تعاملات مربحة بشركات استحواذ ذات أغراض خاصة تطلق تحقيقاً

time reading iconدقائق القراءة - 11
صورة تعبيرية عن شركات الإستحواذ ذات الأغراض الخاصة - المصدر: بلومبرغ
صورة تعبيرية عن شركات الإستحواذ ذات الأغراض الخاصة - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

أثار بزوغ نمط تداول متبصّر له مقومات إدرار أرباح طائلة في زاوية غامضة من وول ستريت ريبة محققين أميركيين.

يتفاعل هذا في عالم شركات الاستحواذ لأغراض خاصة، وهي هياكل شركات فاضت بها الأسواق في السنوات الأخيرة تسعى لجمع أموال من مستثمرين ثمّ تبحث عن شركات لتشتريها. أداتها في ذلك هي أوراق ضمان تمنح حاملها حقّ شراء أسهم بسعر محدد مستقبلاً. لذا تصدر شركات الاستحواذ لأغراض خاصة كثيراً من أوراق الضمان.

صفقة "شيك على بياض" بمشاركة "ديكابريو".. لماذا لم تثر حماسة المستثمرين؟

يبدأ أسلوب التداول المثير للتساؤلات حين يشتري شخص ما كميات كبيرة من أوراق ضمان شركات الاستحواذ لأغراض خاصة، ليتضاعف حجم التداول اليومي إلى عشر وعشرين وحتى ستين مرّة بالمقارنة مع مستويات التداول في الأحوال العادية. ثمّ في غضون أسابيع، ترد أنباء أن شركة الاستحواذ لأغراض خاصة وجدت شركة لتشتريها، ما يؤدي في حالات كثيرة لارتفاعات حادة في أسعار أوراق الضمان.

يأتي مثل هذا الارتفاع الكبير في حجم تداول أوراق الضمان قبل نحو واحدة من كلّ أربع صفقات تبرمها شركات الاستحواذ لأغراض خاصة، حسب مراجعة بلومبرغ لحوالي 300 عملية دمج تمّ الإعلان عنها منذ نهاية 2018. الأرباح التي قد تنجم عن ذلك كبيرة جداً، ففي أكثر من عشر حالات ضاعف مبتاعو أوراق الضمان أموالهم لدى احتفاظهم بهذه الأدوات المالية لبضعة أيام أو أسابيع. ارتفعت قيمة أوراق الضمان في إحدى الحالات 888%.

معلومات داخلية؟

تحقق لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية في تداولات أوراق الضمان التي سبقت الصفقات لتتبين ما إذا استندت بشكل غير شرعي إلى معلومات داخلية، حسب أشخاص مطلعين على القضية. قد تفتح اللجنة تحقيقات إضافية في إطار مراجعتها مزيداً من التقارير حول مراهنات صائبة من ناحية التوقيت كشفتها أنظمة مراقبة السوق، مثل تلك التي تشرف عليها هيئة تنظيم الصناعة المالية الأمريكية.

شركات الشيك على بياض تتجه إلى "ميتافيرس" بعد تخبطها في العالم الحقيقي

انتشرت فكرة تحقيق أموال طائلة من أوراق الضمان العام الماضي، حين سُجِّل ارتفاع في تداول أوراق الضمان قبل أن يعلن الرئيس السابق دونالد ترمب في أكتوبر عزمه دمج منصته الإعلامية مع شركة استحواذ لأغراض خاصة تحمل اسم "ديجيتال ورلد أكويزيشن" (Digital World Acquisition). أعلنت "ديجيتال وورلد" في ديسمبر أن هيئة تنظيم الصناعة المالية الأمريكية طلبت معلومات حول عمليات التداول، التي حصلت قبل الإعلان عن الصفقة. قالت شركة الاستحواذ لأغراض خاصة أن لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية طلبت وصفاً لسياسات وإجراءات تداول تعتمدها الشركة، ولم تتهم السلطات أي طرف بارتكاب مخالفات.

يظهر تحليل بلومبرغ حصول ارتفاع أكبر حتى في تداول أوراق الضمان قبل عديد من صفقات شركات الاستحواذ لأغراض خاصة.

بلا شوائب؟

هناك احتمال أن تكون تداولات أوراق الضمان خالية من الشوائب، فقرارات المستثمرين قد تنجم عن نشر شركة استحواذ لأغراض خاصة تحديثات حول احتمال إيجاد شركات هدف، أو تقرير صحفي يشير إلى بدء محادثات أو تحركات في السوق تؤثر على أسعار الأسهم ذات الصلة. إلا أن بلومبرغ لم تتمكن من إيجاد معلومات متوافرة للعامة تشرح نحو ثلثي الارتفاع في تداول أوراق الضمان، بينها بعض الأوراق الأكثر ربحية. قال جون غريفن، أستاذ العلوم المالية في جامعة تكساس، الذي درس تداول الخيارات قبل عمليات الاستحواذ: "ارتفاع حجم التداول قبل الإعلان مؤشر على وجود شخص يملك المعلومات."

