شركات الأدوية تجرب التصدي لألزهايمر قبل استحكامه

عقاقير في مراحل تجريب أخيرة قد تحدّ من ترسب بروتينات في الدماغ تسبب تراجع القدرات الإدراكية

time reading iconدقائق القراءة - 18
صورة تعبيرية لتأثير تراكم تكتلات بروتينات في الدماغ على القدرات الإدراكية - المصدر: بلومبرغ
صورة تعبيرية لتأثير تراكم تكتلات بروتينات في الدماغ على القدرات الإدراكية - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

حين يرتفع مستوى الكوليسترول في جسم إنسان، لا يتنظر الأطباء حتى تحتشي شرايينه قبل أن يعالجوه، بل يبدأون مداواته بخوافض للكوليسترول قبل اعتلاله لمنع تراكم الترسبات في أوعيته الدموية لتجنيبه النوبات قلبية.

تحاول بعض كبرى شركات الأدوية في العالم اليوم ما يشبه ذلك لتساعد ملايين من جيل مواليد ما بين 1946 و1964 المعرضين لخطر ألزهايمر. تجري شركتا الأدوية "إيلي ليلي" (Eli Lilly) و"إيساي" (Eisai) تجارب بلغت مراحلها الأخيرة يختبر فيها باحثوها أدوية تزيل ترسبات من الدماغ لدى آلاف البالغين الأصحاء، ويأملون أن تسهم هذه الأدوية بدرء تراجع القدرات الإدراكية حتى قبل أن يبدأ، أو أقله تأخيره.

قالت رايسا سبيرلينغ، أخصائية الأعصاب في كلية الطب في هارفرد التي تقود اثنتين من كبرى التجارب الوقائية: "إن انتظرت حتى تبدأ الأعراض قد لا تتمكن من تجنب المضاعفات بالكامل... إزالة الأميلويد قبل الإصابة بالضعف أمر أساسي".

عايشت سبيرلينغ، 63، عاماً ألزهايمر عن كثب. فقد بدأت في 2008 تلاحظ مؤشرات طفيفة لدى والدها الراحل الذي كان يعمل أستاذ كيمياء في حينها. لكن اصطحبته إلى طبيب لتقييم حالته، قال له: "لا تعاني أي مشكلة، لا تقلق". ثمّ بعد خمس سنوات شُخصت إصابته بألزهايمر.

ثلاث تجارب

انطلقت دراسة سبيرلينغ الكبرى الأولى في 2014، ويُحتمل أن تبدأ نتائجها بالظهور في 2023. شملت الدراسة التي يرعاها المعهد الوطني للشيخوخة وشركة "إيلي ليلي" نحو 1200 شخص وتقوم على اختبار عقار مخفّض للأميلويد يحمل اسم "سولانيزوماب" (solanezumab) على أصحاء تفوق أعمارهم 65 عاماً ولديهم مستوى مرتفع من هذا البروتين الدماغي. بما أن العقار سبق أن فشل في ثلاث تجارب غير متصلة أجرتها "إيلي ليلي" لمعالجة مرضى قد أصابهم ألزهايمر، قرر العلماء استخدام جرعات أكبر بكثير في التجربة الوقائية. رغم أن الدواء ليس بقوة عقاقير خفض الأميلويد الأحدث، إلا أنه لا يتسبب عموماً بتورم الدماغ، الذي يُعدّ أحد الآثار الجانبية للأدوية الجديدة، ما يعطي هذا الدواء أرجحية على الأدوية الأخرى في حال ثبت نجاحه، حسب ما قالت سبيرلينغ.

تبدو التجربة الأحدث التي بدأتها سبيرلينغ في 2020 برعاية شركة "إيساي" في طوكيو والمعهد الوطني للشيخوخة أكثر طموحاً. تقوم هذه التجربة على إعطاء حقن من الدواء الخاص بالشركة "ليكانيماب" (lecanemab) أو دواء وهمي لأشخاص أصحاء ابتداءً من عمر 55 عاماً لديهم مستوى متوسط إلى مرتفع من الأميلويد لمدة أربع سنوات، بهدف بدء العلاج بسنّ أبكر وتجنب الضرر. تطوّر "إيساي" عقار "ليكانيماب" بالتعاون مع شريكتها "بيوجن" (Biogen).

