بلومبرغ
في فبراير من العام الماضي، استبدلت شركة التجارة الإلكترونية "شوبيفاي" (Shopify)، عبارة "أوتاوا، كندا" التي تضعها في صدر بياناتها الصحفية وتقارير أرباحها، بعبارة جديدة وغير مألوفة، هي: "الإنترنت، في كل مكان".
جاء هذا التحوّل الذي يشير إلى عنوان الشركة، بإصرار من مؤسس "شوبيفاي" ومديرها التنفيذي، توبي لوتكي، الذي يميل غالباً للنظر إلى مثل هذه الأمور من من منطلق الحسم. فهو، وبعد أشهر فقط على بداية انتشار الوباء، وتحديداً في مايو 2020، اتخذ قراراً مبكراً بدا حينها متسرعاً، يقض بإنهاء عقود الإيجار في مكاتب "شوبيفاي" الواقعة في أوتاوا و6 مدن أخرى، معلناً أن قوته العاملة، التي يبلغ قوامها 7 آلاف شخص، ستعمل بشكل افتراضي إلى الأبد. لقد استشعر لوتكي حينها أن "شوبيفاي" أصبحت منتشرة في كل مكان، وأن موقع الشركة الإلكتروني بالإضافة إلى موظفيه وعملائه، أصبحوا كلهم في الفضاء الرقمي.
الوضع الجديد والغريب، أثار حيرة كبار الموظفين التنفيذيين في الشركة التي يديرها لوتكي، لكنهم كانوا أنه لا جدوى من مجادلته في الأمر.
ومع أن العنوان الجديد المكتوب على بيانات الشركة قد يكون براقاً إلى حد ما، وظريفاً أكثر مما يجب، إلا أنه بعد نحو عامين من العمل الذي تحوّلت معه "شوبيفاي" من شركة تكنولوجية محدودة إلى قوة عالمية في مجال التجارة الإلكترونية، حصل لوتكي على بعض التراخيص الإبداعية.
لا تعقيدات
منذ نشأتها قبل 15 عاماً، باعت "شوبيفاي" برامج تسمح لحوالي مليوني تاجر في جميع أنحاء العالم بتشغيل مواقع الويب، وكانت هذه البرامج خالية من شروط الانضمام المعقدة التي تتطلبها "أمازون دوت كوم"، الشركة المنافسة الرئيسية لها.
تقدم "شوبيفاي" للبائعين أكثر من 12 خدمة لتشغيل متاجرهم على الإنترنت، مقابل دفعات تتراوح من 30 إلى 2000 دولار شهرياً. وتتنوع هذه الخدمات من توفير مساحة فعلية على موقع التجارة الإلكتروني، مروراً بإدارة المخزون، وحتى متابعة عمليات الدفع.
تشكل تقنية الشركة حالياً الركيزة الأساسية للمواقع الإلكترونية التابعة لسلاسل البيع بالتجزئة العملاقة مثل "ستايبلز" (Staples) ، و"شيبوتل مكيسكان غريل" (Chipotle Mexican Grill)، وقد دعمت مؤخراً شركات عامة نشأت على المنصة، بما في ذلك شركة تصنيع الأحذية "أولبيردز" (Allbirds) ، و"فيغز" (Figs) لتصنيع ملابس الطواقم الطبية، بالإضافة إلى أنشطة البيع بالتجزئة الجانبية التي يملكها بعض المشاهير، مثل: كايلي جينير، وتايلور سويفت، وليدي غاغا وغيرهم.
دعم صغار التجّار
لكن في نهاية المطاف، ظهر التأثير الأكبر لـ"شوبيفاي" على الشركات الأصغر حجماً، والتي تشمل كوكبة كبيرة من المتاجر العائلية، والشركات الناشئة المدعومة برأس المال المغامر، والمؤثرين الصغار على وسائل التواصل، ورجال الأعمال المبتدئين، ومسئولي بيع البضائع، والمزيد من المجموعات التجارية، التي لم يسمع بها أحد من قبل، مثل "أوف ليمتس" وهي شركة ناشئة يقع مقرها في مدينة نيويورك، وتتألف من شخصين، وهي تحاول تطوير حبوب الإفطار، دوناً عن أي شيء آخر.
حيث قدمت "شوبيفاي" خدمات لأصحاب الأعمال الصغيرة، بدور يماثل الدور الذي لعبته منصة "زووم" بالنسبة للشركات الأمريكية خلال الأيام الأولى للوباء.
كيف تتأقلم مع الوضع لو دمّر الوباء عملك بين ليلة وضحاها؟
كثير من المشروعات الصغيرة التي دعمتها "شوبيفاي" لم تكن قد باعت منتجاً واحداً عبر الإنترنت من قبل، حتى أصبح موقع الشركة يمثل المنفذ الوحيد الذي قد يسمح لها بالاستمرار في العمل خلال الوباء.
وفي ذلك الوقت، كان من الأكثر ترجيحاً أن يخلط الناس بين "شوبيفاي"، التي كانت حينها شركة غير معروفة تدعم حوالي مليون تاجر، وبين منصة الخدمات الموسيقية "سبوتيفاي" (Spotify)، من احتمال معرفتها كمنصة للتجارة الإلكترونية.
دفعة من الوباء
لكن عندما اضطرت الشركات في كل مكان إلى الإغلاق بشكل جماعي، قامت "شوبيفاي" بدعم تلك الشركات لتصبح متاجر إلكترونية على الفور. في هذه الأثناء، كانت سمعة "أمازون" كشريك يمتص دماء التجار في عام 2020 تزداد، خاصة بعد الشهادة التي قدمها البائعون أمام لجنة فرعية في الكونغرس تحقق في أمر شركات التكنولوجيا العملاقة، بينما ظهرت "شوبيفاي" فجأة كأكبر حليف للبائعين.
