سمك مُعتّق بلا رائحة يدحض تميّز طازج صيد البحر

التعتيق يجعل قوام اللحوم بأنواعها متماسكاً فيما تُكثِّف الإنزيمات نكهتها وتصبح جلودها "مقرمشة"

time reading iconدقائق القراءة - 13
أسماك معتقة ومجففة - المصدر: بلومبرغ
أسماك معتقة ومجففة - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

يُقدِّم مطعم "سَنيز ستيك هاوس" في حي ليتل ريفر في ميامي لمرتاديه أطباقاً مألوفةً كسلطة سيزر وشرحات نيويورك فيما يحتسون المشروبات تحت شجرة تين بنغالي وارفة. لكن اللحوم التقليدية ليست نجم قائمة الطعام، بل هو السمك المُعتَّق، حيث يُعامَل "فيليه" سمك القاروص المُخطط الذي يُشوى بحيث يصبح جلده كرقائق البطاطا معاملة شرحات أضلاع لحم البقر الفاخرة. قال كاري هاينز، وهو كبير طهاة المطعم وشريك فيه: "نعرض الأسماك معلّقةً كما اللحم."

يُعتَبر تجفيف وتعتيق الأسماك لمدة أسبوع تقريباً معاكساً لفطرة أن الطازج منها هو الأجود. لكن التعتيق بات ينتشر بسرعة حول العالم، بما يشمل مطاعمَ معروفةً دولياً مثل "سانت بيتر" في سيدني و"أتيليه كرين" في سان فرانسيسكو، وكذلك في مطاعم الضواحي الرائجة مثل "فودووركس" (FoodWorks) التابع لشركة "جيلبريك بروينغ" (Jailbreak Brewing) في لوريل بولاية ماريلاند.

سواء كانت مادته اللحم أو الدواجن أو الأسماك، فإن فوائد تعتيق اللحوم تتشابه، فحين تتراجع الرطوبة بمرور الوقت، تصبح جلودها قابلة لأن تكون مقرمشة بسهولة وغالباً ما يتماسك قوام اللحوم فيما تُكثِّف الإنزيمات نكهته.

كما يمكن تجنُّب رائحة السمك التي تُخشى، على حد قول جوش نيلاند، رئيس الطهاة ومالك مطعم "سانت بيتر". أوضح نيلاند في كتابه "ذا هول فيش كوك بوك" (The Whole Fish Cookbook) الصادر في 2019، أن الرائحة غير المُستحبّة تنشأ من تحلل أكسيد ثلاثي ميثيل أمين الذي تحويه الأسماك إلى مشتقات الأمونيا.

يتطلّب تجنّب هذا التحلّل معالجة دقيقة منذ خروج الأسماك من المياه مع ضمان خلّوها من الكدمات والدم وتخليصها من الحراشف بعناية. كما يتطلب ذلك تحكّماً دقيقاً بدرجات الحرارة والرطوبة وتدفّق الهواء خلال التعتيق، كما في التعامل مع اللحم.

الخطأ قاتل

يُعدُّ كتاب "ذا هول فيش كوك بوك" المرجع في هذه العملية ومعه الكتاب المُكمِّل له "تيك وان فيش" (Take One Fish) الذي يُقدِّم بعض الإرشادات حول التعتيق والتجفيف أيضاً. يمكن تعتيق وتجفيف اللحم في المنزل باستخدام ثلاجة تقليدية نظرياً، لكن عموماً هذه مهمة يتولاها المتخصصون بشكل أفضل، فلديهم معدات خاصة لتجنب نتائج قد تتراوح بين نكهة مقززة وبين ما قد يُعرِّضك لمرض خطير.

هناك مشوار تعليم حتى بالنسبة للمتخصصين. ليوي لياو، متخصص في المأكولات البحرية المُجفَّفة المُعتَّقة في "جوينت سي فود" (Joint Seafood)، وهو سوق بيع بالتجزئة وبالجملة للأسماك في شيرمان أوكس في كاليفورنيا، ولياو معروف عبر "إنستغرام" باسم "@dry_aged_fish_guy". أصبح دور لياو مركزياً كمعلم حتى أن الطهاة يسعون لمشورته. قال لياو: "عليك أن ترى بعض الصور التي تردني... الصور وحدها تجعلني أقول: آمل ألا تأكل ما أراه فيها. إنه بالتأكيد يدفع على القلق." لذا هو منفتح على مشاركة معرفته "كي يتمكن الطهاة حول العالم من الاستفادة من طريقة التفكير الجديدة هذه".

تمتد مزايا تقديم الأطعمة المُجففة المُعتقة لأكثر من مجرد جودة الطبق، حيث تنعكس على ربحية المطاعم. كانت القدرة على إطالة أمد صلاحية مكوّن سريع الفساد وعالي التكلفة نعمة للشركات التي ما تزال تتعافى من تقلبات الوباء على ارتياد الزبائن للمطاعم والمصاعب المالية المستمرة.

