 270 مليار دولار.
اعتمد إيثان هذه الفرضية في مؤتمر "باركليز" 2019 قائلاً: "هذه هي أرضية عملنا".
لاحظت داربي بعدما تزودت بهذه المنتجات أنها وأسرتها باتوا يأكلون قطع الدجاج المقلد بوتيرة أسرع بكثير، كما جعلها الهوت دوغ المقلّد تشعر بعدم الارتياح.
أطلعت طبيبها في زيارة لإجراء فحوصات على التغيير في نظامها الغذائي، كقطع الدجاج المزيف وشطيرة "إمبوسيبل" بالنقانق النباتية في "ستاربكس"، وأبلغته عن خيبة أملها بعدم رؤية نتائج تذكر. كان لدى الطبيب تفسير بسيط: "الأطعمة التي تتناولونها معالجة صناعياً".
ذهبت داربي إلى المنزل لتعاين عبوة المنتج متفحّصةً محتواه من الملح. قالت: "كان عليّ أن أدرك ذلك منذ البداية". توقفت عن شراء اللحوم النباتية، باستثناء اللحم المفروم من "إمبوسيبل" في بعض المناسبات، وعاودت كما حال كثير من المستهلكين شراء اللحوم الحقيقية.
قالت: "إن أرادت عائلتي تناول هذا البرغر، نشتري أحياناً اللحم أو الدجاج المفرومين، دون أن يلاحظوا الفرق".
آراء خبراء
ظن نصف الأميركيين في 2020 أن اللحوم المقلدة مفيدة صحياً، بينما باتت نسبتهم الآن 38% حسب تقرير حديث نشرته "سيتي غلوبال إنسايتس" (Citi Global Insights). الدكتور ديفيد كاتز، المدير المؤسس لمركز أبحاث الوقاية بجامعة ييل (Yale) الذي ظهر في "ذا غيم تشينجر"، يصف برغر "بيوند ميت" ومثيلاتها على أنها منتجات "مفرطة المعالجة" ومليئة بمكونات مصنّعة مثل بروتين البازلاء ونشاء البطاطا وكلوريد البوتاسيوم.
عند مقارنتها مع برغر مطاعم الوجبات السريعة، فإنّه يشير لميزات تتعلق بالبيئة ورعاية الحيوانات، لكنهّ يؤكد أن الفوائد الصحية للحوم المصنّعة ما تزال غير واضحة، وقال: "إنها تُعتبر تحركاً أفقياً في أسوأ الأحوال".
"نستله" تتجه إلى صناعة بدائل البروتين وتستثمر في "الدجاج المزيف"
قال متحدث باسم "بيوند ميت" لبلومبرغ بزنس ويك إن هناك "فوائد صحية متّفَقاً على قبولها للحوم المصنوعة من أساس نباتي"، ووجّه بزنس ويك للحديث مع خبيرَين صحيين.
كان أحدهما كريستوفر غاردنر من جامعة ستانفورد، وهو قد تلقى تمويلاً من "بيوند ميت" وأجرى دراسة صغيرة أثبتت تحسناً في الوزن ونسبة الكوليسترول، لكنّه يقول إن الفوائد الصحية التي حددها لا بدّ لها أن تتكرر ليصح اعتمادها، وقال: "تصعب الإجابة على السؤال عبر دراسة واحدة فقط".
الآخر هو الدكتور مايكل غريغر، مؤلف كتاب (How Not to Die)، الذي يشير إلى أن اللحوم المصنعة هي خيار أفضل من برغر مطاعم الوجبات السريعة، لكن هذا لا يعني أنها تفيد صحتنا: "لا ينبغي لأحد أن يتوهم أن هذه أطعمة صحية".
مكونات معالجة
تتضح هذه المقولة حين تكتشف أن أحد المكونات الرئيسية التي تستخدمها "بيوند ميت" تأتي أصلاً من شركة "ديبن دوتس" (Dippin’ Dots)، وهي حبّات مثلّجات صغيرة مجمّدة بالنتروجين السائل بنكهات مثل مثلجات الموز وغزل السكر.
