الشرق
قبل يومين تحديداً، اتجهت أنظار العالم إلى الولايات المتحدة الأميركية لمراقبة نتائج الانتخابات الرئاسية. بعد انتهاء السباق وفوز دونالد ترمب، تعود هذه الأنظار للتوجه إلى واشنطن اليوم، ولكن هذه المرة من باب الاحتياطي الفيدرالي.
يعقد بنك الاحتياطي الفيدرالي اجتماعاً اليوم لتحديد مسار أسعار الفائدة، وما إذا كان سيواصل سياسة التيسير، أم سيتوقف مؤقتاً، خصوصاً مع عودة ترمب إلى البيت الأبيض، والبيانات الاقتصادية الأخيرة.
يرى خبراء تحدثوا إلى "الشرق" أن الفيدرالي سيواصل تخفيضات أسعار الفائدة، وأجمعوا على أنها ستكون بحدود 25 نقطة أساس. ولكن الخلاف بدا واضحاً على مستقبل هذه التخفيضات، خصوصاً مع دخول عامل جديد إلى المعادلة، وهو ترمب وسياساته الاقتصادية.
يشير جو يرق رئيس قسم الأسواق العالمية في "سيدرا ماركتس" إلى أن السوق سعرت بشكل شبه كامل خفضاً بمقدار 25 نقطة أساس في اجتماع اليوم، في حين خفضت تسعيرها لخفض بمقدار 25 نقطة أساس في ديسمبر.
يتوقع يرق في تصريح لـ"الشرق"، أنه، في ظل سوق عمل قوية، واستهلاك متماسك، فإن "حجم التخفيضات في المستقبل، وسرعتها، ستكون أبطأ من توقعات السوق"، نظراً إلى أن الفيدرالي سيكون "حذراً في عمليات خفض الفائدة، لعدم التضحية في إنجازاته في مكافحة التضخم"، خصوصاً أنه "تأخر في رفع أسعار الفائدة".
من جهته، قال أحمد معطي المدير التنفيذي لشركة "في آي ماركتس" في مصر، أن السوق تتوقع بنحو 97% خفضاً بـ25 نقطة أساس اليوم، في حين تتوقع النسبة المتبقية خفضاً بـ50 نقطة أساس، منبهاً إلى عدم وجود أي أحد يتوقع رفع أسعار الفائدة.
معطي أشار في تصريح لـ"الشرق"، إلى أن تصريحات قيادات الفيدرالي خلال الأسبوعين الماضيين، تدل على أنهم سيخفضون أسعار الفائدة "بصورة تدريجية، وليس بصورة كبيرة"، وذلك بسبب عوامل السوق، مثل قوة التوظيف وتماسك التضخم.
ريان ليماند الرئيس التنفيذي لشركة "نيو فيجيون لإدارة الثروات" توقع أيضاً، تخفيضاً بـ25 نقطة أساس في اجتماع اليوم، مع وجود إمكانية لتخفيض في ديسمبر بـ25 نقطة أساس، خصوصاً مع انتخاب ترمب الذي "سيضغط لتخفيض أسعار الفائدة". وأضاف في تصريح لـ"الشرق"، أنه "من الصعب تخفيض الفائدة بمعدلات سبتمبر الماضي، أي 50 نقطة أساس، علماً أن أرقام الوظائف الأخيرة كانت قوية"، كما أنهم "لا يستطيعون الإبقاء على أسعار الفائدة ثابتة، لأن ذلك سيثير غضب ترمب".
"نبرة حمائمية"
لم يختلف أحمد عزام المحلل المالي الأول في مجموعة "إكويتي" عن الخبراء الآخرين في توقعه للخفض، ولكنه أشار إلى أن المؤتمر الصحفي الذي سيعقده جيروم باول اليوم، سيحمل "نبرة حمائمية" للإشارة إلى إمكانية الخفض في ديسمبر.
عزام أشار في تصريح لـ"الشرق" إلى أن مستويات التضخم الأخيرة وصلت إلى 2.4%، وهي قريبة من المستويات التي يرغب بها الفيدرالي عند 2%، ما يعني أنه "لن يتجه لتخفيض الفائدة وفق المسار الذي اتبعه في اجتماعه الماضي"، في إشارة إلى خفض نصف نقطة مئوية في سبتمبر.
ويضيف أن المخطط النقطي الذي يصدره الفيدرالي، يظهر بأن مجموع تخفيضات هذه السنة قد تصل إلى نقطة كاملة، وهو ما يعني إمكانية خفض آخر في ديسمبر بمعدل 25 نقطة أساس.
لدى الاحتياطي الفيدرالي تكليفاً مزدوجاً، إذ عليه الحرص على محاربة التضخم، بالإضافة إلى الحفاظ على سوق عمل قوية.
