عالم الشركات الناشئة يصطدم بواقع الانكماش القادم

time reading iconدقائق القراءة - 14
صورة تعبيرية عن واقع تراجع الشركات الناشئة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة - المصدر: بلومبرغ
صورة تعبيرية عن واقع تراجع الشركات الناشئة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

أمضى بلال زبيري، الشريك في شركة الرأسمال الجريء "لوكس كابيتال" الأسابيع القليلة الماضية وهو يوجّه رسالة مزعجة إلى أصحاب الشركات الناشئة التي استثمر بها. داعياً إياهم إلى خفض التكاليف، وهو أمر يعني الاستغناء عن موظفين. يقول زبيري: "العالم ينهار، وعلينا أن نتصرف وفقاً لذلك".

على عكس زبيري البالغ من العمر 46 عاماً، معظم الأشخاص الذين يوجّه لهم هذه الرسالة لم يسبق لهم أن عايشوا أي انكماش في قطاع التكنولوجيا. فحين أبلغ الرئيس التنفيذي لشركة تضمّ مئات الموظفين، بأن قيمتها لم تعد تتجاوز المليار دولار كما كانت في آخر جولة تمويل أجرتها، يقول زبيري إن ردّة فعل المؤسس اعتراها "الاضطراب والخوف والإنكار". فكان الرئيس التنفيذي قد سمع سابقاً توقعات في السنوات الماضية بأننا مقدمون على أوقات صعبة، إلا أن الأمور لم تصل قطّ إلى هذا الحدّ من السوء. ورفض زبيري الإفصاح عن اسم المؤسس أو اسم الشركة، لأن المحادثة كانت خاصة.

أيام الصعود

على مرّ عقد كانت السوق فيه نشطة بشكل مذهل، مدفوعة بصعود قطاع التكنولوجيا، وردت تحذيرات بشكل دائم بأن الزمن الجميل يشارف على النهاية. ففي مقال تم تداوله بشكل واسع خلال العامين الماضيين تحت عنوان "فيروس كورونا: البجعة السوداء لعام 2020"، نبهت شركة رأسمال الجريء "سيكويا كابيتال" (Sequoia Capital) الشركات الناشئة إلى ضرورة مراجعة كلّ جانب من جوانب أعمالها، بما فيه مستوى التوظيف، وما إذا كان يتوفر لديها رأسمال مستدام. وقالت ناصحة: "لا أحد يندم قط على القيام بتعديلات سريعة وحازمة للتأقلم مع الظروف المتغيرة".

مع ذلك، بعد حالة الذعر الأولية التي سادت خلال ذلك الربيع في 2020، عادت العديد من الشركات التكنولوجية وازدهرت في فترة الوباء، حيث كان الأثر الإيجابي لانخفاض أسعار الفائدة وارتفاع أسعار الأسهم وتغير السلوكيات الاستهلاكية أكبر من كلّ الاضطرابات الناجمة عن الوباء. ويرى زبيري أن ذلك الإنذار الخاطئ جعل من الأصعب على مؤسسي الشركات الناشئة تقبّل خطر المرحلة في الربيع الحالي.

بدايات الانكماش

إلا أن الواقع بدأ بالتجلّى الآن. فتراجع أسواق الأسهم في بداية مايو، تضاف إليه الأزمة المستمرة الناجمة عن الحرب في أوكرانيا والتضخم في البلاد مع دخول الوباء عامه الثالث، بدأ يؤثر على الشركات الناشئة المتقدمة، ويُرجح أن يمتد ذلك إلى الشركات الأصغر في الأشهر المقبلة.

المستثمرون الذين أمضوا مسيرتهم المهنية في تعزيز تسريع طبيعة التكنولوجيا القادرة على إحداث التغييرات الكبرى لم يفقدوا الإيمان في قدرتهم على إعادة تشكيل كلّ ركن من أركان الاقتصاد العالمي. إلا أن للنظام المالي رأيه أيضاً. يقول زبيري: "لا تموت الشركات لأن منتجها لا يعمل، بل تنتهي لأن أموالها نفذت". بعد التعنّت في بداية الأمر، بدأ مؤسس الشركة الناشئة الذي شكك بنصيحة زبيري يحضّر لخفض التكاليف بنسبة تتراوح بين 20 و30%، حيث سيستغني عن بعض الوظائف، ثمّ يقوم بجولة تمويل جديدة، ولكن بتقييم أقل من القيمة السابقة لشركته.

