بلومبرغ
أمضى أصحاب رأس المال الجريء أعواماً يشترون حصصاً في شركات تقنية ناشئة تستنزف المال بشراهة، وقد قُدّرت قيمة أكثر من 1000 منها عند ما لا يقل عن مليار دولار للواحدة رغم أن كثيراً منها لم يجنِ أي ربح بعد. أضعف انهيار أسعار أسهم شركات التقنية الراسخة آفاق الشركات الناشئة الساعية لطروحات عامة أولية، فكبح المستثمرون المغامرون استثمارهم وتكبّدت الشركات الناشئة ديوناً متزايدة.
ما يزال الدين شريحة صغيرة من إجمالي تمويل المشاريع، لكن حصته في السوق تزداد. ارتفعت الديون الاستثمارية بشدة خلال أعوام عديدة مضت مع انخفاض أسعار الفائدة، حسب بيانات شركة "بيتش بوك داتا" (PitchBook Data)، حيث بلغ حجم الديون في الولايات المتحدة 17.1 مليار دولار في الأشهر الستة الأولى من 2022، بزيادة 7.5% عن نفس الفترة من 2021. فيما انخفض تمويل رأس المال الجريء 8% خلال نفس الفترة إلى 147.7 مليار دولار.
بينما كانت الشركات الناشئة تتسم بحماس كبير خلال نحو عقد، فإن المنافسة بين أصحاب رأس المال الجريء قادت المستثمرين لمنح الشركات الناشئة صفقات بمبالغ أكبر وشروط متزايدة السخاء، فجعل هذا الشركات الناشئة سريعة النمو أقل تقبلاً لعروض مقرضين مثل شركة "هيركليس كابيتال" (Hercules Capital)، كما قال سكوت بلوستاين، رئيسها التنفيذي.
أضاف قوله: "تعاود هذه الشركات الاتصال الآن... فهذه الشركات لن تحادثنا إن كانت السوق خضراء وفي ارتفاع وظروفه إيجابية". تعهدت "هيركليس كابيتال" بإقراض 1.66 مليار دولار في النصف الأول من 2022، بزيادة 70% عن نفس الفترة من سابقه.
دون تفريط
تُغير الشركات الناشئة حساباتها بحين يصعب الحصول على تقييمات عالية. جمعت شركة "فراكتوري" (Fractory)، وهي شركة مقرها إستونيا تقدم تصنيعاً حسب الطلب، نحو 7.5 مليون يورو (حوالي 9 ملايين دولار آنذاك) من جولة ترويجية للأسهم في الخريف. كما جمعت ما يصل إلى 4 ملايين يورو إضافية اقتراضاً من شركة "كريوس كابيتال" (Kreos Capital) هذا الصيف.
قال مارتن فاريس، رئيس "فراكتوري" التنفيذي إن الخطة تدور حول استخدام الأموال للنمو، ما يسمح لها بجمع الأموال بتقييم أعلى خلال جولة الأسهم التالية. تابع: "عندما تضع خططك وتدرك إمكانية تحقيقها، وكل ما تحتاج هو قليل من النقد الإضافي، فإن ديون المشروع بالنسبة لمؤسس الشركة أو بالنسبة لها ستكون أرخص، فأنت لا تتخلى عن جزء من شركتك".
شركات رأس المال الجريء الأميركية تجمع 74 مليار دولار في 3 أشهر
تتوسع الشركات المالية الكبرى في الإقراض المغامر استجابةً للتغييرات التي تطرأ على السوق. تتوقع شركة "بلاكستون" إقراض شركات نامية ما يصل إلى 2 مليار دولار خلال الأعوام القليلة المقبلة، وفقاً لشخص مطلع على خطط الشركة طلب عدم ذكر اسمه لأنه غير مخول بالتحدث علناً عن الأمر.
تسعى شركة "كيه كيه آر آند كو" (.KKR & Co) لتوسيع نطاق إقراضها للشركات الناشئة التي يدعمها رأس المال الجريء إما عبر تعيين فريق أو شراء فريق واحد بشكل مباشر، حسب شخص مطلع على خططها طلب عدم ذكر اسمه نظراً لسرية المناقشات. كان السبق لموقع الأخبار التقني "ذا إنفورميشن" في خبره عن خطط شركة "كيه كيه آر آند كو".
قال جوناثان لافين، الشريك الإداري المشارك في "باين كابيتال" (Bain Capital)، التي تزيد أيضاً من أعمال ديونها للاستثمار المغامر، لـ"بلومبرغ نيوز" في بداية هذا العام، إن شركته رأت فرصة للإقراض لأن الشركات الاستثمارية ترغب بتجنب المشاركة في ما يُسمّى جولات تمويل رأس المال الجريء، التي تقدّر قيمة الشركة الناشئة عند مستوى أقل من الجولات السابقة.
