لم تدم آخر سوق هابطة طويلاً.. لكن يختلف الحال هذه المرة

يصعب تحديد نهاية هذا التصحيح لأن المستثمرين ما عادوا يشترون تلقائياً حين تراجع الأسعار

time reading iconدقائق القراءة - 7
رئيس مجلس الإحتياطي الفيدرالي جيروم باول في صورة تعبيرية عن هبوط الأسواق - المصدر: بلومبرغ
رئيس مجلس الإحتياطي الفيدرالي جيروم باول في صورة تعبيرية عن هبوط الأسواق - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

آن أوان الإبحار فيما يسميه المتعاملون "بحر اللون الأحمر"، وهو اللون الدال على تراجع أسعار الأصول على شاشاتهم وهو السائد حيثما نظروا.

هبط مؤشر "ستاندرد أند بورز 500 "بما يفوق 20% من أعلى مستوياته في 3 يناير الماضي، وتراجع مؤشر "ناسداك 100" 30% مقارنة مع ذروته في نوفمبر. كما خسرت عملة "بتكوين" ثلثي قيمتها منذ دانت قيمتها 70 ألف دولار تقريباً قبل 7 أشهر. بلغ الأمر حداً جعل حتى المستثمرين المحافظين، الذين يملكون خليطاً متزناً ينقسم إلى 60% على شكل أسهم و40% من السندات، يخسرون نحو 17% هذا العام. كذلك تسببت سندات الحكومة الأمريكية، التي طالما كانت ملاذاً أكثر أمناً، بخسائر للمستثمرين بلغت 12% خلال 2022، حسب مؤشر بلومبرغ لسندات الخزانة الأميركية الذي سجل أسوأ أعوامه على الإطلاق.

كيف أخطأ مسؤولو "وول ستريت والفيدرالي" في تقدير أسواق الأسهم والسندات؟

أسدوا لأنفسكم صنيعاً بألّا توازنوا هذه العائدات ذهنياً وفقاً للتضخم، فهو الشيء الوحيد المرتفع فقد زاد مؤشر أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة 8.6% عمّا كان عليه قبل سنة.

لقد وصلنا لهذا المستوى من قبل منذ وقت غير بعيد، حين تسببت أزمة وباء كوفيد -19 بتراجع الأسهم بأزيد من 30% خلال 2020. لكن سرعان ما انتهت تلك الدورة بمجرد أن وجد المستثمرون أن صناع السياسة النقدية لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي والكونغرس الأميركيين يقفون إلى جانبهم، وأنه يمكنهم مواصلة الرهان على شروط ائتمانية ميسرة ونمو أكبر. وصل مؤشر "ستاندرد أند بورز 500" ذروته في 19 فبراير الماضي من تلك السنة وسجل أدنى مستوى له عقب شهر تقريباً في 23 مارس، ثم استعاد المؤشر مستوياته القياسية بحلول منتصف أغسطس.

مقاربة جديدة

تبدو هذه المرة مختلفة إذ تنتقل الأصول إلى اللون الأحمر لأن المتعاملين تخلوا عن كثير من الأفكار والعادات التي تبنوها طيلة سنين، ويصعب تحديد نهاية هذا التصحيح لسبب واحد وهو أن المستثمرين ما عادوا يتجاوبون تلقائياً عبر الشراء لدى التراجع، وهو ما تعلموه خلال العقد الذي تلى الأزمة المالية العالمية في 2008، الذي لم يدم خلاله أي انكماش لفترة طويلة جداً أو بلغ عمقاً شديداً حتى إبان الوباء. لكن مضى على هذا التراجع ما يفوق 5 شهور.

يلين: ارتفاع التضخم مستمرّ لنهاية العام.. والركود غير حتميّ

جدد المتعاملون نظرتهم لمجلس الاحتياطي الفيدرالي بشدة، فطالما كانوا يثقون أن البنك المركزي سيتدخل لإنقاذهم على الدوام عبر تخفيض الفائدة أو التخلي عن خطط زيادتها لدى هبوط الأسهم كثيراً. هذا لا يحصل حالياً إذ يبدو رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول مُصراً على مواصلة رفع الفائدة، وفي 15 يونيو أعلن زيادة سعر الفائدة بمقدار ثلاثة أرباع نقطة أساس. كما بدل البنك المركزي رأيه حيال بعض الأمور. تفاجأ صناع السياسة النقدية بصعود متواصل في الأسعار بعدما سعوا لأعوام لزيادة التضخم إلى 2% ثم اعتبروا أن صعوده العام الماضي كان "عابراً"، ثم أعطوا إشارات بأنهم سيتصدون لذلك بعجالة أكبر.

