بلومبرغ
كان موظفو بنك "إتش إس بي سي" (HSBC Holdings) يمزحون عندما يدخلون مكتب جورج الحداري في دبي، واصفين مكتبه بأنه يشبه ثلاجة تجميد اللحوم نظراً للانخفاض الشديد في درجة حرارته. أخبر الحداري أحد زملائه أن برودة الجو الشديدة تجعله أكثر إنتاجية.
بعد سنوات وعند عودته من إجازة طويلة، تخلى الحداري عن شقة في منطقة راقية غرب لندن، واختار بدلاً منها شقة قريبة من مقر البنك في حي كاناري وارف الراقي، مبرراً ذلك برغبته في قضاء المزيد من الوقت في العمل.
ويبدو أن هذه التحولات، التي ذكرها أشخاص مطلعون على الأمر، قد آتت ثمارها يوم الأربعاء، عندما اختار البنك البريطاني المصرفي البالغ من العمر 50 عاماً ليكون الرئيس التنفيذي القادم له. سيتولى الحداري المنصب خلفاً لنويل كوين، الذي فاجأ المستثمرين في أبريل الماضي بإعلانه قرار المغادرة، بعد قضائه أقل من خمس سنوات في المنصب.
سيدخل التعيين حيز التنفيذ في 2 سبتمبر القادم، وتُمثّل هذه الخطوة صعوداً سريعاً للمصرفي المولود في لبنان والذي تلقى تعليمه في فرنسا، ويتعين عليه الآن إظهار قدراته على زيادة نمو أكبر بنك في أوروبا. يأتي تولي الحداري المنصب في وقت حرج لـ"إتش إس بي سي"، حيث يتساءل المسؤولون التنفيذيون ما إن كان يتعين عليهم الاستمرار في التركيز على أعمالهم في منطقة آسيا، وسط توترات جيوسياسية تهدد بتقويض أعمال البنك هناك.
الإدارة السابقة
تحت إدارة كوين، البالغ من العمر 62 عاماً، قام "إتش إس بي سي" بخفض آلاف الوظائف، وبيع أعماله الكبرى، كما نجح في مقاومة حملة قوية كانت تستهدف تفكيك البنك.
وفي الآونة الأخيرة، تباطأ البنك في التوظيف، وطلب من المصرفيين الاستثماريين خفض نفقات السفر، في محاولة للحد من التكاليف. كما أعلن البنك أيضاً عن إعادة تنظيم أعماله المصرفية الدولية، في خطوة ستقوده إلى تقليل فرق هذا القسم إلى خمس مجموعات فقط.
لكن الأهم، هو تحوّل البنك من الغرب إلى الشرق، حيث عزز تواجده في آسيا، وهي المنطقة التي تساهم بالجزء الأكبر من إيراداته. وقد ركّز بشكل أكبر على الصين وهونغ كونغ، واللتان كان توماس ساذرلاند الاسكتلندي قد أسس مقراتهما في عام 1865.
يُظهر اختيار الحداري، الذي كان يُعتبر على نطاق واسع المرشح الأنسب للمنصب الأعلى، التزام "إتش إس بي سي" المتزايد تجاه منطقة آسيا، والتي يعتبرها المقرض، الذي يتخذ من لندن مقراً رئيسياً له، أساسية لضمان مستقبله. يتحدث الحداري لغة الماندرين بمستوى مقبول، ما يجعله أول رئيس تنفيذي للبنك في تاريخه الحديث، يمتلك المهارات الرئيسية لهذه اللغة.
قدرته على التحدث بالماندرين، هي مهارة اكتسبها الحداري مؤخراً. وبالإضافة إليها، هو يتحدث عدة لغات، فهو يتقن الإنجليزية والفرنسية والعربية والألمانية والإسبانية واليابانية. خلال إجازته في عام 2022، قضى جزءاً من وقته في تعلم هذه اللغة المعروفة بصعوبتها، وذكر أحد الأشخاص أنه عقد مؤخراً اجتماعاً مفتوحاً في هونغ كونغ كان جزءاً منه باللغة الصينية.
قال آلان زيمان، أحد الأثرياء في المستعمرة البريطانية السابقة، وأحد أقدم عملاء البنك، إن "الحداري عمل في البنك لفترة طويلة، ويعرف تماماً مدى أهمية آسيا وهونغ كونغ". وأضاف: "من الواضح أن الجميع في البنك على دراية بالوضع الجيوسياسي. جميع الشركات عليها التعامل مع هذا الوضع".
شائعة مغادرة البنك
قبل عامين تقريباً، بدا أن وقت الحداري في البنك يقترب من نهايته، فقد أعلن أوائل 2022 عن نيته التنحي عن منصبه كرئيس مشارك للخدمات المصرفية العالمية والأسواق، وقد أخذ إجازة لمدة ستة أشهر، لتنتشر شائعات بأنه قد لا يعود.
لكنه عاد في سبتمبر 2022، ليس إلى وظيفته القديمة، لكن بدلاً من ذلك، رافق كوين لعدة أسابيع.
كتب الحداري في مذكرة إلى الموظفين في ذلك الوقت: "لقد اتفقت مع نويل على أنني سأقضي الشهرين المقبلين في تحديث جوانب من مهاراتي المرتبطة بالمؤسسة، وفي دعمه في بعض مشاريع المجموعة".
