بلومبرغ
اكتسب مجمع كامبردج للعلوم الذي يبعد عن لندن نحو ثمانين كيلومتراً شمالاً في منقطة فيندلاند لقب "سيليكون فين"، وفيه مكاتب لشركات تقنية حيوية منها "أميجين" (Amgen) و"أسترازينكا" (AstraZeneca) وغيرها.
شركة "سبلانت" (Supplant) تجاور جاراتها الشهيرات ويقع مقرها في مبنى دون يافطة يبدو كموقع تصوير لمسلسل "ذا أوفيس". تستعد تلك الشركة لإطلاق منتج بتقنية بسيطة له قدرة مؤكدة على إثارة الجدل وهو الدقيق المصنوع من ألياف.
يُصنع الدقيق متعدد الاستعمالات، وهو الأكثر شيوعاً، من حبات القمح عبر التخلص من جنين الحبة وطحن باقيها كثيف النشاء.
لكن "سبلانت" تستخدم مواداً موجودة في الطبيعة وهي غالباً ما تُرمى مثل سيقان النباتات ونفايات الزراعة مثل القشور وأغلفة البذور.
تمثل القشور الليفية الوفيرة التي تتبقى من إنتاج حليب الشوفان المكون الرئيسي لهذا الدقيق، لكن يمكن أيضاً تحويل أكواز الذرة وسيقان نبات قصب السكر ونخالة القمح إلى دقيق أيضاً.
قال توم سيمونز مؤسس "سبلانت" ورئيسها التنفيذي: "نحن نتعامل مع سلسلة التوريد القائمة حالياً للوصول إلى أرخص المواد الموجودة. فإن أردت صنع شيء مستدام، فستجد أن الألياف النباتية تمثل أكثر المصادر وفرة".
قد يتعرف محبو الحلوى في الولايات المتحدة على اسم "سبلانت" عبر شوكولا الحليب بملح البحر التي يقدمها الطاهي توماس كيلر، وهي تُحلى باستخدام منتج من الألياف من إنتاج "سبلانت" تصنعه عبر عملية مشابهة لتلك المستخدمة في صنع الدقيق.
القدرة التنافسية
أسس سيمونز "سبلانت" بينما كان يعمل في قسم الكيمياء الحيوية في جامعة كامبردج في 2017. قال إن السكر الذي ينتجه قد يصبح منافساً للبدائل الأخرى المعروفة أكثر خلال ثلاث أو أربع سنوات، وإنه "خلال عشر سنوات" ستبلغ شركته مرحلة التوسع وستكون قادرة على المنافسة مع سوق السكر التي بلغت قيمتها 11 مليار دولار. تقدر "فورتشن بزنس إنسايت" قيمة سوق السكر البديل عالمياً بنحو 7.5 مليار دولار في 2021 ويُتوقع أن تتجاوز 12.8 مليار دولار بحلول 2029.
لكن شركة "سبلانت"، التي جمعت حوالي 22 مليون دولار في جولة التمويل من الفئة الأولى في 2021 من مستثمرين بينهم "واي كومبيناتور" (Y Combinator) و"كوسلا فينتشرز" (Khosla Ventures)، تقول إن منتجها الجديد سيكون أكبر من ذلك حتى.
تبدو المؤشرات واعدة: قالت ريتشل كروبا مؤسسة "غودز مارت" (Goods Mart)، وهو متجر لوازم صغير في منطقة سوهو في نيويورك، إن اهتمام المستهلكين ببدائل الدقيق يزداد.
أضافت: "نرى باستمرار الابتكار في المكونات الأساسية مثل الدقيق. رأينا دقيق الكسافا والحمص والشوفان، كما أن أحد أفضل المنتجات مبيعاً هو بسكويت تشيدار تشيزيز من شركة (إنشينت بروفيجنز) المصنوع من دقيق الموز". تستخدم بدائل النشاء الأخرى دقيق البامية والصبار.
كذلك ينظر متنبئون لدى "هول فودز ماركت" (Whole Foods Market) إلى سوق بدائل الدقيق، ويقولون إن ترقية المكونات خاصة لإنتاج الدقيق هي أروج نزعات 2023.
أما في مجال الدقيق المعاد تدويره فقد انضمت شركتا "رينيوال ميل" (Renewal Mill) التي يقع مقرها في أوكلاند بولاية كاليفورنيا وتنتج مزيج البراونيز بالشوكولا الداكنة وشركة "هايفي فودز" (Hyfé Foods) في شيكاغو التي تصنع الدقيق عالي البروتين، وتعتمدان على منتجات "سبلانت".