عزز الحجر الصحي العالمي القيمة السوقية للشركة من 46 مليار دولار في أوائل 2020 إلى 177 مليار دولار حالياً. وخلال العام نفسه، قفزت مبيعاتها إلى 2.9 مليار دولار، بزيادة 86% مقارنة بعام 2019. وفي الجمعة السوداء، وعطلة اثنين الإنترنت، حقق تجار "شوبيفاي" مبيعات بقيمة 6.3 مليار دولار، بزيادة 23% مقارنة بالعام السابق.
أصبحت "شوبيفاي" الآن الشركة الكندية الأكثر قيمة، كما استحوذت على 8.6% من مبيعات التجارة الإلكترونية في الولايات المتحدة في 2020، وجاءت في المركز الثاني بفارق كبير بعد "أمازون" التي حصلت على 39%، لكن "شوبيفاي تفوقت على "ولمارت" و"إيباي"، وفقاً لبيانات "إي ماركتر" (EMarketer). قال ريك واطسون، مستشار التجارة الإلكترونية ومضيف برنامج "واطسون ويكلي"، وهو برنامج صوتي (بودكاست) يتحدث عن البيع عبر الإنترنت: "أعطاهم الوباء دفعة قوية للغاية.. إنه أمر مثير للسخرية".
الحفاظ على النمو
بعد بداية تراجع النجاح الذي حققته شركات مثل "زووم"، و"بيلوتون" (Peloton)، وغيرها من المنصات التي شهدت ارتفاعاً كبيراً خلال الوباء. تعمل "شوبيفاي" بجهد للحفاظ على نموها، ومواكبة روح العصر. وقد عينت الشركة مؤخراً أحد المخضرمين في علامة "ييزي" (Yeezy) التجارية التابعة لمغني الراب الأمريكي كاننيه ويست، لإدارة برنامج جديد للتسويق عبر المؤثرين على مواقع التواصل (الإنفلونسرز)، وفتحت مركزاً رائعاً لرواد الأعمال في مانهاتن، كما تعاونت مع "سبوتيفاي" لمساعدة الموسيقيين في الترويج لأنفسهم تجارياً، مع طرح ميزة تسمح لأصحاب المتاجر ببيع الأعمال الفنية الرقمية الفريدة لهم عبر منصتها.
الرموز المشفرة تغيّر صناعة الموسيقى وتدعم الفنانين
قالت سيدة الأعمال ومقدمة البرامج الأمريكية مارثا ستيوارت، التي تتاجر الآن على "شوبيفاي"، في تغريدة على موقع "تويتر" خلال أكتوبر الماضي: "أقوم بإنشاء رموز غير قابلة للاستبدال"، ووضعت وسماً باسم الشركة.
أيضاً، يعتبر فاريل ويليامز، وهو منتج موسيقي ومغني راب ورائد أعمال، يبيع منتجات العناية بالبشرة الخاصة بعلامته التجارية على "شوبيفاي"، أحد المعجبين بالموقع، حسبما أكد لمجموعة من أصحاب الشركات عبر منصة "زووم" في المؤتمر السنوي للشركة، خلال أكتوبر الماضي.
وفقاً لمؤشر "بلومبرغ بليونيرز"، أصبح لوتكي، الذي قرر تطوير الأدوات الأساسية لبناء مواقع البيع بالتجزئة بعد إغلاق متجره الإلكتروني لبيع ألواح التزحلق على الجليد عندما كان عمره 24 عاماً، ثاني أغنى شخص في كندا الآن. وأصبح شخصية مشهورة ومعروفة في دوائر قطاعي التكنولوجيا والبيع بالتجزئة.
يبلغ عمر لوتكي حالياً 41 عاماً، وهو رقيق البشرة، أصلع الرأس على غرار جيف بيزوس، مؤسس شركة "أمازون"، وكان يرتدي دائماً قبعته المسطحة التي تميز بها (حتى وقت قريب، عندما توقف فجأة عن ارتدائها وسط الحجر الصحي المتواصل). ويقول: "كنت أضطر لتبرير سبب ارتدائها عندما كنت أخرج في بعض الأحيان".
نقيض "بيزوس"
نوعاً ما، يمكن القول إن لوتكي وزملاءه هم نقيض جيش جيف بيزوس من الرأسماليين التقنيين. وفي الوقت الذي تحتفل فيه "أمازون"، التي تمتعت هي الأخرى بطفرة مدعومة من فيروس (كوفيد)، بتقدير العملاء اللامحدود لها. يمكن لعملاق التكنولوجيا المخاطرة بابتعاد الشركات الصغيرة عنه بسبب رفض منتجاتهم أو الدفع بالمنافسة ضدها، إذا كان ذلك يعني خفض الأسعار وتسريع أوقات الشحن.
ثروتا "إيلون ماسك" و"جيف بيزوس" تقتربان من نصف تريليون دولار
فإن لدى "شوبيفاي" على الطرف الآخر، نظرة رومانسية للموضوع، حيث يمدح المديرون التنفيذيون للشركة فضائل "إضفاء الطابع الديمقراطي على التجارة"، و"جعل ريادة الأعمال رائعة". وإذا كان تفاني "أمازون" للعملاء والاختيارات اللامحدودة أكسبها لقب "متجر كل شيء"، فإن "شوبيفاي" كما يوحي عنوانها الجديد تريد أن تكون "متجر كل مكان".
المنافسة مع "أمازون"
قبل بضع سنوات، شعر لوتكي أن هناك ميزة في مقارنة "شوبيفاي" مع منافستها التي يهابها الآخرون كثيراً، وأشار إلى أن "أمازون" تحاول بناء إمبراطورية، بينما تحاول "شوبيفاي" تسليح المتمردين". لكن من الصعب القول إنك ما تزال تشكل مجرد قوة متمردة عندما يكون لديك قيمة رأسمالية سوقية بهذه الضخامة.
وللحفاظ على تحالف المتمردين هذا سليماً، يتعين على لوتكي أن يجعل "شوبيفاي" أكثر فائدة لأكبر تجار التجزئة في العالم، بينما يساعد الأصغر حجماً، ممن تضرروا من نقص سلسلة التوريد والتضخم.
