بلومبرغ
في حقبة ما قبل جائحة كورونا، حين كانت شركة ما تقرّر اعتماد أسبوع عمل من أربعة أيام، كانت تقوم بالأمر البديهي، فتحذف يوم عمل وترى ما يحصل بعد ذلك. يعني هذا الأمر، تقليص خمسة أيام من الاجتماعات إلى أربعة، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى إحداث خلل في وقت التركيز على العمل. ولكن في ظلّ الإغلاقات المتكررة، وإجراءات العزل خلال السنتين الماضيتين، خاضت الشركات العديد من التجارب، وبدأت الأفكار التي تطرحها تعكس بشكل أفضل المقصد من تقليص أيام العمل، والمتمثّل في تحسين التوازن بين الحياة المهنية والحياة الشخصية. في هذا السياق، يقول براين غورمان، المسؤول في شركة "دو-بي أسوسشييتس" (Do-Be Associates) الاستشارية التي تساعد الشركات على الانتقال نحو ساعات عمل أقل، إن "أسبوع العمل من أربعة أيام" يعني برنامجاً مكثّفاً خالياً من التقصير. وأضاف: "الأمر بمثابة تعبير عن المرونة".
اقرأ أيضاً: الموظفون بدأوا يجيدون تحصيل الترقيات أثناء عملهم عن بعد
يمكن تطبيق هذا المفهوم بأساليب متنوعة. مثلاً، قد يعمل الوالدان من الإثنين إلى الجمعة، ولكن لستّ ساعات في اليوم فقط، فيما يعمل المبرمجون لـ11 ساعة في اليوم لثلاثة أيام فقط. وقالت شارلوت لوكهارت، مؤسسة منظمة "أسبوع من أربعة أيام حول العالم" (4 Day Week Global)، وهي منظمة غير ربحية تساعد أكثر من 100 شركة في ستّ دول مختلفة على الانتقال نحو دوامات أقصر، إن الهدف النهائي هو 100% من الراتب و100% من المجهود في 80% من ساعات العمل. وأضافت: "في الأساس، يتعلق الأمر بتغيير ثقافة الإنتاجية حتى لا تخسر الشركة أي إيرادات، فيما يتمكّن موظفوها من الحصول على أيام عطلة من دون أن يخسروا أي جزء من الراتب".
اقرأ المزيد: إذا كان مديرك نكداً.. فربما يمكنك لوم الوباء على ذلك
ترى "دو-بي" أن برنامج العمل المكثّف واعدٌ جداً، لدرجة أنها عمدت إلى تسجيل مصطلح "أسبوع من أربعة أيام عمل" (4 Day Week Global) كعلامة تجارية في الولايات المتحدة، وحدّدت الخطوات العامة التي تسهم في تحوّل الشركات نحو دوامات مرنة، ما يستغرق في العادة ستة أشهر، بحسب غورمان. وقال: "خوض هذه العملية يستحق العناء، حتى لو قررتم ألا تحدثوا أي تغيير في الدوامات، لأن ما ستقومون به سيخلّصكم من كلّ أوجه التقصير والأنشطة التي لا تدرّ أي قيمة".
المرحلة الأولى: لماذا نقوم بذلك؟
إن الأمر عبارة عن تقييم تنظيمي، حيث شبهه غورمان باجتماع تقييمي لما قد يحدث في السيناريو الأسوأ، داعياً إلى مناقشة الأسئلة الأساسية في الحوارات التي يتم عقدها مع الموظفين بدل الاعتماد على استطلاعات الرأي. يجب السؤال، ما الهدف؟ ما الذي يريده الموظفون؟ لماذا يجب دراسة القيام بهذا التحوّل؟ ما أهداف الشركة على صعيد الأعمال والإنتاجية والناتج؟ وأضاف: "لا تقتصر هذه الفرصة على تقييم الموظفين وإجراءاتهم، بل تطلب أيضاً فهم ما يغذي أرواحهم وقلوبهم وعقولهم". هل تحظى اليوغا في ساعة الغداء يوم الجمعة بشعبية لأن الناس يحبونها أو لأن الموظفين يشعرون بالإجهاد، وهم يكونون أصلاً في المكتب على كلّ حال؟
المرحلة الثانية: ما أوجه التقصير؟
من أجل تخفيض ساعات العمل، لا بدّ من القضاء على أوجه التقصير. يجب سؤال أي عمليات وإجراءات هي ذات جدوى؟ أيّها من دون جدوى؟ أي فرق أو أقسام تكرر أعمال غيرها؟ في هذا الصدد، قالت ميغان كيني أندرسون، مسؤولة التسويق في "ووندرلاست" (Wanderlust)، منصة الحجوزات المتخصصة بالمغامرات الخارجية: "يجب أن تفكروا كيف تتخذون القرارات بشكل أسرع، وتوزعوا المعلومات بشكل غير متزامن".
اعتمدت "ووندرلاست" دوام عمل من الثلاثاء إلى الجمعة في عام 2020. وقالت أندرسون التي تعمل أيضاً مدرّبة في تجارب تخفيض دوامات العمل تحت إشراف منظمة "أسبوع من أربعة أيام عمل": "لا بدّ من القيام بخيارات صائبة جداً حول ما هي الاجتماعات الضرورية، وأي قرارات يمكن اتخاذها من دون عقد اجتماعات، ومع ذلك تمثّل الجميع".
تختار غالبية الشركات التضحية بالاجتماعات. فـ"ووندرلاست" ألغت ثلث اجتماعاتها معتمدة إجراءات متفاوتة. فإذا لم يكن للاجتماع جدول أعمال محدد، يتم إلغاؤه، كما تشجع الشركة الموظفين على إعادة جدولة الاجتماعات حين لا يكونون جاهزين لها. حتى إن بعض الشركات اختصرت اجتماعاتها الاعتيادية بـ15 دقيقة فقط.