تتعلق التجربة الوقائية الثالثة بعقار خفض الأميلويد الأحدث من "إيلي ليلي"، وهو "دونانيماب" (donanemab) الذي تراجعه إدارة الغذاء والدواء الأميركية لتسريع الموافقة عليه كي يستخدم لأغراض علاجية. تراهن الشركة أن تسع جرعات شهرية فقط ستكون كافية لإزالة الأميلويد لدى الأصحاء، ما يساعد على تأخير تراجع القدرات الإدراكية لسنوات.

بروتينات في الدماغ

لاحظ الطبيب النفسي الألماني ألويس الزهايمر في 1906 للمرّة الأولى ما تبين أنها رواسب من الأميلويد والتاو في دماغ سيدة توفيت عن 51 عاماً بعد معاناتها من فقد ذاكرة شديد.

رغم أن مسببات الزهايمر ما تزال محطّ جدل، فإن العلاقة بين ارتفاع معدلات الأميلويد وتراجع القدرات الإدراكية باتت أوضح في السنوات الماضية بعدما طوّر باحثون تقنيات للمسح الدماغي تتيح قياس مستوى الأميلويد في أدمغة الأحياء.

انضمت أستريدا شايفر، وهي مؤرخة في مجال الأزياء بلغ عمرها 59 عاماً وتعيش في جنوب ماين، لتجربة وقائية تستخدم "ليكانيماب" لأنها "مذعورة" من الإصابة بالزهايمر نظراً لتاريخ عائلاتها الحافل بالإصابات به. جدتها وأخت جدتها ووالدتها وخالتها توفين جميعاً بعد إصابتهن به. كانت والدتها معلمة لغات في المرحلة الثانوية تتحدث خمس لغات بطلاقة قبل أن تصاب بالخرف الذي سلبها القدرة على الكلام بقدر كبير.

حين سمعت عن تجربة وقائية باستخدام " ليكانيماب" قبل عام، خضعت لمسح للأميلويد في إطار الفحوصات استعداداً لمشاركتها في التجربة واكتشفت أن لديها مستويات مرتفعة. تسافر شايفر كلّ أسبوعين عدّة ساعات ذهاباً وإياباً إلى مستشفى "بريغهام والنساء" في بوسطن، التابع لجامعة "هارفرد"، لتتلقى حقناً في إطار العلاج التجريبي الذي تتلقاه.

قالت شايفر إن المشاركة في التجربة "يقلل من شعوري بالعجز" رغم أنها لا تعرف ما إذا كانت تتلقى الدواء الوهمي أو الدواء الفعلي. برغم مشقة الطريق لتلقي العلاج، قالت: "إن ساعدني ذلك على تجنب فقدان عقلي فهو يستحق العناء".

مبيعات بمليارات الدولارات

تشير المسوحات الدماغية إلى أن الأميلويد يتراكم ببطء على مرّ السنين قبل أن يبدأ ظهور الأعراض، ما يتسبب بالتهاب الدماغ وازدياد بروتين تاو، ويؤدي في نهاية المطاف لتراجع القدرات الإدراكية. بحلول الوقت الذي تصبح فيه الأعراض ظاهرة، لا تساعد كثيراً إزالة كميات كبيرة من البروتين.

تمكّن "ليكانيماب" من "إيساي" في ثالث مراحل تجربة شملت 1800 مصاب يعانون بدايات الزهايمر من إزالة أكثر من 70% من الأميلويد من الدماغ، إلا أنه لم يبطئ تراجع القدرات الإدراكية إلا بنسبة 27% على مدى 18 شهراً. لكن لكون هذه التجربة العلاجية هي الأفضل خفضاً للأميلويد حتى اليوم، يُتوقع أن يحصل الدواء على الموافقة الأميركية في 2023، ما سيمكّن "إيساي" في النهاية من تحقيق مبيعات بمليارات الدولارات. لكن لم يتضح بعد مدى الفرق الذي سيحدثه الدواء لدى معظم المرضى.