كذلك يتعين على لوتكي التعامل مع المشكلات المتزايدة داخل الشركة، بما في ذلك تغيير المسؤولين التنفيذيين الذي يحدث بكثرة، والأسئلة حول ما إذا كان يجب على "شوبيفاي" الدخول في أكثر أجزاء التجارة الإلكترونية صعوبة، مثل الشحن. فقد اتضح أن استقطاب جحافل تجار التجزئة من خلال منحهم تواجداً بسيطاً وقوياً على الإنترنت كان الجزء الأسهل.
مهووس العلوم الملياردير
يقول لوتكي، خلال مقابلة استغرقت ساعتين في مكتبه المكون من شخص واحد في أوتاوا: "فاتني الكثير من الأشياء لمجرد أنني نشأت كمهووس بالعلوم، ومبرمج يعمل طوال اليوم، كما أفنيت كامل سنوات عشرينياتي في بناء (شوبيفاي)". وأضاف: "ما زال ينقصني الكثير لتحقيق التوازن بين كل الجوانب".
إن محاولة التحدث إلى لوتكي حول أي شيء تقريباً تعتبر رحلة محفوفة بالمخاطر، حيث يوصلك النقاش غالباً إلى متاهة فكرية مبنية على كتب الإدارة والأفكار الاستطرادية. وتتضمن أفكاره الثابتة حالياً مفهوم "بطارية الثقة" (Trust Battery)، وهي الطريقة التي يقيس بها ثقته في الموظفين. يالإضافة لافتراضه بأن أحد أهم أجزاء التكنولوجيا وهو (متصفح الويب) لم يكن ليتم طرحه أبداً لو حدث تطويره في الوقت الحالي، وذلك حسبما يقول لأن شركتي "أبل" و"غوغل" ومالكي متاجر التطبيقات الآخرين كانوا سيمنعون حصول ذلك.
“شوبيفاي" تعزز ميثاق التجارة الإلكترونية مع "غوغل" و"فيسبوك"
في أي نقاش مع لوتكي، يجب أن تتوقع سماع جمل مثل: "أعرف كيفية تصميم الهيكل الخارجي لوقتي"، و"في الأساس، أرى أن اللا حتمية أكثر إثارة للاهتمام من الحتمية".
التفكير خارج الصندوق
قبل الوباء، وعلى غرار الكثير من المديرين التنفيذيين والمستثمرين في مجال التكنولوجيا، قرأ لوتكي كتاب "غير قابل للكسر: مكاسب الفوضى" (Antifragile: Things That Gain From Disorder) للمؤلف نسيم نيكولاس طالب٬ وأصبح لوتكي مفتوناً بهندسة الفوضى، وفكرة حدوث العقبات الفجائية والإخفاقات المتعمدة على حد سواء، تزيد من قوة الأفراد والمؤسسات. يقول لوتكي:
لا يمكن أن يصبح شيء مرناً حقاً، عندما يسير كل شيء على ما يرام
لم يستطع لوتكي مقاومة اختبار هذه النظرية على شركته الخاصة. ومن بين مجموعة من التجارب الغريبة، كان تحذير مؤسس "شوبيفاي" من الاجتماعات غير الضرورية، لذلك بدأ بشكل دوري في استعمال "سلطة رب العمل" لحذف الاجتماعات المتكررة بانتظام من تطبيقات المواعيد الخاصة بموظفيه.
بعدها، في عام 2017، طالب الجميع بالعمل من المنزل تقريباً لمدة شهر، فقط ليرى ما سيحدث. لكن التجربة، التي اعتمدت جزئياً على تطبيق "سكايب"، افتقرت إلى النجاح. وقال لوتكي: "أدوات العمل كانت سيئة بشكل فظيع".
مكاتب رائعة
في نهاية المطاف، انتقلت "شوبيفاي" إلى مقر من 10 طوابق في ناطحة سحاب بأوتاوا، يحوي مسار سيارات سباق صغيرة في أحد طوابقه، ولفترة من الوقت، كما كانت هناك مجموعة من الصور، بحجم الطباعة الكبير المعتاد في المعارض، تصور لوتكي وبقية فريقه من المديرين التنفيذيين الأوائل وهم يرتدون الزي العسكري الخاص بعصر نابليون. وكان المكتب يحتوي كذلك على غرفة لألعاب الواقع الافتراضي، وملعب كرة طاولة، واستوديو لممارسة اليوغا. وقال الموظفون إنه كان مكاناً رائع للذهاب إليه كل يوم.
لكن لوتكي لم يتخلص من هوسه بالعمل عن بعد. وبوصفه أحد أوائل المساهمين في "روبي أون ريلز" (Ruby on Rails)، وهي منصة للغة البرمجة مفتوحة المصدر، تعاون على مدى سنوات للعمل مع أشخاص لم يقابلهم من قبل.
كما كان العمل من مقر "شوبيفاي" يمثل أمراً صعباً عندما يتعلق الأمر بتوظيف المسؤولين التنفيذيين المتمرسين، والمهندسين اللامعين، الذين يتم إحضارهم لمقر الشركة من دول أخرى، ويتحتم عليهم نقل مقر إقامتهم إلى العاصمة الكندية التي يبلغ متوسط درجات الحرارة الصغرى بها خلال ديسمبر 18 فهرنهايت (حوالي -8 درجة مئوية).
عندما تسبب الوباء في عمل الآلاف من موظفي لوتكي من منازلهم، قرر مؤسس "شوبيفاي" حل كل هذه المشاكل دفعة واحدة.
ففي مايو 2020، بعدما بدأت مبيعات التجارة الإلكترونية تتزايد بسرعة وسط الحجر الصحي، أصدر لوتكي قراراً قال فيه إن مكاتب الشركة الفاخرة ستغلق إلى الأبد، وأن "شوبيفاي" ستتحول إلى شركة رقمية، وعنوان المقر الرئيسي لها سيكون: "الإنترنت، كل مكان".
