الشرق
حققت البنوك في مصر نمواً في صافي أرباحها بأكثر من الضعف خلال 9 أشهر الأولى من العام الجاري، مقارنة بنفس الفترة من 2022، بدعم من ارتفاع أسعار الفائدة على الإقراض وأدوت الدين المصرية والعمولات، إلى جانب انخفاض قيمة الجنيه، مع توقعات باستمرار زيادة ربحيتها، لتكون "الحصان الرابح" في 2024، وفق ما قاله 4 محللين ومصرفيين تحدثت إليهم "الشرق".
أظهر تقرير للبنك المركزي المصري بخصوص المركز المالي الإجمالي للبنوك، من دون البنك المركزي، ارتفاع صافي أرباحها بعد خصم الضرائب خلال 9 الأشهر الأولى من العام الجاري، بأكثر من 127%، ليفوق 212 مليار جنيه مقابل 93.5 مليار جنيه لنفس الفترة من العام السابق.
دعم زيادة الفائدة
قال هاني جنينة، كبير الاقتصاديين ومحللي استراتيجيات الاستثمار في شركة "كايرو كابيتال" لتداول الأوراق المالية لـ"الشرق"، إن ارتفاع أسعار الفائدة على الإقراض، بجانب ارتفاع نسبة العائد المقدم على الديون المصرية بالعملة المحلية، والتي تشمل أذون وسندات الخزانة، يُعدان العاملين الأساسيين في مضاعفة أرباح البنوك المصرية خلال العام الجاري.
اقرأ أيضاً: المركزي المصري يبقي الفائدة عند أعلى مستوى تاريخي
وأضاف: "اكتشفنا عند تحليل مؤشرات البنوك المصرية خلال 2023 وجود قفزة في صافي هامش الفائدة، المتمثل في سعر الفائدة المتحصلة على الإقراض مطروح منه تكلفة العائد على الودائع، ومقسومة على أصولها التي تُدر فائدة بنسبة تصل إلى 7% في الغالب و9% في بعض البنوك، والتي تُعد أعلى بكثير من معدل المعايير الدولية المتعارف عليها عند 2%".
المؤشرات أوضحت أن البنوك المصرية حققت ربحية مرتفعة من الاستثمار في أدوات الدين مقابل معدل عائد منخفض على الودائع قصيرة الأجل والحسابات الجارية، وفق ما قاله جنينة.
رفع البنك المركزي سعر الفائدة بنسبة 11% في الـ18 شهراً الماضية، 3% منها خلال العام الجاري (بواقع 2% في مارس و1% في أغسطس)، لتصل مستويات الفائدة إلى 19.25% للإيداع و20.25% للإقراض، وذلك في مسعاه لكبح جماح التضخم المتسارع، والسيطرة على وتيرة ارتفاع أسعار السلع.
اقرأ أيضاً: انقسام حول توقعات الفائدة في مصر وسط ضبابية المشهد الاقتصادي
اتفقت داليا بنة، مساعدة نائب رئيس قسم البحوث لتحليل البنوك في شركة "فاروس للأوراق المالية" خلال حديثها مع "الشرق"، مع رأي جنينة، في أن هذين العاملين ساهما بشكل رئيسي في تحقيق قفزة في صافي أرباح البنوك.
ولكنها لفتت إلى أن رفع القطاع المصرفي نسبة العمولات على فتح الاعتمادات المستندية لتمويل الاستيراد، مثّل جانباً آخر دعم ربحية البنوك، يُضاف إليه زيادة عمولات تدبير العملة للعملاء، بحسب ما قالته داليا بنة.
فرض عمولة إدارة القروض لأول مرة
قال أحد الرؤساء التنفيذين في أحد البنوك الخاصة العاملة في السوق المصرية لـ"الشرق"، إن النمو الذي تشهده أرباح البنوك يعود إلى عدة أسباب، من بينها ارتفاع العائد على الإقراض، وزيادة قيم الرسوم والعمولات المستحقة على المحافظ بالعملة الأجنبية نتيجة قرارات تحرير سعر الصرف، إلى جانب ارتفاع عوائد الاستثمار في أدوات الدين الحكومية.
