الشرق
تسعى روسيا لحل الوضع "المعقد" مع الهند الناتج عن تراكم ما قيمته 39 مليار دولار من أموال صادرات النفط لدى نيودلهي، عبر استخدام عملات ثالثة، بما في ذلك الدرهم الإماراتي بشكلٍ أساسي، كما أفصح أندريه كوستين، رئيس ثاني أكبر بنك روسي "في تي بي" (VTB)، حيث تتمتع عملة الدولة الخليجية النفطية باستقرار تاريخي نظراً لربطها بالدولار.
كوستين أضاف في مقابلة مع "اقتصاد الشرق" أن موسكو تمارس اليوم 50% من معاملاتها التجارية الخارجية باستخدام العملات الوطنية، لا سيما اليوان مع الصين، حيث يُتوقّع أن يبلغ حجم التجارة البينية هذا العام ما يوازي 200 مليار دولار. منوّهاً بأن التجارة بين البلدين "تحمل طابعاً متوازناً"، حيث تتساوى معدلات التصدير والاستيراد تقريباً؛ "ما يمكّننا من إجراء المعاملات بالعملتين الوطنيتين (اليوان والروبل) بكل السهولة مع إمكانية تنفيذ المقاصة البينية".
لكن هذا الوضع "يتعقّد في التجارة مع بعض الدول الأخرى مثل الهند"، على حدّ قول رئيس بنك "في تي بي"، حيث "نعاني من نقص التوازن بين الصادرات والواردات مع فرق يبلغ نحو 39 مليار دولار لصالح الصادرات الروسية".
في هذا السياق، تبحث موسكو عن حل لمثل هذه المسائل؛ "بما في ذلك عن طريق عملات ثالثة مثل اليوان أو الدرهم الإماراتي. ذلك أن بعض زبائننا يستخدمون الدرهم الآن عند تنفيذ المعاملات مع الشركاء في الهند. وبما يخص البلدان العربية، تحتل عملة الدرهم الإماراتي مكانة أولى من حيث حجم المعاملات مع لجوء العديد من المواطنين الروس إلى استخدام هذه العملة"، بحسب كوستين خلال المقابلة التي أجرتها الزميلة ديالا خليلي، عل هامش منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي الدولي.
تعزيز العلاقات مع الخليج العربي
قفز حجم التبادل التجاري غير النفطي بين دولة الإمارات العربية المتحدة وروسيا العام الماضي بنحو 95% إلى أكثر من 10 مليارات دولار، بحسب وزير الدولة للتجارة الخارجية ثاني الزيودي، بمقابلة سابقة مع "اقتصاد الشرق".
كوستين يشير إلى أن بلاده تطوّر علاقاتها مع الدول العربية؛ "في ضوء ذلك تزداد اليوم كثرة استخدام الدرهم الإماراتي. إضافة إلى ذلك سنزيد العمل بعملات اليوان الصيني والروبية الهندية والدرهم والروبل. وتحظى تلك الأسواق باهتمامنا الأكبر كون تجارتنا وصلاتنا الاقتصادية تنتقل بسرعة عالية من الغرب إلى الأسواق الشرقية والجنوبية".
ينوّه رئيس البنك بأن التعاون يتطور مع الإمارات وقطر وسلطنة عُمان، لا سيما أن جهاز قطر مساهم بمبلغ نصف مليار دولار في رأسمال "في تي بي". كما يرى أن "هناك آفاقاً جيدة في التعاون مع السعودية.. فمع أن العلاقة مع المملكة تتركز حالياً على التنسيق ضمن تحالف "أوبك+"، لكن لدينا اهتمام بتوسيع التعاون المصرفي والاستثماري".
أمّا حالياً؛ "فتُعتبر دولة الإمارات نقطة ارتكاز مهمة للمواطنين الروس، خاصةً وأن هذه الدولة ثاني وجهة سياحية دولية للسياح الروس بعد تركيا"، كما أوضح كوستين. والوجهة الأولى منذ العام الماضي لشراء الروس للعقارات خارج بلدهم، وفقاً لشركة "بتر هومز" (Better Homes) العقارية.
