يتكرر كثيراً قيام البنوك الصينية بتنظيف سجلاتها من القروض المعدومة، ويسود اقتناع بين صفوف المستثمرين بأنَّ الخطوة بمثابة نهاية لمشكلة مزمنة.
وبطريقة ما، يقول المستثمرون لأنفسهم، إنَّ البنوك الصينية عازمة على تنظيف سجلاتها، والاستعداد للحفاظ على تدفق الائتمان، وتعمل قوة التفكير بطريقة إيجابية على تبديد الشكوك أو المخاوف، لفترة من الزمن على الأقل.
ويتعيَّن توخي الحذر واليقظة هذه المرة، ففي ظل توافر مظاهر حدوث تعافي للإنتاج الصناعي، كان الانتعاش الاقتصادي متفاوتاً من تداعيات كوفيد-19، إذ لم تكن إجراءات التحفيز المالي مفيدة على مستوى العالم.
وشهدت بعض المقاطعات، وليس كلها، انتعاشاً وأصبحت بعض الشركات أكثر قوة دون غيرها.
المقترضون يعانون بسبب كورونا
وتكافح الشركات المُصنِّعة الصغيرة التي تستوعب ربع إجمالي القروض بالعملة الصينية المحلية (اليوان) لإيجاد موطئ قدمٍ ثابت، وتتزايد الضغوط المالية، والأحداث الائتمانية، التي تعني أنَّ قدرة المقترض على السداد أصبحت موضع شك.
وفي الواقع، في حين تَشطُب البنوك الصينية القروض المعدومة، يتواصل تدفُّقها في السجلات المصرفية مجدداً.
والأرقام تثير الدهشة، فبعد تخلُّص البنوك الصينية من قروضٍ متعثِّرةٍ تتجاوز 3 تريليونات يوان (465 مليار دولار) في 2020، استمرت الأصول المتعثِّرة في الارتفاع، بزيادة 281.6 مليار دولار، مع سماح الجهات التنظيمية بتحمُّل مزيدٍ من القروض لدعم الشركات كي تتخلَّص من تداعيات الركود الناتج عن فيروس كورونا.
وبلغت القروض المتعثِّرة لدى البنوك الصينية 4 تريليونات يوان، وتمَّت تسويتها في عامي 2018 و2019 معاً.
وفي الوقت الحالي، تَسري البهجة في أوصال المستثمرين، مجدداً، كون أنَّ البنوك الصينية تقرُّ بوجود مشكلة القروض المتعثرة، وتقوم بتنقية سجلاتها.
وارتفع معدَّل التخلُّص من القروض المتعثرة، الذي يتمُّ قياسه على أساس نسبة عمليات التخلُّص من القروض المتعثرة من رصيد القروض المعدومة للعام السابق - إلى أعلى مستوى له منذ عام 2017 على الأقل.
البنوك تتحمل العبء الأكبر
ومواجهة الحقيقة بمثابة أخبار طيبة. ولكن في واقع الأمر، فإنَّ الشركات والمقاطعات والأصول التي لم تكن معرضة للخطر سابقاً، تتعرَّض حالياً للضغوط.
وتبدو ديون أدوات التمويل الحكومية المحلية، وشركات التطوير العقاري محفوفة بالمخاطر، في حين أنَّ العديد من شركات الاستثمار الائتمانية غير مستقرة.
وتستمر العشرات من البنوك الإقليمية الصغيرة في الاندماج مع تعثر العملاء، وتزايد وتيرة حالات التخلف عن السداد، وحالات الإفلاس.
ووفقاً للمحللين في "روديوم غروب" ( Rhodium Group) ، فإنَّ "مستوى الضغوط المالية وتواتر الأحداث الائتمانية عبر أسواق الأصول الصينية يفوق بكثير ما حدث خلال فترات الركود الاقتصادي السابقة، والتشديد المالي".
وأشار المحللون إلى أنَّ النمو الكبير في الفوائد المستحقة، مقارنة بقدرة الاقتصاد على خدمة الديون، قد ساهم في هذا الوضع.
وليس هناك شكٌّ في أنَّ التعامل مع هذا الوضع سيقع إلى حدٍّ كبير على عاتق النظام المصرفي الصيني، البالغة أصوله 319.7 تريليون يوان.
وتحتاج البنوك الصينية إلى الاستمرار في توسيع الائتمان لدعم الاقتصاد مع امتصاص تكاليف الديون المعدومة في وقت تتضاءل فيه أرباح البنوك بالفعل. ويقع جزء كبير من العبء على البنوك الصينية الأشد ضعفاً.
وفي حين تمكَّنت البنوك الكبرى في الصين من تحقيق نمو في الأرباح في 2020، انخفضت أرباح أقرانها الأصغر حجماً بنسبة تتراوح بين 3% و 15%.
والبنوك التي تراجعت أرباحها هي التي لديها حصة أعلى بكثير من الإقراض للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة المتعطِّشة للائتمان ما يقرب من 50%.
ومع تقلُّص قدرة البنوك على توليد رأس المال من الأرباح المحتجزة، فإنَّ مجرَّد وضع المخصصات جانباً، وامتصاص طوفان القروض المعدومة لن يوقفها بعد الآن.
تكلفة باهظة بسبب المخصصات
وتتحمَّل البنوك تكلفة باهظة بسبب مخصصات القروض المتعثرة. وبالإضافة إلى ذلك ، تحتاج البنوك أيضاً إلى إعادة الأموال إلى المساهمين في شكل توزيعات أرباح لإبقائهم سعداء.
وللحفاظ على التوازن الدقيق، يتعيَّن على البنوك الصينية إما أن تتوقَّف عن توزيعات الأرباح على المساهمين، أو توقف تدفُّق القروض المعدومة إلى سجلاتها، أو تلجأ إلى زيادة رأس المال. وهناك عدد قليل من البنوك الفائزة في هذه السيناريوهات.
وبدلاً من ذلك، يتقلَّص عرض الائتمان، وتبتعد البنوك عن الأعمال الأساسية التي
لاتتطلَّب قدرا كبيراً من رأس المال.
وفي الدورات السابقة، ساعدت توقُّعات نمو الأرباح في التخفيف من جودة الأصول، ومخاوف رأس المال.
ولم يعد من الممكن اعتبار ذلك أمراً مفروغاً منه، ما لم تقرر الجهات التنظيمية أنَّه يمكن ترحيل القروض المعدومة، وإلغاؤها باستمرار، فلن يكون لدى البنوك أي حافز كبير لمواصلة تنظيف دفاترها بطريقة كبيرة.
وتشهد نسبة السعر السوقي للسهم إلى قيمته الدفترية في البنوك الصينية ارتفاعاً منذ ديسمبر 2020، ومع استعادة المستثمرين الثقة في ميزانياتها العمومية؛ قد يكون من السابق لأوانه هذا النوع من التفاؤل.