وبحسب المسؤول المصرفي الذي طلب عدم نشر اسمه، فإن تكلفة الودائع بالبنوك تقل عن تكلفة الإقراض، فأعلى عائد على الودائع يبلغ 19%، أو أكثر قليلاً على "شهادات الادخار "، مقابل تكلفة إقراض تتراوح ما بين 23% و24%. وأضاف: "من هنا يتضح الفرق الكبير بين العائد المحصل والمدفوع من جانب البنوك".
وتابع أن البنوك قامت خلال العام الجاري بمضاعفة الرسوم على الأعمال المصرفية، كما فرضت لأول مرة عمولة إدارة على القروض تمثل 1% من إجمالي قيمة القرض، مشيراً إلى أن كل هذه المتحصلات أدت إلى نمو ملحوظ في أرباح البنوك.
بدورها قالت سهر الدماطي، الخبيرة المصرفية، إن العامل الرئيسي لنمو أرباح البنوك يعود إلى زيادة تكلفة الإقراض بالعملة المحلية والأجنبية، كنتيجة لقرارات المركزي المصري والفيدرالي الأميركي رفع أسعار الفائدة.
وأضافت الدماطي لـ"الشرق" أن البنوك استفادت من استثماراتها في أدوات الدين الحكومية مع ارتفاع العائد عليها، في وقت اعتمدت على حسابات التوفير لديها لتخفيض تكلفة التمويل وزيادة رسوم المنتجات والخدمات المصرفية.
خفض سعر الجنيه
انخفاض قيمة الجنيه مقابل الدولار دعم أيضاً ربحية البنوك، حيث إن جزءاً من محافظ الإقراض والودائع لديها بالدولار الأميركي. وعند احتساب هذه المحافظ بما يعادل قيمتها بالجنيه، نظراً لأن أغلب البنوك تعتمد ميزانيتها بالجنيه، فإن ذلك يؤدي إلى تضخم قيمة هذه المحافظ، وبالتالي تنعكس على ربحيتها عند مقارنتها بنفس الفترة من العام الماضي، وفقاً لهاني جنينة وداليا بنة.
فقد الجنيه أكثر من نصف قيمته مقابل الدولار خلال آخر 21 شهراً، ما أدى إلى ارتفاع سعر الدولار بنحو 96%، ليسجل نحو 31 جنيهاً حتى تعاملات صباح اليوم في البنوك المصرية. وخلال العام الجاري فقط ارتفع الدولار مقابل الجنيه بنسبة 24.9%.
اقرأ أيضاً: رئيس الوزراء المصري: أزمة الدولار ستنتهي قريباً
توقعات باستمرار زيادة الربحية في 2024
توقع جنينة أن يتكرر سيناريو زيادة ربحية البنوك خلال العام المالي المقبل بنسب تصل إلى 50% و80%، بدعم من توقعات قوية برفع البنك المركزي سعر الفائدة، إلى جانب احتمالية حدوث خفض آخر لقيمة الجنيه. وكانت بنوك عدة من بينها، "إتش إس بي سي" (HSBC) توقعت خفض سعر الجنيه خلال الربع الأول لتتراوح قيمته أمام الدولار بين 39 و45 جنيهاً.
اقرأ أيضاً: "مورغان ستانلي" يرجح خفضاً مرحلياً لقيمة الجنيه المصري بعد الانتخابات
وأوضح جنينة، أن أغلب المحللين، بما فيهم "كايرو كابيتال"، يوصون برفع حصص الاستثمارات بالقطاع المصرفي خلال العام القادم، متوقعين مواصلة نمو ربحيته.
من جهتها رجحت داليا بنة، من "فاروس"، استمرار ربحية البنوك خلال العام القادم بنسبة 20% و30% في حال ثبات نفس العوامل، على أن ترتفع هذه النسبة إذا رفع البنك المركزي أسعار الفائدة مجدداً وتراجعت قيمة الجنيه مقابل الدولار كما حدث خلال 2023.
وبخصوص توقعات أداء البنوك في العام المقبل، أشارت الدماطي إلى ضبابية المشهد الاقتصادي في ظل الأوضاع الجيوسياسية، خاصة ما يتعلق بحركة التجارة العالمية، والتي تزيد من غموض المشهد، ويصعب توقع انعكاساتها على الوضع الاقتصادي المصري.