بلومبرغ
جذبت الشوكولاتة الناس من آلاف السنين، لكن إنتاجها اليوم مقرون بإزالة واسعة للغابات وبعمالة الأطفال، ويشكل هذا ورطةً أخلاقية للمستهلكين. تقول شركة بريطانية ناشئة إنها تمتلك الحلَّ: بديلٌ للشوكولاتة لا يدفع إلى الإحساس بالذنب ولا يمكن تمييز طعمه عن طعم الشوكولاتة الأصلية.
نكهات الشوكولاتة التي لا تقاوم تعتمد على تخمير الكاكاو الذي يكون بعد الحصاد بوقت قصير حين تُراكَم الحبوب تحت أوراق الموز وتُترك لعدة أيام. تهدف شركة "وين وين فود لابز" (WNWN Food Labs) في منشأتها شرق لندن، إلى تقليد هذه العملية اعتماداً على شعير بريطانيا وخرّوب جنوب أوروبا.
كان منتجها الذي اختبره صحفيو بلومبرغ بزنس ويك تقليداً مقنعاً للشوكولاتة المنتجة من الكاكاو من حيث مذاقه وقوامه ومظهره. قالوا إن النوع الذي يدخل فيه البندق كان أكثر إقناعاً لهم من بديل شوكولاتة الحليب.
"وين وين"، التي اشتقت مسماها من عبارة مفادها عدم الهدر، تستخدم تقنية فصل تعرف باسم الكروماتوغراف الغازي لقياس الطيف الكتلي، وهي ما يستخدمه مصنعو الأغذية النباتية لتحليل نكهات وروائح معينة على مستوى الجزيئات كي يحددوا خصائص المأكولات التي يودون تقليدها.
بيّن جوني درين، المؤسس المشارك وكبير مسؤولي التقنية لدى "وين وين": "المحركات الحقيقية لخلق النكهات، والكيفية التي نحصل من خلالها على هذه الجزيئات من المكونات النباتية التي نستخدمها تكمن في عملية التخمير".
ومن بين الشركات الأخرى ذات الطموحات المماثلة "بلانت اي فودز" (Planet A Foods)، ومقرها ميونخ، وهي تصنع شوكولاتة مزيفة عبر معالجة الشوفان المخمر، وشركة "كاليفورنيا كلتشرد" (California Cultured)، التي تستخدم خلايا الكاكاو لإنتاج شوكولاتة مزروعة في مختبر في مدينة ديفز بولاية كاليفورنيا.
الكاكاو والمسألة الأخلاقية
قبل عقدين، وقع صناع الشوكولاتة الكبار مثل "نستله" (Nestlé)، و"مارس" (Mars)، و"هرشي" (Hershey)، ما يسمى بروتوكول "هاركن-إنغل" (Harkin-Engel)، وهو تعهد بإنهاء أسوأ أشكال عمالة الأطفال في سلاسل توريدهم. إلا أن وزارة العمل الأميركية تقدر أن 1.56 مليون طفل يعملون في هذه الصناعة.
يلي الكاكاو رعاية الماشية وزيت النخيل والصويا من حيث احتلاله لمساحات غابات على مستوى العالم. فقدت ساحل العاج، وهي أكبر منتج للكاكاو نحو 85% من غاباتها منذ الستينيات، كنتيجة لهذه التجارة بشكل أساسي.
حددت شركات الحلوى أهدافاً لمشتريات الكاكاو تقرّ مجموعات مثل "فير تريد انترناشيونال" (Fairtrade International)، و"رين فوريست الاينس" (Rainforest Alliance) بأنها أخلاقية، وهي تحاول تحسين إمكانية التحقق من إنتاج الكاكاو بما يتخطى الركون لما يبينه مورّدوهم المباشرون.
لقد أطلقوا مبادرات تعليمية وبرامج لمساندة العائلات في إعادة الأطفال إلى المدارس. لكن نشطاء المنظمات غير الربحية يرون أن حل مشاكل هذه الصناعة أبسط مما يبدو: ينبغي على الشركات أن تدفع أكثر مقابل الكاكاو. فرضت كل من غانا وساحل العاج رسوماً إضافية وأقساطاً على صادرات الكاكاو لتحسين معيشة المزارعين، إلا أن بعض الشراة تمكنوا من المفاوضة على عدم السداد، خاصة حينما يكون الطلب ضعيفاً.
