يبدو للوهلة الأولى اعتراض البنك المركزي الأوروبي على مكافآت الإدارة التنفيذية المقترحة من دويتشه بنك صحيحاً وفي الوقت المناسب بالنظر إلى ظروف الجائحة. ولكن الجهات التنظيمية يجب أن تتوخى الحذر للنتائج غير المقصودة التي قد تترتب على تلك الممارسات.
فكما أشارت زميلتي إليسا مارتينوزي، إلى أن هناك توجها من دول الاتحاد الأوروبي إلى اجتذاب المصرفيين المتميزين من أصحاب الأجور المرتفعة من لندن إلى باقي دول القارة.
وبغض النظر عن المكافآت المقترحة من دويتشه بنك والبالغة 2 مليار يورو (2.4 مليار دولار) عن أداء موظفي البنك خلال العام 2020 والتي تم تقليصها بعد ذلك بسبب تحفظات البنك المركزي الأوروبي، يتركز اهتمام المصرفيين والوسطاء إلى المكافآت التي قد تحسم قراراهم بالبقاء والعمل في إحدى المدن مثل باريس أو فرانكفورت أو أمستردام.
ويعتبر قلق البنك المركزي الأوروبي تجاه مكافآت دويتشه بنك المفرطة منطقياً بالنظر إلى التقلبات التي شهدها في التاريخ قصير الأجل فلا يزال سعر سهم البنك يمثل جزءا بسيطا من قيمته السوقية في 2007.
وكان من الصعب أن يقبل المركزي الأوروبي زيادة إدارة دويتشه بنك إجمالي قيمة المكافآت بأكثر من الثلث في الوقت الذي تشير توجيهاته بوضوح إلى ضرورة تقييد التوزيعات ومكافآت الإدارة التنفيذية في الوقت الحالي.
تضخم الأجور
قد لا تكون البنوك مسؤولة عن الأزمة الحالية، لكنها مستفيدة من تخفيف قواعد رأس المال وحصولها على قروض من البنك المركزي الأوروبي بفائدة قليلة، وضخ الحكومات لكميات هائلة من الأموال في الاقتصاد. وبالتالي يصبح تضخم الأجور في الوقت الحالي متعارض مع ضرورة التحلي بروح الجماعة.
وتضع تلك الخطوات البنك المركزي الأوروبي في وضع حرج، حيث أشار البنك إلى عدم اعتراضه على مكافآت دويتشه بعد التخفيض، ولكن يبقى من واجبه كجهة تنظيمية التأكد من عدم إضرار البنوك الأوروبية بميزانياتها العمومية ومراقبة تأثير تعديل مكافآت الإدارة التنفيذية في البنوك على سمعتها وهو ما أكد عليه البنك المركزي الأوروبي في رسالته للبنوك خلال الصيف الماضي عندما قال "لا ينبغي التقليل من شأنها".
رسائل هامة
يشبه العمل في البنوك الاستثمارية رياضة تشهد تنافسا، حيث يذهب اللاعبون إلى المكان الذي يرون فيه عددا أقل من المعوقات التي قد تمنعهم من تكوين ثروة.
وشهدت صناعة التمويل أداء استثنائيا في 2020 بفضل السيولة التي ضخها البنك المركزي إلى جانب فقاعة أسعار الأصول، ما أدى إلى تسجيل أرباح بنهاية العام، والتي تأتي بعد سنوات تباطؤ النمو ما يدفع العديد من الشركات الدولية إلى البحث عن توظيف موظفين إضافيين.
وسيكون من السهل على بنوك وول ستريت تحفيز الموظفين الرئيسيين المحبطين لعدم حصولهم على مكافآت تقديراً لأدائهم السابق وخوفهم من الحصول على القيمة المناسبة لخدماتهم وفق معطيات السوق في المستقبل، وكذلك الحال بالنسبة للندن لإقناع الموظفين المتميزين بالبقاء حيث قد يتسبب غياب الكفاءات من فريق عمل البنوك الأوروبية في عرقلة تعافيها، وهو ما سيمثل استسلاما بعد تحقيقها لأداء فصلي إيجابي خلال الفترة الماضية.
وبالنظر إلى دويتشه بنك كمثال، يعطي انتشار عملياته الدولية مقارنة بباقي البنوك الأوروبية الفرصة لموظفيه للتنقل بشكل أكبر من غيرهم، لذلك يحتاج البنك إلى تقديم رواتب ومكافآت تنافسية لكوادره المميزة.
وتفضل البنوك الكبرى توظيف المسؤولين من البنوك المنافسة. ويتزامن ذلك مع سعي هؤلاء الموظفين إلى تحقيق مصلحتهم الشخصية. وهنا لا تتوافق الأهواء الشخصية مع طريقة تفكير المؤسسات. فتأثير المكافآت جدير بالاعتبار وسيقدم مغريات كبيرة للكفاءات في وول ستريت.
وقد أثار تحول نشاط القطاع المالي من لندن إلى باقي دول القارة الأوروبية الكثير من الجدل، ولم يقتصر الأمر على تحول تجارة تداول الأسهم المربحة إلى أمستردام. حيث تبقى المعركة الحقيقية في كفاءات صناعة التمويل، وخاصة بمجالات إدارة المخاطر وصناعة القرار.
ولهذا يتعين على البنك المركزي الأوروبي أن يأخذ في الاعتبار التوازن بين الحوافز الشخصية للموظفين والحماس التنظيمي كجهة رقابية.