بجوار "سانيز ستيك هاوس" يقع مطعم "إيتامي" الذي يُقدم من موروث الجالية اليابانية في بيرو. يفتح ناندو تشانغ، وهو شيف وشريك في المطعم باباً زجاجياً لثلاجة حجمها 480 لتر للأسماك المُجففة المُعتَّقة ليعرض سمكة واهو بطول متر اصطيدت محلياً وهي تتدلى من خطاف فولاذي بجوار سمكة هاماشي مستوردة من اليابان. أُعِدَّ كلا الصنفين ليُستخدما نيِّئين في طبقي تيراديتو وسيفيتشي الغنيين بالنكهات.

منع الهدر

قبل أن يبدأ تشانغ بالأسماك المُجفَّفة المُعتَّقة، كانت أسماك الواهو تُقطَّع طولياً وتُحفَظ في ثلاجة تقليدية و"تفقد جودتها بشكل كبير" خلال الأيام الأربعة، التي عادة ما يستغرقها استهلاكها بالكامل. أما الآن قال تشانغ: "سنقطع ثلث هذه السمكة، ونستخدمها اليوم، ونترك الباقي مُعلّقاً" بدل الاضطرار للتخلّص من منتج لم يُبَع، بات يعلم أنه سيصبح ألذ في اليوم التالي. أكبر العوائق هما المكان والزمان هما أكبر العوائق التي تواجهه، حيث إن مساحته المحدودة وتبلغ 60 متراً مربعاً تجبره أحياناً أن يُقدِّم الأسماك دون أن تبلغ درجة التعتيق التي ينشدها.

يختلف المقدار الأمثل لتجفيف وتعتيق الأسماك بين نوع وآخر اعتماداً على الحجم والدسامة. قد يكفي في حال الأسماك خالية من الدهون وذات اللحم الأبيض ثلاثة أو أربعة أيام؛ أما سمكة تونة تزن 90 كيلوغراماً، فتتطلّب ثلاثة أو أربعة أسابيع.

ديزي رايان وهي شيف وشريكة في مطعم "بيل" في لوس ألاموس بوادي سانتا ينز بكاليفورنيا، من عشاق سلمون أورا كينغ الدي يَعُدُّه لياو. كانت تقدم أخيراً هذا النوع من السلمون المُعتَّق لمدة تتراوح بين 8 و14 يوماً في طبق كرودو. يقول إن السلمون الكبير من نوع أورا كينغ تي يكتسب نكهة حلوة بعد تعتيقه مدة 25 يوماً حين "يصبح مذاقه يشبه المانغو. ثم يصبح طعمه مثل فاكهتي ليتشي ولونغان فيما تتطوّر النكهة. لا يعود طعمه يشبه السلمون بعدها".

تتميّز قائمة الطعام في مطعم "بار لو كوتي" في لوس أوليفوس، الذي تشارك فيه رايان، بأسماك برانزينو المُجففة المُعتقة.

ارتفاع المبيعات

قال لياو إنه يُعتِّق حوالي 800 سمكة برانزينو أسبوعياً لصالح نحو 100 عميل. كان إجمالي مبيعاته السنوية حوالي 700 ألف دولار قبل ثلاث سنوات، ويتوقع لياو أن تتخطى مبيعاته 3.5 مليون دولار هذا العام.

رغم أن ريان تحولت من عدم دراية بالأسماك المُجفّفة لإحدى مروّجيه في غضون عام، إلا أنها تعلم أنه مفهوم يصعب على البعض تقبّله. بعدما سمعت طهاة آخرين يقولون أشياء مثل "أنا لا أقتنع بذلك"، وجدت كلامهم مضحكاً لكن لم تتقبله. قالت: "ما الذي تقصدونه بقول إنكم غير مقتنعين؟ عليكم أن تتذوقوه قبل أن تقرروا ذلك".

[object Promise][object Promise][object Promise]


مطعم "بار لو كوتي" في لوس أوليفوس في كاليفورنيا

تكتسب أسماك برانزينو المجفَّفة التي تهيمن بحضورها على المكان نكهة قوية غير مألوفة وقشرة مقرمشة بعد أن تدور على شواية مرتع المأكولات البحرية هذا على الساحل الأوسط. تُقدّم هذه الأسماك مع خلطة من منطقة الباسك على شكل يخنة من الشمّر والباذنجان والطماطم وفلفل كالابريا.


مطعم "جيلبريك بريوينغ" في لوريل في ماريلاند

لا يُعدّ المطعم، الواقع في منتصف الطريق بين واشنطن وبالتيمور، مكاناً قد تتوقع أن تجد فيه نظام تجفيف وتعتيق طموح. لكن لوح تحضير الشيف جاني كيم تخرج من فوقه أطباق مثل كانباتشي (سمك السريولا الكبيرة) وساشيمي، وماداي بقشرة مُحمَّصة (سمك دنيس الأحمر)، وجميعها جُفِّفت على مدى نصف شهر.

تصنيفات

قصص قد تهمك