بلومبرغ
حين فتحت السلطات البريطانية تحقيقاً في ثروة عائلة أذربيجانية ذات صلات سياسية، كان أول ما أثار شكوكها، هو وجود عدد كبير من الشركات الصورية التي قامت بتحويلات مالية للعائلة بقيمة تتجاوز ضعفيّ الدخل المصرّح عنه من قبل الزوجين.
"المغسلة الأذربيجانية"
أودع نحو 14 مليون جنيه إسترليني (19.3 مليون دولار) في حسابات مصرفية بريطانية تابعة لسليمان جافادوف ولزوجته. وسليمان هو نجل نائب وزير طاقة سابق في أذربيجان. ومن بين الشركات الـ21 التي قامت بتحويل الأموال، برزت شركة "روفرز برودكشن أند توريزيم" التي استأجرت طائرة خاصة لنقل عارضات أزياء إلى جزيرة إيبيزا الإسبانية المشهورة باحتفالاتها. إلى جانب شركة أخرى، تدار حساباتها من قبل شخص يظهر أنه طبيب أسنان في بلجيكا.
وكانت محكمة في لندن قد نشرت في السابع من يوليو الحالي، تقريراً قانونياً شاملاً من إعداد وكالة مكافحة الجريمة، يقدم العرض التفصيلي الأوسع حتى الآن حول الطريقة التي تم اعتمادها لتبيض أموال قذرة عبر بريطانيا، وذلك في إطار العملية التي عرفت لاحقاً باسم "المغسلة الأذربيجانية" والتي أتاحت مرور حوالي 3 مليارات دولار نقداً.
كما يلقي التقرير الضوء على الدور الذي لعبه كل من، فرع مصرف "دانسكي بنك" في إستونيا، ومصرف "إيه بي إل في" (ABLV) في لاتفيا، بتحويل الأموال إلى بريطانيا. ويأتي نشر هذه الوثائق بعد أن وافقت عائلة جافادوف على دفع مبلغ 4 ملايين جنيه إسترليني مقابل إنهاء تحقيق وكالة مكافحة الجريمة.
وقال محامي الوكالة، جوناثان هول، أمام المحكمة، إن الهدف الوحيد للشركات الصورية كان "تمويه وإخفاء المصادر التي تأتي منها الأموال".
اتفاق التسوية
أضاف هول في جلسة الاستماع أمام المحكمة، أن الوكالة سعت في البداية لحجز 6.4 مليون جنيه إسترليني، إلا أنها عادت وقبلت بإبرام اتفاق تسوية مع سليمان جافادوف، وزوجته عزت خانم جافادوفا، قريبة الرئيس الأذربيجاني، وذلك في عشية موعد المحاكمة.
في إطار اتفاق التسوية، لم يقرّ الزوجان جافادوف بارتكاب أي ذنب، وقال محاموهما في بيان، إن الزوجين "يجريان تعاملات تجارية شرعية وكانا على ثقة أنه يتم التعامل مع تحويلاتهما المالية من قبل المصارف بشكل قانوني".
وفيما أقرّ الزوجان أنه تم تحويل الأموال لهما من خلال حسابات "تمرير"، حيث كانت الأموال تعبر خلال ما وصفه الادعاء بـعمليات الغسل، إلا أن الزوجين نفيا أن يكونا على علم بأن الأموال بحد ذاتها هي أموالٌ مغسولة، وذلك بحسب جيمس لويس، محامي الزوجين.
تعليقاً على ذلك، قالت سوزان هاولي، وهي رئيسة مجموعة "إضاءة على الفساد" الناشطة في مجال الشفافية في بريطانيا، إن وكالة مكافحة الجريمة من خلال قرارها بتسوية القضية، قد سلطت بشكل غير مباشر الضوء على التحديات التي تخيم على "مشكلة الأموال القذرة" في المملكة المتحدة. فحتى حين تختار الجهات القانونية اللجوء إلى دعاوى مدنية، بدل الدعاوى الجنائية، بما أن ذلك يحفف من عبء الإثباتات، فإن اتخاذها مثل هذا القرار يعدّ مؤشراً على أن "أجهزة إنفاذ القانون تواجه صعوبة في ربح بالقضايا".
يذكر أن الوثائق التي أعدتها وكالة مكافحة الجريمة في نهاية العام الماضي قبل جلسة الاستماع أمام المحكمة، قد نُشرت إثر طلب تقدمت به صحيفة "لندن إيفنينغ ستاندر"، وهو ما أتاح الكشف عن هوية الزوجين بعد معركة قضائية طويلة.
صلات مع دول البلطيق
تظهر الوثائق كيفية وصول الأموال إلى الحسابات المصرفية البريطانية في بنوك بينها بنك "بانكو سانتاندير" و"كوتس آند كو" الخاص، وذلك عبر مئات التحويلات من فرع "دانسكي بنك" في إستونيا، أو بنك "أي بي إل في" الذي كان في وقت ما، ثالث أكبر مصرف في لاتفيا، وذلك قبل أن يتم إغلاقه إثر مخاوف تتعلق بتبييض الأموال.
