المغرب يدرس الوقت المناسب لفك ارتباط الدرهم باليورو والدولار

بنك المغرب المركزي اعتمد مخططاً استراتيجياً للسنوات الخمس المقبلة لحسم التعويم والعملة الرقمية والأصول المشفرة

time reading iconدقائق القراءة - 11
أوراق مالية مغربية إلى جانب عملتي اليورو والدولار - المصدر: بلومبرغ
أوراق مالية مغربية إلى جانب عملتي اليورو والدولار - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

الشرق

يعتزم بنك المغرب المركزي إتمام إصلاح نظام سعر صرف عملته الدرهم بالاستعداد للمرحلة الثانية، والتي تتطلب فك الارتباط بعملتي اليورو والدولار خلال السنوات الخمس المقبلة، وفقاً للمخطط الاستراتيجي المصادق عليه من قِبل المجلس المركزي باجتماعه الأخير لعام 2023 في ديسمبر.

كانت المملكة بدأت تحرير سعر صرف عملتها عام 2018، باعتماد نطاق تقلُّب بنسبة 2.5% صعوداً وهبوطاً عوضاً عن 0.3% كما في السابق. وفي عام 2020، جرى توسيع هذا النطاق إلى حدود 5% مع الاستمرار في ربط الدرهم بسلّة عملات تضم اليورو بنسبة 60% والدولار بنسبة 40%.

يمتد المخطط الاستراتيجي للبنك المركزي للفترة ما بين 2024 و2028، ويتضمن 3 عناصر رئيسية، تشمل بالإضافة إلى تحرير سعر صرف العملة، إنهاء مشروع العملة الرقمية للبنك المركزي، ومشروع قانون يسمح بتداول الأصول المشفرة.

الإصلاح الأكبر

والي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري اعتبر أن "اختيار التوقيت المناسب للمرور إلى المرحلة الثانية من إصلاح سعر صرف الدرهم هو الإصلاح الأكبر بالنسبة لنا في السنوات الخمس المقبلة، وهذا يؤدي إلى التخلي عن الارتباط بعملتي اليورو والدولار".

الهدف الذي تريد السلطات النقدية تبليغه للأسواق هو أن "الانتقال لنظام صرف أكثر مرونةً من شأنه أن يساعد على تعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني"، بحسب يونس آيت أحمادوش، أستاذ المالية والاقتصاد الكلي بجامعة ابن طفيل المغربية، لـ"الشرق".

خلال عام 2023، شهد الدرهم تذبذباً بسيطاً، حيث ارتفع سعر صرفه بنسبة 1.43% على أساس سنوي مقابل اليورو، و1.40% مقابل الدولار الأميركي بنهاية الربع الثالث، ويُتوقع أن ينهي العام الجاري بتحسن إجمالي قدره 0.8%، بعد انخفاض قيمته بـ3.9% العام الماضي.

على مدى عقود، ظل صندوق النقد الدولي يلحُّ على المملكة لتحرير سعر صرف الدرهم، لكنه تخلى عن ذلك في السنوات الأخيرة بعدما اقتنع بمبررات السلطات بضرورة تهيئة البيئة الاقتصادية والاجتماعية لمواكبة هذه الخطوة، كما أفاد الجواهري في مقابلة سابقة مع "الشرق".

القرار بيد الحكومة

يرى عمر باكو، الخبير الاقتصادي في سياسة الصرف، أن "قرار المرور إلى المرحلة الثانية يرجع بالأساس إلى وزارة الاقتصاد والمالية، بالتشاور مع المركزي"، مضيفاً لـ"الشرق" أن "الحكومة ستأخذ في الاعتبار مجموعة من العوامل السياسية والاجتماعية، لأن تعويم العملة في ذهن المواطنين يعني انخفاض قيمتها، وهو ما ظهر جلياً في المرحلة السابقة من التحرير".

يتوقف حسم المركزي لهذه الخطوة الجوهرية على توفر ثلاثة شروط يؤكد عليها الجواهري دائماً، هي: الاستعداد التام للشركات، ووجود رصيد كافٍ من العملة الصعبة، إضافة إلى استقرار معدل التضخم دون 2%.

يُضاف لما سبق شروط أخرى، من بينها "ضرورة توفر إطار ماكرو اقتصادي ومالي داخلي مواتٍ ومستقر، ونمو اقتصادي مُرضٍ، ورصيد تجاري متوازن، ومالية عامة بوضع صحي، وسيطرة على عجز الميزانية، ودينٍ عمومي مستدام، ومناخ اجتماعيّ مناسب"، كما أورد آيت أحمادوش.

