بلومبرغ
بدأ مرتادو المطاعم يتقبلون شيئاً فشيئاً فكرة أطباق اللحوم النباتية، والبرغر المصنوعة من البازلاء، وزيت جوز الهند، وكعكات السلطعون المعدّة من الخرشوف والطحالب، و"ناغيت الدجاج" المكوّن من الغلوتين، ونشاء "تابيوكا"، في حين يراهن كبار منتجي المواد الغذائية على أنَّ صراصير الليل، والخنافس، ودود الطحين والديدان، سوف تنضم قريباً إلى هذه التشكيلة.
اقرأ أيضاً: سنغافورة أول دولة تسمح ببيع لحوم المختبرات
قال تونياوات كاسيمسوان، مدير شؤون الابتكار في شركة إنتاج التونة المعلبة "تاي يونيون غروب" (Thai Union Group) التي بدأت تتوسع نحو البروتينات من مصادر حشرية، إنَّ "الجميع ينظر إلى الأثر البيئي للاستحصال على الطعام، ولذا؛ فثمّة مقدرات نموّ عالية". وأضاف: "هناك الدجاج والتونة المصنوعة من الخضار، ومن زراعة الخلايا ومن الحشرات، وهي كلّها أمور نعرف أنَّ الطلب سوف يرتفع عليها أكثر بكثير ممّا نراه اليوم".
اقرأ المزيد: لماذا لا نتحوّل إلى لحوم المختبرات طالما أنها أكثر صحة ونظافة؟
آلاف الأنواع قابلة للأكل
برغم أنَّ الأشخاص النباتيين يمتنعون عن تناول الحشرات، بما أنَّها حيوانات أو كائنات حية في نهاية المطاف؛ إلا أنَّ المروّجين للحشرات كمأكولات يشيرون إلى وجود ألفيّ نوع منها قابلة للأكل، وهي ذات بصمة كربونية منخفضة، وتتطلب مساحة أقل من الأراضي بالمقارنة مع تربية الماشية، وزراعة الكثير من أنواع الحبوب. كما تتمتع الأنواع المختلفة من الحشرات بميزات متنوعة، مما يجعلها مصدراً جيداً للغذاء. مثلاً، دودة الطحين نظيفة ومن دون رائحة، وغنية بالمعادن والفيتامينات، في حين أنَّ صراصير الليل والجنادب غنية بالبروتينات، ويرقات ذباب الفاكهة التي يعرفها أغلبية الأشخاص باسم الديدان، تتمتع بطعم خفيف ولون فاتح، ولذا يسهل سترها في الطعام. أمّا يرقة ذبابة الجندي الأسود؛ فإنَّها تقتات على أي مخلفات عضوية.
تلقّت السوق المستقبلية المحتملة للحشرات دفعة كبيرة هذا العام، حين وافق الاتحاد الأوروبي على صلاحية الجراد ودود الطحين للاستهلاك البشري، في حين قالت الهيئات الناظمة الأوروبية، إنَّها تراجع طلبات تتعلق بنحو ستة أجناس أخرى.
سوق كبيرة
هذا، ويتوقَّع "باركليز" أن تحقق سوق الحشرات القابلة للأكل نمواً ليصل حجمها إلى 8 مليارات دولار في عام 2030، بالمقارنة مع أقل من مليار دولار في عام 2019، مما سيشكل تحدياً لسوق اللحوم النباتية الذي تسيطر عليه شركتا "إمبوسيبل فودز" (Impossible Foods)، و"بيوند ميت" (Beyond Meat).
تعليقاً على ذلك؛ قال محمد عاشور، الرئيس التنفيذي لشركة "أسباير فود غروب" (Aspire Food Group) التي تبني مزرعة عمودية من 11 طابقاً لصراصير الليل في أونتاريو: "لكلّ رطل، الحشرات أكثر كفاءة من الماشية، وتتطلب مساحة أقل من الصويا". وأضاف: "الحشرات من أكثر المواد التي يسهل إضفاء نكهات لذيذة عليها. فهي تأخذ نكهة أي شيء تضيفه إليها".
يتناول أكثر من ملياريّ شخص في الدول النامية الحشرات، إلا أنَّ معظم المستهلكين في الدول الغنية ما يزالون في حالة اشمئزاز من الفكرة. وقد دفع ذلك بعشرات الشركات حول العالم لصنع أطعمة مكونة من الحشرات، من دون أن يظهر ذلك بوضوح في الشكل أو في الطعم. وكانت شركة "تاي يونيون" التي تبيع منتجات التونة وغيرها من ثمار البحر تحت شعار العديد من العلامات التجارية مثل: "تشيكن أوف ذا سي" (Chicken of the Sea)، و"جون ويست" (John West)، قد طرحت عام 2019 صندوق تمويل مجازف استثمر في ثلاث شركات ناشئة متخصصة بالبروتينات الحشرية.