تجارب وإخفاقات
ستقدم "سبلانت" في وقت لاحق من هذا العام دقيقاً مصنوعاً من الألياف في الولايات المتحدة، وتعمل بالتعاون مع طهاة من أمثال تال رونين في "كروسرودز كيتشن" (Crossroads Kitchen) وعمليات مثل "دوناتس بروجيكت" (Doughnut Project)، بالطريقة نفسها التي نشرت بها منتج السكر الخاص بها مع كيلر.
يحتوي هذا الدقيق على نصف عدد حريرات الدقيق الأبيض المكرر ويستبدل النشاء بالألياف. تختبر "سبلانت" دقيقها في سيناريوهات يمكن فيها استخدام دقيق القمح، ونجح ذلك عند تطبيقه في جميع ظروف الطهي تقريباً، في أصابع الكعك أو حلوى البراونيز أو خبز التورتيلا.
كان الاختبار الأولي لصنع الباستا باستخدام دقيق "سبلانت" مخيباً للآمال لغياب الشبه من ناحية القوام، وهو ما اعترى العديد من أنواع الباستا التي صُنعت من حبوب بديلة.
تبدو دورة الإنتاج مألوفة بشكل مفاجئ لدى كثير ممن يشاهدون فيديوهات إعداد الطعام. تُنقع المنتجات الثانوية في محلول قلوي لتليينها وهو يشبه ذاك المستخدم لصنع خبز البيغل. كما تبدو العملية مشابهة جداً لتخمير الجعة. بعدها يُعالج الخليط بالإنزيمات الموجودة بشكل طبيعي والمشتقة من الفطريات لاستخراج السكر، ثم تُنظف وتُجفف لإنتاج الدقيق.
نظراً لأن المعدات المستخدمة ليست مخصصة لهذه العملية فحسب، حيث نجد معاصر النبيذ بين المعدات الصناعية التي تستخدمها "سبلانت" لاستخلاص السوائل، يسهل توسيع نطاق الإنتاج.
هناك سبب وراء ثقة الشركة الشديدة بشأن مستقبلها. قال سيمونز مشيراً إلى مطعم "فرينش لوندري" في نابا فالي وهو حائز على ثلاث نجوم ميشلان ويملكه كيلر : "نهدف لأن نكون شركة ضخمة جداً. لا نريد أن ننتج لسوق متخصصة، كأن نزود (فرينش لوندري) فحسب".
ظروف مواتية
يصعب حالياً النظر إلى "سبلانت" إلا كشركة تصنع منتجاً سوقه خاصة. تُباع ألواح الشوكولا التي تنتجها بوزن 60 غراماً مقابل 7 دولارات على موقعها الإلكتروني وعبر متاجر "إيرون" (Erewhon) للأطعمة الطبيعية على الساحل الغربي. تستخدم هذه الشوكولا في بعض الشراكات مع علامات تجارية أخرى مثل رقائق مثلجات شركة "كولا" (Kula) في سان دييغو.
مع ذلك، يقول روبن تادمور مدير تطوير الأعمال في "سبلانت" إن منتج السكر قد يكون مطلوباً لأن الحكومات تمارس ضغوطاً لتقليل السكر العادي المضاف. كما الحال مع الدقيق، فقد استُخدم بنجاح في جميع أنواع الخبز.
يأتي منتج الدقيق من "سبلانت" وسط شح في توريدات القمح، الذي نتج جزئياً عن غزو روسيا لأوكرانيا وكلاهما من كبار موردي القمح عالمياً، ما قاد لتراجع في توريدات الباستا في إيطاليا.
تعمل الشركة على وضع اللمسات الأخيرة على كل شيء وتختبر منتجاتها، ومنها الباستا، سوقياً قبيل إطلاقها.
رغم أن المقر "سبلانت" الرئيسي يقع في بريطانيا، إلا أنها اختارت هولندا كموقع لتوسع إنتاج دقيقها. يعود السبب وراء ذلك إلى أن هذه البلاد هي ثاني أضخم مصدر للمنتجات الزراعية حسب القيمة بعد الولايات المتحدة، ما يجعلها مصدراً ممتازاً للمواد الخام التي تحتاجها "سبلانت".
قال سيمونز: "يعجبنا هذا الحيّز... إننا نعمل على هوامش تقنية الغذاء، لكننا لسنا اسماً من مليون اسم في مجال صناعة بدائل اللحم". لن تسعى "سبلانت" لتنافس البرغر الذي تصنعه شركة "إمبوسبيل فودز" (Impossible Foods) لكنها تسعى لتصنع خبز شطيرته.