يكافح "بنك أوف أميريكا" من أجل المنافسة مع مطابع النقود الأمريكية. وأظهرت نتائج الربع الأول للبنك يوم الخميس الماضي زيادة نسبتها 47% في صافي الدخل بالشهور الثلاثة السابقة إلى 8.1 مليار دولار، تماماً مثلما سجل بنك "سيتي غروب" أرباحاً قياسية بعد ساعات قليلة.
ويعود الفضل جزئياً في ذلك إلى تحرير 3.9 مليار دولار من الاحتياطات الائتمانية. واستفاد "بنك أوف أمريكا" من دفعة مماثلة في أرباحه عندما ساعد الدعم المالي والنقدي من قبل صانعي السياسة الأمريكيين على درء أسوأ سيناريو للعديد من الأفراد والشركات في جميع أنحاء البلاد.
وقال الرئيس التنفيذي لـ"بنك أوف أمريكا" بريان موينيهان: "تحسنت تكاليف الائتمان ونعتقد أن التقدم الذي يتم إحرازه في الأزمة الصحية والاقتصاد يشير إلى تعافٍ متسارع".
ومع ذلك، أصبح واضحاً أن حجم الاستجابة الحكومية لأزمة كورونا تسبب في بعض الصعوبات لدى أكبر المؤسسات المالية الأمريكية. فعلى وجه التحديد، تعاني مؤسسات من أمثال "بنك أوف أمريكا" و"سيتي غروب" و"جيه بي مورغان" و"ويلز فارغو" من صعوبة في تقديم قروض جديدة تماماً، مثلما يتلقون سيلاً كبيراً من الودائع.
ظاهرة وطنية
بعبارة أخرى، يقوم المشرّعون الأمريكيون والاحتياطي الفيدرالي بتعطيل الأعمال الجوهرية في العمل المصرفي .
ففي "بنك أوف أمريكا"، ارتفعت الودائع بنسبة 25% لتصل إلى 924 مليار دولار بينما انخفضت القروض المصرفية للأفراد بنسبة 8% إلى 291 مليار دولار، كما انخفض إجمالي القروض والعقود الإيجارية كنسبة مئوية من إجمالي الأصول إلى 30% في الربع الأخير، هبوطا من 40% أيضاً في العام السابق، فيما تراجعت قروض "سيتي غروب" بنسبة 8%عن نفس الفترة من العام الماضي.
وأشار شاهين ناصريبور من "بلومبرغ" إلى أن هذه الأرقام تتفق مع ظاهرة وطنية تعلّقت بانخفاض القروض والإيجارات بنسبة 8% في أكبر 25 مصرفاً أمريكياً من العام الماضي، مما أدى إلى توسّع الهوة بين قدرتها على الإقراض والإقراض الفعلي في 36 عاماً من الإقراض المسجّل في بيانات الاحتياطي الفيدرالي.
ولا يثير الدهشة أن هذا الاتجاه يضغط على صافي دخل الفوائد للبنوك، وهو مقياس مهم يعكس مقدار ما تجنيه البنوك من مدفوعات لقروض العملاء بالنسبة إلى ما تدفعه على الودائع. ولم يتمكّن صافي دخل الفوائد في "بنك أوف أمريكا" المقدّر بـ 10.2 مليار دولار في الشهور الثلاثة الأولى من العام، من تصدّر أرقام الربع الثالث، والذي كان الأدنى منذ عام 2015.
تأثير التحفيز
كما شكّل صافي دخل الفوائد بـ"جيه بي مورغان" 40% فقط من إجمالي الإيرادات، وهو الأدنى في عقد على الأقل. وتعرض "ويلز فارغو" لاتجاه مماثل أيضاً.
لكن هذا الاتجاه لا يمنع أكبر البنوك الأمريكية في الوقت الحالي من تحقيق أرباح قياسية. وكما قال زميلي مات ليفاين في مقال له بـ"بلومبرغ"، فإن تلك البنوك عادة ما تقوم بأداء جيد عندما يكون الاقتصاد جيداً وعندما يكون السوق غريبًا.
وكانت تلك الجزئية الأخيرة صحيحة بالتأكيد في الربع الأول، فمثلما حدث مع "غولدمان ساكس غروب"، تضاعفت رسوم الاكتتاب في أسهم "سيتي غروب" أربع مرات بفضل هيمنتها على طرح أدوات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة في السوق. وقفزت مبيعات "بنك أوف أمريكا" وإيرادات التداول بنسبة 17%، لتتجاوز بذلك التقديرات وليتمكّن البنك من استيعاب النفقات الإضافية.