رغم مستويات التضخم، إلا أن القراءة الأخيرة لسوق العمل تعتبر متدنية، إذ تمت إضافة 12 ألف وظيفة فقط في القطاعات غير الزراعية.
توقع عزام أن يغض الفيدرالي النظر قليلاً عن هذه الأرقام، نظراً إلى أن أسبابها كانت "مؤقتة"، في إشارة إلى الإعصار "ميلتون" الذي ضرب الولايات المتحدة.
ورأى أن تحرك الفيدرالي لمواجهة ظروف سوق العمل، يحتاج إلى مزيد من التأكيدات بأن سوق العمل تعاني، وأن هناك عوامل "مستمرة، وليست مؤقتة" تضغط عليها بشكل سلبي.
التعامل مع ترمب
لن ينسى ترمب تاريخ الثاني من نوفمبر 2017، إذ قام بتسمية باول ليكون رئيس الاحتياطي الفيدرالي بدلاً من جانيت يلين.
ولكن ترمب خلال ولايته وبعدها، وجه انتقادات حادة إلى باول، إذ قال في أغسطس الماضي مثلاً، إن باول "تأخر قليلاً في اتخاذ بعض القرارات، واتخذها في وقت مبكر قليلاً في أحيانٍ أخرى".
يرى ترمب أيضاً أن الرؤساء يجب أن يكون لهم "رأي" في سياسة وضع الفائدة لدى الفيدرالي، وقال إن صناع السياسات النقدية كانت لديهم دوافع سياسية عندما خفضوا سعر الفائدة نصف نقطة في سبتمبر. أثارت هذه التصريحات التكهنات حول احتمال محاولته الحد من استقلالية الاحتياطي الفيدرالي، في خرق للممارسة طويلة الأمد التي تتيح للبنك المركزي تنفيذ السياسة النقدية بشكل مستقل بمنأى عن السلطة التنفيذية. وخلال ولايته الأولى، فكر ترمب في إقالة باول، وهو إجراء كان سيشكل سابقة قانونية غير معلومة العواقب.
ومع عودة ترمب إلى البيت الأبيض، فإن الأنظار تتجه إلى كيفية التعامل مع باول الذي تنتهي ولايته في مايو 2026.
في هذا السياق، لفت يرق إلى أن الفيدرالي هو كيان مستقل عن السياسة، ولكن لا أحد يعرف كيف سيتصرف ترمب مع إدارة هذا الكيان، خصوصاً في حال حصول الجمهوريين على مجلسي النواب والشيوخ، وهو ما لم يحسم بعد.
وأضاف أن سياسات ترمب الاقتصادية القائمة على الرسوم الجمركية والتخفيضات الضريبية، "قد ترفع العجز، وتزيد من الضغوط على الأسعار"، ما قد يعيد التضخم إلى الارتفاع، بالتالي تجبر الفيدرالي على العودة لرفع الفائدة.
خلص يرق في هذا السياق، إلى أن هذه الظروف والبيانات الاقتصادية التي ستصدر لاحقاً، قد توصلنا إلى مكان "حيث لا يلتزم الرئيس المنتخب بوعوده الانتخابية"، خصوصاً في ما يتعلق بالعلاقة مع الفيدرالي.
الفيدرالي يراقب تأثيرات سياسات ترمب
أما معطي فأشار إلى أن هناك علاقة قديمة بين ترمب وباول، فخلال ولايته الأولى كثف الرئيس انتقاده لباول، الذي بقي ماضياً في سياسته من دون تغيير.
ورأى أيضاً أن سياسات ترمب، قد تؤدي إلى ارتفاع التضخم، ما يعني أن الفيدرالي قد يأخذ باعتباره تأثيرات هذه السياسات على التضخم وسوق العمل، في قرارات الفائدة المقبلة. ولفت إلى أن الفيدرالي سيكثف مراقبة سياسات ترمب على الاقتصاد، وقد يكون متخوفاً من التغير في السياسات بين جو بايدن وترمب.
أما الرئيس التنفيذي لشركة "سايبرباكر" (Cyberbacker) كريغ غودلايف، فرأى في تصريح لـ"الشرق"، أن الاحتياطي الفيدرالي سيقوم بتقييم الاقتصاد ودراسة كل ما حدث في عام 2016، لتحديد الاتجاه الذي يريد أن يسلكه.
وأضاف أنه "من الصعب تحديد أي اتجاه سيسلكه الفيدرالي، لأنه على الرغم من وجود مسؤولين منتخبين جدد، فإن ولاياتهم لم تبدأ بعد"، معتبراً أنه "من المبكر للغاية أن نحدد الاتجاه الذي سوف تسلكه القرارات التي يتخذها الفيدرالي".