لكن بعد أشهر، توالت الأخبار التي تفيد بتنحي الرئيس المالي المرموق إوين ستيفنسون.. وبديله الحداري.
على عكس الكثير من أسلافه، عمل الحداري في بنوك أخرى قبل "إتش إس بي سي". فقد انضم إلى البنك في عام 2005 قادماً من "غولدمان ساكس غروب"، كما سبق له العمل لدى بنك "بي إن بي باريبا". وقد أمضى معظم حياته المهنية في "إتش إس بي سي" في ذراع الخدمات المصرفية الاستثمارية، رغم ذلك فقد أمضى ثلاث سنوات بين عامي 2016 و2019 في إدارة أعمال البنك في منطقة الشرق الأوسط.
تاريخ الحداري المهني في "إتش إس بي سي"
يناير 2023 إلى الآن: الرئيس المالي للمجموعة
مارس 2020 - ديسمبر 2022: الرئيس المشارك للخدمات المصرفية العالمية والأسواق
مارس 2019 - فبراير 2020: الرئيس العالمي للأسواق
يوليو 2016 - فبراير 2019: الرئيس التنفيذي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتركيا
2014 - يوليو 2016: رئيس الخدمات المصرفية العالمية والأسواق لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
2013 - 2014: رئيس الأسواق العالمية ورئيس تمويل رأس المال لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
2010 - 2013: رئيس الأسواق العالمية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
2009 - 2010: نائب الرئيس العالمي لأسواق الفائدة والأسواق والخدمات المصرفية العالمية والأسواق
2005 - 2009: الرئيس العالمي لأسواق الفائدة المركبة والخدمات المصرفية العالمية والأسواق
قال رئيس مجلس إدارة البنك مارك تاكر، إن الحداري "يمتلك سجلاً حافلاً في القيادة خلال فترات التغيير، وفي تحقيق النمو، وتبسيط الإجراءات، واحتواء التكاليف، ويركز بشدة على التنفيذ".
سيكون الحداري الرئيس التنفيذي الرابع لـ"إتش إس بي سي" تحت قيادة تاكر. وقد تفوق المصرفي على كل من المرشحين الداخليين والخارجيين للحصول على الوظيفة، بما في ذلك رئيس قطاع إدارة الثروات والحسابات الشخصية في البنك، نونو ماتوس.
حزمة حوافزه
تشمل حزمة تعويضاته من المنصب راتباً أساسياً سنوياً يبلغ 1.38 مليون جنيه إسترليني (1.8 مليون دولار)، وبدل أجر ثابت قدره 1.7 مليون جنيه إسترليني، وبدل معاش يعادل 10% من راتبه الأساسي. إضافةً إلى ذلك فهو مؤهل للحصول على تعويض متغير تقديري يتكون من مكافأة سنوية تصل إلى 215% من راتبه الأساسي، وجائزة حوافز طويلة الأجل تصل إلى 320%، لكن هذه الحوافز مرتبطة بأداء الشركة وأدائه الشخصي، وفقاً لسياسة التعويضات المعتمدة من قبل المجلس، بحسب البيان الصادر اليوم الأربعاء.
صرّح تاكر في وقت سابق أن الرئيس التنفيذي القادم سيحافظ على تعميق البنك لأعماله في آسيا. هذا يعني أن الحداري سيولي اهتماماً خاصاً بإدارة الثروات الآسيوية، حيث يهدف البنك إلى أن يصبح المقرض الرائد في المنطقة الميسورة ومرتفعة الثراء. وللقيام بذلك، سيتعين عليه التفوق على مجموعة "يو بي إس"، التي أخذت زمام المبادرة في السوق بعد استحواذها على "كريدي سويس".
عزز "إتش إس بي سي" موقعه بالفعل عبر سلسلة من الاستحواذات الهامة، لكن البنك لم يستبعد المزيد من الصفقات، وقد تكون فترة الحداري مميزة بصفقات الشراء أكثر من صفقات البيع.
يشهد البنك أيضاً توسعاً في الولايات المتحدة يتعيّن على الرئيس التنفيذي الجديد مراقبته. في مايو الماضي، افتتح "إتش إس بي سي" مقراً جديداً له في الولايات المتحدة، كما أن هناك حديثاً عن تنمية عملياته في أكبر اقتصاد في العالم. فبعد سنوات من تقليص العمليات في أميركا الشمالية، قد يضطر الحداري الآن إلى الإشراف على عودة البنك إلى السوق، في قطاعات تتراوح من الخدمات المصرفية التجارية والشخصية إلى إدارة الثروات والخدمات المصرفية الاستثمارية.
رغم ذلك، فمفتاح نجاح الحداري قد يكون إدارة أعمال البنك في هونغ كونغ والصين. قد يمنحه ما قام به من تعلم الماندرين واكتسابه مهاراتها، أداة رئيسية كانت تنقص أسلافه، حيث يمكنه التحدث مع صناع السياسات وكبار العملاء بلغتهم الخاصة.
قال جوزيف ديكرسون، محلل في "جيفيريز إنترناشيونال": "لا يرث الحداري برنامج إعادة هيكلة، فقد تم القيام بالأعمال الشاقة. وهو ما سيمكنه من التركيز على تطوير الأعمال، مع احتمال أن يكون تركيزه على قطاع الخدمات المصرفية الاستثمارية نظراً لخلفيته، إضافةً إلى مواصلة التحول نحو آسيا والشرق الأوسط".