في غضون ذلك، لا يزال "دانسكي بنك"، أكبر مصرف في الدانمارك يخضع للتحقيق في الولايات المتحدة وأوروبا، على خلفية عدم قيامه بالتحقق من مبالغ بمليارات اليورو تدفقت إلى أوروبا، عبر فرعه في إستونيا.
ويستعد المستثمرون لاحتمال أن يتم تغريم المصرف، حيث من المتوقع أن تصل قيمة الغرامات عليه في الولايات المتحدة وحدها إلى مليار دولار بحسب تقديرات "بلومبرغ إنتليجنتس".
رفض "دانسكي بنك" التعليق على القضية بما أن التحقيقات لا تزال مستمرة، كما رفض بنك "كوتس" التعليق أيضاً. من جهته، قال متحدث باسم مجموعة "سانتاندير" إنه ليس بوسع البنك التعليق على القضايا الفردية، إلا أنه أكد بأنه "يتحمل مسؤوليته في التصدي لغسيل الأموال والفساد والتهرب الضريبي بجدية عالية". وأضاف أن البنك "سيبلّغ عن أي نشاط مشبوه إلى أجهزة إنفاذ القانون والهيئات الناظمة".
شركات صورية
بحسب وكالة مكافحة الجريمة، تلقى الزوجان جافادوف حوالي 1.6 مليون جنيه إسترليني من شركة "روفرز برودكشن" الواقعة في سيشل، عبر بنك "أي بي إل في" على مدى ستّ سنوات، وذلك حتى يناير 2018. وقالت الوكالة إن الشركة نفسها كانت قد نقلت مجموعة من الرجال وخمس عارضات أزياء شابات في رحلة جوية إلى إيبيزا بإسبانيا.
يذكر أن السيدة جافادوف التي عملت كمنسقة موسيقى (DJ) على الجزيرة الإسبانية تحت اسم "ميكاييلا جاف" لعدة مواسم صيفية، كانت قد بدأت بإحياء الحفلات في عام 2014، بحسب قاعدة بيانات على الإنترنت.
إلا أنه لم يتم العثور على شركة "روفرز برودكشن" في السجل التجاري في سيشل, كما تعذر التواصل معها. وبحسب سونيا أحمد، وهي أحد المحامين ضمن فريق المحاماة الخاص بالزوجين، لم يكن آل جافادوف على علم بالجهة التي تتبع لها الشركة، كما لم تكن لهما أي علاقة بالرحلة الجوية المستأجرة.
وكانت شركة أخرى، هي شركة "كروسبارك لاينز" التي توقفت عن العمل ومقرّها بريطانيا، قد قامت بـ48 تحويلاً من إستونيا إلى عائلة جافادوف. وقد أفيد بأن اسم الشخص الذي يدير حساباتها هو علي مولاي، وبحسب وكالة مكافحة الجريمة هو"اسم مرتبط بطبيب أسنان مقيم في بلجيكا".
من جهته، قال محامي الزوجين جافادوف إنهما لا يعرفان شيئاً عن شركة "كروسبارك" ولا تربطهما معها أي صلة، مضيفاً: "لا يمكن التوقع منهما أن يعرفا مسار الأموال التي تصل إلى حساباتهما في بريطانيا".
لم تفلح محاولات الاتصال بمولاي، إلا أنه كان قد تحدث في مقابلة مع "بازفيد" تعود للعام 2018 حول دوره مع شركات وهمية أخرى في بريطانيا، وقال للمؤسسات الإخبارية وقتها إنه وقّع "على أشياء عدة وفي مرات عدة" من أجل أصدقائه في لاتفيا.
وأثناء استجوابه من قبل وكالة مكافحة الجريمة، عجز سليمان جافادوف عن شرح دور بعض الشركات الـ21 المتورطة في التحويلات المالية. وقال للمحققين: "لقد سئمت من كلّ هذا الموضوع"، وذلك بحسب الوثائق التي قدمتها الوكالة أمام المحكمة.
نظام الحوالة
وقالت الوكالة إنها توقعت أن يستند آل جافادوف في دفاعهما إلى التبرير بأنه تم نقل الأموال من خلال نظام تحويل غير رسمي شائع في العالم الإسلامي يعرف بـ"الحوالة". فعلى الرغم من أن هذه الشبكة تستخدم بشكل عام لأهداف شرعية، إلا أن وكالة مكافحة الجريمة قد حذرت من أن هذا النظام يقع عرضة للاستغلال من قبل الأشخاص "الساعين لتمويه ودمج الأموال المكتسبة بطريقة إجرامية ضمن النظام المصرفي القانوني".
وبعد اتفاق التسوية، قالت الوكالة إنها ستستمر في ملاحقة أي أشخاص آخرين استخدموا عمليات غسل الأموال هذه. وقال أندي لويس، رئيس دائرة تجميد الأصول في الوكالة: "لا يجب على أي من الأشخاص الذين استخدموا المغسلة الأذربيجانية أن يشعروا بالإطمئنان، إذ أن أصولكم في المملكة المتحدة قابلة للاسترجاع".