مصدر الكاكاو غير موثوق دوماً
فتح تزايد وعي المستهلكين بالجانب المظلم لصناعة الكاكاو المجال لمن يبيعون شوكولاتة بأعلى الأسعار ويسوقونها على أنها مستدامة ومنتجة مع الالتزام بالأخلاق. أبرزها "تونيز شوكو لونلي بارز" (Tony’s Chocolonely Bars) ومقرها في أمستردام، وقد أسسها ثلاثة صحفيين في 2005. تقول الشركة إن بإمكانها تتبع 100% من مصادر الثمار التي تستخدمها. لكنها حتى هي اكتشفت تشغيل أطفال في سلاسل توريدها.
"وين وين" ترى أن الأفضل هو تجنب الكاكاو كليةً. أسس درين، الذي عمل كمستشار تذوق في مطاعم مثل "نوما" (Noma) في كوبنهاغن و"ميرازور" (Mirazur) في منتن بفرنسا، "وين وين" في 2021 مع شريكته أهروم باك، وهي موظفة مصرفية سابقة مختصة بالاستثمار.
حصلا على مليون دولار من "فود لابز" (FoodLabs)، وهو صندوق رأس مال استثماري مقره برلين، وهما يعملان على جولة تمويل عبر بيع الأسهم.
منتجات بديلة صديقة للبيئة
تخطط الشركة لافتتاح مصنع في البرتغال هذا العام، إذ تهدف لإنتاج ما يصل إلى 150 ألف كيلوغرام شهرياً. طرحت إصدارين محدودين من ألواح منتجها في 2022، وتخطط لطرح منتج واحد في الأسواق البريطانية في 2023.
ترغب أن تصل لتزويد شركات الأغذية الكبرى ببدائل الشوكولاتة ومكونات أخرى تطرح مسائل الاستدامة وقضايا أخلاقية مثل الفانيلا والقهوة. قالت باك، المؤسسة المشاركة والرئيسة التنفيذية "نسمي أنفسنا شركة للمكونات البديلة".
قال درين إن اختيار المكونات البديلة قد يسمح لشركة "نستله" بتوفير 60% من المياه المستهلكة في صناعة منتجها "كيت كات"، إضافة لتقليل تأثير غازات الاحتباس الحراري المنبعثة من جراء صناعة ألواح الشوكولاتة تلك بنسبة 80%.
رفضت "نستله" التعليق على احتمال إنتاج شوكولاتة خالية من الكاكاو. قال متحدث باسم الشركة إن نصف وارداتها من الكاكاو تحصل عليها من خلال الخطة الخاصة للكاكاو، التي تهدف للحد من عمالة الأطفال ومعالجة إزالة الغابات في البلدان المنتجة. تشمل مبادرات الشركة تقديم حوافز مالية للمزارعين كي يبقوا أطفالهم في المدارس ويعتمدوا ممارسات الزراعة المتجددة.
خبراء يشككون
أرلن واسرمان، مؤسس شركة الاستشارات الغذائية "تشينجنغ تسيتس" (Changing Tastes)، يعتقد أن أحد التحديات التي يواجهها صانعو الشوكولاتة المقلدة هو أنهم يستهدفون السوق ذاتها مع علامات تجارية مثل "تونيز شوكو لونلي"، ولا يتضح ما إذا كان المستهلكون سيتبنون التغيير.
أضاف أنه يصعب أيضاً على الناس التحقق من العلامات التجارية التي تنجح بالقضاء على عمالة الأطفال فعلياً. شرح قائلاً: "معظم منتجات الشوكولاتة التي أراها تدعي أنها تعالج المشكلة".
يمكن لشركات المنتجات الخالية من الكاكاو أن تتعلم من منتجي بدائل اللحوم، حسب سيرل فيلوت، الاستراتيجي العالمي للأغذية الاستهلاكية، والتعبئة والخدمات اللوجستية في "رابو بنك" (Rabobank). قال : "يتعلق الأمر بداية بجذب الانتباه وهو ما يتطلب مالاً كثيراً... بعد ذلك، نأمل أن يتمتع المنتج بمذاق وقوام جيدين".
يصر درين على أن المذاق والقوام هما ميدانان تتألق فيهما منتجات "وين وين"، ويؤكد: "إنها ليست قطعة شوكولاتة من الخروب وحسب... بل صورة مطابقة للشوكولاتة".