بدأت "بيوند ميت" العمل مع شركة "ديبن دوتس" في 2019 التي بيعت في يونيو 2022، لكن "بيوند ميت" ما تزال تتعامل مع رئيسها التنفيذي السابق سكوت فيشر، عبر شركته "كريوجينك بروسيسرز" (Cryogenic Processors).
تشتري "بيوند ميت" دهوناً مثل زيت الكانولا وزيت جوز الهند المكرر، التي يعالجها فيشر فيصنع منها ما يصفه بأنه "حبيبات صغيرة أو كرات دهون مجمدة بالتبريد". تُرسل "كريوجينك بروسيسرز" حبيبات الدهون إلى "بيوند ميت" لخلطها بالماء وبروتين الأرز وزبدة الكاكاو وميثيل السللوز وأكثر من 12 مكوّناً آخر موجودة في "بيوند برغر".
تستخدم هذه الحبيبات البيضاء ليكون للبرغر ما يشابه عصارة اللحم، لكن الدهون النباتية قد تُصدر رائحة منفرة عند طهي بعض هذه المنتجات، كما قال توم ماستروبوني الذي قاد استثمار "تايسون" الثاني في "بيوند ميت"، وهو الآن مسؤول الاستثمار في شركة "بيغ أيديا فنتشرز" (Big Idea Ventures)، التي تركز على التقنيات الغذائية.
قارن معلقون عبر الإنترنت رائحة لحوم "بيوند ميت" النباتية النيئة برائحة طعام القطط، وكتب أحدهم في لوحات الرسائل أنه اضطر أن يهوي مطبخه بعد طهيها. قال جيرمي سكلارسكي زبون "بيوند ميت" السابق، الذي جرب منتجاتها بدوافع صحية وبيئية قبل أن يرجع إلى اللحوم الحقيقية: "لو كانت رائحة أي طعام آخر كهذا لرميته على الفور".
متاعب إضافية
قُبض في سبتمبر على مدير العمليات في "بيوند ميت" دوغ رامزي بولاية أركانساس بتهمة أنه عض أنف رجل في مشاجرة بعد مباراة كرة قدم جامعية، وقد كان مديراً تنفيذياً سابقاً في "تايسون" وأحد المخضرمين في صناعة اللحوم استقطبه إيثان في 2021 لمساعدة "بيوند ميت" على توسيع أعمالها.
غادر رامزي الشركة في منتصف أكتوبر ومعه المدير المالي ومسؤول النمو ومسؤول سلاسل التوريد.
كذلك ذهب الود بين "بيوند ميت" وعمالقة الوجبات السريعة، فقد سحبت "دنكن"، التي كانت ذات يوم أكبر شريك لها، شطائر النقانق المصنّع من خيارات الإفطار في جميع الفروع تقريباً على المستوى الوطني في 2021. كما لم يجد طرح "بيوند ميت" لأصابع لحم الدجاج المزيف دعماً من أي من سلاسل المطاعم الكبرى.
جرّبت مطاعم "تاكو بِل" (Taco Bell) لحم "بيوند ميت" المشوي، لكن مديرها التنفيذي أخبر موقع "أكسيوس" (Axios) الإخباري أن تقييماته أتت "متباينة"، وأنه يُستبعد أن تُطرح قريباً على المستوى الوطني.
أكبر مورّد لحوم في العالم يتجه لتأسيس شركة منتجات نباتية
في هذه الأثناء في مصنع "بيوند ميت" في بنسلفانيا، حيث صُنعت جزئياً منتجات دجاج "كيه إف سي" والببروني المستخدم في "بيزا هت"، كشفت صور ووثائق ظهور بكتيريا الليستريا ومواد دخيلة أخرى مثل الخشب والخيوط في المنتجات المصنوعة هناك، وكان ذلك في مايو 2022.
