بلومبرغ
بقلم: Max Chafkin
بات "الذكاء الاصطناعي الإبداعي" هوساً جديداً مستشرياً في وادي السيليكون، هو يعني قدرة كمبيوتر على أداء مهام مثل الكتابة وإنتاج أفلام وتصميم الرسوم البيانية. قد يبدو لكم الأمر غريباً بعض الشيء إن كنت ممن يتابعون توقعات الصناعة بشأن الذكاء الاصطناعي خلال العقد الماضي. لكن رغم خطأ توقعات اندثار وظائف سائقي الشاحنات وسيارات الأجرة وكذلك عمل البشر في تقديم خدمات الدعم للعملاء، يضخ أصحاب رأس المال المغامر وكبرى شركات التقنية مليارات لتصميم برمجيات تحلّ مكان بعض الوظائف الإبداعية، ويجلب ذلك لهم اهتماماً إعلامياً متسماً بالخشية لأن مثل تلك المتغيرات عادةً ما تؤدي لذعر أخلاقي عام.
إن كنت ما تزال تهدر وقتك في محاولة فهم "ميتافيرس" أو التشفير فأنت متخلف عن الاطلاع على الاتجاهات الحديثة. تتوقع "سيكويا كابيتال" (Sequoia Capital)، إحدى رائدات الاستثمار في شارع ساند هيل رود بوادي السيليكون، أن يكتب الكمبيوتر بشكل أفضل من البشر العاديين بحلول 2025، أي خلال 3 سنوات فقط. كما تتوقع أن يصبح الكمبيوتر بحلول 2030 بديلاً للكُتّاب المحترفين والفنانين وصانعي ألعاب الفيديو وأن يولّد ذلك مكاسب تبلغ تريليونات الدولارات.
تتزامن تلك الإثارة مع ما يبدو على أنه إنجازات من شركات "أوبن إيه آي" (OpenAI) "غوغل" و"فيسبوك" وغيرها، التي أعلنت أخيراً عن برامج يُمكنها تحويل أوامر نصية إلى قصة قصيرة صحيحة القواعد إلى حد ما أو إلى أو مقطع فيديو مثير.
يُعدّ "دال-إي" (Dall-E) من أبرز برامج "أوبن إيه آي"، الذي أنتج صوراً غربية تعلق بالذاكرة ومنها على سبيل المثال صورة لرائد فضاء يمتطي حصاناً في الفضاء.
تشويه فني
أتردد بالقول إن القصص المكتوبة بواسطة الذكاء الاصطناعي مُقنعة أو إن الفن جيد، لأن كليهما خطأ، فأي نص أطول من جملة من نتاج الذكاء الاصطناعي يظهر غير متسق أو مترابط. عندما حاول زملائي بقسم الفنون في بلومبرغ بيزنس ويك استخدام برنامج "دال-إي" لتصميم رسوم توضيحية لمقال يتناول آفاق استخدام رسامين محترفين له في أعمالهم، أنتج وجوهاً وأذرعاً مشوّهة وصور مديرين تنفيذيين كما لو أنهم يستخدمون مكياج فناني الأداء الصامت، ما يؤكد أن الاستخدام المهني المتخصص على نطاق واسع قد يكون بعيداً جداً.
تميل وسائل الإعلام رغم ذلك للتركيز على افتراض أن تلك الأدوات المحدودة للغاية ربما تصبح جيدة في القريب العاجل وتهدد باستبعاد أغلب المبدعين المحترفين من العمل. عندما فاز فنان ذكاء اصطناعي بجائزة الشريط الأزرق، التي ترمز إلى مستوى جودة مرتفعة بمعرض ولاية كولورادو ضمن فئة الأعمال الفنية المصممة أو المعالجة رقمياً، تناولت صحيفة "نيويورك تايمز" الإنجاز كأنه لحظة فاصلة ونقلك اقتباسات مذعورة، مثل الإشارة إلى ذلك الإنجاز المتواضع على أنه "نهاية صنعة الفن". كذلك أطلق موقع "ذا فيرج" (The Verge) تحذيرات مشابهة تتعلق ببرنامج آخر هو "ستابليتي دفيوجن" (stability diffusion)، وهو أداة لتحويل الأوامر النصية إلى فن، بينما لم يركز على بعض أوجه القصور الواضحة. وصف الموقع المواد الإباحية التي صُمّمت بواسطة تطبيق الذكاء الاصطناعي قائلاً: "عارضات عاريات لديهن أطراف إضافية تمكّنهن من اتخاذ وضعيات مستحيلة واقعياً"، لكنه أكد للقراء أن ذلك لن يقلل من فعاليته لأنه "قريباً ستتحسن جودة ذلك المنتج بالتأكيد وسيأتي مع ذلك تساؤلات بشأن أخلاقية إنتاج مواد إباحية باستخدام الذكاء الاصطناعي".
