بلومبرغ
أكد جورج الحداري أنه يسعى لوضع بصمته على "إتش إس بي سي هولدينغز" (HSBC Holdings)، وذلك بعد أسبوعين فقط من توليه منصب الرئيس التنفيذي الجديد للبنك.
منذ توليه المنصب، يدرس الحداري بدء ما يمكن أن يُوصف بعملية إعادة الهيكلة الأهم بالنسبة إلى البنك على امتداد أكثر من عقد. كما يدرس إمكانية تصفية بعض الأعمال غير الأساسية، ويحث الموظفين على ترشيد التكاليف.
فلا عجب أن يسعى الرئيس المالي السابق للبنك إلى اتخاذ تحركات سريعة. ففي ظل خفض البنوك المركزية حول العالم لأسعار الفائدة، وهي خطوات ستؤثر على إيرادات كبريات البنوك العالمية مثل "إتش إس بي سي"، سيُضطر الحداري لإيجاد سبل لتقليص التكاليف بمقدار ملياري دولار للحفاظ على مقياس أساسي لأرباح البنك، وفقاً لتقديرات "بلومبرغ إنتليجنس".
الآن، يأمل المستثمرون أن يُقدم الحداري إما أهدافاً جديدة للإنفاق أو تفاصيل حول خططه للحفاظ على نسبة كفاءة البنك، وهو مقياس يظهر تكلفة إنتاج دولار واحد من الإيرادات، بحلول نهاية العام. وسيحصل الحداري، اللبناني المولد، على فرصته الأولى لتقديم إحاطة للسوق عندما يعلن "إتش إس بي سي" عن أرباح الربع الثالث في الشهر المقبل.
المحلل توماش نويتزل من "بلومبرغ إنتليجنس" رأى أن "خيارات مثل تقليص الوظائف، وبيع أصول إضافية، وتغيير الهيكل التنظيمي، كلها مطروحة على الطاولة". مضيفاً: "قد يحتاج الرئيس التنفيذي الجديد إلى تكثيف التركيز على خفض التكاليف نظراً لوجود فرصة ضئيلة أو معدومة لتعزيز الإيرادات في بيئة تخفيض أسعار الفائدة".
رأي "بلومبرغ إنتليجنس"
نرى أنه قد يضطر البنك لخفض بنسبة 5% على الأقل لقاعدة تكاليفه البالغة 35 مليار دولار على المدى المتوسط للحفاظ على كفاءته وعلى الإنتاجية. هذا يعني أن الاستراتيجية الجديدة، المتوقع الإعلان عنها بحلول نهاية العام الجاري، من المحتمل أن تركز على تقليص عدد الموظفين وعمليات بيع إضافية.
- توماش نويتزل
أهمية سوق آسيا
في أسبوعه الأول كرئيس تنفيذي لأكبر بنك في أوروبا، لم يخلد جورج الحداري إلى الراحة في مقر "إتش إس بي سي" الواقع بحي "كناري وارف" في لندن. بل كان يرتدي بدلة من طراز "هيوغو بوس"، ويقوم بجولة سريعة في أرجاء هونغ كونغ.
الحداري قام بزيارة سريعة لأحد فروع "إتش إس بي سي" ومركز إدارة الثروات، حيث أمضى بعض الوقت مع موظفي قسم الخدمات المصرفية التجارية في الفرع، بحضور ديفيد لياو، الرئيس المشارك لأعمال البنك في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. كما التقى بمسؤولين من الحكومة وجهات تنظيمية.
بداية مهام منصبه انطلاقاً من مركز الأعمال في آسيا كانت إشارةً واضحة إلى أمر مفاده أنه على الرغم من أن معظم مسيرة الحداري المهنية كانت خارج آسيا، إلا أنه يدرك أهمية هذه المنطقة بالنسبة إلى البنك.
قال متحدث باسم "إتش إس بي سي" في بيان عن الأيام الأولى للحداري في منصبه: "هونغ كونغ سوق مهمة للغاية بالنسبة لنا، وكان جورج حريصاً على بدء مهامه من هنا". رفض البنك التعليق على المناقشات المبكرة بشأن استراتيجية البنك المستقبلية.
خلال جولاته، قال الحداري، الذي قضى السنوات القليلة الماضية في تعلم لغة الماندرين، للموظفين في اجتماع مفتوح إن التركيز سيستمر على التكاليف في جميع أقسام البنك العملاق، وفقاً لأشخاص حضروا اللقاء. لكنه أوضح لهم أن تركيزه الأكبر سيكون على ضمان إنفاق البنك بشكل رشيد، وليس على مجرد تقليص الإنفاق، بحسب ما ذكره الحاضرون.
قاعدة التكاليف
يأتي ذلك بالتزامن مع ما يتطلع إليه المستثمرون من "إتش إس بي سي". بحلول عام 2026، يجب أن تبقى قاعدة تكاليف البنك مستقرة عند مستوياتها الحالية البالغة حوالي 33 مليار دولار، بدلاً من 35 مليار دولار التي يتوقعها المحللون حالياً، من أجل أن يحافظ البنك على نسبة كفاءته الحالية، وفقاً لتقديرات "بلومبرغ إنتليجنس".
قال مارك ويليامز، المحاضر الرئيسي في قسم المالية بكلية "كويستروم للأعمال" بجامعة بوسطن: "استجابةً لتباطؤ الاقتصاد الآسيوي وبيئة أسعار الفائدة المنخفضة، يستغل الرئيس التنفيذي الجديد لبنك إتش إس بي سي هذه الفرصة لإجراء العديد من التخفيضات الاستراتيجية والتغييرات الهيكلية".
