الشرق
أجمعت توقعات مراكز أبحاث ومحللين اقتصاديين على توجه بنك المغرب المركزي لإبقاء سعر الفائدة دون تغيير للمرة الثالثة على التوالي عند 3%، خلال اجتماعه المرتقب يوم الثلاثاء 19 ديسمبر.
كان "المركزي" بدأ مرحلة تشديد سياسته النقدية منذ سبتمبر العام الماضي برفع الفائدة ثلاث مرات بإجمالي 150 نقطة أساس لكبح أكبر موجة تضخم يشهدها المغرب منذ تسعينيات القرن الماضي، إلى أن قرر التوقف في يونيو وسبتمبر لتمرير الزيادات إلى السوق، وفي ظل تباطؤ معدل التضخم.
بلغ التضخم في البلاد ذروته في شهر فبراير الماضي بنسبة 10.1%، وسجل تباطؤاً لخمسة أشهر متتالية حتى يوليو حين وصل إلى 4.9%، قبل أن تتسارع وتيرته قليلاً إلى 5% في أغسطس ثم عاد إلى التباطؤ في أكتوبر إلى 4.3%. بعدما كان سجل متوسط التضخم 6.6% خلال 2022، مقابل 1.5% كمتوسط في العقدين الماضيين.
إجماع على عدم التغيير
يرى يوسف كراوي، الخبير الاقتصادي ورئيس المركز المغربي للحكامة والتسيير، في حديث لـ"الشرق" أن "سيناريو إبقاء بنك المغرب سعر الفائدة دون تغيير مرجح بشكل كبير، كون البلاد لا زالت تعيش مرحلة ركود تضخمي تتسم بتراجع النمو وارتفاع متذبذب للأسعار".
نمو اقتصاد المغرب يتباطأ في الربع الثاني إلى 2.3%
تباطأ نمو اقتصاد المملكة إلى 2.3% في الربع الثاني من العام الجاري من 3.5% خلال الربع الأول، وفقاً لأرقام المندوبية السامية للتخطيط، بينما تشير توقعات الحكومة إلى تحقيق نمو بنسبة 3.4% خلال عام 2024.
توقُّع إبقاء الفائدة دون تغيير كان مرجحاً ضمن نتائج الاستطلاع الدوري الذي أجراه المركز التجاري للأبحاث (AGR) وشمل 35 كياناً مالياً الأكثر تأثيراً في السوق المغربية، حيث أجمعوا بنسبة 96% على سيناريو إبقاء سعر الفائدة الرئيسي دون تغيير، فيما كانت نسبة من رجحوا الزيادة بنسبة 25 نقطة أساس في حدود 1%، أما سيناريو الخفض فكان مرجحاً لدى 3%.
بدوره، أشار الاقتصادي إدريس الفينة، رئيس المركز المستقل للتحليلات الاستراتيجية، إلى أن "الإبقاء على سعر الفائدة دون تغيير هو السيناريو المرجح، ما دام أن المعطيات تشير إلى التحكم في التضخم الذي يستمر في التباطؤ شهراً بعد شهر، والتراجع المستمر لأسعار المحروقات إلى حدٍّ ما"، وأضاف لـ"الشرق" أن هذا السيناريو "هو الأسلم لدعم الاقتصاد وكبح جماح التضخم الذي كان مرتفعاً في الشهور السابقة".
نفس السيناريو تبناه مكتب الأبحاث والتحليلات "بي إم سي إي كابيتال غلوبال ريسيرش" (BKGR) حيث قال في تقرير صدر الأسبوع الجاري إن "البنك المركزي المغربي سيسلك مساراً مماثلاً للبنوك المركزية عبر العالم التي قررت الإبقاء على سعر الفائدة دون تغيير، لكنها في نفس الوقت تبنّت لهجة أكثر تشاؤماً بعدم استبعاد إمكانية التدخل لمواجهة عودة التضخم في المستقبل".
مراقبة السوق وتعديل التوقعات
بينما رفع بنك المغرب المركزي سعر الفائدة الرئيسي 150 نقطة أساس منذ سبتمبر إلى 3%، زاد متوسط سعر الإقراض منذ بدء التشديد وحتى نهاية الربع الثالث من العام الجاري 112 نقطة أساس فقط، وهو مؤشر على عدم اكتمال التمرير الكامل لسعر الفائدة إلى السوق ما يستدعي استمرار مراقبتها.
عجز موازنة المغرب يتفاقم إلى 51.4 مليار درهم بنهاية نوفمبر
يُرتقب أن يعدّل المركزي المغربي في اجتماعه المقبل توقعات النمو للعام الجاري من 2.9%، آخذاً بعين الاعتبار آثار الزلزال الذي ضرب وسط البلاد في 8 سبتمبر الماضي وأودى بحياة 3000 شخصاً، واستدعى من الحكومة اعتماد برنامج إعمار بنحو 120 مليار درهم (نحو 11.8 مليار دولار) على مدى خمس سنوات، كما جاء في تقرير مكتب (BKGR)، التابع للمجموعة البنكية "بي إم سي إي" (BMCE Group).
عوامل أخرى ستدفع بنك المغرب لتعديل توقعات العامين المقبلين، على رأسها مقتضيات مشروع موازنة 2024 قيد المصادقة النهائية، إضافة إلى معدلات تساقط الأمطار المسجل في الربع الأخير من العام والتي اتسمت بالضعف، وهو ما سيكون له تأثير على تقديرات الإنتاج المحلي من الحبوب للعام المقبل.
عودة التشديد في 2024؟
يتوقع يوسف كراوي عودة بنك المغرب المركزي خلال الاجتماع الأول لعام 2024 في شهر مارس لتشديد السياسة النقدية، تزامناً مع عزم الحكومة رفع الدعم عن أسعار غاز الطهي و"هو القرار الذي قد يُنتج موجة تضخمية جديدة تستمر لسنوات".
بنك المغرب المركزي يوصي بتسريع إصلاح دعم الغذاء وغاز المنازل
يدعم المغرب أسعار مواد السكر والدقيق وغاز الطهي بكلفة بلغت بنهاية نوفمبر 27 مليار درهم (2.6 مليار دولار)، وتعتزم الحكومة بدء الرفع التدريجي لهذا الدعم العام المقبل وتعويضه بمنح الأسر الفقيرة دعماً مالياً شهرياً لا يقل عن 500 درهم، في سعي لتحقيق استهداف مباشر للفئات الهشة المحتاجة للدعم.
توقعات عودة التضخم إلى التسارع تبناها أيضاً تقرير "بي إم سي إي كابيتال غلوبال ريسيرش" حيث قال إن ذلك سيكون مدفوعاً بثلاثة عوامل: تأثيرات منح الدعم المالي للأسر الفقيرة على زيادة "الكاش" في الاقتصاد، وبدء المرحلة الأولى من رفع سعر غاز الطهي ابتداءً من الربع الثاني من 2024، إضافةً إلى استمرار التقلب القوي في أسعار المحروقات في سياق جيوسياسي واقتصادي عالمي لا يزال غير مستقر.