ودائع مالية تخرج من بنوك العراق مخافة "الإفلاس"

انخفاض حجم الودائع في البنوك التجارية العراقية إلى أدنى مستوى في 22 شهراً

time reading iconدقائق القراءة - 8
رجل يعد أوراقاً نقدية عراقية من فئة 25 ألف دينار في مكتب للصرافة في بغداد، العراق، بتاريخ 23 يناير 2023 - المصدر: بلومبرغ
رجل يعد أوراقاً نقدية عراقية من فئة 25 ألف دينار في مكتب للصرافة في بغداد، العراق، بتاريخ 23 يناير 2023 - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

الشرق

تسبب إغلاق البنك المركزي العراقي لمنصة تحويل الدولار في مغادرة ودائع مالية سواء لأفراد أو شركات خوفاً من أن المصارف التي كانت تحتضن أموالهم قد تتعرض للإفلاس وتعجز عن تسديد ودائعهم، لعدم تماشي إجراءات تلك المصارف مع متطلبات البنك المركزي العراقي ووزارة الخزانة الأميركية.

بحسب بيانات البنك المركزي، تقلص حجم الودائع في البنوك التجارية في العراق إلى أدنى مستوى في 22 شهراً، إلى 123 تريليون دينار عراقي في نوفمبر المنصرم مقابل 127.5 تريليون في أكتوبر. وتقلص حجم الودائع بمقدار 7 تريليونات دينار في ستة شهور (من يونيو إلى نوفمبر 2024)، ما يعكس اتجاهاً مستمراً نحو تراجع مستويات الادخار في النظام المصرفي خلال الأشهر الأخيرة.

(سعر الصرف الرسمي للدولار 1310 دينار. السعر في السوق يناهز 1500 دينار)

كان البنك المركزي العراقي يقوم منذ بداية 2023 بالمراقبة المباشرة للحوالات المالية بالدولار عبر منصة خاصة بهدف إعادة تنظيم التحويلات المالية للمصارف العراقية، بحيث تتيح مراقبة استباقية بدلاً من الرقابة اللاحقة التي كان يقوم بها الاحتياطي الفيدرالي الأميركي من خلال تدقيق الحوالات اليومية، لكنه قرر هذا العام إنهاء العمل بتلك المنصة اعتباراً من بداية العام الجاري..

أدرجت الولايات المتحدة 14 مصرفاً عراقياً، تمثل نصف إجمالي المصارف في البلاد، على القائمة السوداء، ومنعتها من إجراء معاملات بالدولار للاشتباه في استخدامها لغسل الأموال وتحويل الأموال إلى إيران وسوريا.

تخوف لدى المودعين

المدير المفوض لـ"الشركة العراقية لضمان الودائع" وليدي عيدي قال في حديث لـ"الشرق" إن "الشركة تستشعر وجود تخوف لدى المودعين في المصارف التي تعرضت لعقوبات صادرة من وزارة الخزانة الأميركية"؛ مضيفاً أن الأرقام الإحصائية تشير إلى أن" العديد من المودعين خاصة التجار منهم استطاعوا سحب أموالهم وإيداعها في حسابات لدى المصارف الحكومية أو غير المعاقبة بهدف استمرار أعمالهم التجارية وإزالة الهواجس والخوف الذي يشعرون به".

اقرأ أيضاً: العراق يوقف جميع عمليات السحب النقدي بالدولار مطلع 2024

لكن عيدي أكد أن "الشركة لم تتلق حتى الآن أي مطالبات تعويض من المودعين في أي مصرف"، مُشدداً على أن التعويض مرتبط بصدور قرار من مجلس إدارة البنك المركزي العراقي الذي يقضي بإعلان مصرف معين إفلاسه و"لم يصدر مثل هذا القرار حتى الآن".

وفي نفس السياق، يشير رئيس رابطة المصارف العراقية الخاصة وديع الحنظل في حديث لـ"الشرق"، إلى أن المصارف العراقية تتمتع بقدرة مالية قوية تمكنها من التعامل مع التقلبات السوقية أو أي تغيرات في آليات التحويل دون التأثير على ودائع عملائها.

قيود دولية 

بحسب صفوان قصي، أستاذ كلية الإدارة والاقتصاد في الجامعة المستنصرية، لم تمنع القيود الدولية التي فُرضت على بعض المصارف العراقية من تعويض المفقود من الأرباح من التحويلات الدولية بالدولار حيث لجأت إلى تشغيل الودائع الموجودة لديها في مختلف القطاعات الاقتصادية المدرة للدخل، فضلاً عن البدء بعمليات إصلاح في هذه المصارف من أجل أن تكون مقبولة دولياً، مرجحاً أن فتح نافذة التحوط على الدينار العراقي في هذه المصارف سيرفع من الودائع وتنتقل السيولة من خارج المصارف إلى داخله ولو تدريجياً.

اقرأ المزيد: البنك المركزي العراقي يحدد 4 ضوابط لكبح سوق الدولار السوداء

المدير المفوض لـ"مصرف الخليج التجاري" عادل نوري أقر في حديث لـ"الشرق" بوجود تأثير على الودائع لدى البنك والبالغة 210 مليارات دينار بنهاية العام 2024. ويعزو ذلك إلى عدم دخول المصرف في منصة بيع الدولار عاداً بأنه تأثير نسبي ومحدود، مؤكداً أن المصرف بدأ بتوسيع نشاطاته وفعالياته المصرفية من أجل استقطاب أكبر عدد ممكن من الودائع من خلال عروض تنافسية تم طرحها في السوق.