لا يزال المستثمرون يحاولون استيعاب بعض التحركات المبكرة للحداري. فلم تشهد أسهم "إتش إس بي سي" تحركاً كبيراً منذ بداية العام، حيث ارتفعت بنسبة 3% فقط حتى إغلاق التداول يوم الجمعة الماضي. في المقابل، حقق مؤشر "فوتسي لجميع أسهم البنوك" (FTSE All-Share Bank)، الذي يمثل سلة من أقرب منافسي البنك، زيادة بنسبة 15%.
أحدث عمليات إعادة الهيكلة
"إتش إس بي سي" معتادٌ على عمليات إعادة الهيكلة. ففي عهد نويل كوين، الرئيس التنفيذي السابق على الحداري، والرؤساء التنفيذيين السابقين الآخرين، باع البنك عدداً من أكبر عملياته وتحول نحو الأسواق الأساسية في آسيا. ساعدت هذه التحركات البنك على تقليص أكثر من 50 ألف وظيفة خلال العقد الماضي.
رغم ذلك، أسفرت عمليات إعادة الهيكلة السابقة عن وجود 214 ألف موظف في "إتش إس بي سي"، أي ما يزيد بنحو 7% عن العدد المستهدف، وفقاً لتقديرات "بلومبرغ إنتليجنس".
يُعد هذا أحد الأسباب التي دفعت الحداري إلى دراسة دمج وحدتي الخدمات المصرفية التجارية والاستثمارية في الأسابيع الأخيرة. وتهدف هذه الخطوة إلى دمج وحدة الخدمات المصرفية العالمية والأسواق، الأقل ربحية، مع القسم الأكثر كفاءةً، وهو الخدمات المصرفية التجارية.
ستحقق الوحدة المدمجة إيرادات بنحو 40 مليار دولار سنوياً، وستضم فريق عمل مكون من أكثر من 90 ألف موظف مهمتهم استقطاب الأعمال من الشركات بمختلف أحجامها.
جون كرونين، مؤسس شركة الاستشارات "سي بوينت إنسايتس" (Seapoint Insights)، يعتبر أن "الحداري لا يضيع الوقت"، مضيفاً: "الميزة هي أن هذه الخطوة ستعزز التماسك في البنك على المدى الطويل؛ رغم أنني أعتقد أنها قد تحدث اضطراباً إلى حد كبير في المدى القصير، مع مواجهة مقاومة داخلية كبيرة".
يتأهب موظفو البنك بالفعل لهذا التغيير الذي من المرجح أن يتزامن مع حملة جديدة لتقليص مستويات الإدارة الوسطى. وكجزء من المداولات الأخيرة، درس البنك إمكانية إلغاء مناصب مديري البنك في الدول، الذين يُنظر إليهم بشكل متزايد كطبقة بيروقراطية يصعب على البنك تحملها مع بداية انخفاض أسعار الفائدة.
ويُنوّه توم كيرشماير، أستاذ في مركز الأداء الاقتصادي بكلية لندن للاقتصاد، بأنه "بشكل عام، هذه أخبار جيدة لمستثمري إتش إس بي سي.. وباعتبار الحداري شخصاً من الداخل، يمكنه تنفيذ التغييرات بسرعة".
إعادة تشكيل القيادة التنفيذية العليا
قبل أيام قليلة من توليه المنصب، أعلن البنك عن مغادرة منافس الحداري الرئيسي على منصب الرئيس التنفيذي نونو ماتوس، رئيس قسم إدارة الثروات والخدمات المصرفية الشخصي، وأيضاً رحيل مدير العمليات والرئيس التنفيذي للموارد البشرية في البنك.
هذه الإجراءات منحت الحداري فرصة لإعادة تشكيل فريقه التنفيذي بما يتماشى مع رؤيته. فهو لا يزال في رحلة البحث عن شخص لتولي منصبه السابق كرئيس مالي للبنك، وكذلك عن منصب رئيس جديد لوحدة الخدمات المصرفية التجارية بعد أن نقل رئيس القسم السابق باري أوبيرن ليحل محل نونو ماتوس. وفي الوقت الحالي، عيّن الحداري تنفيذيين مؤقتين في تلك المناصب.
يبدو أن مزيداً من صفقات بيع الأصول أمر مرجح أيضاً. فقد أعلن البنك خلال الأسبوع الجاري أنه بدأ مراجعة استراتيجية لأعماله في جزيرة مالطا الصغيرة الواقعة في البحر الأبيض المتوسط. كما يسعى "إتش إس بي سي" إلى بيع عملياته في جنوب أفريقيا، ويجري محادثات لبيع وحدة الخدمات المصرفية للشركات هناك إلى بنك "راند ميرشانت" (Rand Merchant Bank) التابع لـ"فيرست راند" (FirstRand Ltd).
ورجّحت أنجيلا غالو، محاضرة أولى في مجال التمويل بكلية "باييس للأعمال" بجامعة مدينة لند، أن "تكون هناك رسالة واضحة للمستثمرين وراء النهج القوي للرئيس التنفيذي، بالنظر إلى التحديات القادمة، إذ أنه يتطلع لأن يُنظر إليه على أنه قادر على اتخاذ قرارات صعبة".
بعد أن بنى الحداري سمعته كمدير يحقق التوافق، ويعمل بروح الفريق، يتجلى الآن جانب مختلف من شخصيته من خلال اتخاذ إجراءات سريعة لضبط حجم البنك بالشكل المناسب.
ويقول ألان زيمان، رجل الأعمال البارز في هونغ كونغ وعميل قديم للبنك: "الحداري يحتفظ بالأشخاص الذين يعتقد أنهم مؤثرون في تطوير الأعمال، وتقليص النفقات العامة في الوقت نفسه. فهو يتخذ الخطوات اللازمة".