يحظى موضوع تحرير العملة باهتمام المواطنين نظراً لارتباطه الوثيق بمعيشتهم اليومية، فدخول مرحلة التعويم يعني تحرك الدرهم وفقاً للعرض والطلب في السوق، كما أن الخطوة المرتقبة ستُدخل الدرهم مرحلة غير مسبوقة منذ إصداره عام 1959".

وبنظر باكو، فإن "مزيداً من التحرير يتطلب النظر بحذر لعدة عوامل، من بينها استمرار التضخم والتوجس تجاه التوقعات الاقتصادية العالمية وتوقعات العجز في سوق الصرف.. في النهاية، كل شيء يتوقف على اختيار التوقيت المناسب".

التضخم لاعب أساسي

خلال العام الماضي، شهد المغرب موجة تضخمية كانت الأقوى منذ تسعينات القرن الماضي بمعدل سنوي 6.6%. وتفيد أحدث توقعات المركزي أن عام 2023 سيسجل معدل تضخم بواقع 6.1%، على أن ينخفض إلى 2.4% للعامين المقبلين، وهو مستوى أقرب إلى المستهدف بـ2%.

في مؤتمر صحافي عقده الأسبوع الماضي، أجاب الجواهري على سؤال "الشرق" بأن تطور مستوى التضخم في الربع الأول من العام الجديد سيحسم قرار "المركزي" بخصوص الفائدة في شهر مارس القادم. كان المركزي رفع الفائدة بإجمالي 150 نقطة أساس ما بين سبتمبر 2022 حتى مارس الماضي إلى 3%، وبعد ذلك قرر التوقف مؤقتاً مع تباطؤ وتيرة التضخم.

انتظار خُفوت موجة التضخم هو موقف أضحى يتبناه أيضاً صندوق النقد الدولي، حيث قال روبرتو كارداريلي، رئيس بعثة المؤسسة المُقرضة إلى المغرب في مقابلة سابقة مع "الشرق"، إن المملكة بإمكانها المرور إلى المرحلة الأخيرة من تحرير صرف عملتها الدرهم "حين ينخفض معدل التضخم إلى 2%، والذي يُرتَقب أن يتحقق في غضون عامين أو أكثر، إضافة إلى توفر عنصر اليقين بخصوص التوقعات الاقتصادية".

ينبّه آيت أحمادوش، بدوره، إلى أن "الانتقال لنظام صرف أكثر تعويماً قد يؤدي إلى انخفاض قيمة الدرهم. وفي هذه الحالة قد نشهد زيادةً في تكلفة الواردات وارتفاعاً في معدل التضخم، وبالتالي الإضرار بالقدرة الشرائية، فضلاً عن زيادة كلفة الديون الخارجية".

إعادة النظر بالتوقعات

للنجاح في خطوة المرحلة الثانية من تحرير الدرهم، يخطط بنك المغرب لإعادة النظر في نماذج التوقعات المعتمدة حالياً، سواء على المدى القريب أو المتوسط، حيث أشار الجواهري إلى أن "المرحلة المقبلة تتطلب وجود معطيات أكثر موثوقية".

تعتمد نماذج التوقعات الحالية للبنك المركزي على نظام سعر صرف ثابت، وفي حال اتخاذ القرار للمرور لنظام سعر حر فالأمر يتطلب آليات تحليل وتوقع أكثر تطوراً لاتخاذ الإجراءات المناسبة، وهو ما دفع "المركزي" لتكثيف التنسيق مع المندوبية السامية للتخطيط، الهيئة الحكومية المكلفة بالإحصاءات في البلاد، والتي ترصد تنتج أرقام تطور التضخم والبطالة والنمو.

إلى جانب إصلاح نظام سعر صرف العملة، وعلى غرار عدة دول عبر العالم، يُولي المغرب أهميةً لمسار تطور العملات الرقمية للبنوك المركزية والأصول المشفرة، حيث لجأ مؤخراً لطلب العون الفني من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي للتحضير لإطلاق درهم رقمي في المستقبل، قد يسهم في الحد من ارتفاع نسبة "الكاش".

وتسعى السلطات المغربية لتحليل ودراسة تجارب دول أخرى في هذا المجال بشكل كافٍ، وفقاً لإفادات الجواهري الذي أوضح أن "هذه العملة الرقمية في الدول المتقدمة ستكون موجهة للسوق المالية، لكن في المغرب ستكون بهدف تحقيق الشمول المالي، والتحكم في مسارات النقد وخفض تكاليف وآجال الدفع في المعاملات التجارية".

تصنيفات

قصص قد تهمك