متجر الكل مكان
كان لوتكي سعيداً جداً بالتحول إلى العمل من المنزل. واستأجر شقة بالقرب من منزله وحوّلها إلى مكتبه المخصص لشخص واحد، تم تزيينه بألواح التزلج القديمة، وجهاز كمبيوتر "ماكنتوش" أصلي. وتلقت التعيينات الجديدة في الشركة دفعة فورية، حيث وظفت "شوبيفاي" مديراً تنفيذياً واحداً من "فيسبوك" وآخر من "سلاك"، وكلاهما بقي في وادي السيليكون. بينما عاد الآخرون من الذين كانوا قد انتقلوا إلى تورونتو سابقاً، مرة أخرى إلى الولايات المتحدة، ليكونوا أقرب إلى عائلاتهم وضوء الشمس.
يقول هارلي فينكلشتاين، رئيس "شوبيفاي" والوجه الإعلامي المخضرم، وهو الوجه الأكثر انفتاحاً لشركة لوتكي، خلال البرنامج التلفزيوني "دراغون دين"، الذي يمثل النسخة التلفزيونية الكندية من البرنامج الأمريكي الشهير "شارك تانك ": "لأول مرة في تاريخنا الممتد على مدار 15 عاماً، لم يقتصر تجمع المواهب العالمي لدينا على من يرغب في الانتقال إلى أوتاوا في كندا أو تورنتو أو أي مكان آخر، بل على من يريد الانضمام والمساعدة في مستقبل التجارة".
قرارات لا تعجب الجميع
لم يكن الجميع سعداء بذلك القرار، حيث كان بعض الموظفين يحبون ثقافة العمل بالشركة والتقارب المتاح من خلال العمل وجهاً لوجه. يقول كاز نجاتيان، موظف "فيسبوك" السابق الذي انضم إلى "شوبيفاي" في 2019 كنائب رئيس للخدمات التجارية: "لقد عارضت التحول للعمل من المنزل بصورة مُشرّعة، لقد كنت اعتقدت أنها أغبى فكرة ممكنة".
في النهاية غيّر نجاتيان رأيه هذا، الذي كان يعتمد على شعوره بأن ثقافة "شوبيفاي" تعتمد على الاحتكاك الفعلي بالعمل، لكن لم يغير الجميع آرائهم مثله. يقول كريغ ميلر، الذي عمل كمدير لقسم المنتجات في ذلك الوقت: "كنت مهتماً بالبشر، والأشخاص الذين عملت معهم في (شوبيفاي)". وأضاف: "أتذكر شعوري حينها بأن ذلك خسارة فادحة".
"توبي الإعصار"
كانت هناك عواقب أخرى غير متوقعة لقرار توبي أيضاً. حيث تسبب مده لسلطاته كمدير تنفيذي خلال إدارته للشركة افتراضياً، وتأنيبه لبعض موظفيه على الأعمال دون المستوى بطريقته الجافة في بعض الأحيان، لحصوله على لقب "توبي ذا تورنيدو" أو ما يعني "توبي الإعصار" داخل الشركة.
يقول لوتكي إن اللقب "مزعج قليلاً"، وهو يتحدّى أي شخص أن "يذكر موقف رفعت فيه صوتي" ولكن كل ما في الأمر: "أنك لا تستطيع قياس مدى ارتفاع الصوت إذا كنت تعلق عبر الإنترنت".
يعلق ميلر على الموضوع: "العمل من خلال منصة "سلاك" جعل الأمور تبدو أسوأ، خاصة في شركة تضم آلاف الأشخاص، ممن يمكنهم جميعاً رؤية يؤنب وهو يوبخ شخص ما".
بعد ذلك، وسط الاحتجاجات العالمية في مايو من عام 2020 والناشئة عن مقتل جورج فلويد، سارع الموظفون عن بُعد في "شوبيفاي" للتعبير عن مشاعرهم على "سلاك". وكان لوتكي لطالما شجع التنوع في وجهات النظر، مع الالتزام بقيم الشركة والتي منها: "التطابق يقتل الإبداع" و"تصرف كمالك للشركة".
قصة امرأة سوداء أنهت احتكار البيض لصناعة النسيج في أمريكا
وعلى قناة دردشة في المنصة تحمل وسم "الانتماء" (#belonging)، ناقش الموظفون العديد من القضايا المتعلقة بالعرق والشمولية. لكن عندما اكتشف شخص ما أن رمزاً تعبيرياً لمشنقة تم تحميله على محادثة "سلاك" احتدم النقاش، ووفقاً لتقرير نُشر في ذلك الوقت من قبل موقع "إنسايدر" الإخباري، قرر لوتكي أن هذا النقاش بات مصدر إلهاء خطير. وبدلاً من استخدامه كوسيلة لفتح الحوار مع موظفيه، قام بتحويل القناة إلى وضعية القراءة فقط.
"ليست عائلة.. ولا الحكومة"
بعدها، كتب مذكرة داخلية موجهّة لكبار المسؤولين التنفيذيين، أعلن فيها أن "شوبيفاي" "إنها ليست عائلة.. ولا الحكومة. لا يمكننا حل كل مشكلة مجتمعية هنا ".
وعلى الرغم من أن المذكرة احتوت على مراجع سرية كما هو متوقعاً، وهذه المرة، تعود إلى الكاتب لويس كارول عن مفاهيم في الهندسة الكهربائية، إلا أنه لم يكن الغرض من هذه المذكرة توزيعها على نطاق واسع. مع ذلك فقد تم تسريبها إلى وسائل الإعلام، وانتقدتها أطراف خارجية باعتبارها قاسية بشكل غير مبرر.
لا يتنصل لوتكي من مذكرته المذكورة، ولكنه يقول: "أتدري، ربما يجب علي النظر إلى رسائلي مرة أخرى".
(تقول زوجته، فيونا ماكين، عن الذكاء العاطفي لزوجها، الذي تؤكد أنه تحسن كثيراً منذ أن التقيا قبل 20 عاماً عندما كانا يلعبان "أشيرونز كول" على الإنترنت من قاراتين مختلفتين: "لا يمكنك إضفاء المنطق على أسلوبك خلال اضطراب ثقافي".