قال متحدث باسم الشركة حينها إن بروتوكولات سلامة الأغذية في الشركة "تتجاوز المعايير الصناعية والتنظيمية"، ولم تستجب "يام! براندز" التي تملك "تاكو بِل" و"كي إف سي" و"بيتزا هت" لطلبات للتعليق على الموضوع.
تراجع متواصل
جربت "بيوند ميت" أيضاً بيع البرغر في 600 فرع أميركي لمطاعم "ماكدونالدز"، أهم زبائنها، لكن دون أن يعود هذا عليها بالكثير. بدا البرغر النباتي (McPlant) لوهلة في أبريل وكأنه سيصبح خياراً ثابتاً في القائمة بعدما أبلغت "فاست كومباني" (Fast Company) عن ذلك خطئاً، وهو ما رفع سهم "بيوند ميت" 34% إلى أن طعنت "ماكدونالدز" بالخبر، فهبط السهم بنفس سرعة صعوده.
قال محلل "جيه بي مورغان تشيس" في يوليو إنه اتصل مع 25 من فروع "ماكدونالدز"، وإنها جميعاً لم تعد تقدم برغر (McPlant). علّق: "ليس الأمر مستغرباً، فقد ذكر السبب في بعض الأحيان، وهو أن المنتج لم يُبع بشكل جيد بما فيه الكفاية".
بعد ذلك أتت فضيحة حادثة عضّ الأنف. كتب مايكل ليفري، وهو محلل لدى "بايبر ساندلر" في مذكرة: "العلاقات العامة السلبية لعضو إدارة كبير ذي علاقات محورية مع (ماكدونالدز) يمكنها الإضرار بما تبقى من الفرص الضئيلة للنجاة". ما تزال "ماكدونالدز" تبيع (McPlant) دولياً، لكنها لم تؤكد نتائج اختبار المنتج داخل الولايات المتحدة أو الخطط المستقبلية.
كما أخفقت "بيوند ميت" حتّى حين عينت كيم كارداشيان، أكثر شخصيات الإنترنت شهرةً في العالم. أعلنت الشركة في ربيع 2022 عن تعيين نجم جديد ليكون "مستشار تذوق"، لكن الأمر سرعان ما تحول إلى سخرية عمّت شبكات التواصل بعدما لاحظ بعض الناس أنها لم تأكل برغر "بيوند" فعلاً في أحد الإعلانات. عرضت كارداشيان بعدها مقطعاً من موقع التصوير يظهر أنها ابتلعت لقمتها فعلاً.
تغير في الاستراتيجية
اكتشفت "إمبوسيبل" في غضون ذلك أن التغلب على تربية الحيوانات ليس سهلاً. أضافت سلسلة مطاعم "برغر كينغ" صنفاً آخر من إنتاج "إمبوسيبل" إلى تشكيلتها، لكنها بعد تجريب قطع الدجاج المصنع وشطيرة دجاج وأخرى من النقانق، قررت عدم إدراجها في لوائحها الاعتيادية.
تبيع مطاعم "إف إيه تي براندز" مليوناً من برغر "إمبوسيبل" بشكل ثابت سنوياً، وهو أمر جيد، لكنه ليس كذلك بالمقارنة مع لحوم البقر التي تتزايد مبيعاتها. تراجعت مبيعات هذا البرغر لدى "بيربرغر"، الذي كان ممن تبنوا "إمبوسيبل" في وقت مبكر، وقال رئيسه التنفيذي يوريبيدس بلكانوس إن تلك المبيعات انخفضت من "خيالية" إلى ما نسبته نحو 6% من جميع أنواع البرغر والسندويشات في 2021، ثم 4% في 2022. قال: "لقد هدأ الصخب الذي أحاط بها بكل تأكيد". يذكر أن سعر البرغر لا يساعد، فهو يفوق سعر برغر اللحم البقري أو لحم الغزال أو الفاصولياء السوداء.