أهلاً بكم في الانكماش الاقتصادي لعام 2022، حيث الطريق من شركة ناشئة إلى قوة تقدّر بمليارات الدولار لم يعد فجأة بنفس الوضوح الذي كان عليه من قبل. في هذا الربع من العام، يتوقع أن يكون عدد الشركات المطروحة للاكتتاب العام هو الأدنى منذ عام 2016، بحسب الشركة البحثية "سي بي إنسايت" (CB Insights). حيث خسرت الشركات المدعومة برأس المال الجريء والتي طرحت أسهمها للاكتتاب العام خلال العامين الماضيين، نحو نصف قيمتها هذا العام، بحسب الباحثين في شركة "بيتشبوك داتا" (PitchBook Data). وخفّض المساهمون في بعض شركات التكنولوجيا الخاصة الناجحة مثل "سترايب" (Stripe) و"إنستاكارت" (Instacart) قيمة أصولهم بأضعاف مضاعفة في بعض الحالات.

معنويات متراجعة

على الصعيد العالمي، تباطأ التمويل، مع انخفاض عدد جولات التمويل الضخمة (البالغة 100 مليون دولار أو أكثر) وتراجع إجمالي المبلغ الذي تم جمعه في الربع الأول من العالم، للمرّة الأولى منذ حوالي عامين. وغرّد المؤسس الشريك لشركة "باي بال" ديفيد ساكس الذي يشغل حالياً منصب شريك في الشركة الاستثمارية "كرافت فنتشورز" (Craft Ventures) قائلاً إن "مشاعر المستثمرين في وادي السليكون هي الأكثر سلبية منذ فقاعة الانترنت".

من جهتها، دعت نينا أشادجيان، الشريكة في شركة "إندكس فنتشورز" (Index Ventures) الشركات الناشئة إلى التأقلم على الفور مع الواقع الجديد. وقالت: "في العام الماضي، لم يكن أحد بحاجة إلى خطة احتياطية، كان الهدف النموّ بأي ثمن وكان من السهل تأمين رأس المال". وتوصي شركتها المؤسسين بالانتقال للتركيز على التشغيل بشكل مستدام، حتى لو أدى ذلك إلى إبطاء النموّ، وعلى عدم الإفراط في التوظيف والتأكد بأن لديها ما يكفي من الأموال للعمل لمدة 18 إلى 24 شهراً.

لم يبدأ هذا التحول في السوق يأخذ مفعوله إلا مؤخراً. فنسبة 5% فقط من الاستثمارات التي أنجزت في الربع الذي انتهى في مارس كانت عبارة عن جولات تمويل متناقصة، ما يعني أن الشركات قبلت بتقييم أقل من جولات التمويل السابقة، بحسب كايل ستانفورد، المحلل في "بيتشبوك". الذي يقول إن تقييمات الشركات قابل للارتفاع، إلا أن ذلك سوف يليه ارتفاعاً بـ"صفحات الشروط الصعبة"، أي الصفقات التي تحتفظ بموجبها الشركات الناشئة بتقييمها المرتفع، فيما تقبل بشروط تحمي المستثمرين على حساب المساهمين الآخرين في حال تدهور الأوضاع.

الجانب المضيء

من جهة أخرى، بدأ الرأسماليون الجريئون، المتفائلون بطبيعتهم، يتحدثون عن الجوانب المضيئة. يقول فينود كوسلا، من شركة "كوسلا فنتشورز" (Khosla Ventures) إنه حين تخفّض الشركات العامة الكبرى إنفاقها، أول ما تتوقف العمل عليه هي الأفكار الإبداعية التي تستغرق سنوات لتعطي مردوداً مالياً. وهذا يمنح الفرصة لمؤسسين جدد وشركات ناشئة جديدة، بالوقت نفسه تسهم ظروف السوق في جعل الاستثمار في الشركات الناشئة أقل تكلفة. ويضيف: "يصبح التقييم أكثر منطقية، وبإمكاننا تحمل تكلفة المخاطرة".

