بلومبرغ
على مدى أعوام عديدة، استطاعت النساء الدخول إلى القطاع المالي من خلال شغل وظائف أمينات الصندوق (صرّافات) بالبنوك. لكن حالياً، بات هذا المسار على وشك التلاشي.
فقد انخفض عدد أمناء الصناديق، وهي وظيفة تشغل فيها النساء 4 من كل 5 وظائف، بأكثر من 20% في الولايات المتحدة وكندا خلال العقد الماضي. هذا التراجع يأتي مع انتقال إمكانية إتمام المعاملات البنكية من الفروع إلى الهواتف المحمولة.
الوباء سرَّع الانتقال نحو الرقمنة
قد ينخفض عدد الصرَّافين بشكلٍ أسرع بعد تسريع الإغلاق الوبائي لاعتماد الخدمات المصرفية الرقمية. مع العلم أنه قبل تفشي الوباء، كان من المتوقع انخفاض عدد هذه الوظائف بالفعل بشكلٍ أكثر خلال الأعوام العشرة القادمة.
يُعدُّ التقدم التكنولوجي سبباً في القضاء على الحاجة إلى صرافّي البنوك. وهذا الأمر يهدد نقطة دخول المرأة إلى صناعة يسيطر عليها الذكور، وتستهدف ترقية المزيد من الإناث إلى شغل مناصب قيادية.
وتمكنت بعض الشركات المالية من تحسين التوازن بين الجنسين في وظائفها التنفيذية، لكن هذه الفجوة لا تزال حادة.
عن ذلك، تقول بيتسي ديوك، الرئيسة السابقة لمجموعة "ويلز فارغو"، والتي بدأت عملها كأمينة صندوق: "لم أكن لأصبح مصرفية دون هذه الوظيفة. لم أكن لأحظى بمهنتي هذه".
تشغل النساء 51% من وظائف المبتدئين و38% من المناصب الإدارية العليا في القطاع المصرفي والتمويل الاستهلاكي في الولايات المتحدة، بحسب تقرير صدر عن شركة "ماكنزي". وكلا الرقمين أعلى من المتوسط في مختلف الصناعات، بحسب التقرير الصادر العام الماضي.
الأمر نفسه في كندا
تعتبر الصورة مماثلة في كندا، حيث تشكل نسبة النساء العاملات في أكبر ستة بنوك بالبلاد 57% تقريباً من القوة العاملة و38% من المناصب الإدارية العليا. وذلك وفقاً لبيانات عام 2019 الصادرة عن جمعية المصرفيين الكندية.
الأرقام أقل تشجيعاً بكثير في المناصب العليا بالقطاع، إذ تشغل امرأة واحدة منصب رئيسية تنفيذية في بنك واحد فقط من بين 18 بنكاً مدرجين ضمن مؤشر "ستاندرد آند بورز 500".
وفي كندا، تتولى امرأة واحدة منصب القيادة في مصرف واحد فقط، من أكبر ثمانية مصارف مدرجة في البورصة في البلاد.
القيادة النسائية في البنوك
قالت سارة كابلان، الأستاذة في "جامعة تورنتو" ومديرة "معهد التنوع الاجتماعي والاقتصادي": "عندما يكون لديك بالفعل قوة عاملة تضم الكثير من النساء، فهناك فرص أكثر للقيادة النسائية".
لقد تحسنت الصورة بعض الشيء خلال العام الماضي، مع تعيين جين فريزر، رئيسة تنفيذية لمجموعة "سيتي غروب" في سبتمبر.
كما تولت رانيا لويلين، منصب قيادي في مصرف "لورنتيان بنك أوف كندا" بعد شهر من ذلك، ما جعلها أول رئيسة تنفيذية لمصرف كندي مطروح للتداول العام.