لكن لوتكي لم يتزحزح عن مبادئه، وخلال أزمات عام 2020، تحرك لتشديد قبضته أكثر على شركته، وليس أقل. في الخريف، غادر ميلر الشركة، وهو كان في منصب كبير مسؤولي الإنتاج، وصل إليه بعد 9 سنوات من العمل، بينما أخذ لوتكي مسؤولياته بسرعة.
كما غادر خلال الأشهر القليلة بعد ميلر أيضاً أربعة من كبار المسؤولين التنفيذيين الآخرين في الشركة، بينهم كبير مسؤولي التكنولوجيا وأعلى مدير تنفيذي للموارد البشرية، وذلك مع تلاشي الروابط، وانتهاء روح الزمالة داخل الشركة.
كتب لوتكي في المذكرة المسربة، أنه إذا كانت "شوبيفاي" ستنطلق إلى "عالم جديد لم نفهمه بعد"، فإن عليه أن يكون حازماً على رأس القيادة.
الطرح العام
في 2015، بعد 10 سنوات من النمو المنظم، دفع إنجازين بارزين "شوبيفاي" للدخول إلى الطبقة العليا من قطاع البيع بالتجزئة عبر الإنترنت، وهما: طرحها العام الأولي، وقرار "أمازون" غير المبرر ببيع قسم بناء مواقع الويب بشكل أساسي إلى "شوبيفاي"، مقابل مبلغ تافه قدره مليون دولار.
حتى ذلك الربيع، كان لوتكي متحفظاً بشأن جمع الأموال، حيث سافر إلى وادي السيليكون عدة مرات خلال أيام "شوبيفاي" الأولى، ونام في بيوت الشباب وكان يركب الدراجات للذهاب لشركات رأس المال الاستثماري. ولم يتغير الكثير منذ تلك المحاولات القليلة الأولى لجمع التمويل.
عندما بدأ لوتكي وفينكلشتاين، الذي كان آنذاك كبير مسؤولي التشغيل، في إجراء جولات التمويل في وول ستريت، كان القليل من المستثمرين المحتملين قد سمعوا عن "شوبيفاي".
ويتذكر لوتكي الأمر بقوله: "كنا نقول فقط: إذا كنت تشتري شيئاً ما على الإنترنت ولم تجده على "أمازون"، ولكن تجربتك في التسوق كانت جيدة، فسيكون هذا هو متجر "شوبيفاي"".
منافسين ضعفاء
عندما تم طرح "شوبيفاي" للاكتتاب العام الأولي في مايو من عام 2015، تعززت أسهمها بسبب عدم كفاءة عمالقة الصناعة، ممن كانوا يسيطرون من قبل على هذا الجزء من سوق برمجيات الشركات.
حيث كانت شركة "ياهو"، التي قدمت أدواتها الخاصة لبائعي التجزئة، مشتتة بسبب الاضطرابات الداخلية. أما "ماغنتو" (Magento) وهي شركة أخرى رائدة في السوق، فكانت تقدم برامج مفتوحة المصدر لبناء متاجر على الإنترنت، فاستحوذت عليها شركة "إيباي"، ثم انفصلت عنها وقامت "أدوب" (Adobe) بشرائها.
بينما كانت شركات أخرى مثل "آي بي إم" (IBM)، و"سيلز فورس" (Salesforce)، و"أوراكل" (Oracle) وغيرها٫ توفر خدمات مشابهة، لكنها كانت تقدم ذلك بصورة رئيسية للشركات الكبيرة وليست الصغيرة، التي تريد منفذاً سريعاً ورخيصاً على الإنترنت.
تعثّر "ويب ستور"
بعد بضعة أشهر من الاكتتاب العام، طرأ حدث هام. حيث قامت أمازون أيضاً بتشغيل خدمة تسمح للتجار المستقلين بتشغيل مواقعهم الإلكترونية، تسمى "ويب ستور". كانت "بانغ آند أولوفسين" (Bang & Olufsen) و"فروت أوف ذا لووم" (Fruit of the Loom) و"لاكوست" (Lacoste) من بين نحو 80 ألف شركة استخدمت هذه الخدمة لإدارة متاجرهم عبر الإنترنت من خلال "أمازون". ومن المؤكد أن بيزوس كان لديه الموارد والبراعة الهندسية اللازمة لسحق "شوبيفاي"، والاستيلاء على زخمها، إذا أراد ذلك.
لكن المسؤولين التنفيذيين في "أمازون" منذ ذلك الوقت يعترفون بأن خدمة "ويب ستور" لم تكن جيدة جداً، وأن مبيعاتها كانت ضئيلة جداً مقارنة بالفرص الكبيرة، التي كانت الشركة تراها في سوقها العالمي، التي يتسوق فيها العملاء على "أمازون دوت كوم"، وليس على مواقع الويب التجارية الخارجية.
في ذلك الوقت، كانت الشركة تعمل أيضاً على تطوير علامات تجارية داخلية مثل "أمازون بيزكس"، وكان على بائعي التجزئة المستخدمين لـ"ويب ستور" أن يقبلوا احتمالية تأثير عملاق التكنولوجيا على نجاحهم، ومنافسة أفضل منتجاتهم.
تحدث مسؤول تنفيذي سابق في "أمازون" كان يعمل في "ويب ستور"، بشرط عدم الكشف عن هويته بسبب أنه غير مصرح له بالتحدث علناً عن هذه المشكلة، قائلاً إن الأمر كان أشبه بوجود "الثعلب داخل قفص الدجاج، حيث كان التجار ينامون مغمضين عيناً واحدة".
كبوة "أمازون"
في أواخر 2015، في إحدى عمليات الغربلة الدورية التي يتخلص فيها بيزوس من الشركات ذات الأداء الضعيف، وافق على إغلاق "ويب ستور". وبعد ذلك، في خطأ استراتيجي نادر، ومن المرجح أن يسجل في تاريخ أكبر حماقات الشركات، أرسلت "أمازون" عملائها إلى "شوبيفاي"، وقالت علناً أن الشركة الكندية كانت الشريك المفضل لها وسط شتات "ويب ستور".