خطة لإدراج شركة شيك على بياض لاستهداف شركات أفريقية ناشئة

رفض متحدثون باسم لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية وهيئة تنظيم الصناعة المالية الأمريكية التعليق. لم يتضح بعد في أي أوراق ضمان تحققان، كما أن فتح تحقيق لا يعني بالضرورة التوجه نحو قضية إنفاذ.

انتقلت شركات الاستحواذ لأغراض خاصة، المعروفة أيضاً بشركات الشيك على بياض، من مجاهيل عالم المال لتصبح رائجة جداً، قبل أن تخضع لمزيد من التدقيق. جمعت مئات من هذه الشركات الأموال من طروح أولية لاكتتابات عامة في السنوات الماضية، وسعت لإيجاد شركات خاصة يمكنها أن تندمج معها من أجل إدراجها في الأسواق العامة. ترث الشركة المندمجة حديثاً بالتالي إدراج شركة الاستحواذ لأغراض خاصة في سوق الأسهم، لكنها تعتمد في العادة اسم الشركة الهدف في الاستحواذ. تمكن هذه الطريقة الشركة الخاصة من طرح أسهمها بشكل أسرع، أما بالنسبة لبعض مستثمري شركات الاستحواذ لأغراض خاصة، فهم يأملون أن يضعوا أيديهم مبكراً على سهم جديد وجذاب.

آلية أوراق الضمان

يحصل المستثمرون الأوائل في شركات الشيك على بياض عادةً على أسهم عادية بقيمة 10 دولارات لكلّ منها وأوراق ضمان يمكنهم تداولها، أو استبدالها بنهاية المطاف بأسهم. تمنح العقود حامل ورقة الضمان حق الاستحواذ على سهم بسعر 11.5 دولار عند إتمام الدمج، بالتالي تصبح قيمة العقود مرتبطة بالإعلان عن أن صفقة قيد الإعداد.

ركّزت بلومبرغ على عمليات التداول خلال فترة ثلاثين يوماً سبقت الإعلان عن عملية دمج، وهي الفترة التي قد يطّلع خلالها شخص ما على أن ثمة صفقة قيد الإعداد. اعتبرت أن أي يوم خلال تلك المدة زاد فيه حجم التداول عشر مرات على الأقل عن الحجم العادي على أنه ارتفاع كبير. احتسبت بعدها بلومبرغ المبلغ الذي كانت لتكسبه أوراق الضمان التي تم شراؤها ذلك اليوم في حال احتفظ بها الشاري عند الإعلان عن عملية الدمج.

شركة ناشئة لاصطحاب الكلاب تتفاوض للاندماج مع شركة "شيك على بياض"

يظهر شراء "فيتكو أي كيو أكويزيشن" (VectoIQ Acquisition) لشركة صناعة المركبات الكهربائية "نيكولا" (Nikola) قبل عامين، مدى سرعة تحقيق المستثمرين للأرباح. فقد تم تبادل أكثر من 1.6 مليون ورقة ضمان لـ "فيتكو أي كيو" بين مالكين مختلفين خلال يومين في فبراير 2020، ليصل سعر الواحدة إلى 91 سنتاً في نهاية جلسة التداول الثانية. دفع كشف شركة الاستحواذ الخاصة عن صفقة مع "نيكولا" بعد نحو أسبوعين السعر لارتفاع حاد فبلغ 2.62 دولاراً. ارتفعت بعهدها قيمة العقود أكثر بكثير. رفض متحدث باسم "نيكولا" التعليق.

كانت "نيكولا" قد وافقت بشكل منفصل العام الماضي على دفع 125 مليون دولار لتسوية دعوى رفعتها هيئة الأوراق المالية والبورصات اتهمتها فيها بالاحتيال على المستثمرين عبر تضليلهم حول التقنية الخاصة بها ومنتجاتها. لم تقرّ الشركة أو تنفِ ارتكابها أي مخالفات في هذه القضية.

مكاسب 888%

ربما أسهمت ارتفاعات أخرى بحجم التداول بتحقيق أرباح أكبر حتى. فلنأخذ شركة "أوبيس أكويزيشن" (Opes Acquisition) على سبيل المثال. تم تناقل 2.25 مليون ورقة ضمان لشركة الاستحواذ للأغراض خاصة بين مالكين مختلفين في يوم جمعة من يونيو 2020، أي أكثر بـ60 مرة من حجم التداول الطبيعي ليبلغ ثمنها عند الإغلاق 42 سنتاً للورقة الواحدة. في صباح يوم الإثنين التالي، المصادف الثامن من يونيو، أعلنت الشركة أنها وقعت على خطاب نوايا للاندماج مع شركة سلسلة المطاعم السريعة "برغر فاي إنترناشونال" (BurgerFi International).

