بلومبرغ
حين تزور موقع شركة صناعة الأسلحة النارية "دانييل ديفنس" (Daniel Defense) تبادرك رسالة عزاء بضحايا مطلق النار الذي قتل 21 شخصاً منهم 19 طفلاً في مدينة أوفالدي في تكساس. تقول الرسالة "نشعر ببالغ الأسى تجاه الأحداث المأساوية التي جرت في تكساس هذا الأسبوع... بلغنا أن السلاح الذي استُخدم في الهجوم من صنع دانييل ديفيس. سنتعاون مع تحقيقات أجهزة إنفاذ القانون الفدرالية وعلى صعيد الولاية ومحلياً. إن عائلات الضحايا وكلّ مجتمع أوفالدي هم في أفكارنا وصلواتنا".
لكن إذا بلغت أسفل الصفحة ونقرت على أحد خيارات التمويل التي تقدمها، ستجد رسالة مختلفة تماماً تقول: "ادخل لتفوز بـ15 ألف دولار حين تشتري الآن وتدفع لاحقاً مع كريدوفا"، مع شرح حول كيفية المشاركة في اليانصيب بثلاث خطوات سهلة.
تقيم "دانيال ديفنس" شراكة مع شركة التمويل الاستهلاكي "كريدوفا" ومقرّها مدينة بوزمان في مونتانا لتتيح تقسيط شراء الأسلحة النارية والسلع الأخرى المرتبطة بأنشطة الطبيعة، ما يثبت مدى اتساع برامج "اشتر الآن، وادفع لاحقاً" في مجال البيع بالتجزئة. فيما قالت "كريفودا" إنها لم تموّل شراء السلاح الذي استخدمه القاتل في أوفالدي، فقد رفضت "دانييل ديفيس" التعليق.
يذكّر هذا العرض بمدى سهولة اقتناء الأسلحة النارية في معظم الولايات المتحدة. فبعد حادثيْ إطلاق نار جماعيين، واقتراب صدور حكم عن المحكمة العليا من شأنه أن يوسّع بشكل كبير انتشار المسدسات في المدن الأكثر اكتظاظاً في البلاد، اشتعل الجدل مجدداً حول ضبط السلاح في الولايات المتحدة.
تطبيع السلاح
تعمل سوق الأسلحة كغيرها من الأعمال التجارة الاستهلاكية الأخرى، حيث يتضمن عملها تقديم حلول التمويل السريعة. قالت أيمي هاف، أستاذة التسويق المساعدة بجامعة أوريغون: "حين نرى بائعي السلاح بالتجزئة وصانعي السلاح يستخدمون هذه الأنواع نفسها من الاستراتيجيات الترويجية، فإن ذلك يسهم في تطبيع السلاح وتشريعه كمجرد نوع من أنواع المنتجات الاستهلاكية التي يمكن للأشخاص الحصول عليها دون الخضوع لقيود تذكر، فيجعل ذلك الحصول على السلاح أسهل عملياً ورمزياً".
بيّن المتحدث باسم "كريدوفا" أن برامج التمويل "اشتر الآن، وادفع لاحقاً" لا تشكّل إلا جزءاً بسيطاً من مبيعات الأسلحة النارية، مشيراً إلى أن معظم الأسلحة تُشترى عبر بطاقات الائتمان والخصم المصرفية. إن مؤسسة (Everytown for Gun Safetyّ) الداعية لإجراء تحقيق شامل حول خلفية شاري الأسلحة وتطبيق إجراءات السلامة فيما يخصّ السلاح يدعمها مايكل بلومبرغ، مؤسس شركة بلومبرغ أل بي، الشركة الأم لبلومبرغ نيوز ومالك غالبية الأسهم فيها.