في المقابل، وافقت "شوبيفاي" على قبول "أمازون باي" (Amazon Pay) من تجارها، وسمحت لهم بإدراج منتجاتهم بسهولة في سوق "أمازون". ودفعت "شوبيفاي" لشركة "أمازون" مليون دولار، في صفقة مالية لم يتم الإعلان عنها من قبل.
وكان بيزوس وأمثاله لا يعتقدون أن دعم صغار تجار التجزئة ومتاجرهم عبر الإنترنت قد يكون عملاً كبيراً ومربحاً أبداً. لكنهم كانوا مخطئين، فقد حقق تجار التجزئة الصغار عبر الإنترنت حوالي 153 مليار دولار من المبيعات في عام 2020، وفقاً لـ"إيه إم آي بارتنرز" (AMI Partners). ويقول المدير التنفيذي السابق لـ"أمازون":
"شوبيفاي" جعلتنا نبدو كالحلم
حققت صفقة البيع هذه توزيعات أرباح فورية لـ"شوبيفاي". وفي اليوم الذي تم الإعلان فيه عنها، قفز سعر سهمها بشكل كبير من 7 دولارات إلى 23 دولاراً، لدرجة أن الشركة تلقت طلبات من هيئة تنظيم الصناعة المالية الأمريكية "فينرا"، وهي هيئة تنظيمية في الولايات المتحدة، لإعطائها مزيداً من المعلومات حول الاتفاقية (قالت "شوبيفاي" لاحقاً أن "فينرا" توقفت عن التحقيق في الأمر).
تهديد لـ"أمازون"
من جهة ثانية، أعطى تأييد "أمازون" لـ"شوبيفاي" مصداقية جديدة. وفي وقت لاحق، سوف تدرك "أمازون" خطأها، وتنظر إلى "شوبيفاي"، والاتجاه الوليد للعلامات التجارية، التي تبيع مباشرة إلى المستهلكين، كتهديد حقيقي لهيمنتها.
إنفوغراف.. أمازون تجني 850 ألف دولار إيرادات في الدقيقة الواحدة
حيث اتضح أن التجار لم يكونوا متحمسين فقط لدفع 30 دولاراً شهرياً مقابل الاشتراك الأساسي في "شوبيفاي"، بل كانوا أيضاً يستخدمون بكل سرور جميع المزايا الإضافية، التي ساعدتهم على بيع المزيد من الأشياء، ومن ذلك مثلاً: الوصول إلى التطبيقات التي تصنعها الشركات الأخرى لمتجر تطبيقات "شوبيفاي"، وهو ما يتيح لهم إرسال نصوص تسويقية ورسائل بريد إلكتروني إلى العملاء، أو وضع تعليقات على مواقع أخرى. وعندما يستخدم تاجر كبير أحد هذه التطبيقات، فإن "شوبيفاي" تحصل على نسبة.
تسويق مبتكر
في عام 2016، قدمت "شوبيفاي" خدمة الإقراض لمساعدة الشركات الصغيرة، التي لولاها كانت هذه الشركات ستنتظر لفترة طويلة للحصول على قروض من البنوك التقليدية.
حيث يتيح البرنامج، على غرار نظيره "سكوير" (Square)، الذي بدأه قبل عامين رجل الأعمال الأمريكي جاك دورسي (ويسمى الآن بلوك)، للبائعين بدء شركاتهم عن طريق شراء المخزون وتعيين موظفين.
في المقابل، يدفع المقترضون نسبة مئوية من مبيعاتهم إلى "شوبيفاي" حتى يسددوا المبلغ الأساسي والرسوم ذات الصلة. وفي نوفمبر الماضي، قالت الشركة إن "شوبيفاي كابيتال" أقرضت ما مجموعه 2.7 مليار دولار للتجار منذ إنشائها.
بالمثل، تتيح "شوب باي" (Shop Pay)، وهي منافسة لشركة "باي بال"، أطلقتها "شوبيفاي" في عام 2017، للمتسوقين حفظ بيانات بطاقات الائتمان أثناء انتقالهم من تاجر إلى آخر على "شوبيفاي". وجمعت الشركة ما يصل إلى 2.9% من كل عملية بيع بالإضافة إلى 30 سنت لكل معاملة، وتعتبر الآن إحدى أدوات الدفع عبر الإنترنت الأسرع نمواً في الولايات المتحدة.
رواد الأعمال الجدد
مع ذلك، فإن أهم شيء غاب عن ذهن "أمازون" هو العدد الهائل من رواد الأعمال المستعدين لتفعيل مفاهيم أعمالهم على أرض الواقع. هؤلاء الرواد من المبادرين أمثال إيما ماكيلروي، التي تركت مهنتها في شركة "نايكي" في عام 2013 لتأسيس "وايلد فانغ" (Wildfang)، وهي علامة تجارية للأزياء مهمتها "تغيير الصور النمطية الجنسانية".
قبل الوباء، كانت ماكيلروي تدير متاجر في لوس أنجلوس ونيويورك وبورتلاند بولاية أوريغون، بالإضافة إلى متجر وسيط على الإنترنت يطرح منتجات "ماغنتو"، والذي كان يعاني كثيراً من التوقف أثناء زيادة نشاط الزائرين خلال مواسم العطلات. تقول ماكيلروي: "كان موسم الجمعة السوداء أسوأ أسبوع لي في السنة، لم أكن أنام حتى".
في أكتوبر 2020، انتقلت ماكيلروي إلى "شوبيفاي" وأغلقت متجر نيويورك ضعيف الأداء، الذي كان في حي سوهو.
والآن، أصبح نشاطها التجاري يتم في الغالب عبر الإنترنت، وهو يزداد نمواً.
وتضيف: "أتحدث إلى الكثير من رواد الأعمال، وإذا كان بإمكاني أن أقدم نصيحة واحدة لهم فقط، فهي أنني كنت أتمنى لو اتجهت إلى "شوبيفاي" قبل 8 سنوات". وأردفت: "كان ذلك سيجعل حياتي أسهل بكثير".