أياً كانت الافتراضات يبقى طرح أن الذكاء الاصطناعي سيتمكّن من حل لغز الرغبة الجنسية عند البشر مستقبلاً بعيداً إلى حد كبير. بغض النظر عن ذلك، نجد أن هناك تفاوتاً في اعتقاد أوساط التقنية بشأن إمكانية تسبب تطور الذكاء الاصطناعي الإبداعي بأزمة أخلاقية.
التحقق من قدراتها
كتب كيفين روز، كاتب المقال في صحيفة نيويورك تايمز: "نحتاج لأن نناقش إلى أي مدى يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون جيداً"، ويبدو مفهوماً الاندفاع لمناقشة أخلاقيات تقنية جديدة وغير واضحة طوّرتها كبرى الشركات عالمياً من بينها في بعض الأحيان شركات سبق أن واجهت مشاكل أخلاقية. هناك سجل حافل لشركات وادي السليكون بشأن تجاهل نتائج خوارزميات برمجياتها والتعامل مع المشكلات الأخلاقية بعد فوات الأوان، كما أن هناك مشكلات واضحة في منتجات تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الوقت الحالي حيث تميل إلى تضخيم التمييز القائم كما قد تستخدم أعمالاً فنية تخضع لحقوق ملكية فكرية خاصة بالطبع والنشر لتجربة خوارزمياتها دون دفع تعويض للفنانين.
إلى جانب السؤال الذي طرحه روز "هل الذكاء الاصطناعي خطير؟"، يتعين علينا مناقشة طرحه: ما مدى كفاءة أنظمة الذكاء الاصطناعي تلك؟ ما الذي تُجيد تقديمه؟
في اليوم الذي كشفت فيه "أوبين إيه أي" عن أحدث إصدار لبرنامج "دال-إي"، الذي صمّم صورة رائد فضاء يمتطي حصاناً، ألمح رئيس الشركة التنفيذي سام ألتمان أن خطوة البرنامج تلك مقدمة لبلوغه هدفه النهائي وهو الذكاء الاصطناعي العام، أي أن يكون لدى أجهزة الكمبيوتر قدرة أساسية تمكّنها من التفكير ذاتياً بشكل يمكّنها من القيام بأغلب المهام التي يقوم بها البشر. كما كتب في تغريدة عبر تويتر: "سيكون الذكاء الاصطناعي العام جامحاً".
يعني ذلك ضمنياً أن "دال-إي2" تُجسّد تطوراً في الإدراك وخطوة مهمة في مسار الوصول إلى كمبيوتر مُفكّر.
إدراك محدود
شكّك بعض خبراء الذكاء الاصطناعي بالمصطلح ورأوا أن ما يقدّمه "دال-إي" هو تقدّم وهمي وليس حقيقياً، فقد قال غاري ماركوس، رائد الأعمال وأستاذ متقاعد من جامعة نيويورك يكتب النشرة الإخبارية (Substack) المعنية بقيود الذكاء الاصطناعي: "يعتقد الناس أنها تفهم لغة البشر، لكنها في الواقع تقوم بجانب بدائي من حيث استخدامها للغة".
