بلومبرغ
أدرك محافظ البنك المركزي البرازيلي روبرتو كامبوس نيتو، أن الوقت قد حان لتغيير سريع في مسار أسعار الفائدة. ومع التدهور السريع لتوقعات التضخم، أقدم كامبوس نيتو على رفع أسعار الفائدة بأكبر وتيرة منذ أكثر من 10 سنوات، وأشار أيضاً إلى رفعها مجدداً بنفس النسبة في الاجتماع المرتقب. وتم رفع سعر الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس إلى 2.75% يوم الأربعاء و من المرجح أن ترتفع إلى 3.5% في مايو.
وفاجأت الخطوة جميع الاقتصاديين البالغ عددهم 42، الذين شملهم استطلاع "بلومبرغ" باستثناء واحد؛ إذ توقع معظمهم زيادة بمقدار نصف نقطة مئوية. ومن المرجح أن تدعم الخطوة العملة البرازيلية (الريال) التي عانت وسط مخاوف المستثمرين بشأن الإنفاق الحكومي المفرط.
كما أظهرت الخطوة استقلالية البنك المركزي إزاء التدخلات الأخيرة من جانب الرئيس جايير بولسونارو.
وقبل بضعة أشهر فقط، كان صانعو السياسات في المركزي البرازيلي يتعهدون بالإبقاء على أسعار الفائدة في أدنى مستوى لها على الإطلاق عند 2% "للمستقبل المنظور" إذ تسبب الوباء في حدوث تراجع تاريخي للنشاط الاقتصادي.
وتخلى صانعو السياسة عن تعهدهم في يناير، ويقولون حالياً: إن المستوى "الاستثنائي" لحزم التحفيز النقدي لم يعد مستداماً، حتى مع تعثر الانتعاش وسط تفشي موجة جديدة ومدمرة لفيروس كورونا.
وكتب صانعو السياسات في البيان المصاحب للقرار الذي اتخذوه بالإجماع "في تقييم اللجنة، فإن التعديل الأسرع لمعدل الفائدة، يقلل احتمالية عدم تحقيق مستهدف التضخم في عام 2021، وكذلك الإبقاء على التوقعات المستقبلية للمدى الأطول بشكل جيد".
وتمثل الخطوة (رفع الفائدة) أكبر اختبار حتى الآن لجهود كامبوس نيتو في مكافحة التضخم، والذي شغل سابقاً منصب المدير التنفيذي للخزانة في مصرف "بانكو سانتاندير" (Banco Santander SA) وتولى مقاليد البنك المركزي البرازيلي في عام 2019.
وتتزايد أسعار السلع مثل النفط، وتعمل المخاوف المالية على إضعاف سعر صرف الريال البرازيلي، ما يمثل ضغوطاً على الأسعار.
ورفع المحللون الذين شملهم استطلاع البنك المركزي توقعاتهم للتضخم لعام 2021 لعشرة أسابيع متتالية على الرغم من الأثار الاقتصادية للفيروس.
وفي إشارة إلى رفع أسعار الفائدة أكثر من توقعات المحللين، قال ساشا تيهاني، رئيس استراتيجية الأسواق الناشئة في "تي دي سيكوريتيز":
يحاول صانعو السياسة مواجهة مخاطر التضخم سريعاً والتهديد بزيادة علاوة المخاطر المالية بالريال.. وبالتالي فإن هناك ما يبرر تبني مسار أكثر قوة من وجهة نظرهم
جعل قرار رفع أسعار الفائدة الذي يتسم بالجرأة أمس الأربعاء البرازيل، أولى الدول التي تُقْدِم على تلك الخطوة منذ تفشي وباء كورونا.
وأصبحت البرازيل أول دولة في مجموعة العشرين ترفع أسعار الفائدة خلال العام الجاري، وأقدمت تركيا على نفس الخطوة ورفعت الفائدة بنسبة 2% إلى 19% اليوم الخميس.
وتتناقض هذه الخطوة مع قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، الذي توقع يوم الأربعاء استمرار بقاء أسعار الفائدة القريبة من الصفر حتى عام 2023 على الأقل.
وقالت أدريانا دوبيتا المحللة الاقتصادية لشؤون أمريكا اللاتينية في "بلومبرغ إيكونوميكس" :"إن رسالة البنك المركزي القوية إلى حد ما واللينة إلى حد ما، تترك بعض الأسئلة بدون إجابة. تشير نية البنك الواضحة إلى أن تعديل أسعار الفائدة سيكون بوتيرة سريعة ولكن معتدلة. ولكن إذا استمرت المخاطر المالية إلى ما بعد اجتماع السياسة النقدية التالي، فقد يحتاج المركزي البرازيلي إلى إعادة النظر في خططه".
حركة جريئة
تتزايد المخاوف المالية في البرازيل، حيث أيد الكونغرس إقرار جولة ثانية، لكنها أصغر حجماً من المساعدات النقدية لمساعدة الفقراء في البلاد على الخروج من أزمة فيروس كورونا.
ومع ارتفاع عدد الوفيات بسبب الفيروس لأرقام قياسية، تفرض السلطات في الولايات المكتظة بالسكان مثل ميناس جيرايس وساو باولو أقسى القيود حتى الآن على التجارة. وقد يؤدي ذلك إلى انكماش الاقتصاد البرازيلي مرة أخرى في الربع الأول من 2021، بعد تحقيق نمو قوي في نهاية عام 2020.
وفي هذا السياق، كتب أعضاء مجلس إدارة البنك المركزي أنهم قرروا بدء عملية "التطبيع الجزئي" للسياسة النقدية، عودة أسعار الفائدة إلى مستوياتها الطبيعية حسب الأداء الاقتصادي.
وبعبارة أخرى، من المرجح أن تتضمن استراتيجية أعضاء مجلس إدارة المركزي البرازيلي ارتفاعات قوية وسريعة لأسعار الفائدة دون وقف حزم التحفيز النقدي، وفقاً لـروبرتو سيسيمسكي، الاقتصادي البرازيلي في بنك "باركليز".
وأقر صانعو السياسة أن يعمل تفاقم الوباء على إبطاء معدل التضخم. ومع ذلك، ارتفعت توقعات أسعار المستهلك بشكل مطرد، وتقترب حالياً من الحد الأعلى للنطاق المستهدف خلال 2021.
وارتفع معدل التضخم السنوي إلى أعلى مستوى له في أربع سنوات عند 5.2% في فبراير، وهو أعلى من المستهدف خلال العام الجاري البالغ 3.75%، والذي يتضمن هامش تحمل يزيد أو ينقص 1.5%.
وانخفض الريال البرازيلي بنسبة 7% تقريباً حتى الآن في عام 2021، مما أدى إلى زيادة أسعار المستهلكين، بعد رفع فاتورة الواردات.
وقال ألبرتو راموس، كبير الاقتصاديين لشؤون أمريكا اللاتينية في بنك الاستثمار العالمي "غولدمان ساكس": "كانت هذه خطوة جريئة.. أدرك البنك المركزي البرازيلي عدم وجود أي قيمة لاستراتيجية تطبيع أسعار الفائدة بشكل تدريجي".