تبعات الاقتراض
تأتي الديون مع تكاليف ومخاطر، فغالباً ما تفشل الشركات الناشئة وتترك المستثمرين في مأزق. على عكس الاستثمار في الأسهم، تمتثل الديون عموماً لشروط إجراء مدفوعات منتظمة، وقد لامت شركات ناشئة كانت جذابة ذات يوم، مثل موقع الأخبار التقنية "غيغاوم" (GigaOm) وصانع وحدات التحكم في الألعاب "أويا" (Ouya)، الديون باعتبارها مسبباً رئيسياً لإخفاقاتها.
قال مستثمر في إحدى شركات الاستثمار الجريء الكبرى بوادي السيليكون إن عديداً من الشركات في محفظته تستكشف قروضاً جديدة، رغم تحذيراته بشأن ارتفاع أسعار الفائدة ومخاطر أخرى. أوضح المستثمر، الذي رفض التحدث علناً لعدم رغبته بالتعريف عن شركاته: "لم أر قط قروض استثمار مغامر تنقذ شركة...، لكنني رأيتها تقوّضها".
الشركات الناشئة تعتمد على الأموال الخاصة مع تلاشي جاذبية الأسواق
يتجنّب المستثمرون المخاطرة عند إقراض المال أكثر من تجنبها لدى المشاركة في رأس مال شركات ناشئة. قال روس ألغرين، الشريك في "كريوس كابيتال" (Kreos Capital)، أحد أكبر مزودي ديون المشاريع في أوروبا، أن هناك طرقاً آمنة للعمل. شرح قائلاً: "نميل للتركيز على شركات عالية النمو ذات اقتصاديات صحية وحيث يمكننا التوسع بمرور الوقت، لذلك فإن الانطباع بأن هذا العمل ينطوي على مخاطر عالية مبالغ فيه، إذ يُعدّ متوسط التعافي من الشركات المتعثرة أعلى بكثير مما كان متوقعاً في محفظتنا".
قد تساعد الديون في أفضل السيناريوهات باستقرار الشركات الواعدة التي تسعى جاهدة للعثور على تمويل للمشاريع. كانت "ون لوغين" (OneLogin)، وهي شركة ناشئة لإدارة شؤون الهويات الإلكترونية، تسعى لكسب عملاء بعد خرق أمني كبير، لكن داعمي الشركة لم يكونوا مهتمين بإنقاذها في 2017، رغم أن سوق رأس المال الاستثماري كان ساخناً.
"السعودية للاستثمار الجريء" تضخ 16 مليون دولار بصندوق PFG
لم يكن لدى الشركة مال يكفي لأكثر من خمسة أشهر فقط حين انضم براد بروكس إلى فريق العمل كرئيس تنفيذي في ذلك العام. قرر بروكس الحصول على قرض بقيمة 26 مليون دولار في صفقة قال إنها تطلّبت من "وان لوغين" بلوغ مستويات أداء محددة فيما يتعلق بالإيرادات السنوية المتكررة والرصيد النقدي، ما أدى لمحادثات أكثر "منطقية" على مستوى مجلس الإدارة. أوضح أن "الدين هو اليد البالغة الخفية في الغرفة التي تفرض محادثات أصعب". استعادت "وان لوغين" مكانتها واستحوذت عليها في النهاية شركة تابعة لـ"كويست سوفت وير" (Quest Software) مقابل 500 مليون دولار تقريباً.
ربما يفرض التباطؤ الاقتصادي لهذا العام الضوابط نفسها على مجموعة واسعة من الشركات الناشئة، لكن بعض المستثمرين قلقون من أن سوق الديون المتنامية للشركات الناشئة يسمح لهم بمواصلة التقدم وفقاً للنهج الحالي.
قال مارك بوفينغتون، الشريك الإداري لشركة "بانوراميك فينتشرز" (Panoramic Ventures)، وهي شركة رأس مال استثماري مغامر مقرها أتلانتا: "أحد الأشياء التي يجب أن نكون مدركين لها تماماً هو ما إذا كان بعض المؤسسين يجمعون أموالاً كثيرة إضافة إلى ما نقدّمه بدلاً من إعادة تقويم مسارهم، فهم لا يضبطون الأعمال، بل يؤجّلون القرارات التي تشتد الحاجة إليها إلى المستقبل".