قال ماركوس، الذي شارك مؤخراً بكتابة ورقة بحثية تناولت تعثّر "دال-إي" لفهم قواعد اللغة الأساسية، إنه رغم رسم "دال-إي" والأنظمة المشابهة أحياناً صورة صحيحة بشكل أو آخر، لكن لا يبدو أنها تفهم العلاقات بين الكلمات، وقد يتسبب ذلك النقص في حدوث كافة أنواع التشويش. على سبيل المثال، عندما تطلب رسم قطة وأرنب يُصمّم حيوانين هجينين من أرنب وقطة، أو عندما تطلب أن يرسم سمك السلمون في النهر تجده يصوّر شرائح سمك سلمون بدل الأسماك الحية. علّق ماركوس قائلاً: "الأمر يبدو وكأنك تتحدث لشخص يتعلم لغة ثانية، وقد يفهم بعض الكلمات لكنه لا يدرك كيف تترابط معاً".
لا يعني ذلك أن ما يقدّمه الذكاء الاصطناعي الإبداعي من خدمات ليست موضع استحسان خاصة حين يستخدمه أناس ذوو مهارة في صياغة الأوامر بطريقة تُمكّن الذكاء الاصطناعي من الاستجابة لها. لكن تلك الخدمات الجديدة لا تعني بالضرورة تزايد احتمال استيلاء الذكاء الاصطناعي على مزيد من الأدوار.
ربما يقدّم "دال-إي" نمطاً جديداً من الذكاء يُمهد الطريق لتطوير المساعد الآلي من الروبوتات وعالم ما بعد العمالة اليدوية البشرية. من ناحية أخرى، يبدو أن "دال-إي" أشبه بإصدار لجيل جديد من برنامج تعديل الصور الأروج "فوتوشوب".
قال ماركوس: "تصميم الصور أمر مذهل. إن كانت مهمتك تصميم مخزون من الصور من أجل عرض تقديمي باستخدام برنامج باور بوينت فهو خارق في ذلك. لكن إن كنت تسعى لوضع تلك التقنية في روبوت ستكون النتيجة مجرد عرض توضيحي".
استبدال السائقين
بدا اقتناع المستقبليين منذ عقد بأن السيارات ذاتية القيادة جيدة وتضاهي البشر مهارة في أغلب الظروف، وأوهموا أنفسهم وكذلك الصحافة بانتهاء وفيات الحوادث المرورية وتخيلوا أماكن مثالية يمكن لقاطنيها النوم أثناء تنقلهم بين الضواحي، لكن نتائج تلك التنبؤات حملت عواقب وخيمة، حيث اندفعت الشركات إلى استثمار نحو 100 مليار دولار في ذلك المجال وتبع ذلك مناقشات لساعات لا تُحصى بين صانعي السياسات والمستقبليين حول الفروق الدقيقة بشأن أخلاقيات السيارات ذاتية القيادة واحتمال حدوث بطالة جماعية نتيجة استبدال البشر بالروبوتات. اتجهت الصناعة لتشجيع ذلك النوع من المناقشات الأخلاقية، لأنها تُبنى على فرضية أن التقنية بدأت تعمل بالفعل.
تبدو الفكرة أقل وضوحاً اليوم. رغم التقدم الذي أحرزته القيادة الذاتية للسيارات وتوافر أنظمة متقدمة لمساعدة السائق على نطاق واسع، ما يزيد من معايير السلامة في مواقف معينة، لم تظهر سيارات الأجرة ذاتية القيادة التي طال انتظارها حتى الآن. أحد أسباب المشكلة، كما عرضت رأيي في قصة غلاف بزنس ويك في وقت سابق من الشهر الجاري بأن الصناعة صدقت عروضها التوضيحية. حين ترى سيارة ذاتية القيادة تتحرك على طريق أحادي المسار تفترض خطأً قدرتها على الحركة على أي طريق. أو بمثال آخر، عندما تدرّب برنامج محادثة آلية يعمل بالذكاء الاصطناعي على التصرف مثل الإنسان ثم تخطئ بتمييز إجابته على سؤال "هل أنت مدرك؟" على أنها حال إدراك فعلي.
يبدو أن داعمي الذكاء الاصطناعي الإبداعي يعيدون حالياً ارتكاب نفس الخطأ، وذلك لا يعني انعدام أهمية خدمات الذكاء الاصطناعي الجديدة، لكن الأمر يشبه الجيل الحالي من السيارات "ذاتية القيادة" فربما ما يزالون بحاجة لفنانين من البشر لقيادتها.