وقد كان منصب الصرّاف أو أمين الصندوق يمثل نقطة انطلاق لبعض النساء ذوات الرتب العالية في الخدمات المصرفية بأمريكا الشمالية. فكل من لويلين، من "لورنتيان بنك أوف كندا"، والرئيسة التنفيذية لـ "بنك أوف ذا ويست"، نانديتا باخشي، ورئيسة الخدمات المصرفية الشخصية في بنك "تورنتو دومينيون" الكندي، تيري كوري، وبيتسي ديوك، بدأن حياتهن المهنية كأمينات صندوق بالبنوك.
وتقول ديوك، إن شغل النساء لأعلى المراتب المصرفية يحدث بشكل أبطأ بكثير مما كان متوقعاً. ومع ذلك، فإنها تشعر بالتفاؤل تجاه مستقبل الصناعة، والسبب في ذلك يعود جزئياً إلى تنويع البنوك لمجالس إدارتها.
كفاءة الموظفين
تضيف ديوك: "عندما تنظر إلى كفاءة الموظفين الجاهزين لشغل المناصب القيادية الشاغرة في كافة أرجاء القطاع المصرفي، ستجد أن الجيل القادم من الرؤساء التنفيذيين يضم عدداً من النساء البارزات".
بعد التخرج من "جامعة نورث كارولينا" في تشابل هيل بدرجة علمية في الفنون المسرحية، تولت ديوك منصب أمينة صندوق بدوام جزئي في مصرف "فيرست أند ميرشانتس ناشونال بنك" في مسقط رأسها فيرجينيا بيتش، بفيرجينيا. لم تكن هذه الخطوة ناتجة عن شعور بالاهتمام تجاه الصناعة، بل كان بسبب حاجتها إلى وظيفة.
بدأت ديوك هذه المهنة التي تشمل الارتقاء لتولي مناصب مثل رئيسة تنفيذية ورئيسة تنفيذية للعمليات ومديرة مالية في مجموعة متنوعة من الشركات، فضلاً عن إمكانية تولي منصب محافظ الاحتياطي الفيدرالي.
لكن المسار الذي اتبعته ديوك في هذه الصناعة آخذٌ في التضاؤل، مع تحول المعاملات إلى أن تصبح رقمية بشكل متزايد. فهذا التحوّل أتاح للبنوك خفض شبكات الفروع، ما زاد من تراجع وظائف الصرافين.
في الولايات المتحدة، انخفض عدد الصرَّافين بنسبة 24% في العشرة أعوام الماضية حتى مايو 2021، وذلك بحسب مكتب إحصاءات العمل الأمريكي.
وفي كندا، تراجع عدد ممثلي خدمة العملاء في المؤسسات المالية بنسبة 27% من عام 2010 حتى العام الماضي، بحسب هيئة الإحصاءات الكندية.
مراكز الاستشارات
في إطار التحركات التي باتت شائعة نوعاً ما بالنسبة للصناعة، خفض بنك "إمبريال الكندي للتجارة" شبكة فروعه بنسبة 9.2% خلال الخمسة أعوام الماضية، كما حوّل 20% تقريباً من مواقع فروعه إلى "مراكز استشارات" ليس بها صرََافين على الإطلاق.
ويتولى الصرَّافون، الذين لا يزالون متواجدين في مواقع العمل، إتمام مهام جديدة، مثل مساعدة العملاء في إيجاد بطاقة الائتمان المناسبة لهم، وذلك بحسب ما قاله بيتر لي، نائب الرئيس التنفيذي للمراكز المصرفية في بنك "إمبريال الكندي للتجارة".
وقد قال لي في مقابلة: "هذه الأدوار تتطور من التركيز الشديد على المعاملات إلى القدرة على إجراء المعاملات، مع اكتساب مهارات مختلفة في الوقت ذاته".
ويتوقع مكتب إحصاءات العمل الأمريكي أن ينخفض عدد وظائف الصرّافين بنسبة 15% بين عامي 2019 و2029. أما في كندا، تتوقع الحكومة انخفاضاً بهذه الوظائف بنسبة 8.4% في الفترة من 2018 إلى 2028.