المشاريع الصغيرة هي الخاسر الأكبر
خلال الأسابيع القليلة الأولى من الوباء، حذر لوتكي الموظفين خلال اجتماع افتراضي من الخطر الذي يهدد التجار مثل "وايلد فانغ". ويتذكر قوله حينها: "في كل مرة تحدث أزمة، يكون الخاسر الأكبر هو الشركات الصغيرة والمتوسطة، حيث يتم القضاء عليها دائماً، لأن لديها أقل قدرة على التكيف". وأعلن أن المهمة الجديدة لشركته ستكون مساعدة البائعين على النجاة من الاضطرابات.
قامت "شوبيفاي" بذلك بالفعل، لكن العديد من البائعين باتوا الآن في محنة مرة أخرى. في ظل تزايد مشاكل سلاسل التوريد، التي ابتُلي بها الاقتصاد العالمي، وحتى أكبر بائعي التجزئة باتوا يواجهون مشكلة في الحصول على البضائع من الشركات المصنعة، وتوصيلها إلى منازل العملاء في أو حتى بالقرب من الموعد.
بالطبع، تتمتع "أمازون" بميزة هنا، وهي: امتلاكها لشبكة لوجستية متقنة مكرسة لنقل المنتجات عبر المحيطات، وبين حوالي 930 مستودعاً حول العالم، ثم توصيل الطرود مباشرة إلى عناوين المشترين.
لكن البائعين على (شوبيفاي) على ما يبدو يائسين من الحصول هذا النوع من الدعم. يقول باتريك كودو، الشريك المؤسس لشركة "سبلاي" (Supply) التي تضم 11 موظفاً، وتدير موقعاً إلكترونياً لمنتجات العناية المخصصة للرجال: "لا أعرف لماذا لم تفعل "شوبيفاي" المزيد؟ سيكون من الرائع بالتأكيد أن يقدموا شيئاً لمساعدتنا على التنافس مع "أمازون"".
خدمات جديدة
لسنوات، كان لوتكي يستهزأ بفكرة الدخول في أعمال مستودعات التعبئة المعروفة بخدمات الإيفاء بالطلبيات. في عام 2019، قدمت الشركة ما أسمته بـ"شبكة إيفاء شوبيفاي" (Shopify Fulfillment Network)، التي تربط التجار بمراكز مستودعات مملوكة للقطاع الخاص، وهي تقدم درجة موثوقية تماثل ما تقدمه "أمازون برايم"، كما تربط هذه الشبكة التجار أيضاً مع شركات الشحن بما فيها: "يونايتد بارسيل سيرفس"، و"فيدكس".
وعدت "شوبيفاي" باستثمار مليار دولار على مدى 5 سنوات لتوسيع هذه الخدمة، مع دفع 450 مليون دولار للاستحواذ على شركة "6 ريفر سيستمز" (6 River Systems) الناشئة للروبوتات، والتي يقع مقرها في ماساتشوستس، وتقوم بصنع نفس نوع الروبوتات التي تجوب طوابق مستودعات "أمازون".
وقد بدا للمراقبين، بأن لوتكي كان جاهزاً لشراء المستودعات، وتوظيف العمال من ذوي الياقات الزرقاء، والبدء في نقل الصناديق والطرود إلى جميع أنحاء العالم.
لكن هذا لم يحدث، وما تزال "شوبيفاي" تترك الخطوة الأخيرة إلى حد كبير لتجارها. في يناير من عام 2021، عينت الشركة مديراً تنفيذياً للعمليات من أمازون يُدعى نيتين كابور، لكنه غادر الشركة بعد 9 أشهر (رفض كابور التعليق).
صعوبات لوجستية
يقول لوتكي إن الخدمات اللوجستية "يصعب التعامل معها بالنسبة لشركات البرمجيات"، بمعنى أن هذه الشركات اعتادت على العمل على البرمجيات المربحة، مستغنية عن المشاكل الناتجة عن إصابات الموظفين، ومطالبات حملات الاتحادات النقابية.
يقول لوتكي، إذا كانت الكفاءة القاسية، على غرار طريقة عمل "أمازون" لتشغيل مثل هذه الشبكة؛ "فأنا لا أعتقد أننا سننجح في ذلك". وأضاف: "سنقوم بذلك بشكل مختلف، لأننا لا نرغب بالظهور في هذه الصورة".
وفي حقيقة الأمر، أتقنت "أمازون" أيضاً نوعاً من الكفاءة التشغيلية، التي لم يُتح لـ"شوبيفاي" أبداً التعامل معها. بدلاً من ذلك، يدّعي المسؤولون التنفيذيون في "شوبيفاي" بشكل غير مرجّح، بأن التسليم السريع للمنتجات الكمالية، التي يبيعها التجار المتعاملين معم، ليس مهماً للمتسوقين.
يقول مارك ماهاني، رئيس أبحاث الإنترنت في شركة "إيفر سكور" (Evercore ISI): "أظن أن ذلك لن يصمد كثيراً". واستطرد: "بمرور الوقت، إذا قام شخص ما بتسليمك منتجاً في غضون يوم واحد، ولم يفعل الآخر، ستختار الأسرع تسليماً. وأعتقد أن هذا سيشكل تحدياً كبيراً لـ"شوبيفاي"".
وسائل التواصل
بالعودة إلى العالم الافتراضي، أبرم لوتكي صفقات مع شركات وسائل التواصل الاجتماعي بدءاً من "بنترست" إلى "تيك توك"، مما يسمح للبائعين بالإعلان عن الأشياء وبيعها بشكل أفضل على المواقع التي يقضي فيها مستخدمو الإنترنت معظم أوقاتهم. لكن البائعين الذين يعلنون على الشبكات الاجتماعية يتعرضون للضرر من الطرف الآخر أيضاً. فمع تغيير "أبل" للقواعد المتعلقة بتتبع البيانات وخصوصية المستخدم على أجهزة "أيفون"، أصبحت إعلانات "فيسبوك" أكثر تكلفة وأقل فاعلية، مما أدى إلى الضغط على الشركات الصغيرة.