أعلن ماكغينس الذي خلف بات براون في إدارة "إمبوسيبل"، وهو مخضرم في صناعة الإعلانات ترك العام الماضي شركة "شوباني" لصناعة الألبان، إن لديه خطط نمو جديدة للشركة الناشئة التي يقع مقرّها في ريدوود بكاليفورنيا.
قال: "لا أريد التحدث عن تراجع الصنف، فهذا غير موجود،" رغم أن "إمبوسيبل" حاولت أن تقوده لمعظم العقد الماضي.
مدينة بريطانية صغيرة ستصبح عاصمة بدائل اللحوم في أوروبا
هذه المرة، خطة ماكغينس هي "العمل كشركة طعام"، فبدل أن يطلق توقعات بانتهاء صناعة اللحوم، يتحدث الرئيس التنفيذي الجديد عن استقطاب أكلة اللحوم عبر تعزيز عدد نقاط التوزيع الإجمالية، وزيادة وعي المستهلكين، إضافة للجمع بين العروض عبر وضع قطع الدجاج المصنع مع قطع لحم الخنزير المصنع في حزمة واحدة، كي يجرب المتسوقون الذين يحبون إحداها الثانية. بذلك ستجذب منتجات "إمبوسيبل" انتباه الزبائن كما هو الحال في التنوع على رفوف الألبان.
لقد سرّح في أكتوبر 6% من العمال كجزء من إعادة هيكلة أوسع، إذ أخبر الموظفين أن الشركة تركز على "مسار البحث والتطوير والابتكار". كما يؤكد أن الأسعار، التي انخفضت فعلاً، يمكن أن تتساوى مع أسعار لحوم البقر بحلول نهاية العام، ذلك مع تحسن تكاليف إنتاجه وزيادة الكفاءة. ثم يأتي ملف التغذية المتعلق بالبرغر. قال ماكغينس: "هدفنا هو صنع منتج لذيذ... لكن صاحب ذلك أن يكون هذا المنتج أفضل لك وأفضل لكوكبنا".
معرض لحوم مزيفة
استضاف مركز "جافيتس" (Javits) في نيويورك قبل ثلاث سنوات ونصف أول معرض عالمي للمنتجات ذات الأساس النباتي. باعة متجولون يحملون لحماً مقدداً مصنوعاً من الغلوتين، أو سجقاً مصنوعاً من البازلاء والطماطم، وحتّى مكعبات وجبات خفيفة للكلاب. لكن بقعة الضوء تركزت على "بيوند ميت"، فبعد طرحها للاكتتاب العام الأولي ظهر رئيسها التنفيذي كمتحدث رئيسي في المعرض.
علق وقتها آندي ليفيت، مؤسس شركة "بربل كاروت" (Purple Carrot) الناشئة لتحضير الوجبات النباتية الخالصة: "ليتني استثمرت في شركتهم". حين بدأ ليفيت شركته في 2014 كان النباتيون على حد وصفه "فتيات بوشوم يرتدين صنادل في فيرمونت". استطاعت "بيوند ميت" التفوق على جيل كامل من الشركات الناشئة، لتتحول إلى "محرِّض حقيقي على صنع الأطعمة النباتية".
بدت نسخة المعرض في 2022 إلى حد كبير وكأنها عرض تجاري تقليدي للمنتجات، لا علامات فيه على تفوّق "بيوند ميت"، باستثناء بعض الباعة الذين يجيبون أسئلة الزوار لتمييز أنفسهم عنها، بعدما كانت يوماً ما مركز الاهتمام.
تتنقّل بين الأكشاك، فترى منتجات مدعومة من "شارك تانك" (Shark Tank) مثل شرائح اللحوم المزيفة الباردة، أو بروتين الصويا المشكل على هيئة لحم، التي وجدتها "قاسية القوام". كان قليل من تلك المنتجات يغري بأكل مزيد منه فيما كان كثير منها غير مستساغ إلى حد أنني اضطررت أن ألفظها رغم أنني ممن يتفادون اللحوم.