المرحلة 3: فلتقم بذلك!
ينطلق الإيمان بالمشروع من المسؤولين التنفيذيين الأعلى، "ولكن على الجميع المشاركة به، ويتعيّن على الموظف تحقيقه على أرض الواقع"، بحسب توني كارنيسي، المسؤول في "دو–بي".
في هذا الإطار، لا بدّ من الحرص على أمر أساسي، وهو "ألا تتأثر بيانات الربح والخسارة" بهذا التغيير. يقترح كارنيسي أن يقوم كلّ فريق بتحديد معاييره وجداوله الزمنية وطرقه الخاصة من أجل وضع الأفراد أمام مسؤولياتهم. ولا تقتصر المعايير المشتركة على الإنتاجية والربح، ولكن تشمل أيضاً المشاركة والصحة النفسية والإنهاك. وقالت لوكهارت: "لا تعرف الكثير من الشركات كيفية قياس ما تسعى إلى تحقيقه". وأشارت إلى أنه لا توجد طريقة واحدة معتمدة لخفض ساعات العمل، ولكن بعض الشركات تبدأ تدريجياً بإلغاء نصف يوم عمل في الأسبوع.
تختلف الطريقة التي يقضي بها الموظفون أيام العطلة. في "ووندرلاست"، يقضي العديد من الموظفين عطلة نهاية الأسبوع الممتدة على ثلاثة أيام في الطبيعة، أمّا الأشخاص الذين تقع على عاتقهم مسؤولية العناية بالآخرين، فيستخدمون يوم العطلة الإضافي من أجل القيام ببعض المهام المتراكمة أو قضاء بعض المواعيد. وقالت أندرسون، وهي أم لطفل في الخامسة من العمر: "أستخدم هذا الوقت لأجلس بمفردي، وهذا أمر مذهل". وأضافت: "عطلة نهاية الأسبوع ليست هادئة بالنسبة إليّ، فيوم الإثنين هو اليوم الوحيد الذي أخصّصه لنفسي، أقرأ، أكتب، أنزّه كلبي، أفكر. أقسم أنني يوم الثلاثاء أعود بوضع أفضل وبشكل أقوى".
من جانبه، يرى أندرو بارنز، المؤسّس الشريك لـ"أسبوع من أربعة أيام عمل"، إن يوم العطلة الإضافي هذا هو ما يؤدي في الغالب إلى لحظات الصفاء الذهني، "حين تجد نفسك فجأة قادراً على حلّ مشكلة ما". اختيار الإثنين كيوم عطلة إضافي يبدو خياراً أفضل من أجل الاستعداد لأسبوع العمل، بما أن يوم الجمعة إذا كان عطلة، فسوف يصبح ممهداً لعطلة نهاية الأسبوع. تنصح أندرسون أن يحصل أعضاء الفريق كافة على يوم العطلة ذاته إذا أمكن، من أجل تفادي تبادل الرسائل الالكترونية ورسائل "سلاك" خمسة أيام في الأسبوع. وقالت: "وإلا لن تحصل على مساحة ذهنية بعيداً عن العمل، فالمشكلة أنك كموظف تبقى في حالة تأهب دائم".
المرحلة الرابعة: كيف تسير الأمور؟
في الأشهر الأولى، يُعدّ التكرار والتأقلم مهمّين جداً، إذ سوف تتغير السياسات والدوامات وأعباء العمل. وقال غورمان: "يجب المحافظة على تواصل مستمر بين الإدارة والموظفين". تذكر أن هذا التأقلم قد يتطلّب أيضاً صقل مهارات المديرين الذين لم يسبق لهم أن اضطروا في السابق إلى الشرح للعملاء بأن الشركة باتت تعمل حالياً لـ32 ساعة فقط، أو ليساعدوا موظفين منهمكين أصلاً في العمل على إتمام مهامهم في وقت أقصر حتى.
يخلق التطور التنظيمي تحديات من نوع آخر، إذ يكفي أن يقوم قليل من الأشخاص بإرسال عدد مبالغ فيه من الدعوات إلى الاجتماع أو رسائل إلكترونية في خارج دوام العمل، من أجل استدعاء جهود مئات الموظفين. وقالت أندرسون: "كلما زاد عدد المعنيين، زادت نقاط الفشل في كثرة الاجتماعات ورسائل (سلاك) والرسائل الإلكترونية". يتطلّب ذلك تدريب الموظفين الجدد، إلى جانب القيام بتحليل متواصل حول توقيت إرسال الرسائل الالكترونية مثلاً، وما الذي يمنع الأشخاص من تحقيق أهدافهم.
يتطلّب ذلك وجود شخص يشرف على التقدم المحقق. تقول أندرسون إنها قد لا تترك "ووندرلاست" في حياتها، مشيرة إلى أن الشركة تتلقى طلبات عمل أكثر من أي وقت مضى منذ أن قامت بتقصير دوام العمل. فقد تقدم ألفا شخص للعمل في الشركة منذ عام 2021، أي ما يوازي 20 مرة الطلبات في العام الذي سبق.
قالت: "ربما قد أعمل لصالح شركة بدوام خمسة أيام في الأسبوع مجدداً، فما يدفعني هو دور الشركة وهدفها أكثر من الدوام. ولكن بالطبع سآخذ وقتاً طويلاً قبل أن أبدأ في البحث عن عمل جديد، لأن هذا الأمر أحدث تحولاً في طريقة حياتي خارج نطاق العمل".