كان مبتاعو أوراق الضمان في 5 يونيو يملكون أوراقاً مالية قيمتها 930 ألف دولار ذاك اليوم. لو احتفظوا بها حتى 30 يونيو، تاريخ الإعلان عن عملية الدمج، لكانت كسبت 888% أو 8 مليون دولار قيمة إضافية. رفض متحدث باسم "برغر فاي" التعليق.

ملياردير روسي على محك شركة شيك على بياض ومشروع مركبات كهربائية

بالتأكيد سوق أوراق ضمان بعض شركات الاستحواذ لأغراض خاصة ضيق، ما يؤدي إلى حالات يمكن فيها لبعض التداولات الصغيرة نسبياً أن تتسبب بارتفاع حجم التداول. إذ يمكن لعملية شراء متواضعة أن تتسع إن لاحظها متداولون آخرون أو خوارزميات وانضموا إلى الموجة، مراهنين على أن شخصاً آخر يعرف أمراً ما. بمعنى آخر، قد لا تكون بعض التداولات التي تحصل خلال فترة الارتفاع تسند إلى أي معلومات خاصة.

لا توجد موانع قانونية ضد كثير من أنواع التداول المستنير، حتى في ما يخصّ الاندماجات. مثلاً سماع صدفة عن صفقة قيد الإعداد خلال تواجدك في محطة قطار الأنفاق ثمّ التداول استناداً إلى هذه المعلومة هو أمر مسموح. ينبغي أن يثبت الادعاء أن شخصاً تعمّد انتهاك واجبه في الحفاظ على سرية المعلومات لإثبات حصول تداول مبني على معلومات داخلية. إن اشتبهت السلطات بأي سوء سلوك، قد يصعب اكتشاف الطرف الذي سرّب المعلومات. غالباً ما تكون قائمة الأشخاص المطلعين من الداخل طويلة جداً، وتضمّ مديرين تنفيذيين ومصرفيين ومحامين وأخصائيي علاقات عامة.

شركات محاماة

اللافت أن عدد الفاعلين في وول ستريت المعنيين بشركات الاستحواذ لأغراض خاصة يختلف نوعاً ما عن الحشود التي تهيمن على الاندماجات والاستحواذات التقليدية. كانت شركات الاستحواذ لأغراض خاصة تاريخياً مجالاً ينشط فيه معدّو الاكتتابات الأصغر حجماً وشركات المحاماة المتخصصة. إن لم يكن هناك ما يكفي من الصفقات تبرر إنشاء المصارف الكبرى امتيازات لها. سرعان ما التحقت بها مجموعات مثل "سيتي غروب" و"غولدمان ساكس" و"مورغن ستانلي" ولكن مع ازدهار هذه السوق.

"شعاع كابيتال" تؤكد عزمها إنشاء 3 شركات "شيك على بياض"

قال مايكل أوهلروغ، الأستاذ في كلية الحقوق في جامعة نيويورك، الذي كتب مطولاً عن شركات الاستحواذ لأغراض خاصة أنه لدى متعهدي الاكتتابات وشركات المحاماة الأصغر حجماً، لا تكون إجراءات الامتثال فعّالة بما يكفي لتجنّب إساءة استخدام المعلومات الجوهرية غير العامة. أضاف قوله: "ليست كلّ شركات المحاماة التي تعمل في مجال شركات الاستحواذ لأغراض خاصة شركات رفيعة المستوى، حتى أن بعضها أبعد ما يكون عن ذلك".

جذبت هذه السوق النامية مزيداً من صناديق التحوط، التي تحاول الموازنة بين الأسهم العادية وأوراق الضمان. قد يخمّن المتداولون مثلاً ما إذا كان لدى شركة الاستحواذ لأغراض خاصة الوقت الكافي لإتمام صفقة قبل أن تبلغ المهلة النهائية للقيام بذلك. المسألة التي يتابعها المحققون هي ما إذا كان البعض يعرف أكثر ممّا يجب.

قال كرس والاس، وهو مدير محفظة في شركة "ليفين كابيتال ستراتيجيز" (Levin Capital Strategies) التي استثمرت في شركات الشيك على بياض وأوراق ضمانها: "حين يكون لديك سوق تطورت بهذه السرعة، قد تحصل أمور غريبة."

تصنيفات