كان أفضل الطعام مذاقاً في هذا المحفل في جناحه الإيطالي، حيث قدّم الطهاة بيتزا نباتية بلا جبن ومعكرونة بوتانيسكا دون سمك الأنشوغة، أي لم يكن هناك بروتين حيواني مقلّد.
لدى سؤال الشيف وصاحب المطعم فابريزيو فاكيني عمّا كان يفعل في معرض يختص باللحوم المزيفة، فوجئ وأجاب اعتماداً على حرفية المعنى وليس على الغرض التسويقي: "لدينا كثير من المنتجات المصنوعة من أساس نباتي... نحن لا نضع الجبن في كل المأكولات".
مستقبل البدائل
أغفل الكثير من المراقبين أمرين جوهريّين، حين أرادوا اكتشاف ما إذا كانت صناعة اللحوم النباتية ستحدث ذات الاختراق الذي أحدثه الحليب المقلّد: الأول هو أنَّ ثمة من لا يستطيع هضم اللاكتوز أو تحمله، والثاني هو أن الحليب يستخدم عامّةً كمكون إضافي، ولا يشكل طبقاً رئيسياً، فيضيفه كثيرون إلى القهوة سواءً أكان مستخلصاً من الصويا أو اللوز أو الشوفان لأن الحليب الطبيعي ليس خياراً متاحاً لهم، وهم غالباً لا يشربون كأساً كاملاً منه.
كما أن توقعات مبيعات اللحوم النباتية تتضاءل أمام ما يحدث في سوق منتجات الألبان. كتبت جينفر بارتاشوس من بلومبرغ إنتلجنس في نوفمبر أنه في النصف الثاني من 2023 "نتوقع ارتفاع مبيعات الألبان النباتية ما بين 6% و8%، وأن ترتفع مبيعات بدائل اللحوم من 1% إلى 2%".
شركة سويسرية تطلق صندوقاً بـ222 مليون دولار للاستثمار في المشروعات النباتية
تبلغ قيمة "بيوند ميت" السوقية الحالية حوالي مليار دولار منخفضة من ذروة فاقت 14 مليار دولار. كما تضع خفض النفقات كأولوية، إذ تعهدت بتدفق نقدي إيجابي في النصف الثاني من هذا العام، وتحاول النهوض باحتياطياتها النقدية المتضائلة.
أفصح إيثان براون، خلال اجتماع أرباح الشركة في نوفمبر، عن عرض جديد محدود المدة مع "باندا إكسبرس" (Panda Express)، كما أعلن عن فوز الشركة بجائزة الطعام المقدمة من مجلة "بيبل" (People).
مع ذلك أمطره المحللون بأسئلة حول حجم البضائع المتراكمة في المخازن وعن سبب تركيز "بيوند ميت" على صناعة المكوّنات فقط وليس الوجبات مسبقة الإعداد. بيّن براون أن التضخم وتقلب أذواق المستهلكين هي عقبات صغيرة في مهمته الأطول أمداً وقال: "أنا متأكد أن التحول سيحدث، حين نصل إلى تكافؤ الأسعار مع اللحوم الحقيقية، وحين تصبح منتجاتنا صعبة التمييز عنها، وعندما يتفاقم الوضع المناخي أكثر، ويتعرّف الناس بحق على الفوائد الصحية الحقيقية".
فتور الشركات
تراجع إقبال الشركات الغذائية الكبرى على هذه الفئة من اللحوم المزيفة، حيث ألغت "تايسون" طرح برغر شبه نباتي، مصنوع من لحم البقر المخلوط مع بروتين البازلاء وكان يُفترض أن يطلق علامة تجارية مستقبلية تابعة لها "تبلغ قيمتها مليار دولار".
ما تزال تباع منتجات "كيلوغز مورنينغ ستار فارمز" (Kellogg’s Morningstar Farms)، و"كوناغرا براندز"، و"غاردين" (Gardein)، و"سويت إيرث" (Sweet Earth) التابعة لشركة "نستله" (Nestlé). بعضها يبيع بشكل جيد لكن لم يحقق أي منها نجاحاً كبيراً.