يأمل العلماء أن تساعد التجارب الوقائية على تحقيق أثر أقوى، حسب اختصاصي الأعصاب بول أيسين من جامعة جنوب كاليفورنيا، الذي شارك في تجربتيّ "ليكانيماب" و"سولانيزوماب". قال إنه يمكن لعقار يزيل الأميلويد لدى أصحاء توشك قدراتهم الإدراكية على التراجع أن يغير مسارهم بما يكفي لتأخير إصابتهم بالزهايمر لما يصل إلى ستّ سنوات حسب تقديره.

ستختبر التجربتان بواسطة "ليكانيماب" و"سولانيزوماب" ما إذا كان العقاران يمنعان التغيرات الإدراكية الخفيفة ما قبل السريرية لدى مصابي ارتفاع الأميلويد، فيما تهدف تجربة "إيلي ليلي" بواسطة "دونانيماب" لإثبات أن العقار قادر على تجنيب الإصابة بالمرض. ستنتظر الشركة إلى حين يتقدم أكثر من 400 من أصل 3300 شخص مخطط أن تشملهم الدراسة نحو الضعف الإدراكي الخفيف أو الخرف. ثمّ ستحصي الحالات لتبيان ما إذا كان عدد أقل ممن تلقوا عقارها أصيبوا بضعف إدراكي.

قال اختصاصي الأعصاب في "إيلي ليلي" روي ياري إنه فيما لا تتوقع الشركة أن تكون قادرة على منع العوارض في جميع الحالات "نأمل أن يكون تقدم الأشخاص الذي يتلقون (دونانيماب) أقل حدة نحو مراحل الأعراض".

تكلفة باهظة

إن تطوير عقار الزهايمر رهان ضخم لشركات الأدوية الضخمة، لكنه مدرّ لأرباح طائلة. إلا أنه يطرح أيضاً مسائل شائكة حول التكلفة التي تقدر الولايات المتحدة على تحمّلها، وما إذا كانت فائدته تستحق المخاطرة. لدى نحو 25% من الأصحاء المتقدمين في السنّ أميلويد في الدماغ، لكن على عكس أدوية الكوليسترول زهيدة الثمن، فإن عوامل خفض الأميلويد المتوفرة حالياً يجب تلقيها بواسطة حقن، وتصل تكلفتها إلى 25 ألف دولار أو أكثر في السنة. لا أحد يعلم ما إذا كانت ستقي فعلاً من المرض، وكلما زادت قوة الدواء، زاد خطر الإصابة بتورم دماغي أو نزيف دماغي.

في المرحلة الثانية من التجربة العلاجية، تباطأ التراجع الإدراكي لدى من تلقوا عقار "دونانيماب" من "إيلي ليلي" بنسبة 32%، إلا أن إصابتهم بتورم دماغي أو نزيف دماغي ارتفعت بنسبة 39%، مقارنة مع 8% لدى من تلقوا العقار الوهمي. فيما كانت نسب التورم الدماغي بسبب عقار "ليكانيماب" أقل، لكن في جزء "تمديد" المرحلة الثالثة من التجربة العلاجية، توفي شخصان تلقيا مميعات دم خلال فترة العلاج بـ"ليكانيماب"، في حين تقول "إيساي" إن دواءها لم يسبب الوفيات.

نظراً لكلّ حالات عدم اليقين، يقول منتقدو التجارب إن فترتها قصيرة جداً وقد ترصد خلالها اختلافات إدراكية خفيفة لا أهمية واضحة لها. إلا أن الخوف العام المنتشر من الفقدان المدمر للذاكرة والقدرات الإدراكية الناجم عن الزهايمر يجعل التخلي عن الأبحاث في مجال خفض الأميلويد مستبعداً.

قال إليزير ماسليا، مدير قسم العلوم العصبية في المعهد الوطني للشيخوخة: "هناك ملايين الناس الذين قد يُصابون بالزهايمر" خلال السنوات المقبلة، ما يجعل طرح دواء قادر على تأخير ذلك لعدّة سنوات "قد يكون هائل الأثر".

تصنيفات

قصص قد تهمك