الذباب على الطريق
في غضون ذلك، تجري شركة عملاقة أخرى في بانكوك، هي "شاروين بوكبهاند فودز" (Charoen Pokphand Foods)، بحوثاً حول استخدام ذباب الجندي الأسود كطعام للبشر والحيوانات. وتقوم شركة "ينسكت" (Ynsect) ببيع بروتينات دودة الجاموس التي تستخدم في إعداد اللحوم الصناعية التي تباع في محال السوبرماركت والمطاعم في النمسا والدانمارك. وقال كونستانت تيدر، مؤسس شركة "فلاي فارم" (FlyFarm) الناشئة التي تبني معامل آلية لتربية الحشرات، إنَّ "هذه هي تربية الحشرات المتطورة". وأضاف: "الآن الناس يلقون مزاحاً عن الحشرات، ولكن قريباً سوف تتناولونها مع شطيرة البرغر".
روائح ونكهات مختلفة
قال إران غرونيتش، الرئيس التنفيذي لشركة "فلاينغ سبارك" (Flying Spark) الإسرائيلية الناشئة المدعومة من شركة "تاي يونيون"، إنَّ الكثير من البحوث الرامية لتعزيز جاذبية اللحوم النباتية سوف تساعد منتجي الحشرات أيضاً. وتعمل الشركة الإسرائيلية حالياً على صنع بدائل لثمار البحر، وهي مكونة من يرقات ذباب الفاكهة، وتستغرق أسبوعاً واحداً فقط حتى تنضج. وتتضمن منتجاتها بديلاً عن التونة المعلبة وهي مصنوعة من خليط من بروتينات اليرقات مع البهارات والمنكهات والألوان التي تحاكي اللون الحقيقي للتونة. وقال غرونيتش: "يمكننا أن نصنع القوام، والروائح، والنكهات المختلفة باستخدام أحدث التقنيات في مجال المواد الغذائية". وأضاف: "يمكن أن تقنع الأشخاص بتذوقها مرة واحدة، ولكن إذا لم يكن مذاقها رائعاً؛ فلن يعاودوا الكرة".
بدأت شركات كثيرة توجيه إنتاجها من الحشرات نحو صناعة أطعمة للحيوانات. فهناك نحو 90% من أصل ثلاثة ملايين طنّ من بروتينات الحشرات التي يُتوقَّع إنتاجها في أوروبا في عام 2030، سوف تكون مخصصة للعلف الحيواني، أو طعام الحيوانات الأليفة، بحسب "المنصة الدولية للحشرات من أجل الطعام والعلف" (International Platform of Insects for Food and Feed)، وهي منظمة غير حكومية في بروكسيل. وبالفعل؛ بدأت شركات عدة مثل: "كارغيل" (Cargill)، و"آرتشر دانيالز ميدلاند" (Archer-Daniels-Midland)، و"بورينا" (Purina) في السنوات الماضية، بصنع أطعمة للحيوانات الأليفة، وأكل للسمك، وعلف للماشية، كما تتضمن الحشرات في مكوناتها. وقال غورجان نيكوليك، كبير المحللين لدى "رابوبنك" (Rabobank): "ثمة طلب هائل على الحشرات في فئة طعام الحيوانات الأليفة الفاخر".
طلب متزايد
في الوقت الذي كان الاهتمام بالحشرات يكتسب زخماً؛ بدأ الطلب يتخطى العرض، مما دفع ببعض رواد الأعمال إلى البحث عن طرق جديدة لتربية الحشرات. ومن الأفكار المطروحة، تغذية هذه الحشرات بفضلات الطعام مثل الفاكهة الذابلة، ولبّ الفاكهة التي يخلفها منتجو العصائر والحبوب المتبقية من عمليات التخمير. في هذا الإطار، تعمل شركة "ليفين فارمز" (Livin Farms) الناشئة في فيينا على بناء العشرات من المنشآت على مقربة من معامل صناعة المواد الغذائية في أوروبا وآسيا التي ستنتج ما بين 500 إلى 30 ألف طنٍّ من بروتينات الحشرات في السنة.
ستستخدم هذه المنشآت الممكنة والروبوتات من أجل تحويل يرقات ذبابة الجندي الأسود إلى مسحوق بودرة، واستخراج الزيوت منها من أجل استخدامها في العلف. ويمكنها أيضاً أن تجمع فضلات الحشرات من أجل بيعها كأسمدة. وقالت الرئيسة التنفيذية لـ"ليفين فارمز"، كاثارينا أونغر: "من خلال معمل الحشرات؛ فإنَّهم يخففون من الانبعاثات الناجمة عنهم، ويحوّلون الفضلات إلى منتج قابل للبيع".