يوجد الكثير من الأموال المتوفرة. فبحسب "بتشبوك"، كان لدى الرأسماليين الجريئين في الولايات المتحدة أكثر من 230 مليار دولار لاستثمارها حتى منتصف مايو. فقد تمكنت أكثر من ألف شركة من جمع التمويل من مستثمرين رئيسيين، ومن "الاستثمار الملائكي" خلال الربع الأول من العام الذي انتهى في مارس، ما رفع القيمة الإجمالية لصفقات المرحلة الابتدائية إلى أعلى مستوى لها في خلال عقد على الأقل.

تعليقاً على ذلك، قال كاران كوندرا، البالغ من العمر 25 عاماً ومؤسس شركة ناشئة من أربعة أشخاص متخصصة بالصحة إن "السوق غير مهمة بالنسبة للشركات في المرحلة الابتدائية التي تمتلك مؤسسين وفرقاً قوية". وأشار إلى أنه يتواصل مع المستثمرين منذ بداية مايو من أجل جمع نحو مليونيّ دولار، وقد تمكن بالفعل من الحصول على أكثر من عشرة عروض.

خسارة الوظائف

يمكن لهذه التغييرات في السوق أن تكون في نهاية المطاف لصالح المستثمرين والمؤسسين القادرين على التحلي بالصبر، ولكن هذا لا يعني الكثير بالنسبة لآلاف العاملين في مجال التكنولوجيا الذين فقدوا وظائفهم مؤخراً. فقد استغنت شركة تشغيل "مطاعم المطابخ" القائمة على خدمة التوصيل، "ريف تكنولوجي" (Reef Technology) وشركة توصيل البقالة "أفو" (Avo) وشركة الذكاء الصناعي "داتا روبوت" (DataRobot) عن أكثر من 7 آلاف و500 وظيفة حول العالم بين الأول من أبريل و16 مايو، بحسب متعقب التوظيف (Layoffs.fyi). كما أن الشركات العامة خفّضت أعداد موظفيها وقامت بتجميد التوظيف أو الاثنين معاً.

يشعر كثيرون بالصدمة إزاء زوال وظائفهم التي كانوا يعتقدون أنها مستقرّة في قطاع مزدهر. ميشال كنيبل، مُدربّة إنقاص الوزن لصالح الشركة الناشئة "نوم" (Noom) كانت تتحدث مع زملائها عبر تطبيق "سلاك" في أحد الأيام في نهاية مارس فيما ينتظرون المشاركة في اجتماع فيديو. راحت تراقب مندهشة أسماء زملائها وتعليقاتهم تختفي عن الشاشة. بعد دقائق، تم إبلاغها في اجتماع خاص أنها فقدت وظيفتها. ورفض متحدث باسم الشركة التعليق على ذلك.

خلال بضعة أسابيع، سرحت "نوم" 495 موظفاً. وكان وقع الصدمة قوياً على كنيبل التي تقول إنها كانت من أفضل العاملين خلال السنوات الثلاث التي أمضتها في الشركة، وكانت تحصل دائماً على الزيادة السنوية الأعلى في الراتب. وهي تعلم أن الشركة تمكنت من جمع 450 مليون دولار في العام الماضي، وحسّنت حوافز الموظفين وخفضت الخصومات على التأمين الصحي وزادت عطلة الأمومة والأبوة. وأعلنت "نوم" في نهاية العام الماضي أنها سترسل لموظفيها قميصاً وقبعة يحملان اسم الشركة للاحتفال بإنجازاتهم. وقالت كنيبل: "لا أفهم هذا التحوّل على الإطلاق، شعرت بالصدمة".

بعد بضعة أيام من فقدانها وظيفتها، تلقت كنيبل طرداً بالبريد يحتوي على هدية العيد المتأخرة من الشركة التي كانت تعمل بها. وقد أرفقت برسالة تعترف بالتأخير ولكنها لم تشر إلى مسألة الصرف الجماعي. وفي ظلّ الوضع الراهن، بدا أن الرسالة من الشركة تحمل معنى مختلفاً وهو: "لقد وصلت أخيراً".

تصنيفات

قصص قد تهمك