إغلاق فروع مصارف روسية في أبوظبي
يمثل الدرهم الإماراتي لكل من البائعين الروس والمشترين، سواء الهنود أو غيرهم، عملة يمكن التنبؤ بها نسبياً كونها مربوطة بالدولار، دون تعقيدات العقوبات المحتملة في حال استخدام العملة الأميركية. وحتى بالنسبة للصفقات التي لا تنتهك بشكل مباشر قيود الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، غالباً ما تتخذ بعض البنوك الوسيطة خطوات إضافية لتجنب أي مخاطر تؤثر على علاقاتها المصرفية مع البنوك الأميركية المراسلة.
رغم هذا التطور بما يتعلق باستخدام الدرهم الإماراتي في تعاملات روسيا التجارية، فإن أبوظبي حريصة على عدم مخالفة العقوبات الأميركية على المؤسسات الروسية المرتبطة بالحكومة، حيث ألغت ترخيص بنك "إم تي إس" بعد شهرين فقط على انطلاقه، عقب فرض واشنطن عقوبات على البنك ضمن جولة شملت 250 فرداً وكياناً في مارس.
قبل ذلك، أعلن "سبيربنك"، أكبر مصرف روسي، عن إغلاق مكتبه في دولة الإمارات بدءاً من مطلع العام الحالي، وفقاً للنائب الأول لرئيس البنك ألكسندر فيدياخين، الذي قال: "للأسف، في ظل القيود التي تفرضها العقوبات نواجه معوّقات شديدة أمام عمل مكتبنا الإقليمي للشرق الأوسط الموجود في أبوظبي، ما سيضطرّنا لإغلاقه".
من جانبه، افتتح بنك "في تي بي"، منتصف شهر مايو الماضي، مكتباً له في إيران، سعياً لتخفيف حدّة العقوبات الغربية، إذ نقلت وكالة الأنباء الإيرانية (IRIB) نقلاً عن مسؤول حكومي أن ثاني أكبر مقرض روسي "سيستخدم مكتب طهران لتحويلات العملات الأجنبية".
تعويض خسائر العقوبات
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف صرح في بداية مايو حول تراكم أموال بلاده لدى الهند: "هذه مشكلة.. نحن بحاجة إلى استخدام هذه الأموال. لكن لفعل ذلك، يجب تحويل هذه الروبيات إلى عملة أخرى، وهذا ما تجري مناقشته حالياً".
كانت "بلومبرغ" أفادت، في فبراير، نقلاً عن أشخاص مطلعين، أن بعض مصافي تكرير النفط الهندية تستخدم الدرهم الإماراتي لسداد ثمن بعض شحنات الخام الروسي لتجاوز العقوبات الغربية، ومن بين تلك الشركات "ريلاينس إندستريز" (Reliance Industries) و"بهارات بتروليوم" (Bharat Petroleum) و"نيارا إنرجي" (Nayara Energy)، حيث قام المشترون بتحويل عملة تسوية بعض المعاملات إلى الدرهم.
وكالة "رويترز"، بدورها، أوردت في يوليو أن روسيا طلبت من بعض مصافي النفط في الهند تسديد مستحقات توريد الخام بالدرهم الإماراتي، وذلك نقلاً عن مصادر ووثيقة تمثل فاتورة تشير إلى أن مقابل توريد النفط إلى إحدى المصافي الهندية تمّ حسابه بالدولار بينما الدفع مطلوب بالدرهم الإماراتي.
يؤكد أندريه كوستين أن "استخدام الدرهم يزداد حجماً نظراً لتدفق السياح الروس إلى دولة الإمارات، بالإضافة إلى إمكانية فتح حسابات مصرفية روسية بالدرهم.. أعتقد أن هذا الأمر سينطبق على عملات عربية أخرى مثل الريال القطري. باعتبار أن الاحتفاظ بالمبالغ المالية في حسابات دولارية أصبح أمراً خطيراً اليوم، سواء بالنسبة للشركات والبنوك الروسية أم للمواطنين العاديين".
سجّل "في تي بي" في عام 2022 خسائر مالية ناهزت 612 مليار روبل (7.25 مليار دولار). لكن رئيس البنك يتوقع لـ"اقتصاد الشرق" أن يتحول إلى الربحية هذا العام بتسجيله أرباحاً بنحو 5 مليارات دولار؛ "فهدفنا أن نعوض خلال سنة ونصف كافة الخسائر التي تكبدناها نتيجة العقوبات". مقدّراً وصول إجمالي أرباح القطاع المصرفي الروسي هذا العام إلى ما لا يقل عن تريليوني روبل (23.5 مليار دولار).