تعمل الشركات التي تقدم عروض "اشتر الآن، وادفع لاحقاً" مع بائعي التجزئة لتقدم للمستهلكين، سواء من يرتادون المتاجر أو الذين يشترون الكترونياً، الفرصة لتقسيط ثمن مشترياتهم بدل تسديد كامل المبلغ دفعة واحدة. ازدهرت هذه البرامج في السنوات الماضية بعدما رأى التجار أنها تسهم بتحسين المبيعات، فيما يعتبرها المستهلكون الشباب خياراً أفضل من البطاقات الائتمانية. يقسم عديد من برامج "اشتر الآن، وادفع لاحقاً" المبلغ إلى أربعة أقساط غير خاضعة للفوائد. لكن، استناداً إلى المعلومات الواردة على موقع "دانييل"، تقدم "كريدوفا" نوعاً آخر من التمويل قد يفرض فوائد في حال عدم التسديد خلال ثلاثة أشهر. قال متحدث باسم "كريدوفا" إن الشركة تبحث في إمكانية تقديم خيار الدفع على أربعة أقساط، وقد أعلنت عبر موقعها الإلكتروني أنه "سيأتي قريباً". تقول "كريدوفا" إنها، كما سواها في هذا القطاع، تكسب المال عبر الرسوم التي يدفعها التجار ولا تفرض رسوماً على المستهلكين.
تتجنب الأسلحة
تتجنب بعض كبرى الأسماء الناشطة في برامج "اشتر الآن، وادفع لاحقاً" قطاع الأسلحة. فلا تعمل شركات مثل "أفيرم هولدينغز" (Affirm Holdings) و"أفترباي" (Afterpay) التابعة لـ"بلوك" (Block) وشركة الإقراض السويدية "كلارنا" (Klarna) مع بائعي الأسلحة في الولايات المتحدة. تقول كلّ من "أفيرم" و"أفتيرباي" إن هذا الأمر يخالف سياستها التجارية التي تتفادى أيضاً المفرقعات والأدوات المستخدمة في تعاطي المخدرات والسجائر الالكترونية والتبغ.
مع ذلك، "كريدوفا" ليست وحيدة، فهي أيضاً تعمل مع عدد من بائعي الأسلحة والذخيرة وملحقاتها مثل أغمدة المسدسات غير الظاهرة، حسب الموقع الالكتروني لشركة "سيزل" (Sezzle) في مينابولس. لم تستجب "سيزل" إلى طلب التعليق.
تركز "كريدوفا" على معدات الرياضات الخارجية وتدرج 37 مؤسسة على صفحة تطلق عليها اسم "متاجر صيد" على موقعها. قال كبير مسؤولي إيرادات "كريدوفا" كامرون ديفيس في مقابلة نشرت على يوتيوب في يناير: "ربما نتيجة بعض الآراء السياسية أو أمور أخرى، لا يرغب كثير من منافسينا في القطاعات الأخرى بالعمل بهذا القطاع".
باشرت شركة تصنيع وبيع الأسلحة النارية "سيف سايد تاكتيكال" (SafeSide Tactical) في فيرجينيا العمل مع "كريدوفا" في صيف 2019. قال مالكها بالشراكة ونائب رئيسها ميتشل تايلر: "كان ذلك قبل أن تنتشر برامج اشتر الآن وادفع لاحقاً، كنّا على أعتاب ذلك... هناك مجموعة صغيرة فقط من شركات الدفع والبنوك التي تعمل معنا لأننا شركة مختصة بتصنيع وبيع أسلحة نارية".
قبل "كريدوفا"، لم تستطع الشركة إلا أن تقدم عرضاً لحجز السلاح الذي يختاره العميل لحين سداد ثمنه. قال تايلر إن التحقق من خلفية العميل يتم في مكان شراء السلاح وعليه أن يأتي ليستلمه حتى لو اشتراه عبر الانترنت من خلال "كريدوفا".
الرئيس التنفيذي لـ"كريدوفا" هو داستي وونديرليتش، الذي كان يدير سابقاً شركة قابضة أفلست وكانت تنشط في مجال تأجير أمور متنوعة للمستهلكين، من الكلاب إلى فساتين الأعراس. انخرطت "كريدوفا" هي الأخرى في تمويل الحصول على حيوانات أليفة، ما أدى لخلاف مع الهيئات الناظمة. توصل مكتب المدعي العام في ماساتشوستس لتسوية مع "كريدوفا" وشركة أخرى على خلفية تأجيرهما كلاباً في الولاية، وهو أمر غير قانوني هناك. إلا أن "كريدوفا" لم تعترف بمخالفة أي قوانين.
قال وونديرليتش في مقابلة حول القطاع نشرت على "فيسبوك": "نحن نعتبر أنفسنا شركة تقنية مالية... ما يحاول كثير من شركات التقنية المالية القيام به هو جعل تجربة العميل أسهل".