مع تراجع أعداد وظائف الصرافين، وبما أن الوظائف المتبقية تتضمن مسؤوليات مرتفعة القيمة، فإن البنوك سترفع المتطلبات التعليمية لشغل تلك الوظائف، حسبما قالت كابلان من جامعة تورنتو.
مسار مهدد
مع افتقار 80% تقريباً من الصرافين لدرجة البكالوريوس، فإن هذا الأمر يهدد مسار النساء القادمات من خلفيات أقل تميزاً نحو عالم الشركات. جدير بالذكر أن وظائف الصرّاف تعد عالية الأجر نسبياً، ولها ساعات عمل منتظمة تتيح للعاملين حضور فصول دراسية بجانب العمل.
قال كابلان: "إنه طريق يسمح بالانعطاف بالنسبة للطبقة المتوسطة من الأشخاص الحاصلين على شهادة لا تزيد على الثانوية، وهذا التغيير سيلغي قدرة الانعطاف هذه لهؤلاء ".
انعطافة لتغيير المسار المهني
بدأت كوري حياتها المهنية مع "تورنتو دومينيون" كأمينة صندوق بمدينة كالغاري بعد عامها الأول في الجامعة، لتصبح حالياً مديرة الخدمات المصرفية الشخصية الكندية لدى البنك.
وظلت كوري متمسكة بهذه الوظيفة طوال فترة الدراسة بسبب بيئة العمل المدمجة والساعات الثابتة التي مكنتها من مواصلة دراستها، حسبما قالت في مقابلة.
قبل تولى هذا المنصب، كانت كوري تخطط في الأساس لتكون معلمة رياضيات، لكن بعد التخرج قررت البقاء في "تورنتو دومينيون".
وأوضحت أن العديد من الزملاء ممن يملكون وظائف مصرفية مماثلة لعقود زمنية بدؤوا حياتهم المهنية بنفس الطريقة.
وقالت: "كان من الواضح أن هناك الكثير من الفرص في البنك للتقدم في الحياة المهنية، ولا تزال هذه الفرص متواجدة. أنا مثال رائع على هذا الحظ الجيد".
ومن جهتها، لا تشعر كوري بقلق من تأثير تراجع أعداد الصرَّافين حول تقدم المرأة في القطاع المالي. وأشارت إلى أن النساء استحوذن على نسبة 53% من إجمالي الموظفين في البنك العام الماضي، كما أنهن يستحوذن على 54% من الترقيات الوظيفية في كندا.
بينما قالت باخشي، الرئيسة التنفيذية لـ"بنك أوف ذا ويست" التابع لبنك "بي إن بي باريبا"، في مقابلة، إن تركيزها الكبير يكمن في جعل النساء يقمن بأدوار يكن فيها مسؤولات عن النتائج المالية للأعمال التجارية.
وقد بدأت باخشي في العمل المصرفي كأمينة صندوق بدوام جزئي في فرع "نوث إيست سيفينجز بنك" في شمال قرية لاثام بنيويورك، بعد أن هاجرت من الهند إلى الولايات المتحدة منذ أكثر من ثلاثة عقود.
وحصلت باخشي بالفعل على درجة الماجستير في العلاقات الدولية، وكانت وظيفتها مناسبة لها في ذلك الوقت، حيث كانت تقع في مركز تجاري قريب من سكنها، بينما يمكنها في الوقت نفسه البحث عن فرص عمل أخرى.
وقد انتهى بها الأمر بالبقاء في مجال التمويل، حيث تقلدت العديد من المناصب في "بنك أوف أمريكا" و"تورنتو دومينيون" وشركات أخرى، قبل أن تصبح الرئيسة التنفيذية لـ "بنك أوف ذا ويست" في عام 2016.
وأوضحت باخشي في مقابلة: "ما نحتاجه هو خطوط عمل وطريقة قوية لإدارة المواهب، بحيث تبحث عن النساء ولا تنتظر وصولهن فقط، بل تجدهن عندما يمررن بالعملية التوظيفية، وعندما يواجهن تحديات جديدة. عليك دعمهن، عليك توجيههن وجلبهن أيضاَ".