ويبقى أن نرى ما إذا كانت ستستفيد البنوك الأمريكية من الاقتصاد القوي المدعوم عبر التحفيز المستمر. ولكي نكون واضحين، فإن خطوة الحكومة تبدو منطقية بشأن تقديم قروض قابلة للإعفاء للشركات الصغيرة خلال جائحة تحدث مرة واحدة في القرن، وكذلك من المنطقي أن تقوم بتقديم مدفوعات بطالة إضافية للأمريكيين وهم يكافحون من أجل رعاية أطفالهم وسط المخاوف الصحية، وفي الوقت الذين يفكرون فيه بالعودة إلى القوى العاملة.
العودة إلى المعتاد
لكن ليس هناك شك في أن الطلب على المؤسسات المالية التقليدية قد انخفض بسبب مثل هذه الإجراءات الحكومية إلى جانب عمليات شراء السندات المستمرة من جانب الاحتياطي الفيدرالي والتي تبلغ 120 مليار دولار شهرياً. وحتى الآن، يبدو الأمر كما لو أن المديرين التنفيذيين للبنوك غير مستعدين للتخفيف من معاييرهم لتقديم قروض جديدة، وربما بذلك هم ينتظرون عودة الإقراض إلى طبيعته مع تلقي المزيد من الأمريكيين للتطعيم.
وطوال الوقت، تحاول البنوك الكبرى إقناع الاحتياطي الفيدرالي بإجراء تغييرات دائمة على نسبة الرافعة المالية التكميلية والتي تنص على ضرورة الحفاظ على الحد الأدنى من رأس المال مقابل الأصول دون تجاوز مستويات المخاطر.
وسمح البنك المركزي مؤقتاً باستثناء سندات الخزانة والودائع لدى الاحتياطي الفيدرالي من نفس الحالة، وذلك في محاولة للسماح للبنوك بالإقراض طوال فترة الوباء. ولكن إذا كانت تكافح البنوك من أجل تقديم قروض جديدة وتختار إعادة شراء أسهم بمليارات الدولارات بدلاً عن ذلك، فيصعب هنا أن نتعاطف مع تصريحات جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لشركة "جيه بي مورغان" بشأن نسبة السيولة الإلزامية هذا الأسبوع، قائلاً: "إنها تقيّد الاقتصاد أكثر مما تقيّد "جيه بي مورغان"، مضيفاً أن البنك "سيكون على ما يرام في كلتا الحالتين".
تغيير الأولويات
وربما قد يكون صحيحأ أن "جيه بي مورغان" ستجد طريقة للفوز بغض النظر عن أي شيء، تماماً مثلما سيفعل أقرانها، ولكنهم قد يحتاجون في المستقبل القريب على الأقل، إلى الاعتماد بشكل أكبر على الإيرادات خارج نطاق أعمالهم التقليدية المتمثلة في تقديم القروض.
وقالت جين فريزر، الرئيس التنفيذي الجديد لمجموعة "سيتي غروب"، إنها بصدد الخروج من الخدمات المصرفية للأفراد في 13 سوقاً عبر آسيا وأوروبا وإنها تعمل على "تحقيق النمو القوي والعوائد الجذّابة التي تقدمها أعمال إدارة الثروات" من خلال مراكز في سنغافورة، وهونغ كونغ والإمارات العربية المتحدة، ولندن.
وإذا ظلت القروض عند هذه المستويات المنخفضة في الوضع الحالي، فسيكون من المفيد مشاهدة كيف ستغيّر البنوك أولوياتها في الولايات المتحدة أيضاً.
وكما قلت سابقاً، كانت بنوك "وول ستريت" مصممة على أن تكون بطلة هذه الأزمة بدلاً من أن تصبح الطرف الشرير مثلما حدث في عام 2008. وبشكل عام، فعلت البنوك ما في وسعها لكي تساعد عملائها على العبور من أزمة الوباء، ولكنهم لم يتوقّعوا أن تبرز وأن تصعد الحكومة الفيدرالية بشكل أكبر منها. وبالتأكيد، تتمتع المؤسسة المالية بقوة هائلة عندما تتسلّح بالمال الكثير في معاركها، ولكن تلك القوة تتضاءل عندما تكون الجهة المحتكرة لإصدار للدولار الأمريكي.