هيئة المنافسة البريطانية: "أبل" و"غوغل" تحكمان قبضتهما على سوق الهواتف
وفقاً لمؤسس شركة "سبلاي"، فقد تسبب هذا التبديل في عدم تحقيق شركته لأرباح هذا الصيف، وذلك لأول مرة في تاريخها الممتد على ست سنوات.
وسيط محايد
بإمكان "شوبيفاي" تقليل الضرر إذا ساعدت تجارها في العثور على العملاء بشكل أكثر مباشرة، كما تفعل "أمازون" مع كل بحث على موقعها الإلكتروني. لكن فيما يخص ذلك أيضاً كان لوتكي يتحسس خطواته بحذر. فبالرغم من أن "شوبيفاي" أطلقت ميزة البحث على تطبيق "شوب" الخاص بها في عام 2021، إلا أنها تضع نفسها في موقف الوسيط الحيادي.
فحسب وجهة نظر الشركة، إذا بحث أحد العملاء عن مستحضرات التجميل، ووجهته "شوبيفاي" إلى موقع "فينتي بيوتي" (Fenty Beauty)، الخاص بالمغنية الأمريكية ريانا مثلاً بدلاً من "كايلي كوزمتكس" (Kylie Cosmetics). قد يواجه "شوبيفاي" غضباً من بعض معجبي عائلة كارداشيان. لذا؛ فإن نتائج بحث الشركة تعطي الأولوية للعلامات التجارية التي اشتراها العملاء بالفعل، أو تسردها بشكل عشوائي.
لكن في حال اكتشفت شركة منافسة كيفية إرسال أعداد غفيرة من المشترين إلى التجّار المتعاملين مع "شوبيفاي"، ثم تولت مسؤولية الشحن بمجرد إجراء عملية البيع؛ فمن المحتمل حينها أن ينشق الـ2 مليون تاجر المتعاملين مع "شوبيفاي" بسهولة عنها، بنفس قدر الحماس الذي توافدوا به عليها خلال العقد الماضي.
مرة أخرى، من الممكن أن تكون "أمازون" أحد هؤلاء المنافسين. فمنذ أواخر عام 2017، يقول المسؤولون التنفيذيون السابقون في الشركة، إنها كانت تعمل على مشروع، يُعرف داخلياً بالاسم الرمزي "سانتوس" (Santos)، وهو من شأنه أن يسمح لتجار التجزئة بتشغيل مواقع مستقلة خارج "أمازون". وأضافوا، أن القسم يحاول استعادة الفرصة التي أهدرتها "أمازون" عندما أغلقت "ويب ستور".
المشروع يتبع لوحدة الحوسبة السحابية "أمازون ويب سيرفيسيز"، وهو الموقع السابق الذي أشرف عليه آندي جيسي، خليفة بيزوس في إدارة الشركة، ويمكن أن يتم طرح هذا المشروع لأول مرة في أقرب وقت من العام الحالي. (رفضت الشركة التعليق).
مهمة ناجحة
حول هذا الأمر، يبدو أن لوتكي يشعر قليلاً بأن ذلك شيء قدري. فهو يقول: "أعتقد أن "أمازون" منافسة قوية".
وأضاف: "إذا قاموا بعمل جيد جداً، وجعلوا بدء المشروعات الجديدة على "أمازون" سهل للغاية؛ سأشعر حينها أنني أنجزت مهمتي بالفعل". ويوضح لوتكي أنه مستعد أن يصبح الأضعف في السوق مرة أخرى، وربما يحدث ذلك لاستعادة زمام تحالف المتمردين.
قد يحتاج لوتكي لهذه النظرة في ظل انخفاض سعر سهم "شوبيفاي" بنسبة 10% خلال نوفمبر من العام الماضي، حيث يشعر المستثمرون بالقلق من احتمالية تباطؤ المبيعات الرقمية، التي انتعشت بعد الإغلاق، إلى جانب زيادة التضخم. يقول لوتكي: "طوال السنوات التي قضيتها في بناء "شوبيفاي"، كان الناس يقللون باستمرار من حجم تجارة الإنترنت والبيع بالتجزئة". وأردف: "إنه كبير جداً".
شركة غير مقيّدة جغرافياً
في الوقت الحالي، يركز لوتكي على الاستمرار في بناء شركة غير مقيدة بأي مكان مادي، على الرغم من أنه يقر بأن عام "شوبيفاي" المضطرب كان ليصبح أسهل لو أتيحت طقوس العمل المعتادة مثل الذهاب لتناول مشروبات بعد العمل.
وتابع: "لم يكتشف الإنترنت كيفية جعل المجتمعات تعالج نفسها بنفسها بعد نقطة معينة". كما أنه لا يستبعد إمكانية أن يغير موقفه يوماً ما، وأن يجلس في مكاتب جديدة، ويكتب "إقراراً يسخر فيه من أخطائه".
ومستقبلاً فإن الأمر الأكثر إلحاحاً بالنسبة له هو التواصل مع كبار المديرين التنفيذيين في "شوبيفاي"، بما في ذلك بعض الموظفين الذين لم يلتق بهم وجهاً لوجه بعد.
في هذا الخريف، دعا لوتكي فريق إدارته إلى "أوبنيكون" وهو فندق ومنتجع ريفي يعود إلى حقبة ثمانينيات القرن التاسع عشر، اشتراه هو وماكين، وأعادا ترميمه بشق الأنفس في عام 2015، وهو يقع على بعد حوالي 80 ميلاً (1 ميل = 1,6 كم) من منزلهما.
حينها كان المسؤولون التنفيذيون في "شوبيفاي" يلعبون نهاراً لعبة المطاردة بمسدسات الليزر. وفي الليل، كانوا يتسامرون حول حلقة النار. ولأول مرة منذ شهور، عادت الأيام الخوالي، ولم تكن "شوبيفاي" في كل مكان، ولكنها في موقع جغرافي أكثر تقليدية، حيث اجمع مديروها بالقرب من أوتاوا في كندا.