البنوك المخولة بحوالات الدولار في العراق

  • مصرف بغداد
  • مصرف المنصور
  • مصرف الأهلي
  • مصرف أبوظبي
  • مصرف الائتمان
  • مصرف TBI (حكومي)
  • المصرف التجاري العراقي الإسلامي
  • المصرف العربي العراقي
  • مصرف الأردن
  • مصرف الاتحاد الأردني

لكن بالنسبة إلى "مصرف التنمية الدولي" فيؤكد رئيس مجلس إدارته زياد خلف في حديثه لـ"الشرق" أن المصرف بودائع بلغت 2.9 تريليون دينار لم يتأثر بإغلاق المنصة لأنه عمل على بناء علاقات استراتيجية مع البنوك المراسلة ومؤسسات التمويل الدولية وبما يضمن سير عمليات التمويل التجارية الخارجية من خلال التعامل بالعملات الأخرى كاليوان الصيني والدرهم الإماراتي واليورو بالإضافة إلى الروبية الهندية.

قال زيادة إن مصرفه استكمل كافة متطلبات الامتثال التي ستمكنه قريباً من فتح حساب دولار مع أحد البنوك الأميركية فضلاً عن زيادة الحصة السوقية للعمليات التجارية المنفذة بين العراق والإمارات. كما أنه بصدد الحصول على رخصة إضافية للتعامل مع قطاع الأفراد في دولة الإمارات وبما يسهم في زيادة الودائع المصرفية.

العائد الاستثماري في البنوك

وبالنسبة للمدير التنفيذي لمؤسسة "عراق المستقبل" للدراسات والاستشارات الاقتصادية منار العبيدي فإن التخوف من النظام المصرفي نتيجة الحالات التي حدثت سابقاً من إعلان الوصاية على مجموعة مصارف بالإضافة إلى وجود مصادر استثمار أخرى بنسب عائد أعلى كالاستثمار بالعقارات أو بالتجارة أو بمشاريع مختلفة قلل من قيمة العائد من الاستثمار في القطاع المصرفي.

ويضيف على رأي العبيدي الخبير المالي زياد الهاشمي أن ثمة تحديات لا تزال ماثلة أمام البنوك تتعلق أولاً بـ"ضعف الثقة المجتمعية بهذا القطاع وهو ما ثبت لسنوات من خلال حالة الاكتناز المرضية والتي يمكنها أن تنهي أو تقوض نشاط ونمو أي قطاع مصرفي مهما كان متقدماً وتنافسياً".

المشكلة الأخرى هي هيكلية، بحسب العبيدي، تتعلق بـ"طبيعة نموذج عمل ونشاط وقدرات المصارف العراقية الحالية والتي تتسم بالتقادم وعدم الحداثة والانعزالية عن الأسواق والقطاعات الاقتصادية وضعف برامجها التسويقية"، وهذا ما جعل، في رأيه، تلك المصارف غير قادرة على توسيع قاعدة المودعين ولا تقديم خدمات ائتمانية ومصرفية متنوعة ذات جودة تجذب قطاعات الأعمال والأفراد.

مراجعة شاملة للقطاع المصرفي

"الشرق" ذهبت لتأخذ آراء زبائن المصارف العراقية من المواطنين والتجار؛ فتقول بشرى صبيح، وهي أستاذة جامعية من العاصمة بغداد، إنها اعتادت أن تتعامل مع أحد المصارف العراقية بسلاسة حتى العام 2023 لتتفاجأ في أحد الأيام بأنها لا تستطيع أن تسحب أموالها ليتحجج المصرف حسب قولها بأن السيولة المالية غير متوفرة لديه ليتبين بعد ذلك أن هذا المصرف كان مشتركاً في منصة بيع الدولار وعند حرمانه منها بات غير قادر على سداد المودعين.

بالنسبة إلى سيف الجادر، وهو أحد تجار سوق الشورجة في العاصمة بغداد، يقول إن تركّز عمليات التحويل بعملة الدولار في عدد قليل من المصارف أجبره على وضع جميع أمواله بتلك المصارف دون أن نراعي قيمة للمصارف الأخرى كون أعماله تتطلب وديعة متحركة وثابتة في المصارف القادرة على التحويل عكس تلك التي لا تتعامل بعملة الدولار.

اقرأ أيضاً: تحويلات المصارف العراقية الخارجية تقفز 300% في عام

يعمل في العراق 83 مصرفاً بواقع 8 مصارف حكومية و24 مصرفاً تجارياً و31 مصرفاً إسلامياً، إضافة إلى 17 فرعاً لمصارف أجنبية تجارية وإسلامية عاملة وثلاثة مكاتب تمثيلية لمصارف أجنبية.

الجدير بالذكر أنه في أواخر أغسطس 2024، أعلن البنك المركزي العراقي عن تعاقده مع شركة "أوليفر وايمان" (Oliver Wyman) لإجراء مراجعة شاملة لأوضاع المصارف العراقية، ولا سيما تلك الممنوعة من التعامل بالدولار الأميركي، بغية محاولة دمجها ضمن القطاع المصرفي العراقي والدولي. 

كما حدد المركزي في ذات الفترة نطاق عمل شركة التدقيق الدولية "E&Y" بمراجعة عمليات التحويل لضمان سلامتها وامتثالها للمعايير الدولية، بهدف "تحقيق أعلى مستويات الشفافية والأمان في جميع عمليات التحويل الخارجي، وتعزيز الثقة في النظام المالي العراقي"، وفق بيان من البنك المركزي.

تصنيفات

قصص قد تهمك