يسفر صعود الفائدة عن تراجع أسعار السندات، لكن المسألة المخيفة فعلاً لمستثمري الأسهم هي فكرة أن باول، الذي كان يُصنف منذ مدة طويلة على أنه معتدل في التعامل مع التضخم، ربما يكون في الواقع على استعداد لتبني نموذج رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي السابق بول فولكر، الذي واصل في تصديه لمعدلات تضخم أسوأ في نهاية سبعينيات وأوائل ثمانينيات القرن الماضي زيادة الفائدة حتى تسبب بركود اقتصادي. فيما يطمح كثيرون في وول ستريت بأن باول سيخطط لهبوط أسلس، لا يوجد شخص متأكد أنه يمكنه ذلك.

أسهم التقنية

ما تزال هنالك بضعة أمور لم يتغير رأي وول ستريت حيالها كليةً، حتى الآن على الأقل. لا يبدو أن مديري الصناديق نشطة الإدارة ينفصلون عن قطاع التقنية والشركات الأخرى ذات معدلات النمو العالية المنتظرة، بصرف النظر عن مدى تراجع أداء تلك الأسهم هذا العام. استمرت الصناديق نشطة الإدارة بالتحيز لصالح غالبية أسهم النمو والتقنية في مؤشر "ستاندرد أند بورز 500"، حسب خبيرة استراتيجيات الأسهم والتحليل الكمي لدى مصرف "بنك أوف أميركا"، سافيتا سوبرامانيان، التي كتبت في مذكرة للعملاء: "يصعب سلوكياً ترك القطاع الذي حقق لنا أكبر قدر من المال في الدورة الماضية، خاصة عندما يكون متخلفاً بوضوح". قد يقدم هذا التأثير قدراً من الدعم لتلك الأسهم، أو قد يعني وجود قناعة واحدة أخرى راسخة يجب أن تسقط ​​قبل أن تبلغ السوق حضيضها.

ما الذي يمكن أن يفعله "الفيدرالي" الحائر بين التضخم الجامح والركود المرتقب؟

بعدما دخل مؤشر "ستاندرد أند بورز 500" سوقاً هابطة حين أغلق منخفضاً بأكثر من 20% عن مستواه القياسي، ينفض المستثمرون الغبار عن كتب التاريخ التي لم تُستخدم منذ أمد طويل. إلى متى قد تدوم هذه السوق الهابطة وكم قد تبلغ الخسائر؟ بمجرد تحول السوق إلى هابطة، تراجع مؤشر "ستاندرد أند بورز 500 " في المتوسط ​​ 14% واحتاج 103 أيام أخرى ليبلغ الحضيض، حسب كريس مورفي، الرئيس المشارك لوحدة استراتيجية المشتقات المالية في مجموعة "سسكويهانا فاينانشال غروب" (Susquehanna Financial Group)، الذي بحث في 12 دورة سابقة منذ 1945. يعني هذا نظرياً أن الأمر قد يكون كذلك حتى أوائل نوفمبر قبل تلاشي هذا البحر من اللون الأحمر في النهاية.

دروس التاريخ

يتعين حتماً مقاربة المقارنات التاريخية بشيء من التشكك، بل بمزيد منه راهناً، مع الأخذ في الحسبان مدى غرابة أساسيات الاقتصاد والسوق في حقبة الوباء. ما تزال العملات المشفرة حديثة العهد للغاية لدرجة أنه من شبه المستحيل تناول قدر كبير من تاريخها، وهي عرضة لمزيد من تقلب الأهواء نتيجةً لقلة ما يدعمها ولحماس مضاربي العملات المشفرة الأخرى. كانت الحالة النمطية للعملات المشفرة منذ وقت غير بعيد هي أنها قد تكون بمثابة أصل تحوطي ضد ارتفاع التضخم أو تراجع أسعار الأصول التقليدية. يبدو الأمر حالياً وكأنه مجرد رهان آخر للمضاربة ينجح حين يكون لدى المستثمرين شهية للمجازفة ويتراجع أكثر، ويتحول إلى الأحمر القاني حين يفتقرون لها.

تصنيفات