ما تبقى من هذه السوق الآن أشبه بفئة مختصة بسلع معينة أكثر من كونه استبدالاً لسوقٍ راسخة كسوق اللحوم، فبعد قضاء "بيوند ميت" وإمبوسيبل" ومقلديهما سنوات يحاولون إقناع الناس بالتخلي عن اللحوم، يبدو أن أفضل زبائنهم هم 5% من الناس الذين لم يكونوا أصلاً يتناولونها.
قال كيفن لندغرن، مدير التسويق في شركة توزيع المواد الغذائية "بالدور سبيشالتي فودز" (Baldor Specialty Foods) في نيويورك، إن المطاعم تطلب البرغر النباتي فقط للتأكد من تقديمها للنباتيين عوضاً عن "السلطات والقرنبيط".
لذلك فإن المطاعم تدعم توسع بدائل البرغر لتحمي نفسها من "الصوت المعترض"، وهو يأتي من فرد لا يأكل اللحوم في مجموعة قد يحبط اختيارهم تناول العشاء في مطعم إن لم يوفّر طبقاً رئيسياً نباتياً يناسبه.
علق لندغرن ملخصاً منطق المطاعم التي تقدم المنتجات النباتية: "إنها مجمدة بكل الأحوال، فلنبقها في الثلاجة"، لكن حتّى هذه ليست استراتيجية ناجحة دوماً، فكثير من النباتيين يفضلون أكل برغر مصنوع من خضروات حقيقية وطازجة، وبالتأكيد لا يريدون أن تشابه اللحم من حيث دمويته.
النمط الآخر
تخوض "إمبوسيبل" الآن مغامرتها بعيداً عن الساحل الغربي، حيث ارتدّ كثير عن أكل اللحوم المزيفة، آملةً أن تزيد الاهتمام بمنتجاتها في أماكن مختلفة من الولايات المتحدة. قال لندغرن إنه رأى أخيراً برغر "إمبوسيبل" في قائمة طعام لبار مخصص للرياضة في جنوب داكوتا.
تلقت الشركة رأي الزبائن سريعاً بعدما أضافت الصيف الماضي "نقانق إمبوسيبل" إلى قائمة ما يفوق 600 فرع من مطاعم "كراكر باريلز" (Cracker Barrels)، فقد كتب أحد من آلاف المعلقين الغاضبين حين نشرت سلسلة المطاعم ذات الطابع الريفي الجنوبي العرض على صفحتها في "فيسبوك": "لن تستطيعوا أن تأخذوا مني نقانق الخنزير إلا عندما تنتزعوها من يدي ميتاً".
شوكولاتة مقلدة تتخطى أكبر مشاكل الكاكاو
وجد بديل جديد للحوم طريقه نحو الأضواء في هذه الأثناء، وهي اللحوم المصنعة من الخلايا، وهي لحومٌ تُزرع في أحواض عملاقة من خلايا حيوانات حية، إذ تعتبر لحوم الأبقار والدجاج والأسماك المزروعة في المختبرات نظرياً أفضل للبيئة من تلك الحقيقية، ويُفترض أن يكون مذاقها جيداً أيضاً,
جمعت الشركات الناشئة في هذا المجال تمويلاً بلغ 2.6 مليار دولار من مستثمرين منهم بيل غيتس وليوناردو دي كابريو، مجدداً. سيتعين على هذه الفئة من اللحوم التغلب على عقبات أكبر من تلك التي واجهتها اللحوم النباتية، بسبب كميات الطاقة الهائلة المطلوبة لصنعها، ناهيك عن التكاليف الباهظة.
لكن بالنسبة لداعميها، هي صناعة ذات إمكانيات لا حدود لها. قال ماكي، الشريك المؤسس في "هول فودز" (Whole Foods) بعد الاستثمار في شركة "أبسايد فودز (Upside Foods) لصناعة اللحوم المستزرعة من خلايا: "هذه الصناعة، يمكنها حقاً تغيير العالم".